بعد صدمة الاغتصاب في السعودية

محاربة الإكتئاب, إنتحار, المملكة العربية السعودية, صحة نفسية, شهادات حيّة, علاج نفسي, سميرة الغامدي, إختصاصي نفسي, تأهيل نفسي, إغتصاب, المجتمع السعودي, وزارة الشؤون الإجتماعية, الجمعيات المختصة, مركز تأهيل, المغتصبات, حالات التحرّش, الاعتداءات اليومي

08 ديسمبر 2009

ليس الاغتصاب حادثة تمر في حياة الفتاة مرور الكرام، بل هي تجربة تغيّر حياتها، لا بل تقلبها رأساً على عقب. من الطفولة البريئة إلى الانحراف، تلك هي الصورة التي نصادفها أمام معظم حالات الاغتصاب. عندما تتعرّض الفتاة إلى الاغتصاب على يد والدها الذي يمثّل الأمان والحماية لها، أو على يد أقرب المقرّبين كيف يمكن أن تتابع حياتها بأمان؟ هذه التجربة المرّة التي تمر بها المغتصبة هي الطريق الذي يقودها غالباً إلى الضياع والانحراف والبؤس، فتتجه بعدها من السيئ إلى الأسوأ عندما لا يعود لديها شيءٌ تخسره في ظل الظروف التي تعيش فيها.

وهذه الصورة التي ننقلها عن الاغتصاب ليست سوى تفصيل من مشهد عام يتواطأ فيه  في بعض الحالات المجتمع مع العائلة ليسحقوا كائناً مستضعفاً لا ذنب له سوى أنه كان ضحية لعمل وحشي. لكن حتى في أصعب الظروف يعود الأمل في لحظة من اللحظات عندما تصبح التجربة المرّة التي مرّت بها الضحية مصدر قوة لها لتتابع حياتها بشجاعة وعزم. «لها» تتعرض في هذا التحقيق لموضوع الإغتصاب مع التركيز على الطريق التي تسلكها المغتصبة للعودة الى الحياة الطبيعية ونبدأ بشهادات وتعليقات من السعوديّة.

تحدث المدير العام للشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة الدكتور علي الحناكي عن الآلية التي يتم التعامل  فيها مع المغتصبات نفسياً واجتماعياً وذلك عن طريق مستشفى الصحة النفسية. وتقام جلسات في اطار لجنة الحماية الاجتماعية «خاصة أن لديها تخصصاً يُعنى بتأهيل الفتيات المتعرضات للاغتصاب أو التحرش. ويشاركنا أيضا مدير مستشفى الصحة النفسية. ويمكن أن تخضع الفتاة لجلسات في المستشفى بدون إدخال أو تنويم في المستشفى لكن بزيارات متكررة لأي طبيب نفسي في المستشفى الى أن يتم إبعادها عن المخاوف والقلق الذي تعرضت له من المغتصب أو المتحرش. يبقى عمل وزارة الشؤون الاجتماعية ومستشفى الصحة النفسية ضمن مقاربة واحدة وتوجه واحد. وسبق أن شخصنا بعض الحالات وتم الاعتناء بها وأُعيد تأهيلها بشكل جيد ومعظم هذه الحالات لم تأخذ  إلا خمس جلسات لتعود الى حياتها الطبيعية مجدداً».

 

مركز لاستقبال الحالات الطارئة وخط ساخن لتلقي الشكاوى
وحول وجود مركز متحرك ومخصص لبلاغات التحرش الجنسي بالمحارم أو من الخارج، ذكر الحناكي ان وزارة الشؤون الاجتماعية أنشأت مركزاً لاستقبال الحالات ومساعدتها فور تلقي البلاغ، قال: «هناك ما يعرف بالخط الساخن وعلى الرقم ١٩١٩ وهو شامل لجميع مناطق السعودية. وتحرر البيانات من المعنفة أو المغتصبة ليتم التدخل في الواقعة من قبل رجال الحماية وشرطة المنطقة وهيئة التحقيق والادعاء العام. هذا الخط أُنشئ منذ ما يقارب ٣ أشهر، وبدلاً من أن تأتي المرأة المعنفة إلى دار الحماية وقد تواجه مشكلة في خروجها من المنزل، تستطيع إبلاغ المختصين عن طريق هذا الرقم ويتم التدخل. وفي منطقة مكة المكرمة وتحديداً في محافظة جدة على مدار سبعة أشهر تقريباً تم استقبال ٦٥٠ حالة، وهناك بعض الحالات التي دخلت إلى  إحصائية الدار مرتين أو ثلاث مرات أي أننا نعمل جهدنا لتأهيل المرأة المعنفة ثم نفاجأ بتكرار العنف والمشكلة.

