شابان سعوديان يطلقان حملة 'خلوها تعنس'

المملكة العربية السعودية, حملة إلكترونية, وكالات السيارات, العنوسة, غلاء المهور , الثوابت الإجتماعية, تعقيدات الزواج, زيادة الطلاق, موقف الشرع

11 مايو 2009

«خلوها تعنس». تحت هذا العنوان أطلق شابان سعوديان حملة إلكترونية على موقع facebook، قد يبدو ظاهرها دعوة لمناهضة الزواج، إلا أن باطنها يسعى لمواجهة غلاء المهور ومساعدة الشباب في دخول القفص الذهبي.
قال الشابان رامي الفردان وعبدالله الدرعان لـ «لها» إن «نجاح حملة «خلوها تصدي» الخاصة بمقاطعة وكالات السيارات لإرتفاع أسعارها، أشعل في بالهما هماً إجتماعياً أعظم، وهو همّ العنوسة والعزوبية اللتين إلتهمتا قلوب الشباب في بلادنا، دون أن يكون للمجتمع تحرّك جاد لمعالجتهما». وفي الصدد نفسه ردت الفتيات عليهما بحملة «خلوه عزابي» كدفاع عن أنفسهن وكرامتهن. في هذا التحقيق نفتح ملف غلاء المهور ومحاربته عن طريق الإنترنت.


تحدث مؤسس الحملة رامي الفردان، وقال: «إختيار عنوان الحملة وإن كان مستفزاً بعض الشيء، الهدف منه الجذب مثله في ذلك مثل العناوين والمانشتات الصحافية. ولا ننسى أن هذا الواقع حاصل في مجتمعنا. وقد أردنا تسجيل موقف من ظاهرة إجتماعية أصبحت تقلق الأسر». وأضاف أن الحملة لا تبتعد عن الهم الإجتماعي لعدد من الشباب الذي يرغب في الزواج ولكنه يصطدم بعوائق إجتماعية شكلية مثل غلاء المهور وإرتفاع تكاليف الحياة الزوجية وشروط الفتيات الزائدة. «بالتالي فإن الحملة من واقع مجتمعنا».
ويعتقد بعض المعارضين للحملة أن الحملة ضد النساء في السعودية، وهذا الأمر ليس صحيحاً، كما ذكر الفردان، «بل على العكس فالحملة في الأساس لا تطرح غير المرأة السعودية بديلاً، وتنتقد بعض الأسر التي تتعامل مع مسألة الزواج كإستثمار، وتركز على الجانب المادي المتمثل في المبالغة في المهور، ولا تنظر إلى معايير رسمها الدين الإسلامي الحنيف. ومن أعظم التوجيهات الدينية ما جاء في توجيه الرسول الكريم ( أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة ) وقوله ( من رضيتم دينه وخلقة فزوجوه)».
وأضاف الفردان قائلاً: «استخدامنا موقع facebook في إطلاق الحملة، نبع من كونه يحتوي على أكثر الخدمات التفاعلية على شبكة الإنترنت سهولة وإنتشاراً في المجتمع السعودي، وكذلك لأنه يقوم على أساس تكوين تجمعات إفتراضية. وتحضّ هذه الخدمة على إستخدام الأسماء الحقيقية، وبناء المجموعات الصريحة».
وأشار إلى إعتراف البعض بوجود العنوسة وأرقامها المرتفعة، "وفي الوقت ذاته لا يحبذون حملة مثل حملتنا بل يحاربونها متناسين أن الحوار مفتوح حول هذه القضية الإجتماعية ولأي شخص الحق في الإنتقاد بموضوعية، بل ويشككون في سلامة مقاصدنا من الحملة. والتفاعل مع الحملة سلباً أو إيجاباً دليل على نجاح القائمين عليها في إيصال رسالة إلى المجتمع السعودي».
وأكد الفردان إحترام الثوابت الإجتماعية والدينية «ولكن لا يوجد مانع شرعي أو إجتماعي من مناقشة ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج والعنوسة في إطار من الإحترام المتبادل وتقبل وجهات النظر المختلفة. «والقضية لسيت قضية موقع انترنت أو تعليقات من الناس. القضية اكبر لأنها قضية أجيال. نحن نعيش في حياة مدنية الآن تختلف عن الماضي. كيف يتمّ الزواج وكل شخص لا يعرف الآخر؟ لابد أن تكون هناك فتره تعارف بعد الخطوبة وقبل عقد القران «الملكة» وتكون تحت إشراف عائلي. حالات كثيرة إنتهت بالطلاق بسبب إختلاف وجهات النظر».

