الخادمات في البيوت الأماراتية: جوان أم ضحايا؟

رعاية الطفل / الأطفال, تحقيق, جرائم, الإمارات العربية المتحدة, عنف ضدّ الخادمات

24 أغسطس 2009

وجود الخادمة في البيت بات ضرورياً لدى الكثير من الأسر العربية التي يمارسُ فيها الزوج والزوجة عملاً يومياً يضطرّهما للغياب عن البيت، فيحتاجان في هذه الحال إلى من يساعدهما في العناية بالأولاد، وتدبير شؤون المنزل، فيتمّ اللجوء إلى الخادمة التي تكون من جنسية أجنبية في غالب الأحيان ما يجعل العلاقة بين السيدة وخادمتها معرَّضة لسوء التفاهم الذي تتولَّد عنه مشاكل تصل ببعض أرباب الأُسر إلى حدّ ضرب الخادمة أو حَبْسها في المنزل مما يولِّد لديها الرغبة في الإنتقام، فإن لم تستطع ذلك فقد يدفعها تزايد الضغط عليها إلى الإنتحار الذي يورّط بعض الأُسر في مشاكل قانونية معقَّدة.عرضت «لها»، في القسم الأول من هذا التحقيق، واقع الخادمات في مصر ولبنان، وتتابع في هذا القسم الثاني الحديث عن واقع الخادمات في والإمارات  مع شهادات حيَّة وآراء. تطفو على السطح بين الحين والآخر في الإمارات قضية تعذيب الخادمات والتعامل معهن بعنف وقسوة.. بينما تعمد بعض الأسر الى تسليم الخادمات زمام الأمور في المنزل  وتعاملتن معاملة طيبة، ويصل الأمر إلي تناولها الطعام على طاولة واحدة مع أفراد الأسرة. بينما تكثر أيضاً حالات الهروب من منازل الكفلاء بحثاً عن عمل آخر يحقق للخادمة رغبتها في أن تكون امرأة وليست عاملة نظافة في بيت. في زيارة ميدانية لأحد سجون الإمارات، سجلنا أهم الأسباب التي تؤدّي إلى تباين المقاربة بين القسوة واللين في تعامل أبناء الإمارات وغيرهم من المقيمين على أرضها مع الخادمات.


الطمع وحب المال

الاختصاصية الاجتماعية أمل الطاهر أرجعت هروب الخادمة من المنزل إلى رغبتها في مجاراة الموضة، إذ كان أهالي الإمارات يعاملون الخادمات معاملة طيبة، فهم اعتادوا منذ زمن استقدام الخادمات للعمل في البيوت، وبعد ثلاث سنوات أو أكثر تعود إلى بيتها في بلدها الأصلي وهي محمّلة بالهدايا، ثم تعود لتواصل عملها. ولكن ومع  وجود الطفرة الاقتصادية في السنوات الأخيرة في الإمارات  كشفت الخادمات عن الجشع والطمع والبحث عن المال بصور شتى، ولم تعد الخادمة تهتمّ بعملها داخل البيت الذي جاءت  للعمل فيه، بسبب الطفرة التي أدت إلى زيادة في الأسعار، بينما لم يتغير الراتب الخاص بالخادمة التي بدأت التطلع إلى طموح أكبر من أجل حياة أفضل. ومن هنا بدأ تفكيرها في الهروب من مخدومها، والعمل في الشركات براتب أكبر وهو ما يقارب 1400 درهم، وفي ظلّ هذا الاضطهاد والقسوة  وشغف الحياة بالنسبة إليها كان سعيها لتغيير نمط الحياة.
وترى الطاهر أن نسبة  قليلة من الأسر تعامل الخادمات بقسوة، وهي لا تتعدّى 5 في المئة. وفي أحيان كثيرة تعد الخادمة هي ربة البيت بسبب الغياب الطويل للزوجة والزوج معاً سواء للعمل أو الدارسة، فهي تقوم بدورالأم وتلبي ما يحتاجه الأولاد والمنزل. وبعض الأسر تتعاطف مع الخادمة إلى درجة السماح لها بتناول الطعام معهم، بالإضافة إلى شراء كل ما يلزمها من هدايا، وخاصة في الأعياد وغيرها من المناسبات. ولكنها لم تكتفِ بذلك وبالقناعة بأن تؤدّي دورها في العيش مع الأسرة، وبدأت تفكر جدياً في تحسين ظروفها المادية ولكن بطرق غير مشروعة.


