الخادمات في البيوت السورية: جوان أم ضحايا؟

رعاية الطفل / الأطفال, تحقيق, جرائم, سوريا, عنف ضدّ الخادمات

24 أغسطس 2009

وجود الخادمة في البيت بات ضرورياً لدى الكثير من الأسر العربية التي يمارسُ فيها الزوج والزوجة عملاً يومياً يضطرّهما للغياب عن البيت، فيحتاجان في هذه الحال إلى من يساعدهما في العناية بالأولاد، وتدبير شؤون المنزل، فيتمّ اللجوء إلى الخادمة التي تكون من جنسية أجنبية في غالب الأحيان ما يجعل العلاقة بين السيدة وخادمتها معرَّضة لسوء التفاهم الذي تتولَّد عنه مشاكل تصل ببعض أرباب الأُسر إلى حدّ ضرب الخادمة أو حَبْسها في المنزل مما يولِّد لديها الرغبة في الإنتقام، فإن لم تستطع ذلك فقد يدفعها تزايد الضغط عليها إلى الإنتحار الذي يورّط بعض الأُسر في مشاكل قانونية معقَّدة. عرضت «لها»، في القسم الأول من هذا التحقيق، واقع الخادمات في مصر ولبنان، وتتابع في هذا القسم الثاني الحديث عن واقع الخادمات في  وسورية  مع شهادات حيَّة وآراء.
لم يعد وجود الخادمات الأجنبيات في سورية مجرد ظاهرة، بل صارت الاستعانة بالخادمات الأجنبيات أمراً واقعاً خاصة بعد القرار الحكومي الذي صدر في عام 2006 بتشريع استقدام العاملات والمربيات إلى سورية.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الخادمات الأجنبيات في سورية يقارب الـ 200 ألف خادمة، ومن المتوقع أن يصل العدد في السنوات القليلة المقبلة إلى ما يقارب 300 ألف خادمة، حيث يتم إدخال ما بين 20 ـ 25 ألف خادمة. وباتت العائلات السورية تفضل الخادمة الأجنبية على السورية كونها أكثر قبولاً لشروط العمل القاسية وتستطيع تحمل الأعباء أكثر من الخادمة السورية، إضافة إلى أنها ترضى بالأجر الذي لا ترضى به الخادمة المحلية، خاصة أن الخادمات السوريات أعدادهن قليلة نسبياً بحكم ما تفرضه العادات والتقاليد. وتحظى الخادمة الفيليبينية التي يمكن استقدامها إلى سورية بميزة الراتب الأعلى، والذي يقارب 150 دولاراً في الشهر، تليها الخادمة الإندونيسية ب 125 دولاراً، أما بالنسبة الى الجنسيات الأخرى فقد تم إلغاء استخدامها لأمور تتعلق بعدم وجود سفارات لتلك الخادمات أو لانتشار الأمراض الوبائية في بلادهن.


حالات من الضرب والتعذيب تنتهي بالقتل أو الانتحار

في حين يتضمن الدستور السوري مواد تتعلّق بعدم تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة، وتحدّد الدولة عدد ساعات العمل، وتكفل الضمان الاجتماعي والراحة والإجازة والتعويضات والمكافآت، نجد الخادمة نفسها دون حقوق فساعات العمل غير محددة ووقت الراحة غير موجود، والمطلوب العمل بصمت وهذا الصمت في أغلب الأحيان يكون تعذيباً ينتهي بالموت قتلاً أو انتحاراً.
وفي هذا المجال أكد الطبيب الشرعي في دمشق انه في السنوات الماضية سجلت ما يقارب 19 حالة انتحار خلال عملية هرب الخادمات من بيوت الأسر العاملات لديهن، حيث غالباً ما توجد بجانب الجثة حقيبة الملابس ومجموعة من الحبال أو الشراشف المربوطة التي استخدمتها العاملة أثناء محاولة الهرب، وبالإضافة الى مئات من حالات التحرش والعديد من حالات القتل.


