العنف الأسري لايزال يفرّق بين الأزواج

مشكلة / مشاكل إجتماعية, القانون والمرأة, حقوق المرأة, جرائم, مشكلة / مشاكل نفسية, مشكلة / مشاكل الزواج, عنف ضدّ المرأة, مساواة الرجل والمرأة, عنف ضدّ الخادمات, حماية المرأة, عنف أسري, منظمة كفى عنف واستغلال, مشكلة / مشاكل نسائية, عنف نفسي, عنف جسدي,

26 أغسطس 2009

رغم الحملات المتوالية في جميع أنحاء العالم، والتي تطالب بإنصاف المرأة، وتلبية حقوقها التي حُرمت منها عبر القرون المتعاقبة، وتدعو لحمايتها من عنف الرجل سواء كان زوجاً أو أخاً أو أباً، أو حتى واحداً من الأقارب، فإن هذا العنف لايزال قائماً في كل مكان بأشكاله القديمة والجديدة، وما يظهر منه ويصل إلى المحاكم هو أقلّ بكثير من ذلك الذي لا يسمع الناس به، فعدد كبير من النساء يفضّلن السكوت على ما ينالهن من أذى من أجل صيانة سمعة العائلة، والقليلات منهن، يسلكن طريق المواجهة والتحدّي، فنتعرَّف إلى قصصهن التي تكشف لنا هذا العالم الرهيب الذي تحاول «لها» أن تضيء جانباً منه في هذا التحقيق.


ما هو العنف الأسري؟

يعرف أستاذ علم الاجتماع الدكتور سعيد المصري العنف بأنه: صور الايذاء البدني والمعنوي الموجّه لشخص في الأسرة، هو المرأة في الغالب، وعليه فالعنف هو الايذاء البدني على هيئة الضرب والإصابة، والمعنوي على هيئة النبذ والاحتقار والتجاهل، والسبّ، وإثارة الإحساس بالدونية، وهذا اعتداء صامت، يتدرّج بعد ذلك إلى لفظي في شكل الاهانة والسبّ، إلى أن يصل إلى حد الضرب وشد الشعر والإصابة.
ويؤكّد الدكتور سعيد المصري على أن العنف موجود في كل الطبقات الاجتماعية وإن اختلفت صوره المتعدّدة، ولكن أشكال العنف البدني موجودة أكثر في الفئات الأدنى. وعن إمكان مساهمة القانون في تغيير سلوك العنف ضد المرأة داخل نطاق الأسرة، يقول الدكتور سعيد المصري: القانون يكون مجدياً في حالة الضرب المبرح لأنها تكون هنا جريمة لكن الأهم من القانون أن ننشر وعياً كاملاً بين الرجال لعدم استخدام العنف ضد المرأة وهي مسؤولية يجب أن يشارك فيها المجتمع كله.

أين القانون؟
لا يقتصر العنف الأسري ضد المرأة على الضرب فقط، ولا يقتصر أيضاً على الطبقات الدنيا في التعليم والمستوى الاجتماعي، بل يلجأ إليه مثقفون يفتقدون الثقة بالنفس، هذا ما أكّدته الدكتورة ماجدة عدلي رئيس مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي في القاهرة. وتضيف: يقدم المركز المساعدة النفسية والقانونية للنساء المعنفات، في جميع الطبقات الاجتماعية، ومن الخطأ أن يعتقد البعض أن ضرب النساء لا يتم إلا في الأوساط الفقيرة فقط، بل يتم في الطبقات العليا. ويرجع ذلك إلى أننا مجتمع يتعامل مع المرأة على أنها ملكية خاصة للرجل، فالأم تربي ابنها على انه رجل الأسرة ويحق له تأديب أخته الكبرى أو الصغرى. وتضيف رئيسة مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي الدكتورة ماجدة عدلي: نطالب بمشروع قانون تقدمنا به إلى مجلس الشعب، بأنه إذا كان الضرب في الشارع جريمة يجب أن يكون كذلك داخل المنزل.


