الخادمات في البيوت الكويتية: جوان أم ضحايا؟

رعاية الطفل / الأطفال, تحقيق, جرائم, الكويت, عنف ضدّ الخادمات

24 أغسطس 2009

وجود الخادمة في البيت بات ضرورياً لدى الكثير من الأسر العربية التي يمارسُ فيها الزوج والزوجة عملاً يومياً يضطرّهما للغياب عن البيت، فيحتاجان في هذه الحال إلى من يساعدهما في العناية بالأولاد، وتدبير شؤون المنزل، فيتمّ اللجوء إلى الخادمة التي تكون من جنسية أجنبية في غالب الأحيان ما يجعل العلاقة بين السيدة وخادمتها معرَّضة لسوء التفاهم الذي تتولَّد عنه مشاكل تصل ببعض أرباب الأُسر إلى حدّ ضرب الخادمة أو حَبْسها في المنزل مما يولِّد لديها الرغبة في الإنتقام، فإن لم تستطع ذلك فقد يدفعها تزايد الضغط عليها إلى الإنتحار الذي يورّط بعض الأُسر في مشاكل قانونية معقَّدة. عرضت «لها»، في القسم الأول من هذا التحقيق، واقع الخادمات في مصر ولبنان، وتتابع في هذا القسم الثاني الحديث عن واقع الخادمات في الكويت مع شهادات حيَّة وآراء.


تعيش الخادمة برفاهية عالية في الكويت، فتحظى بغرفة وحمام خاص بها وبإجازة اسبوعية وموبايل وسفرات صيفية مع العائلة التي تعمل لديها الى أوروبا وشرق آسيا وأوستراليا. وكما يقول المحامي الكويتي خالد عبد الجليل «إن الخادمات لدينا يسافرن الى دول لايحلمن أن يشاهدنها على الخريطة ثم يقتلن أطفالنا بدم بارد!».
المشكلة ان الخادمة رغم الرفاهية التي تعيشها تظل مكبلة بمسؤوليات لا حدود لها. وفيما كان سبب استقدامها في بداية الثمانينات أن تساعد سيدة المنزل في تنظيف البيت، إلا أنه مع الوقت تخلّت معظم الكويتيات عن دورهن كزوجات وأمهات ليلقين بالمسؤولية كاملةً على الخادمة لتصبح هي سيدة المنزل، ومن هنا تبدأ المشاكل بين الخادمة وسيدتها فكل واحدة منهما تعتقد انها الأجدر بادارة البيت والأولاد. الخادمة ترى أنها الأحق لأنها متفرغة للأولاد والزوج والبيت وحتى السائق، وكل شيء يسير حسب وصايتها. اما صاحبة المنزل فتجد ان الخادمة  تتجاهل أوامرها  ولا تنفذ طلباتها ولا ترد أحياناً على اتصالاتها لتسألها عن أمر ما، ولأنها تريد ان تدير المنزل بالموبايل من الخارج  تعود لتصب غضبها على الخادمة وتبدأ الشتائم، وقد تضربها مع أن اللواتي يلجأن الى الضرب  نادرات لأنهن يخفن على أطفالهن من انتقام الخادمات اللواتي لا يتورعن عن قتل الصغار وكأنهم أرانب، بشرية كما حصل في الكويت أكثر من جريمة مروعة.


