أصيبت بسرطان الثدي في سن الخامسة والعشرين

تحقيق, علاج, سرطان الثدي, دعم الأهل, التعايش مع المرض, استئصال الثدي, علاج كيميائي, محاربة المرض, مستشفى, شهادات حيّة, أورام سرطانية, مرض السرطان, فرص الشفاء, المرض القاتل, شهندة ناقرو, فحص عيادي, طبيب مختص, أشعة الماموغرام, الإحباط, مقاومة المرض, جا

09 نوفمبر 2009

تغيرت الأمور وباتت لا تعلم عن حالها حالاً، فكل من حولها يؤكد أنه من المستحيل إصابتها بالمرض لأنها في سن صغيرة جدا وهو أكثر سبب يؤخر هذه الإصابة، إضافة الى أنها أرضعت طفليها بشكل طبيعي مما يؤكد أنها لن تصاب بالمرض. ليالٍ قاسية، وحالة من الأرق والقلق حتى ظهرت النتيجة بأنها مصابة لا محالة، إلا أن اكتشافها المبكر للكتلة جعل الأمل محوراً مهماً في حياتها. شهيندة ناقرو ذات الخمسة وعشرين عاما والأم لطفلين، خصت «لها» بقصتها التي تعجب منها الطب قبل أن تتعجب منها أوساطها القريبة منها لأسباب عدة.

وجه مشرق جداً، وشخصية قوية تحملت الخبر الذي أكد أنها مصابة بكتلة سرطانية. شهندة ناقرو أصيبت قبل خمس سنوات بسرطان الثدي وهاهي اليوم تروي قصتها وتسترجعها بكامل تفاصيلها المؤلمة. تتوقف أحيانا، وتبتسم أحيانا أخرى متعجبة من قوتها التي فوجئت هي بها، وتتنهد بحرقة في أحيان ثانية لأنها لم تكن تتوقع أن تصاب بالمرض لأن كل الظروف التي تعيشها تؤكد أنها في الجانب الآمن.

شهيندة بدأت حديثها: «اسمي شهيندة ناقرو وعمري تسعة وعشرون عاماً. أروي قصتي حتى تتعلم كل سيدة وفتاة أنه بالفعل عليها أن تمارس الكشف المبكر على ثدييها بشكل مستمر لأن المرض لم يعد يفرق بين امرأة وأخرى. ولعل فحصي الذاتي جعلني على قيد الحياة حتى اللحظة. لا أعرف ما لذي جعلني أتحسس يومها صدري رغم أني لم أعر هذا المرض أي بال في الماضي. وحقيقة لم أكن أتوقع أن أكون مصابة به لأني كنت لا أزال في الخامسة والعشرين من العمر، وأرضعت طفلي، ولا أتناول اللحوم بل أعتمد على الطعام النباتي والطبيعي، ولست مصابة بالسمنة أبدا رغم حملي وانجابي مرتين. بالفعل لا يوجد سبب يجعلني أعتقد ولو للحظة أنه علي أن أفكر في مرض سرطان الثدي، ولكن هذه قدرة الله سبحانه وتعالى».

شهيندة كانت قد أصيبت خالتها بالمرض إلا أنها كانت فوق الخامسة والأربعين من العمر، إضافة إلى أن حكاية خالتها كانت مختلفة تماماً، اذ استؤصل الورم منها في وقت كان قد بلغ ما يقارب الثلاثة سنتمترات، وأعطيت العلاج المناسب وشفيت بعدها تماماً.

تقول شهيندة: «بعد إصابة خالتي بالمرض قررت إجراء الفحص الذاتي في يوم من أيام الحياة العادية التي تمر علي ولم أكن أشعر بأني أعاني من أي مرض، أو صداع، أو أي شيء. ولكن طرأ على خاطري أن أقوم بالفحص الذاتي عندما كنت أهم بالاستحمام. وبعد الانتهاء وضعت يدي على صدري اليمين وبكل وضوح ودون أدنى شك وجدت كتلة صغيرة جداً متحجرة تحت يدي. خرجت من الحمام خائفة، ولدي عودة زوجي الى البيت أخبرته بما وجدت، فراح يضحك علي ويطمئنني بأنها غدة لا أكثر. ولكن كان لدي إحساس كبير بأن الكتلة هي ورم خبيث. وأمام هذا الشعور رضخ لطلبي بالذهاب إلى المستشفى، وبالفعل كان لي ما أردت».