«تاكونا» دخلت البيت خادمة فخرجت منه ميتة

هي واحدة من القصص المسجلة في القضاء السوري، والتي تم تداولها بكثرة في الفترة الأخيرة، خاصة أن العائلة التي عملت عندها هذه الخادمة هي من العائلات المعروفة في دمشق.
فلم تكن «تاكونا» تدري أن البيت الذي ستدخله ستخرج منه ميتة نتيجة تعرضها لضربة قوية على رأسها نهاية العام الماضي، وجاء ذلك بعد معاناة استمرت حوالي ثمانية أشهر من الضرب والتعذيب والحرمان من أبسط الحقوق كتناول الطعام، حيث أقامت في زاوية ضيقة منخفضة السقف طولها متر ونصف متر، في حين المنزل يقارب مساحته 300 متر، ليأتي الموت رحمة لها بعد رحلة التعذيب الظاهرة على جسدها.
ولدى فحصها بعد موتها فوجئ الجميع بأن وزنها 35 كلغ في حين وزنها عند دخولها المنزل 62 كغ. وظهرت آثار التعذيب واضحة على جسدها من إطفاء أعقاب السجائر إلى ضربات بأشياء حادة، وحروق منتشرة في أجزاء جسدها. وقالت لجارات ربة المنزل أنها أثار حروق نتيجة مادة الكلور وغيرها من المواد المنظفة التي كانت تنقع بها الخادمة كل أسبوع في الحمام لتنزع عنها الجراثيم التي قد تصيبها.
وعندما سئل رب المنزل عن تلك الآثار أجاب أنه لم يلحظها كونه يمضي معظم وقته خارج المنزل، ومن جهة أخرى كون الخادمة ترتدي دائماً ثياباً محتشمة لذلك لم ينتبه لوجود شيء غريب، لكن ومع استمرار التحقيقات أوضح رب المنزل أن زوجته كانت تضرب الخادمة أحياناً وعندما كان يسألها عن السبب كانت تقول إن الخادمة تستفزها وتثير غضبها.
أما عن سبب موتها فقد أكد الطبيب أن الخادمة تعرضت لضربات عنيفة على الرأس، واكتشف في ما بعد أن ربة المنزل كانت قد ضربتها بعصا تستخدم لأغراض التنظيف مما أدى إلى موتها. لكن أهل البيت حاولوا في البداية تضليل الشرطة بقولهم إن الخادمة وقعت من سقيفة المنزل أثناء عمليات التنظيف، ومع استمرار عمليات التحقيق تمّ التوصل إلى الحقيقة، وحتى الآن لم يصدر الحكم في تلك القضية. 


«رامنا» انتهى بها الضرب لى المرض النفسي

أما معاناة «رامنا» فكانت رحلة أخرى نحو المجهول نهايتها المرض النفسي. فبعد معاناة طويلة من ضرب واضطهاد في مكاتب التشغيل والعائلة الأولى التي عملت لديها، تعاني «رامنا» حالياً اكتئاباً وفقاً لتشخيص الطبيب النفسي الذي عرضته عليها ربة المنزل الثاني الذي عملت لديه الخادمة.
فقد لاحظت ربة المنزل الجديد الذي عملت فيه «رامنا» أن حالتها مزرية. كانت ترفض العمل وتستيقظ ليلاً خائفة على أولادها ظناً منها أنهم ماتوا في اندونيسيا. وكون ربة المنزل أما قدرت قلقها وخوفها على أطفالها، فكثيراً ما كانت تتصل بأهلها في إندونيسيا لتكلم أطفالها لكن لا تلبث أن تمر ساعة أو أقل حتى تعود الخادمة الى حالة القلق ذاتها. وهذا ما دفع ربة المنزل إلى الطبيب النفسي رغم قول زوجها ومن حولها انه يجب إعادتها إلى المكتب الذي استقدمت منه. لكن ربة المنزل لم ترض وخافت عليها من الضرب الذي ستتلقاه من أصحاب المكاتب أو البيت الجديد الذي ستدخله.


