أم تعذب ولديها والأب يقف عاجزاً

مشكلة / مشاكل إجتماعية, تحقيق, قضية / قضايا الطفل / الأطفال, المجتمع السعودي, المملكة العربية السعودية, عنف أسري, رأي الدين, علم النفس, حقوق الإنسان, أحمد آل سعيد, جمعية حقوق الإنسان, الشيخ عبد الرحمن عبيد, عنف نفسي, نادية النمر, وزارة الشؤون الإجتما

30 أبريل 2009

 شهدت السعودية أكثر من ١١٠٠ حالة عنف ضد الأطفال في سنة واحدة بحسب إحصاءات صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية. وتبلغ نسبة الوفيات الناتجة عن سوء المعاملة نحو ١٥ في المئة، إضافة إلى أن ٦٠ في المئة من حالات العنف يرتكبها الوالدان. ...وتسببت تلك الأرقام في دفع الأوساط الأسرية والإنسانية لتوحيد الجهود أملاً في التصدّي للعنف ضدّ الأطفال طفلا أحمد فرحان من بين هذه الحالات، ويقف فرحان بين مفترق طرق، أو بالأحرى بين المطرقة والسندان. هل يطلق زوجته التي تمارس أبشع انواع العقاب والتعذيب لولديه عبد الرحمن (٥ أعوام) ولينا (عامان ونصف)؟ أم يكتفي بعرضها على طبيب نفسي؟ وهل ستوافقه في الذهاب إلى الطبيب، وإذا ما رفضت هل يجبرها أم يستعين بذويها؟ جميعها أفكار تراوده لكن فكرة الطلاق تعود إليه مرة أخرى كلما سمع أحد طفليه يبكي ألماً وحسرة. في هذه السطور تقف «لها» على حالة عنف تقع على الطفلين على يد والدتهما فيما يقف الأب عاجزاً عن إتخاذ أي قرار.


يروي لنا فرحان بعض ما يتعرّض له ولداه بقوله: «ذات مرة كانت إبنتي لينا في دورة المياه تلعب بالماء وكانت والدتها منشغلة في أعمال المنزل. وعندما رأتها صرخت عليها بصوت عال وكأن مصيبة وقعت. خافت إبنتي كثيراً ووقفت قرب زاوية دورة المياه، فجاءت والدتها وسحبت يدها بشدة غير مبالية بطراوة لينا وأيضاً بالأرض المليئة بالماء والصابون، فوقعت لينا على وجهها، وإنهالت عليها ضرباً وسط سب وشتم، فبكت لينا بكاء لم يتوقف حتى الليل. أخذتها إلى المستشفى وبعد إجراء الأشعة وجدوا لديها كسراً في الترقوة».
ويضيف فرحان أن ذلك حدث للطفلة بينما عبد الرحمن تعرّض لكسور عدة... «حدثت مشادة في الحديث مع زوجتي وحتى لا يزداد الأمر سوءاً خرجت من المنزل. وفي اليوم التالي وجدت عبدالرحمن لايستطيع الحركة ويبكي في صمت. كان يردّد كلمة ماما وكانت كتفه متورمة، فأسرعت به الى المستشفى ووجدوا أن كتفه مكسورة. بدأ التحقيق عن وضع الطفل وسبب حدوث الكدمة التي على وجهه وكسر الكتف، فلم يكن أمامي إلا إختلاق الأكاذيب بأنه وقع وهو يلعب. وبعد تضميده وتسكن ألمه، أخذته لأشتري له حلوى حتى يخبرني ما أصابه فقال لي: عندما خرجت يابابا أتيت لأمي لأسألها أين ذهبت، فصرخت وصفعتني على وجهي وسقطت على الأرض. وسحبتني إلى الغرفة ويدي تحت جسدي وكانت تؤلمني وأخبرتها يابابا لكنها لم ترد عليّ».
لم تكن هذه نهاية أفعال الأم، بل واصلت مسلسل من الضرب والعقاب بقسوة والتلفظ بأبشع الألفاظ. ويتحدث فرحان عن آخر واقعة حدثت بين الأم وطفلتها قائلاً: «في آخر مرة ضربت لينا وهي تتناول وجبة الفطور، لإصرار الصغيرة على تناول نوع معين من الطعام، فضربتها على وجهها حتى سقطت الصغيرة على الطاولة مؤذية عينها».
ويضيف أن المأساة لا تتوقف وبدأت تظهر أعراض على طفله بسبب عنف والدته معه. «بدأت أعراض غريبة تظهرعلى إبني الأكبر، فصار يتبوّل لا إرادياً، وينعزل عن أصدقائه في الروضة. أما لينا فأصبحت عدوانية تنهال بالصراخ والعض على كل طفل يقترب من لعبة من ألعابها».

