التحرش الجنسي!

مشكلة / مشاكل إجتماعية, مشكلة / مشاكل نفسية, توعية إجتماعية, شركة صوت القاهرة, تحرّش جنسي, شهر رمضان

09 سبتمبر 2009

حملات كثيرة انتشرت تحت سماء القاهرة أخيراً لمناهضة التحرش الجنسي والتوعية بأسبابه وأثره النفسي على الضحية. ولكن ما حدث مساء ثاني أيام عيد الفطر المبارك من تحرش جنسي جماعي يؤكد استمرار تلك الظاهرة المؤسفة، خاصة أن هذه ثاني حادثة تحرش جنسي جماعية تحدث في العيد! فقد تناقلت الصحف ومواقع الانترنت أن ما يقرب من مئة فتى أغلبهم في الـ 15 و 16 عاماً تحرشوا بمجموعة من الفتيات. ورغم أن حادثة التحرش لم تكن مدبرة وبدأها عدد قليل من الشباب إلا أن عددهم ازداد بسرعة البرق هاتفين: «وليمة .. وليمة». لم يرحم هذا الجمع الفتيات من التحرش الا تدخل القوات الأمنية التي قبضت على 30 شخصاً يجرى التحقيق معهم. الأسئلة التي تطرح نفسها الآن: هل العيد وغيره من الاحتفالات أصبحت موعداً للتحرشات الجماعية؟ ما الذي دفع هؤلاء إلى هذه الفعلة المؤسفة؟ وأين نخوة الشباب العربي؟


تقول ميرفت قاسم مديرة برامج تنمية المرأة المصرية في إحدى المؤسسات إن «التحرش الجماعي أصبح مظهراً من مظاهر الاحتفال بالعيد لدى الشباب الذي كفر بالقيم والأعراف الاجتماعية. وكنا نردد من قبل أننا أصبحنا على حافة الانهيار، ولكننا الآن انهرنا بالفعل. ولعل ما حدث دليل على حالة العشوائية التي نعيشها ولا أعني مساكن العشوائيات فقط، وإنما عشوائيات التفكير والقرارات وعشوائيات السلطة أيضاً».
بعد أول حادثة تحرش جماعية التي حدثت في وسط القاهرة قبل عامين، أصبحت فئة كبيرة من الفتيات تخشى الخروج في الأعياد تخوفاً من الازدحام واحتمال حدوث حالات تحرش ولو حتى فردية. أما الفئة القليلة الأخرى التي تخرج في العيد لم تكن تتخيل أن الأمر سيتكرر ثانية بالجرأة نفسها، بل أكثر جرأة. فهل أصبح العيد حقاً موعداً للتحرش الجنسي؟
تجيب عن هذا السؤال المحامية نهاد أبو القمصان رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة وأبرز الناشطات الحقوقيات، رافضة فكرة أن يكون العيد موعداً للتحرش الجماعي، وتؤكد أن «هذا من الممكن أن يحدث في أماكن الزحام ولا علاقة له بالعيد إطلاقاً. إنني لا أحب أن أذهب ببناتي الصغيرات إلى «الملاهي» في أوقات الزحام ، فما بالك بما قد يحدث للفتيات البالغات»؟
وتلقي أبو القمصان اللوم الأكبر على الجهاز الأمني في مصر قائلة : «ما حدث كارثة أمنية تكشف عن فجوات داخل الجهاز الأمني، فالحكومة مهتمة بالأمن السياسي ضاربة بالشعب عرض الحائط. لقد حذر المركز المصري لحقوق المرأة من ازدياد التحرش في العيد، وطالبنا بتكثيف القوات الأمنية في أماكن التجمعات، ولكن لا حياة لمن تنادي».


كبت جنسي بعد انتهاء رمضان

الدكتورة إيمان الشريف أستاذة علم النفس الجنائي في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائي، تفيد أن التحرش الجنسي بصفة عامة سلوك منحرف وسيئ لا يقتصر على العيد.
وتفسر الحادث من الجانب النفسي قائلة: «إن هذه المجموعة تعاني الكبت الجنسي وكبت المشاعر والاحاسيس بعد كبح جماح الانحرافات في رمضان شهر التقوى والعبادة الذي تقل فيه الجرائم والسرقات والانحرافات، وبمجرد انتهاء روحانيات الشهر الكريم عادت سلوكياتهم إلى ما كانت عليه».
وأوضحت أن هذا السلوك المنحرف له «أسباب مرضية ناتجة عن اضطرابات نفسية، منها ما يعود إلى الشخص نفسه، ومنها ما يعود إلى الأسرة وأسلوب التربية، ومنها ما يعود إلى المجتمع إذا كان يحرمهم من حقوقهم كشباب في العمل والحياة والسياسة. وعند غياب هذه الحقوق تزداد احتمالات السلوك المنحرف. ومن الأسباب المهمة أيضاً تعاطي المخدرات، فهي تغيّب الإنسان عن وعيه وتسهل له ارتكاب الجريمة، لأنه لو كان في حالته الطبيعية لفكر ولو للحظة في احتمال أن يمسكه أحد أو يبلغ عنه فيتراجع على الفور. ولكن المخدرات تلغي العقل، ومن هنا جاءت الثقافة السائدة في العشوائيات أن المخدرات تحسن مزاج الإنسان وتقوي قدرته الجنسية.
ومن ضمن العوامل التي أدت إلى ذلك السلوك المنحرف دخول الشباب في جماعة من أجل التحرش، فهذا أدى إلى عدم ترددهم ومنهحم الشعور بالقوة، إذ تصوروا أن الإمساك بالمجموعة والابلاغ عنهاأمران صعبان».
ولأنه من الوارد أن يكون للمجني عليهن دور في الجريمة بارتداء ملابس جريئة ليلاً، خاصة أن الليل موعد لجرائم كثيرة كالسرقة والاغتصاب والتحرش، تنصح أستاذة علم النفس الجنائي كل فتاة بعدم السير وحدها ليلاً حرصاً على سلامتها، نظراً الى الانحرافات والعنف والجرائم الجديدة داخل المجتمع.


