الخادمات في البيوت المصرية: جوان أم ضحايا؟

مشكلة / مشاكل إجتماعية, تحقيق, المجتمع السعودي, سلمى المصري, جرائم, سرقة, مجوهرات, الخادمات , عنف ضدّ الخادمات, جريمة قتل, عنف نفسي, عنف جسدي, عنف لفظي, عنف إجتماعي, عنف معنوي

20 أغسطس 2009

 وجود الخادمة في البيت بات ضرورياً لدى الكثير من الأسر العربية التي يمارسُ فيها الزوج والزوجة عملاً يومياً يضطرّهما للغياب عن البيت، فيحتاجان في هذه الحال إلى من يساعدهما في العناية بالأولاد، وتدبير شؤون المنزل، فيتمّ اللجوء إلى الخادمة التي تكون من جنسية أجنبية في غالب الأحيان ما يجعل العلاقة بين السيدة وخادمتها معرَّضة لسوء التفاهم الذي تتولَّد عنه مشاكل تصل ببعض أرباب الأُسر إلى حدّ ضرب الخادمة أو حَبْسها في المنزل مما يولِّد لديها الرغبة في الإنتقام، فإن لم تستطع ذلك فقد يدفعها تزايد الضغط عليها إلى الإنتحار الذي يورّط بعض الأُسر في مشاكل قانونية معقَّدة. تستعرض «لها»، في القسم الأول من هذا التحقيق، واقع الخادمات في مصر ولبنان، مع الإشارة إلى السُّبُل التي تحدُّ من تفاقُم المشاكل بينهن وبين ربَّات البيوت، وتؤدّي إلى نوع من التفاهم يضمن سلامة العلاقة بين الطرفَيْن.


«الخادمات» في مصر ملفّ شائك وخطير، فبيوت كثيرة لا تستغني عن الخادمة. لكن بقدر الاحتياج إليها تكبر المشاكل التي يثيرها وجود الخادمات في البيوت، تلك المشاكل التي تصل ببعض النساء إلى استخدام العنف ضدّهن وببعض الخادمات إلى الانتقام بالسرقة أو القتل أحياناً. «لها» تقتحم هذا العالم الشائك، عالم الخادمات وتفتش في أوراق العلاقة بين الخادمة ومخدومتها وتكشف أسباب اللجوء إلى العنف من الطرفين.


تجاوزات وراء الجدران

قبل أن نرصد شكاوى تلك الفئة المهمة للأسرة والمجتمع والتي لا غنى عنها، دعونا نؤكد وبحسب الواقع أن الدول العربية تواجه الكثير من الانتقادات الدولية الصادرة من المنظمات الإنسانية، لما تتعرض له عاملات المنازل من سوء معاملة داخل المنازل. فقد رصدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقريرها المعنون «في طيّ الكتمان» انتهاكات ضد عاملات المنازل في العالم العربي.
وأكدت نيشا فاريا كبيرة الباحثات لدي قسم المرأة في المنظمة ‏أن هناك ملايين من النساء والفتيات يتجهن إلى العمل في المنازل‏،‏ لأنه يعد أحد الأعمال القليلة المتاحة أمامهن‏. وأوضحت أن التجاوزات والانتهاكات لحقوقهن غالباً ما تحدث بين جدران تلك المنازل‏،‏ لذلك هي خافية تماماً عن أعين الناس.«لا تقل خادمة»
تزوجت أم محمود من مصري يعمل في إحدى الدول العربية. تركت بلدها وهجرت أهلها من أجل لقمة العيش، لكنه لم يصنْها وسلبها مالها بعدما عاد بها إلى مصر، وامتنع عن الإنفاق عليها هي وأولادها وتولت أمه الأمر حتى توفاها الله، فاضطرّت أم محمود للعمل خادمة منذ 11 عاماً، لتعيل أولادها الثلاثة.
أم محمود تريد شطب كلمة «خادمة» من القاموس اللغوي لما تحمله من إهانات مادية ومعنوية، وتريد استبدالها بلقب «مديرة منزل». تقول: «رغم أنني أشترط حسن المعاملة قبل بدء العمل، فإن الإهانات المعنوية هي ما يجرحني كثيراً، فلا تجد ربة المنزل غضاضة في نبذي أمام الضيوف وإهانتي بعصبية وكأنها تقول لهم ها أنا سيدة القصر. ولأن زوجي شوهني وحرقني حتى لا أفكر في الطلاق أو الزواج بغيره، فكثيرات من الضيوف يقللن من شأني وربة المنزل لا تدافع ولو بكلمة، ولكنني أوقف كل شخص عند حده وأتعب نفسياً في الوقت نفسه».
وتضيف: «ليس جميع أصحاب البيوت على شاكلة واحدة، فيهم الجيد وفيهم السيىء. فعلى مدار السنوات التي عملت فيها صادفت هذا وذاك، وتعرضت للتحرش من الأزواج وكان رد فعلي واحداً في كل المواقف: أترك العمل في صمت وأخبر الزوجة بأن لديّ ظروفاً تمنعني من العمل، دون أن أشوّه صورة زوجها. ولكن من واقع خبرتي لا يوجد رجل يتحرّش بخادمة إلا إذا أهملته زوجته».


