تعيين أول امرأة إماماً لمسجد يثير جدلاً
سعاد صالح, صلاة, هوارية فتاح, د. عبلة الكحلاوي, د. أحمد عمر هاشم, د. نصر فريد واصل, جمال البنا شقيق, الشيخ عبد الجليل الحجاجي
16 سبتمبر 2009أثار قرار مسجد الصحابة في مدينة فرفيار البلجيكية بتعيين «هوارية فتاح» كأول إمامة لمسجد في العالم ردود فعل غاضبة في العالم الاسلامي إلا أن هناك من أيدها مؤكداً أن من حقها العمل كإمام وصلاة الناس خلفها صحيحة على عكس رأي جمهور العلماء بأن الصلاة خلفها باطلة بل أن صلاتها هي باطلة، فماذا قال المؤيدون والمعارضون لهذا التعيين؟
تعود القضية إلى صدور قرار مجلس إدارة مجلس مسجد الصحابة في مدينة فرفيار جنوب بلجيكا بتعيين الداعية هوارية فتاح التي تبلغ من العمر 35 عاماً وهي مولودة من أب جزائري وأم بلجيكية كأول إمامة للمسجد في العالم الاسلامي على أن لا تعتلي المنبر أو تؤم الناس في الصلاة في المرحلة الأولى إلا بعد أن يتم تدريبها على ذلك عملياً في القطاع النسائي قبل أن تقوم بوظيفتها كاملة في مرحلة تالية.
وقد أحترفت «هوارية» الدعوة رغم أنها أم لثلاثة أطفال وحاصلة على الاستاذية في العلوم الاجتماعية والدراسات الاسلامية وعملت سابقاً في أحد المساجد البلجيكية كمرشدة دينية.
باب للفتنة
وأعترض الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق على هذه الخطوة قائلاً: عمل الاسلام على منح المرأة حريتها ولكن ليس بما يفتح ابواب الفتنة بدليل أنه ينظر إلى صوت المرأة على أنه ليس عورة إذا كان طبيعياً ولكن الحكم الشرعي يختلف إذا كان هناك تغنٍ به أو خضوع بالقول بغرض الاثارة، ومن يقرأ السيرة النبوية لن يجد طوال التاريخ الاسلامي امرأة قامت بإمامة الرجال في الصلاة أو ألقت خطبة للجمعة أو حتى رفعت الأذان، وليس هذا تعصباً ذكورياً، كما يزعم البعض، ولكنه إغلاق لأبواب الفتنة وإعطاء كل جنس ما يتوافق مع طبيعته التي خلقه الله عليها، وهذا لا يتنافى مع أصل «التكريم» الإلهي للبشر جميعاً حين قال: «لقد كرمنا بني آدم»، ومن لديه فطرة سليمة سيرفض أن تقوم امرأة بإمامة رجال خلفها لأننا بشر وسيحرك الشيطان سهامه المسمومة في الرجال بالنظر إلى المرأة بشهوة وهذه غريزة الرجال، ومن هنا تأتي الحكمة الاسلامية بضرورة أن يكون الإمام رجلاً مع جواز أن يصلي الرجال والنساء في مكان واحد بشرط أن تكون هناك استقلالية أو انفصال بين الجنسين، بل أنه حرص على إغلاق أي باب للفتنة عملاً بمبدأ «الوقاية خير من العلاج» حيث قال صلى الله عليه وسلم «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» وذلك حتى يحدث استقراراً نفسياً خاصة في الصلاة حيث تكون صفوف النساء خلف صفوف الرجال، وهذا ما فعله الرسول الله صلى الله عليه وسلم وكل المسلمين من بعده وحتى قيام الساعة ومن يخالف ذلك فقد ضل سواء السبيل.