الأهل لا يربون أبناءهم

كل شاب أو فتاة لم يتزوج بعد لديه كبت جنسي، وهذا أمر عادي وليس مَرَضياً وليس مبرراً للتحرّش الفردي والجماعي. هذا ما تؤكده الدكتورة هبة قطب أستاذة الطب الجنسي والاستشارات الزوجية.
وتضيف: «إذا كان عدم الزواج أو الظروف الاقتصادية مبرراً لارتكاب الجرائم، لمَِ أمر الله الشباب بغض البصر والبنات بالاحتشام؟ أنا أكره جداً تعليق الأخطاء على شماعات الظروف والكبت لأنها أوهام تجعلنا كالنعام ندفن رؤوسنا في الرمل وقت الخطر كي لا نراه ونتصور أنه ابتعد عنا، فعلم الموارد البشرية يؤكد أن الإنسان لم يحمل نفسه الذنب الأول لوقوعه في الخطأ يعتبر شخصية غير سوية».


وسيلة انتقام وتسلية

ترجع الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، المشكلة إلى الفراغ الذي يعيشه الشباب في الإجازات الطويلة وعدم قدرتهم على الإنفاق على أماكن التسلية والخروج، فيلجأون إلى التحرش الجنسي كنوع من التسلية ومن الانتقام من المجتمع.
وتوضح: «الأمر المثير للانتباه أن التحرش أصبح يحدث بكثرة وبشكل جماعي ويزداد في المناسبات والإجازات، وهذا يجعلنا نفكر في الأمر بشكل وأسلوب مختلفين إلى حد ما، فهو ليس دليلاً على الكبت الجنسي خصوصاً إن كان جماعياً لأن المتحرش لا يبلغ متعته، وإنما كونه بشكل جماعي يعني أن هناك إحساساً وفكراً وأسلوباً جماعياً بعيداً عن المتعة الجنسية. الفراغ أهم هذه الأسباب فهؤلاء الشباب الذين ينتمون إلى بيئة فقيرة يعيشون في فراغ ذهني وعاطفي ولا يوجد ما يشغلهم بشيء يحبونه، فلا يحبون المدارس ولديهم حالة ضيق ورفض للتعليم. أيضاً لا أماكن للرياضة وإن انوجدت النوادي فهي مكلفة وغير متوافرة للجميع. أيضاً نجدهم في حالة فراغ حيث لا توجد قضية تشغلهم ولا طموح مستقبلي ولا حتى لديهم هواية يمارسونها. كل ذلك يوقع الشباب في براثن الفراغ، ولدرجة أن أصبح المتحرش عمره 15 عاماً أي طفل في نظر القانون».


مأساة الشباب

تضيف أستاذة علم الاجتماع: «إلى جانب الفراغ يأتي السبب الثاني وهو الإحساس بالإحباط، وهو ليس احباطاً جنسياً وإنما إحباط عام. فالشباب الآن لا يرى المستقبل بصورة جيدة، فهو غير راضٍ عن التعليم نظراً إلى مساوئ أسلوب، ويرى شبح البطالة المنتظره مستقبلاً، فحتى الزواج لا يستطيع التفكير فيه، فهو محبط من كل ناحية وبالتالي هو يريد أن يتسلى في وقت افتقد فيه الرياضة والهواية وكل شيء مفيد فتكون تسليته هي التحرش في الشارع بداية من معاكسة البنات، وميل إلى البلطجة في الشارع وحتى داخل نطاق الأسرة.
إن الشباب يشعر بالظلم وليس الإحباط فقط، فالمجتمع الذي من المفترض أن يحميه لا يحقق له أي مصالح، فالعمل المناسب والجيد يجب أن يكون بمحسوبية. كما أنه يرى أصحاب رؤوس الأموال هم إما أصحاب المال أو الحكومة أو الفنانون، فيكون العداء بين الشباب والمجتمع ويتلاشى لديه الانتماء، بالإضافة إلى الفقر الذي يعيشون فيه، هناك الأفلام والمسلسلات التي تلعب غالباً على استفزاز حقدهم الطبقي أو إثارتهم بالعري، المشاهد الساخنة. كل هذه الأحاسيس لا أحد يتطرق لها، ولكنها كفيلة بأن تولد رغبة لدى هؤلاء الشباب في الانتقام، فيلجأون إلى التحرش في شكل جماعي وكأنهم يعربون عن رفضتهم للمجتمع جملة وتفصيلاً مطالبين بآخر أكثر عدالة».
وتؤكد الدكتور عزة أن هؤلاء الشباب لا يشعرون بالإنتماء إلى المجتمع لأنهم يشعرون بأنه ظلمهم.


