الخادمات في البيوت اللبنانية: جوان أم ضحايا؟

تحقيق, المجتمع السعودي, الخادمات , العاملة الأجنبيّة, ربّة المنزل, عنف ضدّ الخادمات, تحرّش جنسي, جمعية كاريتاس, عنف جسدي, عنف لفظي, العقاب, تاكيشي كيتانو, بيت الأمان التابع لجمعية كاريتاس, وزارة العمل, عقد عمل

20 أغسطس 2009

«يا متخلّفة»، «يا سوداء»، «خادمة هبلة».. عبارات نسمعها باستمرار في الأحياء البيروتية كما نقرأ عبارة «تأمين خادمات» مرفوعة أمام المكاتب التي تستقدم عاملات أجنبيات للمنازل اللبنانية، وتدور في كل منزل قصة. لعلّ القصة الأقسى هي يوميات عاملة أجنبية في بيت لا يعرف الرحمة، معاناة الأثيوبية تسْفاو ونشاط «بيت الأمان» في جمعية كاريتاس ورأي الطب الشرعي الذي أبرز تقريراً لعاملة تعرّضت للإعتداء الجنسي أربعين مرة في شباط/فبراير2009.


الأثيوبية تسْفاو - 20 عاماً

تسفاو عاملة أثيوبية قدمت إلى لبنان بعد تشجيع قريبتها التي تعمل في هذا البلد، وذلك لمساعدة والدتها بعد أن توفي والدها. لكن قدر إبنة العشرين ربيعاً وضعها في منزل لا يعرف الرحمة بعد أن عنّفتها ربّة المنزل بشدّة، العروس الثلاثينية التي لم تعاملها كإنسانة بل ك"آلة تنظيف" تنقّلها معها إلى منزل والديها وصديقاتها. التفاصيل ترويها تسْفاو التي احتضنها أخيراً «بيت الأمان» التابع لجمعية كاريتاس..
«تركتُ أثيوبيا بعد أن نصحتني إبنة عمي بالمجيء إلى لبنان. لم أتردد في القدوم لأننا نعيش في وضع عائلي بائس خصوصاً بعد رحيل والدي. كنت ابحث عن أي منفذ لمساعدة عائلتي التي تتألّف من ثمانية أفراد. وما شجعني أكثر هو إرتياح قريبتي في عملها، فقد حالفها الحظ ودخلت منزلاً وجدت فيه المعاملة الحسنة. أما أنا، فقد دخلت منزل عروس جديدة غير عاملة وفي حاجة إلى من يدير شؤون منزلها ويعتني بكل تفاصيل التنظيف.
كانت السيّدة نادين مزاجية للغاية وقد بدأت تعاملني بقسوة بعد شهرين من تاريخ عملي عندها. كنت أستيقظ في السادسة صباحاً وأعمل حتى العاشرة، أما هي فكانت تنهض عند الظهر وتبدأ بتفقد ما قمت به من تنظيفات وعندما لم يرضها عملي في أحد الأيام ضربتني بقسوة بواسطة صينية معدنية، كما أنها في إحدى المرّات جرحت معصمي بالسكين لكي أتألّم، إضافة إلى خدشي بأظافرها وفحمة النرجيلة التي وضعتها في يدي ثم أغلقتها.
في البدء كان زوجها يقول لها «أتركيها، إنها فتاة صغيرة» وكانت ترد «لقد دفعت ثمنها لخدمتي، سأتركها إذا إسترجعت أموالي».