وقال عبدالله الدرعان، المؤسس الثاني للحملة، أن أسباب الحملة تعود إلى أن «نسبة العزوبية والعنوسة في السعودية حسب دراسات وأبحاث متنوعة بلغت مستويات مخيفة، وتترافق معها ويا للسخرية نسبة طلاق عالية!
المشكلة أن نسبة العنوسة والعزوبية المرتفعة لا تعود إلى التكاليف المبالغ فيها للزواج فحسب، ولكن أيضاً إلى تعقيدات الزواج التي تحرم الطرفين من التعارف الجاد والإنسجام الصادق بإشراف عائلي.
كما أن غلاء المهور وتكاليف الزواج وتعقيداته لم تساهم في ارتفاع نسبة العنوسة والعزوبية فقط بل أنها ساهمت في ارتفاع نسبة الطلاق أيضاً لإرهاق كاهل الزوج بالمصاريف المادية قبل الزواج مع تجاهل تأسيس تعارف صادق وجاد ومرحلة انسجام بين الزوجين تسبق الارتباط الأمر الذي يؤدي إلى حياة زوجية تعيسة ومليئة بالمشاكل».
وتحدث الدرعان عن أهداف الحملة قائلاً: «تهدف حملتنا في حقيقة الأمر إلى محاربة غلاء المهور وتعقيدات الزواج وتكاليفه الكبيرة التي أدّت إلى إرتفاع نسبة العنوسة والعزوبية من جانب وزيادة نسبة الطلاق والمشاكل الزوجية من جانب آخر».
وأشار إلى أن للعادات الاجتماعية المريضة والتفسيرات الدينية المشوهة دوراً في تعقيد الزواج وزيادة تكاليفه. ومع غلاء المهور، وإرتفاع تكاليف السكن والنقل، ولوازم الاستقرار الأخرى، تجاوز كثير من الشباب والشابات سن الثلاثين والأربعين دون أن يتمكنوا من الإستقرار، فيما فشلت كثير من مشاريع الزواج بسبب ما يسبق مرحلة الزواج من أعباء مادية وتجاهل لأسس التعارف.
وعن إختيار إسم الحملة قال: «عندما كان المجتمع يساهم في العزوبية والعنوسة -من حيث يعلم أو لا يعلم- من خلال التحجج بالعيب والعادات والتقاليد، كان لزاماً أن يخاطب بصدمة لهذه العادات والتقاليد. فكما أن العادات تنظر إلى العنوسة والعزوبية نظرة سلبية، فمن المناسب إستخدامها لإنعاش العقول وإيقاظ الجانب الرحيم والعاقل والمتزن في المجتمع. أي قرص المجتمع الخامل وتعييره بالعيب الحقيقي الذي يعود إلى التعقيدات الزائدة في مشروع الزواج، بالإضافة إلى المصاريف الكارثية التي تثقل الكواهل».

شباب مشاركون في الحملة
يقول الشاب فيصل الجميعة إن «القيم الاستهلاكية سيطرت على كثير من سلوكيتنا اليومية وإمتدت حتى وصلت إلى المناسبات ومن ذلك إلى حفلات الزواج. فكثير من الأسر تصر على أن يقيم الشاب حفلة في فندق فخم أو قاعة أفراح أو استراحة بديكوراتها المذهلة. فكم من الوقت يحتاج ليجمع تكلفة الحفل؟ وبعد ذلك يسألون عن أسباب إرتفاع العنوسة بين الفتيات وعزوف الشباب عن الزواج أو يسألون عن سبب قيام بعضنا بحملة ضد هذا الغلاء.
ويتحدث الشاب نواف الخليف عن تجربته الشخصية فيقول: «بالكاد جمعت المهر، وعندما بدأنا الإستعداد لحفلة الزواج أصبت بصدمة، لم أجد قصراً متوسط المستوى إيجاره أقل من 20 ألف ريال، عدا تكاليف أشياء أخرى. ومع الإقتصاد الشديد وصلت كلفة الحفل إلى 60 ألف ريال. وقد افترضت المبلغ لأنه لا يتوافر معي. ولو أن الفتاة فكرت بعقلها لما قبلت أن يستدين زوجها من أجل سويعات قليلة، لأن زوجها سيضيق الخناق عليها في المصاريف حتى يسدّد الدين، وقد يستغرق ذلك سنوات عدة».