قانون جديد قد يلزم الرجل بالتردّد إلى مركز للتأهيل لمعرفة كيفية التحكّم بغضبه

المحامية في منظمة «كفى عنف واستغلال» ليلى عواضة والعضو في اللجنة المشرفة على إعداد وصياغة مشروع قانون لبناني لحماية النساء من العنف تتحدث عن مراحل صياغته فتقول: «إن مشروع القانون تمّ تمويله من الإتحاد الأوروبي ضمن برنامج «أفكار2» وبإشراف من وزارة التنمية الإدارية. بدأنا المشروع في تموز/يوليو 2006 وذلك بإعداد مسودة القانون وإختيار اللجان لصياغته بطريقة متكاملة، وقد إخترنا أشخاصاً معنيين مباشرة بالموضوع، كالقاضية هيلين إسكندر رئيسة «محكمة الجنايات» في بيروت -حيث تمر كل ملفات قتل النساء، والقاضي جون القزي رئيس «محكمة الأحوال الشخصية» في منطقة جديدة المتن وهو أيضاً قد شهد نزاعات زوجية عديدة ويعرف المشاكل التي تواجه المرأة وتحجب عنها حقوقها والقاضية جويل فوّاز التي إنتدبتها «هيئة الإشراف والتشريع» في وزارة العدل التي تعتبر ممراً أساسياً قبل وصول مشروع القانون إلى مجلس النواب، كما أشركنا قوى الأمن في صياغة القانون وذلك بإنتداب الرائد إيلي أسمر لتمثيلهم باعتبارهم الجهة التنفيذية للقوانين. إضافة إلى مشاركتي وزميلتي المحامية دانيال حويك من منظمة «كفى عنف وإستغلال».
ولممارسة نوع من الضغط لإقرار هذا القانون كان من الضروري إشراك جميع شرائح المجتمع تقول عواضة، فهم في المنظمة أنشأوا وجمعيات عدة تحالفاً وطنياً لتشريع القانون  وذلك «بعدما تمّت مناقشته مع أعضاء التحالف لوضع العديد من الملاحظات. وبعد الحصول على الصيغة النسائية لم نجد مناسبة أفضل من «يوم مناهضة العنف ضد المرأة» في 25 تشرين الثاني/نوفمبر لننطلق بالحملة المطلبية». وعن تحرّك التحالف تجاه إقرار المشروع تشرح عواضة: «عملنا بالتوازن مع الجمعيات وأصحاب القرار أي الحكومة. ويتولّى وزير العدل كونه الجهة المختصّة بهذه الأمور حالياً مشروعنا. ونحن متفائلون على صعيد الحكومة ونأمل إقرار القانون قبل إنتهاء ولايتها. وعن الفتيات اللواتي قد يتعرّضن للعنف في كنف العائلة إنطلاقاً من كونه «جزء من التربية الممكنة» تقول المحامية ليلى عواضة: «تطبّق أحكام هذا القانون على أي فعل عنيف ممارس ضدّ الإناث أي قائم على أساس الجنس من قبل أحد أفراد الأسرة ويترتّب عليه أذى أو معاناة للأنثى على ألاّ يتعارض ذلك مع قانون 433 المتعلق بحماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر الذي ناقشنا مع القاضي رالف الرياشي الذي يعمل حالياً على قانون جديد مع المجلس الأعلى للطفولة لحماية الأطفال من إساءة المعاملة وقد توصّلنا إلى أن الفتاة التي لم تبلغ سن الـ18 قد تكون متزوجة وقد تتعرض للعنف (ضرب، تحرش، إغتصاب..) وتسلب حقوقها (نفقة، عزل، حضانة..) وهي لا يشملها قانون الأحداث».

