هل تذيع الفضائيات إعدام المغتصب؟

إعدام, فتاوى, جرائم, إغتصاب

19 مايو 2009

أثارت موافقة  لجنة الاقتراحات والشكاوى في مجلس الشعب المصري على اقتراح تقدم به النائب محمد خليل قويطة بتنفيذ عملية الإعدام في المدانين بجرائم اغتصاب بشكل علني في ميدان عام ونقل وقائعها عبر وسائل الإعلام وخاصة الفضائيات بهدف توفير أساليب الردع لكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة البشعة، جدلاً واسعاً. فماذا يقول رجال الدين؟ وهل يوافقون أم يرفضون إذاعة تفاصيل إعدام المغتصب على الشاشات؟

في البداية يؤكد محمد خليل قويطة أن المشروع الذي تقدم به ليس هدفه البحث عن الشهرة كما يزعم المعارضون، و«إنما هو نابع من الإسلام قياساً بالجلد والرجم في واقعة الزنى التي عادة ما تكون بالتراضي وبالتالي فهي أخف وطأة من الاغتصاب الذي يعد نوعاً من الوحشية والاعتداء على الأعراض، ولهذا لا بد أن تكون القوانين رادعة. ومن الوظائف الرئيسية لأي قانون الحفاظ على حقوق الفرد والمجتمع من هذه الجرائم بكل صورها. واذا تصور كل إنسان أن الضحية من أسرته ومدى الأضرار النفسية والاجتماعية التي تلحق بها وبأسرتها فسيعرف أن مشروع القانون المقترح يحقق الحماية قبل أن تقع الجريمة».

وأضاف: «عندما يشاهد أي شخص مراحل الإعدام العلني فإنه سيبتعد عن التفكير في الاغتصاب مثلما نهى القرآن عن مقدمات الزنى، وعندما ننظر الى هذه الجريمة النكراء ينبغي ألا تأخذنا الشفقة بالجاني الذي لا تقتصر آثار جريمته على المغتصبة بل يمتد تأثيرها إلى أسرتها وجميع أقاربها. وعندما يتم تنفيذ الإعدام في مكان عام وتنقله الفضائيات بالصوت والصورة فهذا يحقق الردع العام بصورة أكبر، وخاصة إذا علمنا أن الاغتصاب تحول الى ظاهرة حيث تؤكد الدراسات أن قرابة 20 ألف حالة اغتصاب تحصل في مصر سنوياً، وأن ما يتم الإبلاغ عنه نسبة لا تذكر حتى إنها لا تتعدي 2 في المئة خشية الفضيحة وطول إجراءات التقاضي».

ورد قويطة على القائلين بأن اقتراحه يتنافى مع  حقوق الإنسان قائلاً: «الإنسان ليس بأرحم بالإنسان من خالقه  القائل في عقوبة الزنى وهي أخف من الاغتصاب: «وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين» (آية 2 سورة النور). وحتى يتحقق الردع العام والخاص فإن عدم علانية العقوبة مخالف للشريعة حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجم للزاني والزانية المحصنين أي «المتزوجين» في حالة الزنى بالتراضي وتم تنفيذ ذلك فعلاً في حياته. ولهذا لا بد من إصدار تعديل تشريعي عاجل في قانون العقوبات بحيث يتم إقرارعقوبة الإعدام علنًا لمرتكبي جرائم الاغتصاب».

وينهي كلامه قائلاً: «أتمنى موافقة البرلمان على مشروع القانون بسرعة من أجل حياة آمنة للنساء والبنات في مجتمعنا. وأقول  للذين يدعون الى الرأفة بالمغتصب بحجة أن الإعدام يتنافى مع المدنية والتحضر: انظروا إلى الجاني عندما يرتكب جريمته، فهو لم تأخذه شفقة ولا رحمة بالمجني عليها ولم يستمع الى توسلاتها ولم يستجب لاستغاثتها ونجدتها ولم يلب طلبها بالرحمة».