كلوديا: مسؤولية عن كل شيء

كلوديا خادمة فلبينية (27 عاماً) عزباء، قالت: «أعمل في الكويت منذ 6 سنوات. فور تخرجي من الجامعة حيث درست محاسبة جئت للعمل لأن فرص العمل قليلة في بلادي ولديّ عائلة كبيرة، إذ إني بعد وفاة والدي صار لزاماً علي ان أُعيل اخوتي وأرسل لهم نفقات دراستهم ومعيشتهم مع أمي. ورغم الرفاهية التي أعيشها اذ لدي غرفة وحمام خاص بي وموبايل وراتب مجزٍ فإن سيدتي تلقي بأعباء كثيرة عليّ، فأنا مسؤولة عن ثلاثة أطفال، عن تعليمهم وواجباتهم المدرسية، وحتى أنني أحضر اجتماع أولياء الأمور وأناقش المدرّسين في مستواهم ونتائجهم. فأنا الحاضنة التي تتابع تفاصيل يومهم وأذهب بهم الى الطبيب وأعطيهم الدواء بالساعة، وأهتم بنظافتهم الشخصية  ونظافة ثيابهم وخروجهم في أيام الويك اند والترويح عنهم، ورغم ان هناك خادمة أخرى تنظف المنزل وتطبخ، فإنني أشعر بالحسرة لأنني لا أجد لنفسي وقتاً إلا حين أسافر الى أهلي كل عامين شهراً واحداً فأتنفس بحرية. ومعاناتي تنحصر في أنني أشعر بأنني أصبحت أماً لثلاثة أطفال قبل أن أتزوج، ولا أعرف كيف تعتبر أمهم نفسها أنها أمهم وهي تراهم كل يوم ساعة أو ساعتين بينما بقية الوقت هم في رعايتي وعهدتى ورغم أنني أحبهم  كثيراً وعلاقتي بسيدتي ودودة وطيبة وأحياناً تشتري لي بعض الهدايا حين تترك أطفالها عندي وتسافر، فإنني أشعر بالإرهاق، وهي لا تساعد على الإطلاق بأي مسؤوليات أو واجبات تجاههم».


أم أحمد لا أُسيء إلى خادمتي

أم أحمد معلمة تقول: «الأم الموظفة عليها مسؤوليات كبيرة ولا أحد يشعر بمعاناتها. فأنا أعمل في مهنة شاقة هي التدريس، وأعود وقد استويت تماماً من التعب. أنام لأقوم بواجباتي الاجتماعية كزيارة والدي المريض في المستشفى أو والدتي أو ازو أخواتي أو أهل زوجي والبي دعوات صديقاتي، هذه وضعت مولوداً جديداً وهذه تزوجت وتلك اشترت بيتاً. ولأننا مجتمع يحب التواصل والواجب الاجتماعي لا يمكنني ان أمضي بقية يومي في البيت ليقال عني أنني قاطعة رحم أو لا تعرف الواجب. وما دام أن هناك خادمة ترعى الأولاد وأمينة فما المانع ان أتقاسم معها المسؤوليات ما دمت أدفع لها راتباً؟ وأنا من النوع الذي يتابع معها شؤون البيت والأولاد وهي تخرج في إجازة أسبوعية فأجتمع في هذا اليوم مع زوجي وأولادي لنتغدى في أحد المطاعم ثم نذهب للتسوّق في أحد «المولات». وأنا لا أضرب الخادمة مهما بلغ خطأها لأن أطفالي في ذمتها.


القانون في صالح الخدم

أبو على صاحب مكتب خدم قال: «الخادمة تأتي لتعمل وتأخذ راتبها كاملاً، ولكن بعض الخادمات يجدن صعوبة في التأقلم مع الغربة، فتطلب الخادمة من سيدها أن تسافر وتعود الى اهلها فيشتاط الرجل غضباً خصوصاً انه دفع 600 دينارفيقوم بضربها ضرباً مبرحاً. وفي اليوم التالي تختفي الخادمة من البيت وتهرب الى سفارة بلادها. وتجبره القوانين الآن على حجز تذكرة سفر لها، وقد تصل خسارته الى 900 دينار. وأعرف حالة حصل معها هذا الظرف خلال ثلاثة شهور مرتين. إنها إذن خسائر فادحة تتحمّلها الأسرة في الكويت لأن القوانين في صالح الخدم وليس المخدوم، وهذا ما زاد حالات العنف والضرب. والحالات المتضرّرة من الكويتيين والوافدين كبيرة والقصص لا تنتهي ولكن لا بد من قانون يعطي كل ذي حق حقه. والتقرير الذي ترفعه أميركا في وجه الكويت كل عام وتتّهمها فيه بالإتجار بالبشر والإساءة للخدم جعلت الدولة تنتصر للخادم على حساب المخدوم وترفع أجره وتعطيه امتيازات يدفع ثمنها الكويتي من ماله وأعصابه، وهذا الأمر زاد حالات العنف ضد الخادمات لأن الناس يشعرون بأنهم أخذوا حقهم وزيادة برعاية دولية.