توجهت شهيندة إلى أحد المستشفيات الخاصة، وعندما قابلت الطبيب أكد لها أن سرطان الثدي لا يهاجم إلا ذوات السِّن الكبيرة، ولكن...

أكملت شهيندة حديثها: «الطبيب كان كثير التفاؤل، ولكن إحساسي كان يؤكد لي أنه مرض خبيث وليس كما يقول، مما جعلني ألجأ إلى المستشفى التخصصي. دار بيني وبين الطبيب المختص الذي أكد أنها لن تكون أكثر من غدة أو حليب متكلس. ولكن للاطمئنان أجريت لي أشعة الماموغرام، وكنت أنتظر النتيجة بفارغ الصبر. بالطبع هذه الحكاية قلبت الأمور رأسا على عقب خصوصاً مع والدتي وأهلي، وحتى أهل زوجي، وكانت والدتي تشجعني وتؤكد أنني واهمة ولا أساس لوهمي. ولكن هاجسي كان شبه مؤكد.

في اليوم التالي كان زوجي قد علم النتيجة مسبقاً وبالفعل أكد له الطبيب أنني مصابة. تحدث زوجي مع والدتي وأخواني  وطلب منهم الذهاب معي الى المستشفى إلا أنه لم يخبرني بالنتيجة. وحين علمت من زوجي أن والدتي سترافقني أصبح الشعور أكثر تأكيداً، وجاء دوري في الدخول إلى الطبيب، وبدأت الديباجة المعتادة فما كان مني إلا أن قلت له: دكتور أنا مصابة بالمرض الخبيث، صحيح؟ فرد بالإيجاب، ولكن كان المطمئن في حالتي كما ذكر حينها أن الورم أقل من سنتمتر واحد أي في بداية تكوينه».

تقبلت شهيندة الصدمة بروح متفائلة ولم تنهرْ، بل كانت هي من تساند والدتها وأهلها، وكان لديها ثقة إيمانية كبيرة بالله سبحانه وتعالى، وأخذت بالاستخارة والمضي في قرارات متعددة ستكشفها هذه السطور، إضافة إلى دخولها جميع المواقع الاكترونية المختصة بمرض سرطان الثدي. ولكن للأسف كل المعلومات التي كانت تجدها كانت تصف حالات السيدات اللواتي يكبرنها سنا، ولم تجد أي مرجع أو كتاب يتحدث عن الإصابة في سن مبكرة سوى كتاب واحد فقط كان مرجعها كلما أشار الطبيب عليها بشيء، ومع ذلك كانت تشعر بأنه لا يفي بالغرض.

المرض للمرة الثانية

بعد ثلاث سنوات ونصف وفي الشهر نفسه وهو تشرين الأول/أكتوبر، اكتشفت شهيندة أن المرض يداهم صدرها للمرة الثانية. «خلال إجراء الفحوص المعتادة وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة ظهرت في الأشعة بقعة غريبة، حينها أخبرني الطبيب وهو يكاد يجن مما يحصل معي. فبداية المرض كانت غريبة جداً لأني لم أكن مرشحة للائحة المصابات. المرض يعيد تكوّنه في الشهر نفسه، وفي المنطقة نفسها تحديداً. وعند اجتماعه بي قال: «شهيندة أمامي نتائج غير مطمئنة، ويجب أن نتأكد منها باخذ خزعة من الصدر، لأن الأشعة أظهرت خلايا غريبة».