من جانبه، قال الشاب تركي العلوي: «حفلات الزواج باتت حملاً ثقيلاً على الشاب، فهي تضيع ماله على مظاهر لا يرجى من ورائها ثمرة، وربما كانت سبب تعاسته في حياته. وللأسف أن الفتيات في السعودية صرن يتنافسن على إقامة حفلات تعج بالمظاهر الكاذبة على حساب الزوج المغلوب على أمره».
ويقول الشاب محمد الحصين: «راتبي أربعة ألاف ريال. فمتى أوفر المهر وتكاليف الزواج التي هي في إزدياد، مثل الشبكة، هدايا لأم العروس وأخواتها، الهدايا الخاصة بها من ذهب وغيره، السفر لشهر العسل؟ المشكلة في المظاهر الإجتماعية التي صارت من الأسس ولا بد أن تؤدي بالطريقة التي تريدها العروس وأهلها».
عبدالله العقيل
يحلم بالزواج من ثلاث سنوات ولا يستطيع والسبب غلاء المهور، ويتمنى أن تستمر المقاطعة حتى تخفض المهور وتقنن بحد معقول. ويتمنى أيضاً لو أن الآباء والأمهات يفهمون الحكمة من المهر في الإسلام  فقد شرع كحق للزوجة، الهدف منه إكرام المرأة وتوثيق عهد الزواج ، أما الآن فقد تحول المهر إلى إبتزاز للشباب.
يؤكد فهد العرف أنه يرغب في الزواج ولكن المشكلة التي تواجهه هي المهر. «متوسط المهور يراوح بين 50 ألفاً و70 ألف ريال، وهذه تحتاج سنوات لأجمعها. أصدقائي بعضهم إستدان المهر وقد دخل في متاهات كثيرة». ويوضح أن «القبيلة ووضعها هما ما يحدّد المهور العالية، ولا توجد أسر تستطيع التنازل عن مهر معين لزواج بناتها فهذا أمر اعتدنا عليه. ونحن الشباب ضحية هذه  العادات والتقاليد. وسوف تستمرّ في حملة «خلوها تعنس» إلى أن يتم تحديد المهور وتخفض بشكل يستطيع الشاب أن يتزوج دون أن يتحمل الديون أو يستدين من البنوك، وفي النهاية يكون زواجه تعيساً».

«خلوه عزابي» لتردّ على «خلوها تعنس»
أطلقت فتيات سعوديات حملة عبر مواقع الانترنت بعنوان «خلوه عزابي» ضد الشباب.
وتبرر نوال، إحدى المشاركات في الحملة، إرتفاع المهور بإرتفاع الأسعار، «فالفتاة تحتاج الى أن تشتري جميع أغراضها من ملابس، وماكياج، وحقائب... وأسعار المحال التجارية والمشاغل النسائية مرتفعة جداً، فإرتفاع المهور مواكب لإرتفاع الأسعار والخدمات». وتضيف: «لست مقتنعة أبداً بهذه الحملة التي يقودها الشباب ضدنا بحجة غلاء المهور. أنظروا إلى سياراتهم الفارهة وأفخم الساعات والنظارات والملابس، ولا تنسوا الجوالات وفواتيرها المرتفعة، وزيادة على هذا كله يقومون برحلات إلى الخارج، فكيف بعد هذا يجمعون المهر؟».
وتقول بدور أن الإرتفاع مطلوب «كي يحسّ الشاب بالمعاناة، وعندما يتزوج يقدّر هذه المعاناة ويدرك أن الزواج ليس سهلاً لذلك يفكر كثيراً عندما يواجه أي مشكلة في حياته الزوجية ولا يستسهل الطلاق. ونحن البنات في السعودية لم نلق بالاً لهذه الحملة ضدنا ونقول له خلوه عزابي».
وتدلو عهود (ممرضة) بدلوها قائلة إن «التفاخر بين الآباء والأمهات هو السبب، بل أن التفاخر بين الفتيات سبب رئيسي لإرتفاع المهور، فالفتاة تطلب مهراً عالياً لتتفاخر لدى زميلاتها بمهرها، وهكذا تنتشر عدوى الغلاء في المهور».