كنت بنظرها سبب كل ضرر أو مكروه يطرأ في المنزل. أذكر أن المكنسة الكهربائية تعطّلت وقد ركعت أمامها لئلاّ تضربني وقلت لها بأنني مستعدّة لأسدّد لها من راتبي ثمن مكنسة جديدة، لكنني لم أنجُ من العقاب. كنت ألتزم الصمت لأنني لا أريد العودة إلى أثيوبيا، فلقد تدينت ثمن تذكرة الطائرة وأنا في أمسّ الحاجة إلى جمع مبلغ من المال لتسديد هذا الدين وإرسال ما يعيل عائلتي التي تنتظر مساعدتي. لم تنحصر خدماتي داخل منزل السيّدة نادين بل إستغلتني كثيراً، كنت أنظف منزل والديها كذلك كانت تصطحبني معها عند صديقاتها لكي أتولى مهمة كيّ ملابسهنّ، قمت بكل هذا العمل مقابل مئة دولار فقط. كانت توجه لي كلاماً بذيئاً وجارحاً، كانت تصفني بالمجنونة والمريضة والحيوانة وأنها ستضمن جواز سفري أنني فتاة غير سوية.
شعرت بضعفي تجاه صراخها الدائم وإسكاتي ومنعي من الدفاع عن نفسي. سافرت بشكل مفاجىء إلى دولة عربية لمدة خمسة عشر يوماً وقد تركتني عند أهلها الذين عاملوني جيداً وقد حاولت صديقتها- بعد أن لاحظت معاملة السيدة السيئة لي ورأت الدم يسيل من أذني- أن تجلبني إلى منزلها لكي أعمل عندها لكنها رفضت بشدة وخاصمت صديقتها. طوال سبعة اشهر - مدة عملي في منزل السيدة نادين- عانيت كثيراً، ضربني زوجها بواسطة إناء الزهور ما أدّى إلى كسر أنفي، كذلك انهالت على جسمي بالعصا في إحدى المرات عندما إشتعلت ورقة في صحن السمك الذي كان موضوعاً على الفرن بفعل الهواء وهي تقلي البطاطا، وقد اتهمتني بأنني أريد حرق المنزل. في اليوم التالي، اصطحبتني إلى منزل والديها لكي أنظف السجاد قبل لفّه وتوضيبه إستعداداً للطقس الحار، عجزت عن العمل كنت أعاني آلاماً حادة في ذراعي وظهري لكنها أجبرتني على العمل وقالت أنني كسولة ومزاجية ومدّعية.

كانت ظالمة وقاسية، لقد قصّت شعري بكامله بعدما وجدت شعرة في طبق السلطة، لم تكن تعود لي وقد أكد شقيقها الأمر لأن الشعرة كانت باللون الأحمر، لون شعر والدتها. لكنها أصرّت بأنني فتاة غير نظيفة وحرمتني من النوم على الفراش وبتّ ليلتي على البلاط. حاولتُ الفرار أربع مرّات عند إحدى صديقاتها لكنها كانت تستعيدني بوعد كاذب، الامتناع عن ضربي مجدداً. أما فراري الأخير فكان بعد بوحي لقريبتي بالضرب الذي تعرّضت له وسبب الأورام في وجهي بعد أن اصطحبتني إليها (قريبتي تعمل عند أحد أشقائها) وشدّدت عليّ بعدم إخبار أحد بأنها سدّدت اللكمات إلى وجهي. لم أخبر أحداً لكن آثار فعلتها كانت فاضحة، وما إن انتهت الزيارة حتى بدأت أشعر بحنقها وغضبها وفكرت بالفرار ونحن في طريق العودة. حين ترجلنا من السيارة أمسك زوجها بشعري وبدأ يدفعني بقوة لصعود السلم لكني كنت أصرخ فقالت له زوجته: «لا تضربها هنا سيسمع صوتها الجيران». وحين إلتفت إلى زوجته فرَرْت راكضة في الشارع وصعدت في أول سيارة أجرة مرّتْ من أمامي. لم أكن أعرف إلى أين الذهاب كنت ضائعة وقد إستغل السائق وضعي وحاول التحرش بي وطلب مني أن أزوره في منزله. خرجت من السيارة ورميت نفسي على الأرض بعد أن رفض أن ينزلني إلى جانب الطريق. مشيت بضع خطوات وقد نادتني سيدة كانت على الشرفة، صعدت إلى منزلها أعطتني ثياباً نظيفة وجلبتني إلى «بيت الامان» في كاريتاس..
عَرضَت «كاريتاس» تِسْفاوْ على طبيب شرعي كتب تقريراً تفصيلياً بوضعها وعن حالتها الصحية وهي تنتظر التحقيق الذي بات من مسؤوليات الأمن العام لكي تستأنف عودتها إلى العمل المنزلي في أحد البيوت اللبنانية بحماية بيت الأمان، فالعودة إلى أثيوبيا فارغة اليدين مستحيل.