وإذا كانت الفتاة المتعرضة للعنف أو التحرش أو الاغتصاب في منطقة نائية تستطيع الاتصال على هذا الخط الساخن الموجود في الجمعيات الخيرية وفي أقسام الشرطة وفي المراكز المختصة لتتصل من منزلها، ويتم التحفظ على الحالة بناء على طلبها ويتم التنسيق مع المقربين لها بناء على طلبها، مثل عمها أو خالها لأنه في معظم الحالات إن كان التدخل عن طريق الأب أو الأخ قد يُعرض الحالة للخطر الذي لا نرجوه لها».

وتابع الحناكي حديثه مشيراً إلى أن الفتاة المعنفة تستطيع اللجوء إلى سكن خيري توفره لها دار الحماية أو وزارة الشؤون الاجتماعية خاصة إذا كانت برفقة أولادها، وهناك أيضاً دار التربية للبنات إذا كانت يتيمة أو صغيرة السن. لكن دار الحماية في جدة تستوعب أعداداً كبيرة. فالمبنى يضم ٧٦ شقة وهو مجهز بالطاقم الكافي من اختصاصيات نفسيات واجتماعيات ومراقبات. وقال إن التجربتة التراكمية وفرت فرصة التحدث مع أسر المعنفات دون تعريض الفتاة للخطر ودون تعنيف للمُعَنف، فالأخير في حالات غير الاغتصاب تستطيع الدار إرشاده إلى صوابه وإخباره بأن الأمر قد يخرج من يده إلى الشرطة أو المحكمة أو الجهات المختصة، وتبين أن الكثيرين من أولياء الأمور  يُحسّنون التصرف مع بناتهم.

بين المحكمة ودار الحماية
وعن القضايا القابعة في ملفات المحاكم والمتعلقة بزنا المحارم أو التحرشات الجنسية ولم يُبتها حُكم قال الحناكي: «هناك بعض الحالات في دار الحماية مازالت قضاياهن موجودة على طاولة القضاء منذ سنتين، ومازال موضوعها مرتبطاً بالقضايا والمحاكم. وتبقى الفتاة في دار الحماية إلى أن يصدر حكم في قضيتها. ومعظم هذه القضايا هي قضايا زنا محارم أو تحرشات جنسية من احد أقرباء الفتاة من الدرجة الأولى، لذلك نجد انها تطول. إلا أن دورنا في معظم هذه الحالات يتمثل في حث الفتاة باستمرار على العودة إلى كنف أسرتها بعد صدور الحكم المنصف لها في القضية لتحاول التكيف مجدداً مع أسرتها وحياتها الطبيعية، بالتأكيد بعد تأهيلها في دار الحماية. وهناك بعض الحالات التي تأتينا وتكون الأسر تريد لها الحماية من مسلكها الخاطئ، لذلك تعمل دار الحماية على البحث للفتاة المعنية عن زوج ليسكن إليها وتسكن إليه محاولة منا أيضاً لتأهيل الفتاة وإرشادها إلى طريق الصواب. وهناك القضايا المتشعبة التي تحتاج إلى وقت لحلها، لذلك نبقي الفتاة في دار الحماية تحت إشراف الاختصاصيات والمراقبات».

وأكد الحناكي أن الاغتصاب و التحرش وسوى ذلك لا تعد ظاهرة في المجتمع السعودي لأن « ما تصل نسبته إلى ١٠ في المئة  نستطيع اعتباره ظاهرة، إنما في مثل هذه القضايا فإن نسبتها في السعودية لا تصل إلى ١٪ وهي لا تعد ظاهرة. وقد ذكر سابقاً على الانترنت وجود ١٠٠٠ فتاة هاربة وأيضاً بيانات تدل على كثرة حالات الاغتصاب في المجتمع السعودي، إلا أنها علمياً لا تُشكل ظاهرة. لذلك فإن الأمور مطمئنة، ولله الحمد الأسر السعودية متكافئة ومتكاتفة ومتعاونة. ولا يحصل شيء مريب داخل الأسرة إلا اذا كان فيها المريض النفسي أو مدمن المخدرات أو ما شابه ذلك».