من جهة أخرى تسلّم المحامية عواضة أن العنف قد يكون سببه الجهل القانوني: «في الكثير من الأوقات تكون السيدة المعنفة ضحية الأذى نتيجة جهلها للقانون، كذلك الرجل وهذا لمسته من خلال الأسئلة التي تطرح علينا وخوف الأمهات من أن يحرمن أطفالهن، فهن يجهلن أن القانون يكرس حق رفع دعوى مشاهدة وإصطحاب وبالتالي تهديد الأب غير شرعي». وعن كون الخطأ أو اللغط الحقوقي كامناً في غياب القانون أم تطبيقه والعثرات التي تواجه المرأة تقول: «العرف الإجتماعي منح الرجل سلطة لا يملكها قانونياً فهو يتفاجأ لدى ذهابه إلى المحكمة فقط لأن القانون اللبناني لا يحوي مادة تجرم العنف الأسري. وحين تلجأ السيدة إلينا نطلعها على حقوقها وكيفية تحركها في التوقيت المناسب، فمن تعاني وضعاً قانونياً سيئاً نعمل على إنجاز ملفّ لها في المرحلة الأولى لتعزيز موقفها القانوني لتحديد خياراتها، ولكسب حضانة أطفالها مثلاً.
كما أننا نقدم إستشارات ومساندة قانونية حتى لو لم تشأ السيدة رفع دعوى أو تقديم شكوى ضد زوجها أو أحد أفراد أسرتها». وتشير إلى أنهم يواجهون في العمل «معوقات عديدة، أوّلها عدم الإستقلالية المادية والأعباء المالية التي ستتكبدها السيدة في المحاكم وغياب مكان آمن تلجأ إليه السيدة كما في البلدان المتحضرة، كذلك الخصوصية والخوف من أن تشاع سيرتها على لسان الجيران والمحيط، كما أن الوساطة من قبل المقربين حاضرة بقوة في المجتمع اللبناني والتي «تقزّم» حقوق المرأة وتدفعها إلى صرف النظر عنها والتنازل وإصلاح الوضع المتأزم وهذا يعيق الخدمة القانونية». وعن هذه الأخيرة تقول عواضة: «إن مشروع القانون مقسم إلى جزءين: حماية وردع.
ستُشعر الحماية النساء بالأمان وهي خطوة وقائية قبل اللجوء إلى الشكوى قد تتخذها السيدة بمجرّد أن تكون تحت تهديد العنف، وهي إنذار في حال تم خرقه فذلك يحتم على المعتدي أن يترك المنزل أو ان يؤمن لزوجته سكناً كما أنه قد يلزم بقرار من القاضي (حسب درجة العنف) أن يتردد إلى مركز للتأهيل من العنف لمعرفة كيفية إدارة غضبه أو حتى السجن عند مخالفة القانون.
أيضاً سيكون بإمكان السيدة المحافظة على خصوصيتها السرية العائلية في وجود مدعٍ عام أسري بديلاً عن المخفر، سيكون في خدمة السيدة جهاز خاص من قوى الأمن الداخلي في المناطق كافة وهذا سيتمّ تنسيقه مع وزارة الداخلية. كما أنه بات بإمكان أي شخص تحريك شكوى عن طريق الإخبار والإتصال بالدرك عند سماع أو رؤية أي إمرأة تتعرض للعنف خلافاً للسابق حين كان الدركي إذا رأى المرأة يسيل من فمها الدم أو على وجهها آثار كدمات ونكرت تعرضها للضرب يتراجع لكنه الآن هو ملزم بفتح محضر». وعن كون المحاكم الشرعية والروحية غير مزودة بقانون صريح الملامح بشأن المعنفات داخل الأسرة تقول المحامية عواضة: «المحاكم الشرعية والروحية لا تقدر أن تبت كلياً في موضوع العنف داخل الأسرة فإختصاصهم هو الطلاق أو الفسخ أو الهجر أو حق الحضانة والوعظ. والعنف في حالات معينة قد يكون قرينة للحصول على الطلاق، عملنا كمنظمة هو خارج نطاق هذه المحاكم ومشروع القانون الجديد يسدّ ثغراتها دون وجود أي تعارض في المهام».


مقتطفات ومواد من  مشروع القانون اللبناني لحماية النساء  من العنف  الأسري



الباب الأوّل -
 أحكام عامة

المادة 1
تطبق أحكام هذا القانون 2002/422 على قضايا العنف الممارس ضدّ الإناث في الأسرة من جميع الأعمار، على ألاّ يتعارض ذلك مع القانون المتعلّق بحماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرّضين للخطر.

المادة 3
يعتبر العنف الأسري جرماً معاقباً عليه في هذا القانون، يمكن أن يتجسد على سبيل المثل:
أولاً
- بالعنف الجسدي ويشمل إستخدام القوة البدنية، كالضرب أو القوة المادية، بأية وسيلة كانت، بقصد الإيذاء.
ثانياً
- العنف الجنسي ويشمل الإغتصاب أو التحرش الجنسي بالإناث أو إكراه الزوجة على الممارسة الجنسية، الجماع القسري مع إمرأة مريضة أو معوقة' أو تحت تأثير الكحول أو المخدرات بشكل يفقدها إرادتها، إكراه المرأة على ممارسة البغاء.
ثالثاً
- العنف النفسي ويشمل السيطرة على المرأة أو حجز حريتها أو تحقيرها أو إكراهها عل الزواج.
رابعاً
- العنف الإقتصادي ويشمل حرمان المرأة من الحصول على الموارد الحياتية الأساسية والتحكّم بها أو إستغلالها.


الباب الثاني- تقديم الشكاوى والإخبارات

المادة 4
يعيَّن نائب عام إستئنافي أسري في كل محافظة. وتشمل صلاحياته إضافة إلى إصدار أوامر الحماية صلاحية تحريك دعوى الحق العام أمام قضاة التحقيق، أو الإدعاء المباشر أمام المحاكم المختصة، وذلك فيما يخص الجرائم المتعلقة بالعنف الأسري.