السجن ليس علاجاً

تعليقاً على دعوات مؤسسات حقوق المرأة إلى تجريم التحرش الجنسي قانونياً، تقول الدكتورة عزة كريم: «أنا رافضة تماماً للقوانين لأنها لن تطبق، فكم من القوانين التي لا تطبق في مصر. هذا ليس بحل فالقوانين لن تفرض سوى السجن أو الغرامة ولن يدفع هؤلاء الغرامة لأنهم فقراء. وبدخولهم سجن الأحداث سينشأ لدينا جيل خطير من المجرمين، لأنهم سيعاشرون اللصوص والمجرمين داخل الأحداث وبدلاً من الإصلاح سنقع في فساد أكبر. فالسجن ليس علاجاً، العلاج هو حل اساس المشكلة.
منذ أول حادث تحرّش جماعي بعد رقص دينا في العيد، أكدتُ أن التحرش سيزداد، واليوم أؤكد من جديد أنه سيزداد أكثر لأننا نهتم بالأسباب الفرعية تاركين الأسباب الرئيسية. لذا أقترح أن ننشئ معسكرات وندوات لهؤلاء الشباب يكون فيها اجتماعيون ونفسانيون يسمعون ويحللون ما دفع الشباب إلى ذلك. وأستطيع أن أجزم مسبقاً بأن نتائج التحليل ستكشف الأسباب الحقيقية».
في نهاية حديثها تنادي كريم الدولة بأن تشعر بمشاكل الشباب تحلها تضامناً مع أزمته النفسية الناتجة عن جميع الأسباب السابقة، «فعدم العدالة والإحساس بالظلم هما أساس أي سلوك بلطجي. وأنا أرى أن ما حدث ليس تحرشاً وإنما بلطجة».


براءة السينما

وليست الدكتورة عزة كريم وحدها من تؤكد أن العري والمشاهد الساخنة في التلفزيون والسينما أحد أسباب زيادة معدل التحرش، ولكن هل لتلك المشاهد ضرورة في العمل الفني؟ وما رأي النقاد في ذلك؟
تشدد الناقدة الفنية ماجدة خيرالله على براءة السينما من هذا الاتهام، معللة بذلك أن من قاموا بحادث التحرش الأخير ليسوا من سكان المهندسين وإنما بولاق الدكرور، وهؤلاء نتاج تربية الفقر والعشوائيات وبالتالي لا يمتلكون عشرة جنيهات ثمن تذكرة سينما. وأكدت أن الجرأة حق من حقوق السينما، تختاره حسب الموضوع، فكيف سيناقش زنا المحارم في العشوائيات على سبيل المثال دون جرأة؟
وتضيف: «هذه الفئة غير قادرة على دخول السينما وإنما متاح أمامها «النت» وإباحيته حيث يوجد في كل منطقة «نت كافيه» أو «سايبر» كما يطلقون عليه. وأكبر دليل على ذلك أنه في الستينات عندما كانت السينما في أوج مجدها وحريتها وكانت البطلة تظهر بالمايوه، كانت الأخلاق الحميدة منتشرة ولم نسمع عن حوادث اغتصاب ولا تحرش بسبب السينما».
وترى خيرالله أن قول الخبراء إن التحرش مرتبط بالسينما نابع من فشلهم في إيجاد الأسباب الحقيقية، لأن هناك أسباباً أهم وأكثر موضوعية مثل تدهور الأحوال الاقتصادية وغيرها.


القيم الدينية

يرفض الدكتور عبد المعطي بيومي أستاذ أصول الدين في جامعة الأزهر أن يكون السبب كبتا ناتجا عن رمضان وإنما السبب خواء هؤلاء الشباب من القيم الدينية وانعدام حيائهم.
ورأى أن لديهم الكثير من المشاكل النفسية، لذا يدعو علماء النفس والاجتماع إلى البحث في وضع هؤلاء الشباب اجتماعيا ونفسياً، من أجل الوصول إلى السبب الحقيقي.
ويتفق معه في الرأي الدكتور عبد اللطيف العبد أستاذ الفلسفة الإسلامية في كلية دار العلوم جامعة القاهرة، مفيداً بأن صوم رمضان ليس من الممكن أن يكون سببا لهذا التصرف، ومرجحاً أن أعظم هؤلاء الشباب لا يصومون موضحاً أن الصيام «ليس صياماً عن الطعام والشراب وإنما الصيام عن اللغو والرفث، ومعنى الرفث المداعبة والأحاديث الجنسية».