بالشرع صلاتها صحيحة
يقف في الجانب المؤيد لما ستقوم به «هوارية» جمال البنا شقيق حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين والذي يتم تلقيبه بالمفكر الاسلامي رغم اعتراض الأزهر على اجتهاداته ومنها موضوع إمامة المرأة حتى أنه أصدر كتاباً عنوانه «جواز إمامة المرأة للرجال»، واستند في ذلك إلى أن الاسلام ساوى بين الرجل والمرأة في أحكام العبادة ومنها الإمامة التي يجب أن تكون للأكثر كفاءة والأحفظ للقرآن بصرف النظر عن جنسه، وتلك الأفضلية عند الله بالتقوى فقط. وهذا ما أكده الله سبحانه وتعالى في قوله «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، والتقوى هنا تعني «الاكفأ» بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل صبيا يؤم شيوخاً في سن آبائه وأجداده لأنه الأكثر حفظاً للقرآن وليس هذا فحسب بل ان سالم مولى أبي حذيفة صلى إماماً وكان وراءه كبار الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وغيرهما من الصحابة وهذا تأكيد على أن الكفاءة هي الأصل ومعيار التفاضل بين المسلمين بصرف النظر عن كونهم رجالاً أو نساء.
ولم يكتف جمال البنا بذلك بل أنه اهدى نسخاً من كتابه «جواز إمامة المرأة للرجال» إلى الدكتورة أمينة ودود التي قامت بإمامة المسلمين في الولايات المتحدة وبريطانيا في صلاة مختلطة شارك فيها الرجال والنساء بعد أن قامت بإلقاء خطبة الجمعة وقامت امرأة بالأذان ووقف الجميع في صفوف واحدة دون فصل بين الرجال والنساء.
وأستند البنا في جواز إمامة المرأة إلى ما ورد من إماءة الرسول صلى الله عليه وسلم بالموافقة لامرأة وهي «أم ورقة» بإمامة من يقيم معها في بيتها وكان بينهم رجلان هما غلام لها ومؤذن. ولكن المشكلة حسب كلام البنا - أن الرجال حصروا المرأة في أنها أنثى وفتنة فقط ولهذا طالب بعضهم بعدم خروجها بعد زواجها إلا إلى القبر، في حين اتخذ آخرون مواقف لا تقل وحشية بتحريم خروج المرأة أو عملها أو اختلاطها بالرجال بأي شكل كان. وهذه كلها يرد فيها نص صريح في القرآن وهو مصدر التشريع والأحكام في الاسلام ولا تنفرد السنة النبوية بحكم شرعي ما لم يأت فيه نص قرآني، أليس من الأفضل أن تقوم بالإمامة امرأة عالمة بأمور دينها بدلاً من رجل جاهل لا يعرف أحكام الصلاة؟!
بدعة تؤدي للضلال
وصفت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح العميدة السابقة لكلية الدراسات الاسلامية - جامعة الازهر ما حدث بأنه «بدعة»، وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم البدعة بأنها الطريق إلى كل ضلاله حيث حذرنا من ذلك بقوله «في جزء من حديث طويل «فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»، والقول بجواز إمامة المرأة لصلاة مختلطة تجمع بين الرجال والنساء هو من قبيل البدعة التي ستقود إلى ضلالة وفتنة والدليل عدم إقبال المسلمين على الصلاة خلف من قمن من النساء بالإمامة في هذه الصلاة حتى أن الصلاة التي تمت في الولايات المتحدة كانت في كنيسة والتي حدثت في بريطانيا كان خلفها ما لا يزيد على أصابع اليدين وهم المأجورون الذين لا دين لهم ولكنهم عملاء لجهات مشبوهة هدفها هدم الاسلام بالضرب في ثوابته المستقرة.