المادة 8
على المركز الصحي العام أو الخاص حيث تتلقى الضحية العلاج، عدم التلكؤ في إحالة شكوى الضحية إلى الضابطة العدلية التي يقع مركزها ضمن نطاق عملها وذلك تحت طائلة الملاحقة المسلكية والقانونية.

المادة 11
على أشخاص الضابطة العدلية، تحت طائلة المسؤولية عدم إهمال الشكاوى أو الإخبارات المقدمة إليها أيّاً كان مقدمها، إن محاولة إكراه المرأة على الرجوع عن الشكوى يعرض الضابط العدلي إلى المساءلة المسلكية.


الباب الثالث- أمر الحماية

المادة 16
يقدم طلب الحماية إلى النائب العام الإستئنافي الأسري في كل محافظة، الذي عليه أن يبت فيه خلال ثماني وأربعين ساعة من تاريخ تقديمه.

المادة 17
يتضمن أمر الحماية الأمور التالية، على سبيل المثال لا الحصر:
 - إلزام المدعى عليه بعدم التعرض للضحية تحت طائلة التوقيف وإلزامه بتأمين سكن بديل.
 - إلزام المدعى عليه تسديد تكاليف العلاج الطبي للضحية.
 - إلزام المدعى عليه تأمين نفقات رعاية أطفاله، بالإضافة إلى مصاريف الطبابة والتعليم لحين صدور قرار النفقة.

المادة 24
يتم إختيار أطباء شرعيين مؤهلين حول العنف الأسري: على أن يتكفل بالأتعاب الصندوق المالي المنصوص عليه في المادة 20 من هذا القانون.

المادة 26
على أي مرجع قضائي بما في ذلك المراجع القضائية الشرعية والروحية والمذهبية إعلام محكمة الأسرة أو النيابة العامة الأسرية في حال الإشتباه بحادث عنف أسري يظهر أثناء قيامها بأعمالها القضائية، وعليها إيداع نسخ عن المستندات المتوافرة لديها الدالة على العنف الأسري.


خطّ أمان للحالات الطارئة

غيداء عناني
- منسقة البرامج في منظمة «كفى عنف وإستغلال» ومسؤولة عن مركز «الإرشاد والإستماع» الذي يقدّم: «خدمات إجتماعية وقانونية ونفسية والطبّ الشرعي وأخصائيين ومعالجين نفسيين كما يقدم المركز إرشاداً ومرافقة إجتماعية وقانونية مجانية للضحية ويعرّفها إلى حقوقها ويسهّل خطواتها تجاه المحاكم المختصّة هناك محامون يمثّلونها أمام القضاء والمحاكم إذا ما قررت تقديم دعاوى جزائية  من ضرب وإيذاء أو منع سفر ونفقة». وتشدد غيدا على أهمية اللجوء إلى تقرير الطبيب الشرعي فهو: «الوثيقة الأساسية لإثبات حالة العنف الممارسة على المرأة ولحفظ آثار العنف الظاهري». أما العنف النفسي فعلاجه «في العيادة ويعتبر أساسياً لإخراج المرأة من شخصيتها الهشة وتمكينها من استعادة حياتها، وقد يكون فردياً أو جماعياً عبر Support Group Program وهو عبارة عن «جماعات دعم ذاتي» للمرأة المعنفة حيث تلتقي باستمرار وغيرها ممن تعرضن للعنف ليناقشن وضعهن ويدعمن بعضهن بعضاً عبر الحديث عن معاناتهن. كما أن لدينا في المنظمة برنامج «خط الأمان» للحالات الطارئة متوافر 24/24 ساعة يقدم الإرشاد الهاتفي الفوري من قبل إختصاصيين ونحن نتلقى خمس حالات جديدة أسبوعياً».