برنامج لاعادة البناء النفسي
وعن العلاج النفسي قالت الغامدي إن الضحية تحتاج الى فترة طويلة من العلاج النفسي  لإعادة تأهيلها. «فهناك فتيات يتعرضن للإيذاء الجنسي لفترة تمتد من ١٠ إلى ١٥ سنة. هذه الفترة، خاصة اذا كان الإيذاء من الأقارب، تجعل الشخصية صامتة والإحساس بالذنب أعلى وارتباط الشخصية بالمعتدي أقوى مما يعني أن إحساسها بالخوف منه يجعلها غير قادرة على الاعتراف. وهذا ما يجب أن نعمل عليه بدعم الضحية، خاصة أنها تعتزل الحياة الاجتماعية. ويجب العمل مع الضحية على أكثر من جانب، أهمها إعادة الثقة لنفسها من ثم إعادتها الى المجتمع وإعادة ثقتها بالآخرين. فالاعتداء الجنسي يُصنف على أنه الاعتداء الصامت أو الاعتداء الخفي لأنه يعمل على تدمير الشخص من داخله، ومن أجل هذا توضع الضحية تحت برنامج نفسي لبنائها من جديد، ومن ثم وضع آلية صحيحة لتأهيلها في المجتمع من خلال مجموعة عانت من المشكلة ذاتها التي وقعت معها. كما أن الأسرة تحتاج إلى علاج وتأهيل، فقد تكون الفتاة متجاوبة مع العلاج إلا أن الأهل يقفون عائقاً دون استعادة شخصيتها خوفاً من الفضيحة،  لذلك نلجأ إلى وضع برنامج علاجي للأسرة. وإضافة إلى كل هذا يجب إبعاد الضحية عن المعتدي، خاصة إذا كان المعتدي من الأقارب كالخال أو العم».


في دور الإيواء
وعن المكان الذي يجب أن تبقى فيه الضحية أردفت الغامدي قائلة: «هناك الكثير من دور الإيواء في السعودية من الممكن أن تبقى فيها الضحية إلى أن تتلقى علاجها، أو أن تبقى لدى أسرة آمنة. وكما هو الحال في بعض الدول العربية مثل مصر ولبنان ثمة جمعيات لتأهيل المغتصبات اجتماعياً ونفسياً وإعادتهن إلى المجتمع، نجد في السعودية دار الحماية. فهذا النوع من الإيذاء الجنسي يندرج تحت العنف الأسري . فقد يكون المسمى غير واضح في السعودية مما يعني وجود جمعيات لتأهيل المغتصبات إنما هي جمعيات حماية للدفاع عن جميع حقوق الضحايا وهو ما يُبعد الوصمة عن الضحية. بمعنى انه عندما تتوافر جمعية متخصصة في قضايا الإيذاء ضد المرأة أو العنف سنجد أن الناس سيُقبلون عليها أكثر  من مجرد جمعية للمغتصبات أو المعنفات جنسياً».

وتابعت الغامدي: « هناك توجه في جمعية حماية إلى استحداث خط ساخن لمساعدة ضحايا العنف بكل أشكاله وهو أمر ليس صعباً، إنما نحتاج إلى نظام واضح لإنشاء هذا الخط يتمثل في وجود مجموعة قادرة على العمل ٢٤ ساعة متواصلة مع معرفة الآلية الصحيحة لتعبئة البيانات كاملة عن الحالة المتصلة وامتلاك حس التقدير لخطورة الحالة التي تحتاج إلى التدخل السريع. ويحب أيضاً التواصل سريعاً مع الجهات المختصة كالشرطة والقضاء. فمهمة هذا الخط هي مساعدة الضحايا بأقل التكاليف وفي أسرع وقت ممكن».


