أميركا تريد خطف بناتي!

تحقيق, سلمى المصري, هجرة, الحلم الأميركي, أميركا, جائزة الأسرة العربية, دعوى قضائية

15 يونيو 2009

اتجهت الأم الشابة إلى محكمة الأسرة لتقدم اتهاماتها ضد ما يسمى الحلم الأميركي... المسألة لم تكن مستساغة لدى رئيس المحكمة الذي لم يفهم ما تقصده الأم التي أكملت حكايتها بدموعها، وأكدت أن حلم السفر إلى الولايات المتحدة والعيش فيها دمر حياة أسرتها وأغوى بناتها الأربع.
وقائع الدعوى مثيرة وغير مسبوقة: الأم تطارد العدو المجهول وهو الحلم الذي بثه والد بناتها الأربع في عقولهن. الأب أغوى بناته بترك الأم بعدما انفصل عنها، وأقنعهن بالإنضمام إليه في أميركا. وداعب الحلم البنات الأربع فكانت الأم هي الضحية.


كان المشهد مؤلماً في محكمة الأسرة: الأم تبكي وتتوسل إلى المحكمة لتقف معها. تحاول أن تقنع الجميع بعدالة قضيتها. وعلى النقيض منها وقفت بناتها الأربع يشهدن ضدها، ويطالبن رئيس المحكمة بأن يبعد الأم عنهن ليسافرن إلى  الولايات المتحدة حيث يقيم الأب.

جن جنون الأم وهي تستمع إلى شهادة بناتها ضدها، وقد اتهمنها بسوء المعاملة والقسوة حتى يبررن رغبتهن في تركها والسفر إلى أميركا. حاولت السيدة صباح خلال الجلسات أن تستدر عطف بناتها، وتطلب منهن أن يتذكرن جهودها في تربيتهن. لكن الفتيات الأربع تجاهلنها تماماً وبدا أن هدفهن هو الخروج من عباءة الأم، والانطلاق إلى حيث الحلم الأميركي.

الأم أكدت في المحكمة أن حكايتها بدأت منذ 20 سنة حين تقدم شاب متدين لخطبتها من أسرتها. لم تنكر إعجابها به وأعلنت عن موافقتها على الزواج منه. كان زوجها هادئ الطباع، طموحه لا يتوقف عند حد. طلبت صباح من ذويها ألا يبالغوا في طلباتهم. وبالفعل لم يتجاوز مهرها خمسة آلاف جنيه، ومؤخر الصداق 1500 جنيه.

تقول صباح أمام المحكمة: «قبلت شروط زوجي الذي أخبرنا بأننا سنقيم بشكل موقت مع والده، وقبل أن أعترض أكد لي أنه اشترى هذه الشقة من أسرته لكنه سيمهلهم بعض الوقت لشراء شقة أخرى، ولم أملك سوى الموافقة.

تم الزواج في حفل متواضع، واقتصر الحضور على أقرب المقربين من العائلتين، وبعد الزفاف سافرت مع زوجي محسن إلى الإمارات حيث التحق بوظيفة فني كمبيوتر. كانت سعادتي تتجاوز الحدود، وعدت إلى مصر وأنا حامل بابنتي الأولى سلوى».

تواصل صباح حكايتها قائلة: «واجهت الكثير من الصعاب في منزل أسرة زوجي بسبب قسوة حماتي التي اعتبرتني خادمة. كنت أشكو إلى زوجي وهو يطلب مني الصبر، وبعد بضعة شهور سافرت إليه مرة أخرى في الإمارات وأمضيت معه بضعة أيام. كنت شديدة السعادة مع زوجي ولكن حين عدت إلى مصر وجدت أن الأمور تتطوّر إلى الأسوأ».

وتستطرد الأم: «عندما طرقت باب الشقة وجدتها ممتلئة بأفراد أسرة شقيقة زوجي. وأخبرتني حماتي أنهم سيعيشون معنا. حاولت أن أعترض لكنها أكدت لي أنها صاحبة القرار وليس لي حق الاعتراض. سارعت إلى الاتصال بزوجي في الإمارات وشكوت إليه تصرفات والدته فطلب مني انتظار عودته ووعدني بأنه سيتصرف ونصحني بالذهاب مع الأولاد إلى منزل والدي. فوافقت. وكنت أعد الأيام في انتظار عودة محسن لكنني للأسف اكتشفت أنه شديد السلبية».

وتضيف صباح: «سارع إلى شراء شقة أخرى لنعيش فيها وترك شقته الأولى لوالدته وحين اعترضت قال أنه لا يستطيع أن يغضبها فالتزمت الصمت. ومضت الحياة تسير على وتيرة واحدة. وأنجبت أربع بنات أصبحن  كل حياتي، فوالدهن مسافر لا يراهن إلا في الإجازات، حين كان يأتي إلى مصر أو كنا نسافر إليه.

تحملت عبء تربية البنات، وكنت أعلم أن زوجي يواجه صعاباً في عمله، ويواجه الغربة من أجلنا. ولكن بعد 12 سنة زواجاً كان في انتظارنا مفاجأة قاسية، فقد فسخت الشركة عقدها مع محسن الذي عاد إلى القاهرة محبطاً.

بذلت مجهوداً كبيراً من أجل مساعدة زوجي على الخروج من هذه الأزمة، وبالفعل قرر محسن أن يبدأ من جديد وقرر استثمار الأموال التي يدخرها في إقامة مركز للأدوات الكهربائية، ولم تمض شهور حتى فشل المشروع، وخسر محسن أمواله بسبب قلة خبرته في هذا العمل».