العلاقة مع الخادمة  في ميزان علم النفس: بعض السيدات يَغَرْن من خادمتهن

الاختصاصي والمعالج النفسي الدكتور خضر البارون قال: «لا بد من تكريس فكرة احترام الخادم والخادمة في البيت. فالطفل إذا وجد والديه ينهران الخادمة ويضربانها يقلدهما في سلوكهما ويضرب الخادمة.
ولا بد أن يتفهم كل من في البيت أن هذه الخادمة لها أهمية في بلادها ولها مجتمعها ومستقبلها فقد جاءت لتعمل لا لتذل، وانها انسانة من لحم ودم وليست أله تعمل طوال اليوم، ولها مزاج وآمال وطموحات. ومن أبسط حقوقها أن تحلم وتتطلع الى واقع أفضل في الحياة وتدعم عائلتها أو أهلها.
إذا كرّسنا هذه الفكرة صارت مهمة التعامل اليومي معها أسهل.
ثانياً:
«بعض الأمهات لدينا تخلين عن واجباتهن الأسرية واعتمدن بشكل كبير على الخادمة، بينما الأم مشغولة بالزيارات والأسواق والأعراس ولا تترك مناسبة إلا تحضرها.

وقديماً كانت الخادمة تساعد ربة البيت، لكن خروج النساء الى العمل جعلهن يتركن المسؤوليات على الخادمة وصارت هي الأم التي تربي الصغار وتعلمهم وتزرع بداخلهم قيماً ومفاهيم لا تناسب تقاليدنا أو ديننا. حتى أن بعض الأطفال الكويتيين يجيدون الغناء بالفيليبيني مثلاً أو يرددون اشعاراً بوذية والأهل لايعرفون، لأن الأم تتأخّر في سهراتها الليلية حتى ينام الطفل في حضن الخادمة».
ويكمل البارون قائلاً: «العنف ضد الخادمة يبرز لأنها أخذت دور الأم في البيت، والاطفال قد يسمعون كلام الخادمة الحاضرة معهم ولايطيعون أمهم الغائبة فتشتاط الأم غضباً وتتخانق معها لأنها تريد أن ينفّذ الجميع أوامرها بحذافيرها، وهي من الداخل تعرف أن الخادمة أخذت دورها. ورغم أن هذا الشيء يزعجها فإنها لا تريد تحمّل واجبات إضافية لأنها موظفة وتبحث عن راحتها. لهذا تنتقد كثيراً تصرّفات الخادمة وذوقها وسلوكها حتى لا يفتن أولادها وزوجها بشخصية الخادمة خصوصاً إذا اهتمت الخادمة بالزوج، مما يجعل الزوجة تدخل في مشاجرات يومية معها وتتعب نفسياً. والحل إما أن تتحمل الأم مسؤولياتها كما ينبغي بحيث يكون وجود الخادمة ثانوياً في حياة أسرتها، أو تعاملها حسب وصية رسولنا الكريم برفق. والخدم أمانة لدينا وأطفالنا أمانة لديهم ولا خيار إلا معاملتهم بالحسنى حتى لا ينتقموا من أطفالنا بنحرهم كما فعلت أكثر من خادمة. وعلينا أن نساعدهم فور قدومهم على تجاوز مرض «هوم سك» أي الحنين الى الوطن، وأن نمنحهم الوقت ليتبرمجوا ويتأقلموا في بيوتنا ومجتمعنا ويتخلّصوا من مكابدة الشوق لبلادهم وأهلهم».