وزارة العدل ترفض

الغريب أن وزارة العدل المصرية اعترضت على المشروع وأكد ممثلها المستشار محمد سكيكر أن هذا المشروع المقترح من شأنه إيذاء الشعور العام والتنكيل بالمحكوم عليه وإيذاء مشاعر أسرته و جعل العقوبة شخصية مع العلم أن شرط العلانية يتوافر في تنفيذ العقوبة حالياً من خلال حضور التنفيذ مأمور السجن وطبيب السجن ووكيل النيابة. وهناك أكثر من حكم من المحكمة الدستورية العليا يؤكد سلامة النصوص الحالية في تنفيذ العقوبة دستورياً وعدم مخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى تطور الفكر العقابي باستبعاد التعذيب في العقوبات حيث يسعى العالم الآن لإلغاءعقوبة الإعدام وإبدالها بعقوبات أخرى إلا أنها بقيت في مصر لكنها تخضع لقيود صارمة في مقدمتها استطلاع رأي مفتي الديار المصرية وصدور الحكم بإجماع آراء المحكمة وإرسال أوراق الدعوى إلى رئيس الجمهورية للمصادقة قبل تنفيذ الحكم.

شيخ الأزهر يرفض

رفض الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الاقتراح قائلاً: «العقوبة تحققت بتنفيذ الإعدام والعلانية متحققة فى وجود رجال الشرطة والنيابة الذين يتابعون تنفيذ الحكم، ولا داعي لمشاهدة الجماهير تنفيذ العقوبة سواء أكان ذلك على شاشات الفضائيات أو فى الميادين. وأنا أؤيد وزارة العدل في  رفضها لمشروع القانون لأنها الجهة الرسمية للتشريع، ورأيي الشخصي أن الإعدام كافٍ ولا يجوز شرعاً التمادي في التنفيذ حتى لا نضر بالآخرين ممن يرون التنفيذ في الميادين والتلفزيون. والقاعدة الشرعية حددها القرآن في قوله تعالى: «يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوي وأتقوا الله إن الله خبير بما تعملون» (آية 2 سورة المائدة).
واعترض شيخ الأزهر على أن التفسير الوحيد لقوله تعالى: «وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين»  (آية 2 سورة النور) هو أن يتم تنفيذ الحد في الميادين العامة أمام كل الناس لأن العلانية هنا متحققة فى وجود رجال الشرطة والنيابة الذين يتابعون تنفيذ الحكم ولا يشترط الإعلان الجماهيري، كما أن نشر وسائل الإعلام أسماء مرتكبي هذه الجرائم والإعلان عن موعد تنفيذ الجريمة وتسليط الضوء عليهم تحقق الردع لغيرهم.

الشرع يؤيد

ويؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب أن مشروع القانون غير متعارض مع أحكام الشرع «لأن الله أمرنا بالقصاص العادل من المجرمين بقوله: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون» (آية 179 سورة البقرة). ولهذا فإن ردع من يفكر في الجريمة يحمي حياة وأعراض الأبرياء ولهذا كانت حكمة تطبيق الحدود علانية. ولا شك أن حماية الأعراض من المقاصد الرئيسية للشريعة، وينبغي أن نتخذ كل الوسائل التي تؤدي الى حمايتها ومنها الإعدام العلني وفي الوقت نفسه توفير الوعي الديني ومحاربة وسائل العري والإثارة التي تشعل الغرائز الجنسية عند الشباب في ظل تعسر الزواج وانتشار العنوسة في الوطن العربي كله وليس مصر فقط، لأننا لم نلتزم بأوامر الشرع في تيسير الحلال فأصبح البديل هو الحرام بكل صوره ومنها الاغتصاب. ولهذا لابد من عودة المجتمع كله إلى أحكام الدين التي فيها الحماية من كل الجرائم».