السيدة جمانة: خادمتي فسدت حياة ابنتيّ

تقول السيدة جمانة: «استخدم الضرب أحياناً ولا أخفي ذلك، فخادمتي حاولت الهرب مرتين وفي إحدى المرات كدت أصاب بالجنون عندما غابت يوماً كاملاً، وخفت أن يعتدي عليها أحد أو أن تموت في حادث سير وعندها ستقع المسؤولية على كاهلي ولا أدري ماذا ستكون النتيجة. لذلك عندما وجدتها لم أدرِ بنفسي إلا وأنا أضربها بقوة خوفاً مما قد تفعله مستقبلاً. ومازالت معاناتي معها مستمرة حتى اليوم، فهي عنيدة وقد حاولت كثيراً أن تثير المشكلات بيني وبين زوجي وأهله، عندما راحت تنقل الكلام بيننا مما سبب بالكثير من المشكلات التي لم أدرِ بها إلا أخيراً.
أما في البيت فقد سببت الكثير من المشكلات فقدأفرطت في دلال ابنتي الصغيرة بينما لم تكن تعير ابنتي الكبيرة أي اهتمام، وعندما كنت أسألها عن السبب تقول أتيت للمنزل وهي طفلة رضيعة وتعلقت بها أكثر من أختها الكبيرة ولا أستطيع أن أخفي ذلك. وهذا ما جعل ابنتي الصغرى عديمة المسؤولية ودائمة البكاء والتطلب، أما ابنتي الكبيرة فكانت تعاني من الغيرة الشديدة من أختها وما تلقاه من عناية من الخادمة بعكس معاملتها لها. وحتى اليوم لا أعرف ماذا أفعل، فأنا امرأة عاملة لا أستطيع أن استغني عن الخادمة، وفي الوقت نفسه باتت تسبّب لي تلك الخادمة الكثير من المشكلات. وعندما ينصحوني بتغييرها أخاف وأقول في نفسي هذه تعودت على المنزل وعلى ابنتيّ وأخاف أن آتي بواحدة جديدة تكون أسوأ من سابقتها، لذلك مازلت أتحملها رغم ما يصدر عنها وما زلت ألجأ إلى تأديبها أحياناً بالضرب»..


السيدة عبير: أضع لخادمتي حواجز خوفاً من تماديها

تروي السيدة عبير: «الخادمة الأجنبية أصبحت ضرورة. ومع أني امرأة غير عاملة، فإن الخادمة تساعدني في أعباء المنزل مما يفسح لي المجال للإلتفات أكثر إلى أولادي وطلباتهم وكذلك زوجي، مما انعكس بشكل إيجابي على حياتي العائلية. ورغم أني أعامل خادمتي بشكل جيد فإني لا أدعها تنخرط في أسرتنا بشكل كبير كي يبقى هناك حاجز بيننا، خاصة أن بعض الخادمات يتمادين في علاقتهن مع العائلات وهذا ما أراه في بعض أسر صديقاتي وجيراني. خادمتي لا تجرؤ على تجاوز حدودها معي ومع عائلتي، فلها واجباتها ولها أيضاً حقوقها المادية والنفسية التي لا أتغاضى عنها».


رأي علم الاجتماع
الخادمة تعوّد الأطفال على الإتكالية وعدم المسؤولية

وائل معماري، أستاذ في علم الاجتماع، يعطي رأيه في الموضوع فيقول: «تساهم الغربة الحقيقية بين الخادمة ومخدوميها في تعذر انسجامها، بحيث يتجلى سوء التفاهم في كثير من الاضطراب في علاقات الطرفين، وما يزيد الطين بلة تمتع المخدوم بسلطة ترحيل  الخادمة إلى بلادها الأمر الذي يضطرها إلى الرضوخ لكل ظروف العمل مهما بلغت من مشقة، خاصة أن الغالبية الساحقة من الخادمات جئن من مجتمعات شديدة الفقر. وهذه الدائرة المغلقة تؤدي بدورها إلى شيوع سلوكيات غير سوية لدى كثير من الخادمات كالسرقة والدعارة والانتحار وقتل المخدوم أو أحد أفراد عائلته».
أما عن تأثير الخادمات على المجتمع والأسرة، فقال: «ظاهرة استخدام الخادمات الأجنبيات تشكل تهديداً للقيم التربوية عند أبنائنا وخاصة في المراحل المبكرة لنمو الطفل، حيث تعتبر فترة الطفولة الأولى مرحلة تشكل شخصية الطفل وسلوكه. وللأسف تسند بعض الأسر هذه المرحلة المهمة الى الخادمات اللواتي يعملن على تربية الطفل وفق القيم والعادات والتقاليد التي عشنها في بلادهن فيتشرب الطفل ما تريده هي واذا كانت هناك متابعة من قبل الأم سيكون عند الطفل ازدواجية.
ويتأثر الأبناء بوجود الخادمة من ناحية تعودهم على الإتكالية حتى في أداء الأعمال البسيطة والخاصة وذلك يقلّل من الاستقلالية بالمسؤولية التي تعتبر من الحاجات النفسية المهمة عند الإنسان. كما أن تعود الأبناء على الخادمة كشخص قريب منهم يتولّى شؤونهم اليومية يقلل من التواصل مع الأم وبالتالي من التفاعل معها، وهذا ما نراه واضحاً عندما نرى بعض الأطفال يتعلقون بالخادمة أكثر من أمهم الحقيقية مما يؤثر على علاقة الأطفال بالأهل في المستقبل».