النصيحة واجبة
تؤكد الدكتورة عبلة الكحلاوي عميدة كلية الدراسات الاسلامية في بورسعيد جامعة الأزهر أن من يعتقد بصحة إمامة المرأة آثم شرعاً لأنه آمن بحكم ليس معلوماً من الدين بل أنه بدعة تستهدف هدم ثوابت الاسلام وفي مقدمها الصلاة التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها «عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين» ومن هنا نعرف سر الاصرار على هذا الأمر غير المألوف عبر تاريخ الاسلام كله وذلك تحت مسميات خادعة مثل حق المرأة في المساواة بالرجل في كل شيء مع أن الله خلق أدوارهما متكاملة وليس متصارعة أو متعارضة وبالتالي فإن من يصلي هذه الصلاة التي تكون المرأة فيها إماماً فصلاته باطلة شرعاً وهو آثم يجب على العلماء تقديم النصيحة الصادقة له تطبيقاً لقول الرسول «الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال الرسول: لأئمة المسلمين وعامتهم».
أدلة شرعية ضعيفة
ويوافقه في الرأي الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس السابق لجامعة الأزهر الذي أكد أن الحديث الوارد في شأن إجازة الرسول صلى الله عليه وسلم لأم ورقة إمامة أهل بيتها وفيهم رجال هو حديث ضعيف واختلفت آراء العلماء حوله حيث عارضه جمهور الفقهاء ولم يؤيده إلا القليل جداً ومع هذا وضعوا شروطاً أهمها أن تكون وحدها الحافظة للقرآن والعارفة بأحكام الشرع وسط رجال جهال من محارمها فقط وأن تكون هي نفسها عجوزاً وليس فيها ما يفتن حتى محارمها وأن يكون ذلك في صلاة النوافل كالتراويح وليس في صلاة الفروض الخمس وهذا ما قال به ثلاثة من القدامى هم الطبري والمزني وأبو ثور، أما جمهور الفقهاء القدامى والمعاصرين فيرفضون إمامة المرأة للرجال والنساء في الصلاة وإذا صلت فصلاتها وصلاتهم باطلة وعليهم القضاء في حين يجوز لها إمامة بنات حواء مثلها ولا شيء في هذا، أما أن تزاحم الرجال وتجعلهم يختلطون بالنساء في الصلاة فهذا ما يرفضه العقل وليس الشرع فقط ولا يقبله إنسان غيور على دينه وأهله إذا كانت زوجته أو شقيقته أو حتى أمه من المصليات الحريصات على صلاة الجماعة فهل يفضل بفطرته أن يصلين مع نساء مثلهن أم وسط رجال ليتفحصوا صباءهن؟!
وبرر الشيخ عبد الجليل الحجاجي مدير مسجد الصحابة هذه الخطوة غير المسبوقة قائلاً: نحن نعطي المرأة حقاً من حقوقها في ممارسة الدعوة إلى الله وقد تم تقديم طلب باسمها ضمن قائمة بأسماء الأئمة إلى وزارة العدل البلجيكية المشرفة على شؤون الأديان ولم تحدث أي اعتراضات من المؤسسات الرسمية البلجيكية حتى الآن.
وعلى الفور اعترضت الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا على القرار الذي اتخذه مجلس مسجد الصحابة والذي تعدى فيه على سلطاتها باعتبارها الممثل الرسمي والوحيد للمسلمين أمام الحكومة البلجيكية ولهذا فإن تعيين «هوارية» ليس فيه مخالفة شرعية فحسب بل مخالفة قانونية حيث لم يتم اتخاذ الاجراءات المعتادة لتعيين الأئمة عن طريق الهيئة التنفيذية للمسلمين والتي تبلغ بدورها الحكومة ممثلة في وزارة العدل بالتعيين الجديد وهذا ما لم يفعله مسؤولو مسجد الصحابة إلا إذا كانوا يتعاملون مع المسجد على أنه تابع لجمعية وبالتالي يكون بعيداً عن الصفة الرسمية للمساجد البلجيكية التي يبلغ عددها 59 مسجداً.
واستند المعارضون في القارة الأوروبية إلى تزامن إعلان «هوارية» كأول إمامة لمسجد في العالم وقيام الدكتورة أمنية ودود التي تحمل الجنسية الاميركية وسبق أن خطبت وقامت بإمامة المسلمين في الولايات المتحدة بتكرار نفس العمل في بريطانيا قبيل تعيين هوارية كإمامة بأيام قليلة.