سد أبوب الفتنة

وأكدت الدكتورة سعاد صالح مفتية النساء والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية أن الإسلام يعمل على سد أبواب الفتنة، «فمثلاً لم يكتف بتحريم الزنى وإنما حرم مقدماته بقوله تعالى: «ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً» (آية 32 سورة الإسراء). ووضعت لهذه الجريمة عقوبة سوت فيها بين الرجل والمرأة وهذه العقوبة هي الجلد للزاني غير المحصن والرجم هي للزاني المحصن، أما المغتصب فتخطى كل الحدود إلى ما يسمى في الشريعة «الإكراه» الذي يوجب على ولي الأمر أن يغلظ العقوبة لتتناسب مع فداحة الجريمة التي تنتهك فيها الأعراض وتتعرض فيها المغتصبة إلى القتل المعنوي الذي يكون في بعض الأحيان أقسى من القتل الحقيقي. ولهذا فإن المرأة المكرهة على الزنى لا يقام عليها الحد، أما الزاني فيقام عليه ويشهد إقامته طائفة من المؤمنين للاعتبار والزجر. ولذلك أوافق على فكرة العلانية في تنفيذ حكم الإعدام في المغتصب».

ثلاث جرائم

ويطالب الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بسرعة إقرار مجلس الشعب لتنفيذ الحكم علناً «لأنه تأخر كثيراً، فإذا كانت جريمة الزنى تتم بالتراضي وأمر الله أن يشهد تنفيذ الحكم فيها «طائفة من المؤمنين» فما بالنا بالاغتصاب، هو في الحقيقة ثلاث جرائم هي الزنى والاختطاف وإلاكراه، ولهذا فإن إقرار هذا التشريع أراه رادعاً قوياً في وقت انتشرت فيه جرائم الاغتصاب بشكل جعل الأسر تعيش في حالة من الذعر. ولا قيمة لمن يعترضون على تنفيذ تلك الأحكام الشرعية الشديدة بزعم أنها تخالف المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أو أن فيها قسوة تسيء الى الإسلام الذي سيتم اتهامه بالوحشية في حين يستبيحون دماء المسلمين في العالم دون أدنى رحمة».

حد الحرابة

ويشير الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق إلى أن الإسلام «ينظر إلى الاغتصاب باعتباره فساداً في الأرض لا عقاب له إلا القتل وتقطيع الأيدي والأرجل والنفي أو التغريب في الأرض حسب طبيعة الجريمة. ولهذا كنت من المتحمسين لإعدام المغتصب لأنه مفسد ومروع للآمنين وناشر للخوف في المجتمع. ومن هنا فهو مفسد في الأرض يستحق تطبيق حد الحرابة الذي يتم  تنفيذه علناً حتى يكون رادعاً وزاجراً لقوله تعالى:
«إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
(آية 33 سورة المائدة).

التأني مطلوب

وترى الدكتورة فوزية عبد الستار رئيسة اللجنة التشريعية في مجلس الشعب سابقًا وأستاذة القانون في جامعة القاهرة، أن فلسفة العقوبة «لا تقوم على مبدأ الانتقام فقط من مرتكب الجريمة بل هناك نظرية حديثة في الردع ومنع الجريمة هي نظرية «الدفاع الاجتماعي» التي تؤكد أن المجتمع مسؤول عما يرتكبه بعض  أفراده من الجرائم وفق علاقتهم بالمجتمع ومدى انتمائهم اليه والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشون فيها. وتنفيذ عقوبة الإعدام علانية في ميدان عام لا بد أن نقف أمامه طويلاً وأن يخضع للدراسة من المتخصصين في كل العلوم المرتبطة بالمجتمع لدرس إيجابياته ودعمها وسلبياته وتجنبها، خاصة أن هناك توجهاً عالمياً الى إلغاء عقوبة الإعدام. ومن المعروف أن تنظيم علانية العقوبات يحدده قانون الإجراءات الجنائية الذي ينص حتى الآن على تنفيذ عقوبة الإعدام في مكان مستور وفق أحكام القانون الحالي الذي وضع عام 1937، وينص أيضاً على أن يحضر بعض الأفراد الذين لهم صلة بالتنفيذ لكن لا يسمح بالإعدام علنًا كما في مشروع القانون المقترح، لأن العلانية في الإعدام قد تكون رادعاً لكثير من المجرمين، إلا أنني أحذر من آثارها السلبية على أبرياء تسبب لهم أضراراً نفسية مما يزيد جرعة العنف في المجتمع».