الأم تبرر موقفها
تتحدث هند سعيد عن مشكلتها مع طفليها فتقول: «أنا لاأود التصرف بعنف مع طفليّ، لكني ألجأ إليه دون شعور. وفي نهاية يومي أستعيد ما حصل طوال اليوم وأنهار باكية». وتتّهم والدتها وأخاها بأنهما جعلاها في هذا الوضع لأنهما كانا شديدي التعنيف معها، وحتى الآن يتدخلان في حياتها وعندما ترفض تدخلاتهما يهددانها بتطليقها من زوجها، كما ذكرت.

رأي علم النفس: الأم مصدر المشكلة
يؤكد الاختصاصي النفسي أحمد آل سعيد أن تعنيف الطفل جرم لا يغتفر، فيلزم في هذه الحالة متابعة الأطفال عند اختصاصي نفسي لتقويمهم نفسياً وسلوكياً وجسدياً. ففي سنّ عبدالرحمن يبدأ الطفل تكوين صورة عن الشخص المثالي الذي يريد أن يقتدي به ويكون على صورته، وبحكم خروج الأب المستمر تبقى الأم هي القدوة للطفل المعنّف يكوّن صورة خاطئة عن مفهوم الأهل وتصرفاتهم وهم أقرب الناس إليه، فلذلك يميل الولد إلى الإنطواء والفتاة إلى العدوانية ويجب التعامل مع الأطفال المعنّفين بحذر وإفهامهم أن حالتهم هي الاستثناء. ومن ثم متابعة حالة الأم لأنها هي مصدر المشكلة المتراكمة لديها منذ الصغر، ومن ثم متابعة العائلة حتى بعد إنتهاء مرحلة العلاج خوفا من النكسة.

حقوق الإنسان تقويم السلوك الشاذ للأم
المستشار القانوني في جمعية حقوق الإنسان خالد الفخري يقول إن دور جمعية حقوق الإنسان يأتي بعد معرفة أبعاد القضية من أصحاب الشأن، أو من دار الحضانة للطفل، في ملاحظة أي تصرفات تنم عن تعنيف منزلي. ويؤكد ضرورة ردّ الأذى عن الأطفال بتوفير الحماية لهم وعلاجهم إن إستدعى الأمر، وذلك لأنهم هم الضحايا الأوائل في المجتمع. ومن ثم تقويم السلوك الشاذ للأم بمعالجتها سلوكياً أو إدخالها المصحّ النفسي.

رأي الدين: من حقوق الطفل مشاركة والدية في تربيته
الشيخ عبدالرحمن عبيد
قال إن ظاهرة العنف ضد الأطفال هي إحدى القضايا التي فرضت نفسها على المجتمعات في كل أنحاء العالم الإسلامي بصفة خاصة، ولقد حثّ الرسول عليه السلام بالرحمة على الصغار «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا». وقال: «إن الإسلام حفظ حقوق الطفل بداية من قبل الحمل بأن يكون ثمرة زواج شرعي سليم، ثم الحمل والحفاظ عليه، حتى أن الله منح الحامل رخصاً مثل ترك الصيام إذا كان يضر بالجنين أثناء الحمل، وكذلك أثناء الإرضاع. وإن كانت الأم ممن عليهن الحد تأجيل تفعيله حتى ترعى طفلها. وحث على حسن إختيار الإسم للطفل ومشاركة والدية في تربيته والنفقة عليه».
وأضاف أن الرسول عليه السلام كان يُداعب الأطفال ويمازحهم ويلاعبُهم، ويتحمَّل ما يصدر منهم. «فجاء مرَّة بغلام صغير فحمله فبال على ثوبه. وذات مرَّة كان يخطب على المنبر، فجاء الحسنُ والحسين عليْهِما قميصان أحمران، يمشيان ويَعْثُران، فنزل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من المنبر فحملهما، فوضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله  [إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ]».

العنف النفسي موجود في كل منزل
تقول الاختصاصية الإجتماعية نادية النمر إن هناك إحصائية قامت بها اليونيسيف خرجت بأن هناك ٢٧٥ مليون طفل في أرجاء العالم عالقون وسط وابل من العنف الأسري. وأضافت أن المشكلة تجعل الأطفال يقاسون أضراراً جسدية ونفسية طويلة الأمد تؤدي إلى إضعاف قدراتهم على التعلم وممارسة النشاط الإجتماعي. وتؤكد أن العنف النفسي موجود في كل منزل في السعودية، والعنف النفسي لاينحصر في الأهل غير المتعلمين بل هناك متعلمون يعنفون أطفالهم نفسياً. وتطالب النمر ومن معها بإنشاء مركز لإستقبال الأطفال المعنفين في حالة تكرار التعنيف من الأسرة وسحب الطفل منها، وذلك بعد أن تخضع الأسرة لبرنامج توعوي ترافقه متابعة الطفل داخل الأسرة. وهنا يأتي دور المدرسة التي يدرس فيها الطفل المعنف بملاحظة سلوكه وإخبار هذا المركز حتى يتم تعديله سلوكياً والبحث في المشكلة مع أسرته وحلها.