لا مكان للرحمة

ترى مروة أن المرأة التي تعمل خادمة عليها أن تشطب كلمة الرحمة من قاموسها، فلا واحدة من ربّات البيوت تعرف معناها مع الخادمات، فمن يدفع جنيهاً يريد مقابله عملاً بقيمة خمسة جنيهات، هذا ما تؤكده مروة. ورغم أنها تعمل خادمة منذ 5 سنوات لمساعدة زوجها المسن على طلبات الحياة وأولادهما، فإنها تعاني كثيراً من العنف المعنوي الذي تمارسه الأسرة التي تعمل لديها، فتهدّد بين الحين والآخر بأنها ستترك العمل فيخفّ الضغط عنها قليلاً. تقول مروة: «على أصحاب المنازل أن يعرفوا أن الخادمة إنسانة لها كرامتها، وأن دوام الحال من المحال».


مهنة مربحة

لصاحبات المنازل مآخذ كثيرة أيضاً على الخادمات مثلما للخادمات مآخذ على صاحبات المنازل. فاطمة سليمان تقول: «أسوأ سلوكيات الخادمات هذه الأيام هو السرقة وانتفاء صفة الأمانة عنهن، ولا أدري لماذا السرقة إذا كانت هذه المهنة مربحة، فأقلّ أجر شهري للخادمة 500 جنيه، وكلما زادت مهاراتها وعدد ساعات العمل زاد الراتب. لن أنسى طيلة حياتي أنني تعرضت للسرقة من خادمتي على مدار عام كامل فكانت تأخذ الأشياء الثمينة غير المستعملة. الأخف وطأة من السرقة ولكنه الأكثر استفزازاً أن إحداهن كانت تستبيح مقتنياتي الشخصية، فكانت تضع من ماكياجي وأنا في العمل، وقبل مغادرتها المنزل تدخل غرفة النوم وتضع من عطري الخاص بالإضافة إلى استعمالها اكسسواراتي».
وتؤكد: «من أكثر مشاكلي معهن أيضاً إهدار ساعات العمل، فكانت إحداهن لا تعمل إلا نصف الدوام فقط وتشاهد التلفاز في بقية اليوم وتؤجل أعمالها إلى اليوم التالي. والمشكلة الكبرى كانت في إهمال مراعاة طفلي الذي كنت أضطرّ لتركه للخادمة أثناء وجودي في العمل، ولكنني اكتشفت أن أحداً لا يمكنه الاعتناء بطفلي مثلي. وأكدت لي العديد من صديقاتي الأمر نفسه بعد تعرّض أطفالهن لحوادث جسيمة على أيدي الخادمات».
وترجع فاطمة سليمان زيادة العنف الواقع على الخادمات إلى زيادة ظاهرة العنف في المجتمع ككل، بالإضافة إلى تركيز صفحات الحوادث على هذه النوعية من الحوادث الجاذبة للقراء رغم أن المشكلة موجودة منذ وقت طويل.

 

قنبلة موقوتة

تكمن خطورة عاملات المنازل في الاعتماد عليهن بصورة كلية مع غياب مراقبة ربة المنزل، هنا تكون العاملات قنبلة موقوتة في بيوتنا. هذه وجهة نظر الدكتور هاني حامد أستاذ الطب النفسي ورئيس قسم الطب النفسي في جامعة بني سويف.
ويوضح قائلاً: «نظراً إلى ظروف الحياة الاقتصادية، خرجت المرأة إلى العمل وأصبحت الأعمال المنزلية عبئاً كبيراً عليها فلجأت إلى الخادمة. لكن غياب المراقبة خاصة في تربية الأطفال يدق ناقوس الخطر، فلا خادمة تعتني بطفل مثل أمه، إذ يجب عليها متابعتها وترك لها بعض الأدوار البسيطة مثل إطعامه أو نظافته تحت إشرافها المباشر، فليس من المنطقي أن تترك الأم الطفل ينشأ على أيدي امرأة بمثل هذه الظروف لتؤثّر في تكوين عقله وشخصيته.
ومن الكوارث أيضاً التي تنشأ عن تربية الخادمات للأطفال إساءة استعمال الطفل من حيث العاطفة وإساءة المعاملة الجنسية سواء كان ذكراً أو أنثى، مما يترك أثراً نفسياً عنيفاً لدى الطفل عند الكبر».
ويضيف أستاذ الطب النفسي: «التباعد الاجتماعي والمادي وعدم التواصل بين الخادمة وربة المنزل يولّدان نوعاً من المقارنة الطبيعية بينها وبين أهل البيت، فيدفعها حقدها إلى جرائم لا يصدقها عقل في ظل غياب الوازع الديني وضعف التعليم وبالطبع الفقر وضعف معدّلات الدخل، خاصة أن هذه الفئة أكثر حساسية لشعور الخادمات بفرق المستويات، فتكتم الخادمة غضبها وهنا مكمن الخطر الذي قد ينفجر بحادث بشع في أي وقت».