الشرع يرفض الحملتين
رفض الشيخ أحمد الزارع المشرف العام على موقع «تيسير الزواج» الحملتين معتبراً أنهما تزيدان الاحتقان ولا تقدمان حلولاً سوى زيادة العنوسة والعزوبية. وقال: «نحن في حاجة إلى حلول جذرية للمشكلة». وطالب الشباب والفتيات بعدم الإلتفات إلى مثل هذه الحملات، مشيراً إلى أنه أطلق حملة ذات أهداف إيجابية تنادي بضرورة الإلتفات لكلا الجنسين، وداعيا إلى إطلاق حملات تنادي بتسيير الزواج تشارك فيها المؤسسات الحكومية المختلفة وإمارات المناطق.
وإقترح تفعيل دور مدارس البنات بإيجاد نوع من التواصل بين مديرة المدرسة والفتيات اللواتي يرغبن في الزواج، بوضع قسم خاص أو مسؤولة عن إستقبال الشكاوى ضد الآباء الذين يرفضون تزويج بناتهم.
وقال الشيخ عيسى العسيري إن ما يترتب على هذه المقاطعة يؤثر في الشاب والفتاة في الدرجة الأولى، ولكن السبب الرئيسي هو المغالاة في المهور التي تعود بآثار سلبية على المجتمعات».

فكلنا يعلم أن لدى الشباب رغبة في الزواج، ولكن من يستطيع أن يتكلم قبل أن يتخرّج ويتعين بوظيفة تدرّ عليه دخلاً يساعده في الزواج ، فبعض الآباء  والأمهات  يتحملون هذه الظاهرة الخطيرة بسبب مغالاتهم في المهور».
وردّ الشيخ العسيري الغلاء إلى الإعراض عن المنهج الشرعي، «فلو عرف الناس المنهج الشرعي عند أسلافهم الذين مضوا، لما وجدت هذه المغالاة والمباهاة في المهور، وتمييز العروس بميزات ليست لغيرها. فالفستان الأبيض، والطقم، والساعة ذات المواصفات العالمية، يعرف التجار أنها  خاصة بالعروس فتكون فيها المغالاة بسبب أنهم يعرفون أن المال جاء للمرأة بلا تعب منها، وستصرفه سريعاً مفاخرة لغيرها، فترتفع أسعار الأمور المتعلقة بتجهيز العروس. وتجد أن الفستان الأبيض ترتفع قيمته أضعاف غيره. ومسرّحة الشعر إذا عرفت أن التي تقوم بتسريحها هي العروس، ترفع السعر... هكذا يعمل التجار على اقتطاع أكبر مقدار ممكن من هذه الكعكة».
وأضاف أن العادات الجاهلية غالباً تطغى على العادات الشرعية ، وتجد أن «الناس لا يعينون غيرهم على الطريقة الشرعية، بل أن ألسنتهم تفري أعراض الذين يطبقون المنهج الشرعي».
وأشار إلى أن غياب القدوة التي كانت تتمثل في طريقة كبار الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده ، لأن القدوة لا تكون إلا من كبار الناس، فإذا وجد الموسر الوجيه الذي لا يدفع في المهر إلا قليلاً ولا يأخذ إلا قليلاً اقتدى الناس به .

علم الإجتماع يطالب بتنظيم حملات توعية
يطالب الإختصاصي الإجتماعي بدر العبيد، بتنظيم حملات توعية للأسر وخاصة الفتيات والأمهات لإطلاعهن على خطورة الشروط التي تقدم للشباب. فالضحيتان هما الشاب والفتاة. الأول يعزف عن الزواج وينظم حملة قاسية على الفتاة، وقد يضطرّ للزواج من خارج البلاد، ويقع في مشكلات لا حصر لها، والفتاة ترد بحملة «خلوه عزابي» على مضض وكردّ إعتبار ضد الشباب.