زهران: لماذا محاباة الرجل؟
ذكرت المستشارة القانونية في دار الحماية الاجتماعية بيان زهران أن الفتاة المتعرضة لهذا النوع من الإيذاء الجنسي تشعر بالخوف من الاقتراب أو التواصل مع الآخرين، فتعمل الاختصاصيات في الدار على تأهيلها وتوعيتها بما حدث معها لكي لا تصل نتيجة الاعتداء بها إلى الاكتئاب أو حتى الانتحار. وقالت: « هناك الجلسات النفسية التي تعمل على تحسين الشخصية من الداخل، لئلا تُحدث الضرر لنفسها نتيجة إحساسها بالذنب مما حدث معها. وفي ما يتعلق بالجوانب الاجتماعية نجد أن الاختصاصيات الاجتماعيات يُقللن من  إحساسها بالذنب ويعدن ثقتها بنفسها لتشعر بأنها ضحية لا مذنبة. ويتم التعامل معها بمنتهى السرية لأن الحدث حساس جداً . أما من الناحية القانونية فتوضع إجراءات تخص المعتدي خاصة إذا كان قريبها. وأول هذه الإجراءات كتابة بلاغ للشرطة عن الضحية ويُفضل التبليغ عن الحالة وقت حدوثها لوجود العلامات في جسم الضحية  مما يُسهل استصدار تقرير طبي يُثبت واقعة الاعتداء الجنسي. ثم تحال القضية على هيئة التحقيق والادعاء العام ثم المحكمة. ويتم الاعتناء بالضحية ومحاولة إزالة الخوف والرهبة من نفسها. وتبدأ الضحية بالخضوع  للبرامج العلاجية التأهيلية لمواجهة المجتمع ومساعدتها نفسياً لتقف على قدميها مجدداً».

وعن العقوبات الرادعة للمعتدين أشارت زهران أن دار الحماية تطالب بتطبيق عقوبات رادعة وتعزيرية بالمغتصبين والمتحرشين بالفتيات سواء  كانواأقارب أو غرباء.

وأكدت ضرورة إيجاد لوائح تنفيذية صريحة لقضايا التحرش وزنا المحارم وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية، وقالت: «غياب تطبيق العقوبات أحياناً يعود إلى الافتقاد لتقنين التعزيرات والعقوبات في الوقت الذي يحابى فيه الرجل لدرجة عدم تطبيق الحد».

وأضافت: «إن المتضررات من جرائم التحرش والاغتصاب من مختلف الأعمار هم أطفال قُصر وفتيات من أمهات مطلقات، وغالبية الحالات تبدأ مشكلتها بحصول الأب على حضانة البنت ليكون أول المتحرشين، يليه تحرش الأشقاء ثم الأقارب الأبعدين. وهناك حالات اغتصاب وحمل، وقد تحاكم الفتاة وتُسجن على إثر ذلك. وفي بعض القضايا شهدنا سجن الأب عامين إلا أنه قد يعود الى اغتصاب الضحية بحكم الولاية عليها، فتتفاقم الظاهرة. ولو طُبق الحد الشرعي على المتحرش بصرامة لارتدع كثيرون وخاصة ممن يتعاطون المخدرات».

الغامدي: يجب إبعاد الضحية عن مكان الاعتداء
من جانبها، أوضحت الاختصاصية النفسية ومديرة العلاقات العامة والتثقيف الصحي في مستشفى «الأمل» ورئيسة اللجنة الإعلامية والمصرح الإعلامي والرسمي وعضو مجلس الإدارة في جمعية حماية الأسرة  سميرة الغامدي أنواع الاغتصاب. وقالت ان هناك الاغتصاب المعلن وهو ما يصل إلى الإعلام، والنوع الآخر هو الاغتصاب المستتر ونعني به التحرش الجنسي أو الإيذاء الجنسي الدائم وهو ما يستمر لفترات طويلة. وأضافت: «الاغتصاب المعلن غالباً يقوم على صدمة سريعة وبالتالي  يسُهل علاجه، فالفتاة تخضع لبرنامج علاجي وتنتهي القصة بانتهاء الضرر بعد معاقبة المعتدي.

أما الأكثر خطراً فهو الإيذاء الجنسي المستتر لأنه يستمر فترة طويلة ويبدأ بالتأثير في الشخصية (المرأة)، فهنا تحتاج إلى دعم و عناية من أشخاص على مقدار عالٍ من الوعي ويجب أن يصل بها إلى أنه يتفهم وضعها لأن الاغتصاب في مجتمعنا السعودي يُعتبر من المحرمات الدينية والاجتماعية. وتقع الفضيحة على الأنثى لا الذكر، لأننا نجد في الكثير من الحالات أن المجتمع يلوم الفتاة أو المرأة المعتدى عليها مما يجعل الآخرين يتحدثون عن الضحية بأنها استفزت الجاني الأمر الذي جعله يعتدي عليها. ومبدئياً، علينا أن نتفهم أنه ليس خطأ الفتاة، فبالتالي يجب على المختص التعامل معها كضحية ليس كمعنفة واستخدام الآلية الصحيحة في إيصال الرسالة بأنها غير مذنبة وانك لست الوحيدة التي تعرضت لهذا النوع من الإيذاء، ذلك لأن المغتصبات يتكوّن لديهن شعور بالذنب».