المشاكل مع الخادمات قد تقود إلى جرائم

فتحت جريمة مقتل مسؤولة في بنك القاهرة على يد زوج خادمتها التي سهلت له العملية ملف الخادمات من جديد. وأكّدت جرائم شهدتها مصر خلال الأسابيع الماضية أن الخادمة تحولت إلى ما يشبه القنبلة الموقوتة في كل منزل، قديماً كانت تكتفي بالسرقة والآن أصبحن أكثر دموية. قبل حادث مديرة الائتمان في بنك القاهرة، شهدت ملفات أجهزة الأمن عدداً من الجرائم التي نفذتها الخادمات بالاتفاق مع شركائهن ليثبتن أن أصحاب المنازل أعطوا الثقة لمن لا يستحق!
حادث السيدة هالة فائق زوجة مساعد وزير العدل كان شديد البشاعة... البداية بلاغ باكتشاف جريمة قتل. على الفور انتقل رجال المباحث إلى مكان البلاغ وهو شقة مساعد وزير العدل، وكان المشهد مؤلماً. محتويات الشقة مبعثرة، والسيدة هالة مسؤولة الإئتمان في بنك القاهرة ترقد على الأرض وسط بركة من الدماء، وفي إحدى غرف المنزل كانت تجلس حماتها العجوز تبكي بحرقة. الطبيب الشرعي أكد أن الجريمة حدثت حوالي العاشرة قبل الظهر والجاني شخص تعرفه القتيلة لأنها لم تتعود أن تستقبل غرباء في منزلها خاصة بعد سفر زوجها في إعارة لإحدى الدول العربية.
استدعى رئيس المباحث منادي سيارات وبائعاً متجولاً، بحث في وجه أحدهما على آثار جرح، وبعدها تم استبعاد الاثنين لعدم وجود أدلّة. وبدأت الشكوك تحيط بسامح زوج هدى خادمة السيدة هالة فأوصافه تكاد تنطبق على الأوصاف التي أدلى بها الشهود. تم استدعاؤه واكتشف رجال المباحث في وجهه آثار جرح حديث، وكانت المفاجأة أن المباحث عثرت على بعض مجوهرات القتيلة. ولم يجد سامح مفراً من الاعتراف، مؤكداً أن زوجته الخادمة قدّمت له المعلومات عن القتيلة. الأماكن التي تخفي بها المجوهرات، مواعيد خروجها، خريطة للشقة. ولم يجد المتهم صعوبة في أن يطرق الباب وتستقبله القتيلة بدهشة من حضوره في توقيت مبكر، لكنه لم يعطها فرصة وأسقطها على الأرض وطعنها ثم تسلل إلى غرفة نومها ليسرق الأموال والمجوهرات.


مقتل وكيل الوزارة

وفي حي النزهة اكتشفت الشرطة سر جريمة وكيل وزارة الإعلام الذي عُثر عليه مخنوقاً بسلك الهاتف والبداية كانت حين أجرى ماجد اتصالاً بوالده ليطمئن إليه لكن الأب لم يرد،  فاتجه إلى منزل الأب فوجده قتيلاً. وبدأت أجهزة الأمن عملها لكشف غموض الحادث. الجاني أكثر من شخص، سرقوا أموال المجني عليه بعد ارتكاب الجريمة، وبيّنت التحريات أن الخادمة اختفت من منزل وكيل الوزارة القتيل فريد في الثانية عشرة ظهراً، وهو الموعد الذي حدده الطبيب الشرعي لوقوع الجريمة.
خططت نحمده الخادمة للجريمة، حددت ساعة الصفر لماجدة شقيقة زوجها وشريكهما أحمد وقررت أن تشاغل وكيل الوزارة وتحاول أن تستدر عواطفه، وبعدها تسللت وفتحت الباب لشريكيها، ليجد وكيل الوزارة نفسه أمام ثلاثة أشخاص يريدون به شراً. حاول الاستغاثة لكنهم لم يمهلوه، فخنقه أحمد بمساعدة الشغالتين.


جثة جوزفين

وفي أحد الأحياء الراقية في القاهرة عثرت الشرطة على جثة السيدة جوزفين العجوز التي تقيم وحدها. وحامت الشكوك حول خادمتها السابقة زيزي التي طردتها العجوز بسبب سوء سلوكها. اكتشفت الشرطة سرقة مجوهرات ذهبية كانت تحتفظ بها القتيلة في خزانتها، وكذلك بعض الأموال. سارع رئيس المباحث إلى القبض على زيزي ومواجهتها بتهمة القتل، فحاولت الفتاة التي لا تتجاوز الثامنة عشرة الإنكار لكن رجال الشرطة عثروا على بصماتها في بعض أركان شقة العجوز. فلم تجد الخادمة مفراً من الاعتراف، أكدت أنها كانت تعاني من أزمة مالية تعرقل إكمال زفافها، فاتفقت مع خطيبها على قتل جوزفين لسرقتها.