لا قسوة ولا ضغوط نفسية

من جهتها، تقول الاختصاصية الاجتماعية عبيدة صالح أن معظم الخادمات يتمتعن بحياة طيبة في كنف الأسرة الإماراتية، ولا توجد ضغوط نفسية أو قسوة كما يقال، فالبيت كله بيد الخادمة، خاصة حينما تكون الزوجة مشغولة، وتسأل الأم بالهاتف عن أولادها. فالاعتماد على الخادمة كان ولا يزال موجوداًً، ولكن الخادمة بدأت تغير نظرتها الى ظروف الحياة وتسعى الى المكسب السريع، وخاصة بالتعامل مع بعض الأشخاص الذين يغرونهن بالعمل في الدعارة وغيرها لقاء مبالغ كبيرة قد تصل إلى  2500 درهم مقارنة براتبها الشهري كخادمة والذي يصل إلى 700 درهم.


تحرّش جنسي وضرب

الخادمة الفيليبينية ن.ه.أ (29 عاماً) تروي  حكايتها مع العمل في الإمارات بقولها: «لقد تعرضت للضرب والإهانة من رب الأسرة  بعد وصولي بثلاثة شهور بسبب التحرّش الجنسي، فهو رجل غير سويّ يتعرّض لي يومياً ويضربني بقوة بسبب رفضي كل ممارسته. ولكن تظلّ معاملة الزوجة هي الأفضل والأحسن. وبعد ثمانية أشهر من القسوة والاضطهاد والتعذيب بدأت أضربه والدفاع عن نفسي»!                          


معاملة طيبة  ولكن خائنة

الخادمة البنغالية ع.خ (36 عاماً) تروي قصة أخرى وتقول: «العائلة الإماراتية كانت تعاملني معاملة طيبة وحسنة سواء الزوج والزوجة. وكنت أتعامل مع الأولاد بطيبة، ولكني أعترف بأني خنتهم. فقد مكثت نحو عامين وذهبت إلى بلادي، ثم عدت إلى العائلة نفسها. ومع بداية السنة الثالثة تعرفت على مجموعة من أبناء جنسي، وشاركتهم في سرقة  أموال تقدر بنحو  مئة ألف درهم. وأعترف بأن ذلك كان نتيجة الطمع الذي بدأ يحرك خواطري بسبب التعرف على أبناء بلدتي».


القسوة تولد ضغطاً نفسياً

الدكتور جبار خضر استشاري علم النفس يرى أن الفقر  يلعب دوراً كبيراً في تلك العلاقة ووصولها الى ساحات القضاء. وبسبب القسوة والإهانة قد تحدث ضغوطاً نفسية هائلة على الخادمة. وأعتقد أن القسوة في بعض الأحيان قد تستخدم لنيل غرض ما منها، وهو ما يسبب لها حالة نفسية غير عادية الأمر الذي يضعها أمام خيار إما القبول  بالأمر الواقع، أو التصدي بقسوة والرد عليه دون اعتبارات لما يترتب بعد ذلك. هكذا نجد أن خادمة طعنت مخدومها بالسكين، وأخرى يُعتدى عليها وهكذا... ولكني أعتقد أن أكثر الناس يعاملون الخادمة معاملة طيبة وخاصة الأسر السوية المستقرة التي تريد فعلاً الحفاظ على الخادمة من أجل الإستمرار في عملها. كما أن الاحتياجات المالية الناجمة عن الفقر في بلاد الخادمة قد تدفعها إلى التفكير جدياً في فتح  مسارات أخرى قد تجلب لها المال في أسرع وقت ممكن، وهذا يجعلها ترتاح نفسياً بسبب حبها للمال».