بحر جدة يبتلع فاطمة ابنة السابعة عشرة!

المملكة العربية السعودية, السباحة, حوادث البحر, خطر الغرق

28 يوليو 2009

انتهت من مرحلتها الدراسية الثانوية معلنة يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر  رجب، الثامن من شهر تموز/يوليو، نجاحها الدراسي، ومعلنة أيضا خط النهاية لحياتها بعد يوم واحد فقط من هذا النجاح، حين قررت فاطمة وعائلتها المكونة من الأم والأب والجد وأخوانها التسعة،وبناء على طلب من فاطمة شخصياً الاتجاه صباح يوم الخميس إلى بحر جدة الذي يطلق عليه «الكورنيش» لتتناول وجبة نجاحها.
فاطمة ابنة السابعة عشرة ربيعاً ودعت الحياة غرقا حين ذهبت إلى أبعد من النقطة المسموح بتجاوزها من خفر السواحل السعودي لتودع حياتها على صخرة صغيرة أوجدتها العوامل الطبيعية لتحضن روحها البريئة.
«لها» زارت موقع الحادث لتقف شاهدا على جهود القوات البحرية وخفر السواحل في سبيل إيجاد جثة فاطمة بعدما توجه والدها اليهم والى سلاح الحدود لمعاينة المنطقة ومحاولة العثور على جثمانها لدفنه.


علي الصعب، الذي يعمل حارس مدرسة، والد فاطمة، تحدث الى «لها» محاولا التماسك لمواصلة كلماته بعدما كان شاهداً على ابتلاع البحر لفلذة كبده.

قال: «فاطمة كانت من الأشخاص الذين يتصفون بالمودة، وحب الخير للجميع، حتى باتت أما أخرى لأخوانها. وكانت قد طلبت مني الذهاب بصحبتها إلى مكة المكرمة لأداء فريضة العمرة عن الأب والابن الفرنسيين اللذين قتلا في مدائن صالح بعدما أعلنا إسلامهما بفترة قصيرة جداً، وكان هذا الطلب قبل اختباراتها النهائية، إلا أني أرجأت الذهاب حتى انتهائها من اختباراتها. وبعدما انتهت وأعلنت نتيجتها التي تكللت بالنجاح، طلبت مني استبدال هدية نجاحها بأداء العمرة، وكنت قد حددت يوما للذهاب إلى مكة معها لتلبية طلبها».

لم تعطِ الحياة فاطمة أكثر مما أخذت، ولم يمنح البحر فاطمة فرصة أدائها العمرة حين قرر أن تكون أخر لحظات حياتها بين أحضانه. ولم يمنح هذه العائلة سوى دموع الحزن نيابة عن فرحة نجاحها بنفسها ودراستها.

ويكمل والدها الحديث قائلاً: «بعدما قررنا أنا وفاطمة أداء العمرة كنت قد اقترحت على عائلتي الاحتفال بهم جميعاً وبانتهاء الدراسة وعنائها، فما كان منا إلا الذهاب في رحلة صباحية الى كورنيش جدة،و لم أكن أعلم أن هذه الوجبة ستكون الأخيرة لابنتي فاطمة».

يسكت قليلاً، يلتقط أنفاسه، ويبكيها بدموع الوالد الحنون مضيفاً: «قررت دخول البحر رغم وجود لافته تمنع الدخول في تلك المنطقة، إلا أن قدرها لم يجعلها تلتفت اليها، أو تتنبه لما كتب على اللوحة، خصوصاً أن مياه البحر في الصيف تكون قليلة ويمكن الدخول إلى مسافات بعيدة دون الحاجة إلى أخذ الحيطة والحذر».

دخلت فاطمة البحر لتقف على حاجز يفصل المياه الضحلة عن تلك العميقة التي لا يمكن أن ينجو منها أحد سوى المتمرس في السباحة.

حاولت إنقاذها، وكنت اسمع استغاثاتها ولكن لم أعرف كيف لأني لا أجيد السباحة، فاستدعيت أحد رجال الأمن لمحاولة إنقاذها، ولكن قبل وصوله كانت فاطمة قد غابت بوجهها الجميل عن سطح الماء، ولم يعد لها أثر».

عاد الوالد إلى الشاطىء مهرولاً يحاول الاستنجاد بالموجودين  هناك. وجاء خفر السواحل ولم ينجح أحد في العثور على الفتاة.

تعيش عائلة فاطمة هذه الأيام حزناً، وأسى بالغين لفقدها خصوصاً جدها الطاعن في السن، إلا أن والدها لن يعلن العزاء فيها إلا بعد إعلان السلطات كلمتها، وإقرارها بعدم جدوى البحث. حينها فقط سيأخذ العزاء فيها آملاً أن تظهر جثتها في علميات البحث التي وقفت مجلة «لها» عليها عند زياتها لموقع الحادث.

وبحسب المتحدث الناطق الرسمي لحرس الحدود في منطقة مكة المكرمة المقدم صالح الشهري أن لحظة وقوع فاطمة كانت مياه الصرف الصحي تضخ في البحر، ومن سوء حظها كان سقوطها أمام احدى فتحات الصرف الصحي فدفعت بها قوة المياه مسافة 20 متراً عن المنطقة المسموح بها.