حينها شعرت بالإحباط الشديد، لأن المرض يعاود شراسته معي للمرة الثانية بعد مضي ثلاث سنوات، وكنت أخال أني شفيت تماماً بالفعل أظهرت الفحوص وجود خلايا جديدة سرطانية، انهرت حينها، وقلت ليس للمرة الثانية، وعند مقابلة الطبيب الجراح قال لي «حقيقة هذه المرة أفضل أن أستأصل الثدي». الحديث وضعني أمام صدمة حقيقية فكيف سأفقد جزءاً من جسدي، اضافة الى العودة الى أخذ الجرعات الكيميائية. وبعدما علمت أسرتي بالأمر كان القرار استكمال العلاج في الخارج، ولكن عندما سألت وجدت أن خطوات العلاج ذاتها الموجودة في السعودية، وبالفعل استخرت الله وأكملت مشوار العلاج في السعودية، وفي المستشفى ذاته. وبالفعل توكلت على الله وأخذت قرار استئصال الثدي كونه الحل الوحيد المتاح. وكان الخيار بعد إجراء العملية هو الجراحة التجميلية ولكن قرر الطبيب أن أتريث قليلا قبل إجراء العملية التجميلية».

خضعت شهيندة لعملية الاستئصال، ولكن هذه المرة استغرقت العملية ساعات طويلة، إضافة إلى مكوثها في المستشفى عدداً من الأيام. الآن وبعد سنة ونصف السنة وبعد أن أكملت جلساتها العلاجية تعيش شهيندة حياتها الطبيعية، وبحلة من الأمل والمثابرة على متابعة أيامها في شكل طبيعي خصوصاًأنها تريد أن تغتنم كل ثانية مع طفليها ومع زوجها الذي وقف بجانبها. إلا أن رحلتها العلاجية لم تتوقف حتى اللحظة، فقد قرر الفريق الطبي إجراء بعض التحاليل للوقوف على سبب إصابتها بالمرض في هذه السن الصغيرة، وعودة المرض في حالة غريبة من نوعها. وقد نفى الطب العامل الوراثي في إصابتها رغم إصابة خالتها بالمرض، ولكن كان سبب حالتها نشاط جهازها الإخصابي بشكل كبير، وهذا ما دفع الأطباء الى إعطائها جرعات علاجية لتوقف نشاط المبيض لديها، وتخفيض نسبة الهرمون العالية والتي كانت سبب إصابتها بسرطان الثدي في هذه السن الصغيرة.

 

«زوجي كان الداعم الأول في رحلة مرضي»

مرت على شهيندة أيام أكثر من صعبة ومع ذلك تماسكت من أجل طفليها. وتؤكد أن الدعم الذي وجدته من زوجها وذويها جعلها أكثر إصراراً على الحياة، وعلى التمسك بالأمل: «أتذكر جيداً أنه عند سقوط شعري تماماً لم أكن قادرة على مواجهة زوجي ولا ولديّ فكنت أضع غطاء على رأسي، إلا أن زوجي كان أكثر من كريم معي، وأعتقد أن على كل زوج أن يكون مثله في مثل هذه المرحلة من الحياة. أذكر أنه كثير ما كان يقول لي أني عادية المظهر وشكلي لم يتغير، وأذكر انه بعد انتهاء الجلسات العلاجية كان قد ذهب بي إلى ألمانيا في رحلة استجمام، وكان شعري لا يزال قصيراً جداً، إلا أنه لم يبال وطالبني برفع الغطاء عنه، وأخذ يصورني في الرحلة».

وتستغرب شهيندة أمر الرجال الذين يتخلون عن زوجاتهم في حالة إصابتهن بالمرض كما صادفت في الحالات التي إلتقتها في المستشفى عند أخذها للجرعات الكيميائية: «المرأة عندما يصاب زوجها تكون أول من يقف بجواره، ولا تتخلى عنه تحت أي ظرف من الظروف، إلا أني حقيقة صادفت عدداً من الزوجات اللواتي وبكل أسف طلقهن أزواجهن بسبب مرضهن، ولا أعلم لماذا يتصرف بعض الرجال على هذا النحو».

واظبت شهيندة على جلساتها العلاجية، وبعد الانتهاء منها كان لا بد من متابعة حالتها بشكل مستمر عن طريق إجراء الفحوص المعتادة، إضافة إلى تناولها يومياً حبوباً تعمل على عدم رجوع المرض وقتل كل الخلايا السرطانية. ولكن ما حدث مع شهيندة خالف كل التوقعات، بل وكان صدمة حقيقة للأطباء.