أسباب العنف الأسري وأشكاله ونتائجه

ومن لبنان يرى الدكتور سامي قواس، (طبيب شرعي وطبيب عائلة)، أن العنف قضية عالمية حصدت أرقامها الكثير من الإحصائيات التي ظهرت شبه متقاربة، لكن المسألة تكمن في كون المجتمعات المختلفة تفضح أمر العنف أم تحميه وتتكتم عنه. لكنه يسلّم: «بأن العنف الأسري في لبنان بات يخرج من البيوت ولم يعد سراً مقارنته مع ما مضى رغم بعض التعتيم الذي لا يزال يسود المشهد خوفاً من خسارة حضانة الأطفال وهذا أمر لا نجده  في الخارج حيث تترسخ حقوق المرأة ويتواجد مأوى خاص للمعنفات يلجأن إليه لدى تعرضهن لأي سوء». يضيف: «يوجد العنف في المجتمعات كافة فالعامل والأستاذ الجامعي والطبيب والضابط والشرطي قد يقومون بضرب زوجاتهم، وأتكلم إستناداً للحالات التي أعاينها حتى أن وزيراً خارج لبنان حيث الحصانة مرفوعة عن الجميع حسب تقرير درسته قام بتعنيف زوجته».
ويجد الدكتور سامي: «أن الرجل الذي يؤذي زوجته أو المرأة بشكل عام يعاني مرضاً نفسياً يدفعه لضربها نتيجة بيئة ترعرع فيها حيث كان يتعرض للضرب وهو صغير أو سُمح له أن يضرب أخته بصفته المسؤول الأول في غياب الوالد عن تصرفاتها. والضرب هو ترجمة غير شعورية ولا واعية يمارسها الرجل كما أنه يطلق العنان لعنفه عندما يلقى تجاوباً من المرأة التي تتقبل الوضع وتطيعه عقب تعرّضها للضرب، وهذا ما يعزز عنده غريزة القوة التي يشعر بلذة لدى بسطها وتصبح نمطاً حياتياً غير صحي Pathologique. وعن الحالات التي عاينها  والإنطباع الذي تركته مجمل النساء المعنفات لديه يقول: «هناك عنف جسدي ونفسي (كلامي) بين الرجل وزوجته وبين الرجل وخادمته وهذا الأخير نوع من العنف تجاه الجنس الآخر باعتبار الرجل هو السيّد وقد تمارسه أيضاً المرأة على خادمتها عبر التهديد الإقتصادي أو القيام بالمهام المنزلية الشاقة دون رحمة وحرمانها أدنى سبل الحماية والعناية. من تلجأ إليّ كطبيب شرعي تأتي بقرار شخصي وسري لكتابة تقرير عن حالتها، قد تقدّمه في المستقبل إذا ما قررت اللجوء إلى النيابة العامة عبر إبلاغ تريد من ورائه رفع دعوى طلاق بصفة التقرير هو الإثبات الملموس للعنف لكن 95% من هذه التقارير تتكدّس في العيادة».


في
 عيادة الطبيب العنف موجود بقوة في الزواج الحديث والطبقة الميسورة ليست بعيدة عن ممارسته

يصف الدكتور عبد الرحمن الحوت الحالات التي تزور عيادته بقوله: «تتعرض الفتيات للعنف الأسري إذا أقدمت على تصرفات لا ترضي العائلة وفعل الضرب هو «جزء من التربية وتقويم السلوك»  وهذه الوسيلة لا تزال رائجة ومرتبطة بالعادات الإجتماعية والتقاليد المتحجّرة، وذلك بناء على وشاية أو خبرية قد تطال كرامة العائلة، فيقوم الوالد أو الأخ بإثبات رجوليته عبرا الإعتداء الجسدي والضرب المبرح حتى أنني قد أحدد الأداة التي إستخدمها المعتدي أثناء فعل الضرب (آثار حزام، حذاء، صفع، لكمة، أسنان..). وثمّة حالات كثيرة تبقى في العتمة وبذلك تكون المرأة قد تعرّضت لنوعين من العنف، جسدي ونفسي (الكتمان). كما أن غالبية الحالات (70-80%) تعنّف من قبل الزوج وتلجأ الزوجة إلى العيادة مصطحبة والدتها طالبة كتابة تقرير بغية تهديد زوجها لا أذيته، فهي رغم ما ألحقه بها تتعاطف معه  ولا يمكن أن تتنصل منه خصوصاً إذا ما كانت أمّاً.
وقد لاحظت أن العنف موجود بقوة في الزواج الحديث أي بعد أشهر قليلة من الزواج أو سنتين أو ثلاث على أبعد تقدير، وهذا ينشأ بسبب الغيرة أو الأعباء المادية ومتطلبات الحياة». وقد عاين الدكتور الحوت: «حالات عنف خارج إطار الضرب كالإعتداء الجنسي من قبل الوالد أو زوج الأم «ولا تصل الكثير من هذه الجرائم إلى المحاكم الجزائية للمحاسبة خوفاً من اللغو والكلام الجارح والفضيحة». ويقول الدكتور عبد الرحمن: «أن البيئة التي يغيب عنها الوعي الإجتماعي والديني هي مكان خصب لوجود العنف حيث يفهم الدين والأخلاق من منطلق النزعة السلطوية الذكورية». وعن المستويات الإجتماعية التي تمارس العنف يقول: «قد تكون البيئة الفقيرة هي الصورة التي تعكس العنف لكن الطبقة الميسورة ليست بعيدة عنه، فالمظهر الإجتماعي Prestige هو ما يضع القناع على حقيقة الأمور».