ومنذ الخميس الماضي بتاريخ 9 تموز/يوليو وحتى 21 يوم من تاريخ البلاغ نتجه بشكل يومي إلى بحر جدة لتمشيط المنطقة بحثاً عن جثة فاطمة. ونبدأ البحث منذ ساعات الصباح الأولى وحتى وقت الغروب، لأنه وللأسف يصعب البحث في الليل لعدم وضوح الرؤية بل وانعدامها».

وأكد المقدم أن الغواصين والمعدات والزوارق البحرية والزوارق المطاطية وطائرة من القوات البحرية، وبمشاركة من القوات البحرية والدفاع المدني، جميعها كانت تعمل على البحث عن جثة فاطمة.

ويضيف: «تم البحث في جميع الكهوف والأخاديد والشعب المرجانية في المنطقة وللأسف لم يكن الحظ حليفنا في العثور على جثمان فاطمة، وعلى أعلى تقدير يمكن أن تكون جرفتها التيارات المتضاربة والكثيرة في البحر الأحمر إلى مسافات بعيدة داخل البحر المفتوح».

وأوضح ان البحث لن يتوقف حتى 21 يوماً من يوم البلاغ. ولفت الى ان البحر الأحمر يحتوي على كثير من الدوامات المائية، وهوام البحر، وأسماك القرش التي يمكن أن تكون قد افترست جثمانها.

 مواقع خمسة لا يمكن تجاوزها

وقال  الشهري إن هناك خمسة مواقع للسباحة في البحر الأحمر على الأفراد عدم تجاوزها وهي موزعة في منطقة أبحر، وفي الحمراء، والكورنيش الجنوبي. إضافة إلى أن المناطق التي لا يمكن السباحة فيها أو دخولها جميعها تحمل علامات ولوحات تحذيرية، لأنها من المناطق ذات العمق الكبير، التي لا يمكن التعامل معها إلا من قبل المجيد للسباحة.

 قصة العثور على الجثة

أوضح  المتحدث الإعلامي في حرس الحدود في منطقة مكة المكرمة المقدم صالح الشهري لـ لمجلة «لها»: أنه تم العثور على جثة الفتاة الغارقة في جدة فاطمة الصعب تاريخ 20-7-2009 الساعة الحادية عشرة صباحاً، ووجدت على بعد كيلو متر من جنوب مكان غرقها مغمورة بين الصخور وكانت غير موجودة في هذا المكان بعد أن جرفتها مياه الصرف الصحي إلى أعماق البحر.

وقال إن جثة الفتاة أصبحت شبه متحلله ولم تتعرض لمهاجمة من الأسماك ووجدت بملابسها نفسها وتعرف عليها والدها وقال إن الاجراء المتبع في مثل هذه الحالة أن يوقع الأب على قرار قناعة أنه لا يتهم أحداً في حادث غرق ابنته.

وأكد أن أحد الغواصين هو من استخرج جثة الفتاة ورفض ذكر اسمه واكتفى بالقول إن هذ العمل جماعي، وقد أحيلت جثة الفتاة إلى ثلاجة مستشفى الملك فهد في جدة.

وذكر الشهري أن أعمال البحث تواصلت على مدى 12 يوماً للبحث عن فاطمة إلا أن وضع المنطقة التي سقطت فيها كانت عائقاً وراء العثور عليها مشيراً إلى أن أكثر من 65 غواصاً من حرس الحدود والقوات البحرية الملكية والدفاع المدني إضافة إلى  الآليات البحرية من زوارق وحوامات وطائرات عمودية والأجهزة التقنية الحديثة للبحث شاركت خلال الأيام الماضية في البحث عنها.

 إغلاق الملف

بعد 12 يوماً من العمل المتواصل للبحث عن غريقة شاطئ نورس جدة عثر على جثة الغريقة الشابة فاطمة علي الصعب 17 عاما ليغلق ملف "البحث عن فاطمة" وكانت الشابة فاطمة الصعب اختفت في مياه البحر أثناء تنزهها مع أسرتها قبل 12 يوماً وكانت تحتفل بنجاحها في الصف الأول ثانوي ولم تكن تعلم أن تلك الفرحة ستكون النهاية الحزينة والمؤلمة لأسرة الفتاة التي فقدت ابنتها بعد أن دفعتها مياه الصرف الصحي المتدفقة بقوة باتجاه مياه البحر لتسقط في أعماقه تاركة وراءها العديد من التساؤلات عن المسؤول عن وفاتها.

الشابة فاطمة التي كانت من المتميزات والمتفوقات بين زميلاتها في الثانوية 47، حتى بعد غرقها تركت وراءها سيرة ناصعة. وقد عثر بعض الغواصين المشاركين في البحث عنها من رجال حرس الحدود والمتطوعين على عدد من الطلاسم والأسحار  لبعض الأشخاص كانت مغمورة تحت مياه البحر.