وتضيف الزوجة أن زوجها أنشأ مركزاً للكمبيوتر لكنه خسر المزيد من الأموال بسبب نقص خبرته. وازدادت أوجاع الأسرة وكانت صباح تحاول أن تشد عزم زوجها ليتجاوز أزمته ولم تتركه حتى اتجه للبحث عن عمل، وبالفعل حصل على وظيفة في شركة براتب تجاوز ستمئة جنيه.

أميركا

لم تكن هذه الوظيفة تُرضي طموح محسن الذي كان يحلم بالسفر. وفي أحد الأيام فاجأ الزوجة بحصوله على فيزا للسفر إلى أميركا لمدة ثلاثة شهور. حاولت صباح الاعتراض، متخوّفة من هذه الخطوة.  لكنها لم تكن تملك سوى الرضوخ لرغبة زوجها حتى لا تقف عقبة أمام مستقبله.

ودع محسن أسرته وسافر إلى الولايات المتحدة، لمدة عامين كان يكتفي بإرسال أموال قليلة، ولكن بعد نهاية العامين أرسل إلى صباح كل المبالغ التي اقترضها من أصدقائه، وطلب منها سداد سداد ديونه.

سألته صباح عن موعد عودته وأكدت له أنها تشتاق إليه كثيراً، وأن بناته يسألن عنه بشكل مستمر. واكتفى محسن بوعدها بأنه سيعود قريباً وطلب منها أن تهتمّ ببناته الأربع. ولكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، فانقطعت أخبار محسن تماماً وجنّ جنون الزوجة وهي تحاول الإتصال به دون جدوى. مرّت ثلاث سنوات كاملة وهي لا تعلم عنه شيئاً.

اتجهت صباح إلى منزل أسرة زوجها لتسأل عنه، فأبلغوها بأنهم لا يعلمون عنه شيئاً. ضاقت الدنيا بالزوجة التي قرّرت في النهاية أن تعمل لتوفر الأموال وتنفق على بناتها، فكلهن في سن حسّاسة ولهن احتياجات متزايدة... العبء كان كبيراً، والمسؤولية جسيمة لكن صباح قررت أن تصبر حتى يظهر لزوجها أثر.

مرت السنوات وجاءت رسالة من الزوج، لم تتخيل الأم أنها ستجد فيها مفاجأة قاسية، اكتشفت أنه طلقها، واربتط بسيدة أميركية ساعدته على الحصول على الجنسية والإقامة. قررت صباح أن تتجه إلى المحكمة لرفع دعوى نفقة، وبالفعل قضت لها المحكمة بنفقة مقدارها 1000 جنيه شهرياً، فلم يلتزم الزوج بالسداد إلا حين قررت المحكمة الحجز على ممتلكاته.

الاتصال

تقول صباح للمحكمة: «خلال 9 سنوات من طلاقي كنت اعمل ليلاً ونهاراً من أجل بناتي حتى أستطيع أن اجتاز بهن الخطر. التحقت ابنتي الكبرى بكلية الآداب، والوسطى وصلت إلى الثانوية العامة فيما الأخرتان في المرحلتين الإعدادية والابتدائية. نظّمت حياتي على هذا النمط ولم أتوقع أن ينقلب كل شيء. فقد فوجئت في أحد الأيام بزيارة شقيقة زوجي التي ادّعت أنها تريد الاطمئنان إلى بناتي، فطلبت منهن الاتصال بوالدهن، لكن بناتي الأربع رفضن لأنه لم يكلف نفسه السؤال عنهن طوال الفترة الماضية.

لم تيأس شقيقة زوجي بل عادت إلينا مرة أخرى وأقنعت بناتي بالرد على مكالمة والدهن الذي نجح في أن يستدر عطفهن، وبدأ يُغدق عليهن الهدايا: ملابس، وهواتف نقالة وذهب. وأقنع البنات بأنه لم يخطئ في حقي وحقهن».

تواصل صباح: «اكتشفت أن زوجي السابق نجح في إحداث فجوة بيني وبين بناتي، وبدأ يبث فيهن حلم السفر إلى أميركا والدراسة هناك. كنت أتوقع أن تكون بناتي أكثر نضجاً لكن محسن واصل مخططه.

جاء منذ شهور في إجازة وطلب أن يأخذ بناتي أسبوعين واشترى لهن شقة، وقبل أن يسافر طلب مني أن أذهب لأعيش معهن. أعتقدت أن زوجي عاد إلى صوابه ولم أكن أعلم أنه يدبر شيئاً ما.

نجحت أسرة زوجي السابق في إقناع بناتي بالابتعاد عني وقررت سلوى ابنتي الكبرى وشقيقاتها أن يعشن في الشقة التي اشتراها لهن ورفضن أن أذهب لأعيش معهن، وساعدتهن عمتهن. واكتملت فصول المأساة عندما فوجئت بدعوى من بناتي، اتهمنني فيها بسوء المعاملة، وطلب طليقي أن يضمهن إليه استناداً إلى رغبتهن».

سارعت صباح إلى تحرير محضر إثبات حالة في قسم شرطة بما حدث وأكدت أنها لا تستطيع الاستغناء عن بناتها، واتهمت زوجها السابق بتحريض بناتها على تركها بإغوائهن بحلم السفر إلى أميركا... والخلاصة أن القضية الآن هي في عهدة محكمة الأسرة.