 عقد العمل الموحّد الخاص بالعاملات في الخدمة المنزلية في وزارة العمل اللبنانية تحفظت عليه «كاريتاس» بانتظار قوانين عمل أكثر جلاء تكفل حقوق العاملة وربّة المنزل:وفي ما يلي أبرز البنود التّي تمّ تجاوزها في حالت الأثيوبيّة تسفاو

- البند الثالث:
يتعهّد الفريق الأوّل بعدم إستخدام الفريق الثاني في أي عمل أو مكان آخر يختلف عن محل إقامة الفريق الأوّل( لم تتقيّد السيدة نادين بهذا البند).
- البند الخامس: يسري مفعول هذا العقد من تاريخ إبرامه من الفريقين لدى كاتب العدل بما فيها فترة التجربة المحدّدة بثلاث أشهر( لمَ لم تعود السيدة نادين عن خيارها لتسْفاو بعدما وجدت أنها عاملة سيئة؟). البند السادس: يتعهّد الفريق الأول أن يدفع للفريق الثاني بنهاية كل شهر عمل كامل أجره الشهري البالغ... ودون أي تأخير غير مبرّر؟؟؟. يدفع الأجر نقداً مباشرة للفريق الثاني نفسه وبموجب إيصال خطي موقّع من الفريقين أو بموجب تحويل مصرفي بإيصال خطي موقّع من الفريقين معاً.
- البند الثامن: يتعهّد الفريق الأوّل بتأمين شروط وظروف العمل اللائق وتوفير حاجاته من مأكل وملبس وإقامة تحترم فيها كرامة الفريق الثاني وحقّه في الخصوصية( كرامة تسْفاو هدرتها بشدة السيّدة نادين).
- البند التاسع: يتعهد الفريق الاوّل بضمان إستشفاء الفريق الثاني بموجب بوليصة تأمين لدى شركة ضمان معترف بها في لبنان وفق الشروط والحالات المحدّدة من قبل وزارة العمل.
- البند الحادي عشر: يحدّد الفريق الأول ساعات العمل للفريق الثاني بمعدل عشر ساعات متهاودة في اليوم وبتأمين فترة راحة لا تقل عن ثماني ساعات متواصلة ليلاً( تسْفاو كانت تعمل أكثر من 14ساعة متواصلة).
- البند الثاني عشر: يتعهّد الفريق الأول بمنح الفريق الثاني فترة راحة أسبوعية لا تقل عن أربع وعشرين ساعة متواصلة، تحدد شروط الإستفادة منها باتفاق الفريقين، كما يحق للفريق الثاني إجازة سنوية لمدة ستة أيام يحدد توقيتها وشروط الإستفادة منها باتفاق الفريقين.( أوقات الراحة كانت تمضيها تسْفاو في العمل عند والدة السيّدة نادين وصديقاتها)
- البند السابع عشر: يحق للفريق الثاني فسخ العقد على مسؤولية الفريق الأوّل في الحالات التالية:
إذا إعتدى الفريق الأول أو أحد أفراد عائلته أو القاطنين في المنزل بالضرب أو الإيذاء، أو قام أحد هؤلاء بالتحرّش أو الإعتداء جنسياً عليه، وثبت ذلك من خلال تقارير طبية من طبيب شرعي ومحاضر تحقيقات الضابطة العدلية أو وزارة العمل.(هل كانت تجهل تسْفاو ذلك طيلة فترة عملها عند السيّدة نادين)
- البند العشرون: نظم هذا العقد أمام كاتب العدل باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية( أين لغة العاملة الأجنبية، السريلانكية أوالأثيوبية أوالفيليبينية..) على أربع نسخ ووقع من الطرفين وتسلّم كل فريق النسخة الخاصة به.