شهيندة ما بعد الخبر

تأكدت إصابتها. وباتت أمام أمر واقع جعلها تحسب أموراً كثيرة داخل عقلها، وجعلها كما قالت أكثر تقربا من الله، ولكن أكثر ما كان يشغلها طفلان ليس لهما حول ولا قوة... «في ذلك اليوم قرر زوجي بقائي عند والدتي حتى لا أجلس في البيت وحيدة، وكان الطبيب قد قرر استئصال الورم خصوصاً أنه في حجم صغير جداً. لكن العائلة كانت قد طلبت مني إرسال أوراقي الى الخارج والعلاج خارج السعودية. لم أقتنع بالفكرة فما قدر من الله سيكون داخل السعودية أو خارجها، وكنت قد استخرت الله وأكملت علاجاتي في السعودية، وبالفعل تقرر موعد العملية وهي عملية اليوم الواحد.

وأجريت الجراحة واستؤصل الورم... إلى هنا كنت متماسكة للغاية، ولدي روح معنوية عالية جداً، ولم أتوقع من نفسي كل هذا التماسك خصوصا أني وحيدة والدي ووالدتي لأن كل أخواني من الصبيان. ولم يتوقع أي من العائلة أني أنا البنت المدللة سأبدي كل هذا التماسك وهذه القوة. والحمد الله أجريت العملية، ولكن كانت الصدمة بعد الاستئصال اذ قرر الطبيب العلاج الكيميائي والعلاج بالأشعة، هنا بدأ الخوف، خصوصا أني أعلم الكثير عن مضاعفات العلاج الكيميائي بسبب خالتي التي أصيبت بالمرض سابقاً، ومن خلال قراءاتي. ولكن بحسب ما ذكره الطبيب المختص أنه من الضروري استكمال العلاج حتى لا يعاودني المرض ونقضي على كل الاحتمالات خصوصاً أنه ولله الحمد لم تكن لدي سوى هذه الكتلة، ولم يكن المرض متشعباً في الغدد اللمفاوية».

سلمت أمرها لله وأكملت علاجها بأربع جرعات من العلاج الكيميائي، وعدد من الجلسات الإشعاعية تسلط على مكان الكتلة للقضاء تماما على الخلايا السرطانية.

«جهزني الدكتور نفسيا قبل الخضوع للعلاج وكان قد قرر أربع جلسات، يفصل بين الجلسة والأخرى ما يقارب ثلاثة أسابيع، إضافة إلى الجلسات الإشعاعية. ولكن المشكلة كانت حقيقة في العلاج الكيميائي لأنه هو الذي يؤثر في الجسم بشكل مباشر. ولكن ولله الحمد لم أتعرض لما تتعرض له الأخريات. صحيح سقط شعري تماماً في اليوم الثالث من تناولي للجرعة الأولى، إضافة إلى أني لدى أخذ الجرعة لم أكن أشعر بشيء ولكن بعد عودتي الى المنزل، أخذت قسطا من الراحة وكان زوجي قد قرر بقائي عند والدتي لتعتني  بي.أفقت من نومي على كتمة شديدة في صدري، وضيق في التنفس، وحرارة شديدة، مما اضطر زوجي للرجوع بي إلى المستشفى ليخبرني الطبيب أنها علامات طبيعية، وهذا كله من أثر العلاج».

 

كتاب تحت الطبع دليل شهيندة لكل فتاة وامرأة

لم تمر هذه المأساة مرور الكرام على شهيندة خصوصاً بعدما أجرت بحثاً كاملاً ومتواصلاً عن مرض السرطان في سن صغيرة ولم تجد أي معلومة مفيدة في مثل حالتها، مما دفعها الى كتابة تجربتها في كتاب تعده دليلاً حيوياً وحقيقياً عن هذه الفترة من حياتها، وكيفية مقاومة المرض، بكل عناد، وإصرار. وقد تطرقت في الكتاب إلى ضرورة دعم الزوج لزوجته، ودعم الأهل، إضافة إلى الطريقة الصحيحة لإجراء الفحص الذاتي في المنزل، وأنه على كل فتاة وسيدة القيام بهذا الإجراء بشكل دوري، ومن ثم إجراء أشعة الماموغرام في السن المطلوبة.

وقد ضمنت كتابها ما كتبه طفلاها ورسماه خلال فترة مرضها. والعمل بات تحت الطبع ليخرج دليلاً مفيداً لكل سيدة وفتاة.