لميس وجمال

حبس / سجن, مستشفى, قصة حب , جمال ناجي برهم, لميس اسكندر غريب برهم, بيت لحم, مستشفى المطلع, الزيف الإسرائيلي, الإحتلال الأميركي, ميرفا القاضي

18 يناير 2010

عندما حكم القاضي عليه في سنوات الثمانينات بأن يسجن عشر سنوات، وقع قرار الحكم كالصاعقة على الموجودين داخل قاعة المحكمة، وساد الصمت وجه جمال ناجي برهم ولميس اسكندر غريب برهم وأهلهما. لم يصدق أحد الحكم، وكانت الصدمة أقوى حتى من الدموع أو الصراخ، وغادر الجميع قاعة المحكمة الإسرائيلية، ولم يكن هناك وداع بين جمال ولميس سوى التقاء العيون بصمت شديد، وكان على لميس بعد فاجعة الحكم أن تقرر إما أن تكون زوجة لجمال أو أن ترفض، ولكنها قررت أن تقف بجانبه وتدعمه نفسياً ومعنوياً. وكانت تلتقي معه من خلف سياج العزل عند السماح لها بالزيارة، وكانت أحلامهما بسيطة للغاية، وبعد أن خرج جمال من خلف تلك القضبان التي كانت تمنعه من معانقة حبيبته لميس، تزوج المرأة التي انتظرته وانتظرها طويلا.

روت لميس لمجلة «لها» من داخل بيتها في بيت لحم، ويحيطها زوجها وأولادها، حكاية حبها الذي حكم عليه أن يبقى عشر سنوات خلف قضبان سجن الاحتلال الإسرائيلي، فقالت: «تعرفت إلى جمال عندما كنت أشارك معه في بعض الأعمال السلمية للتعبير عن رفض الاحتلال الإسرائيلي، ولم يصرح لي بحبه في البداية، ولكن ومع مرور الوقت بدأت أشعر بذلك، واعترف لي بأنه يحبني ولا يستطيع العيش بدوني، واعترفت له أنني أحبه أيضاً، واتفقنا على أن يتقدم لطلب يدي من أهلي.

وبعد أن تخرجت من الجامعة، قام الاحتلال الإسرائيلي باعتقال جمال وحكم عليه لمدة عشر سنوات. كانت صدمة كبيرة لي لم تمكنني من الصراخ على هذه الفاجعة، وغادرنا قاعة المحكمة دون أن نتكلم ولو بحرف واحد، كنا ننظر إلى بعضنا فقط، كنت مغيبة عن التفكير في حينها، ولم استطع أن استوعب مدة الحكم التي قررها القاضي الإسرائيلي.

وفي طريق العودة إلى البيت مع عائلتي وعائلة جمال قررت أن اذهب إلى عملي في مستشفى المطلع حيث كنت أعمل. وبعد أن ارتديت ملابس التمريض، جاءت إحدى زميلاتي وسألتني ماذا حصل مع جمال؟ وكنت أريد أن أقول لها ماذا حصل، ولكنني لم استطع النطق، ووقعت على الأرض، وأخذوني إلى الطبيب. وبعد أن استفقت طلبت منهم أن يأخذوني إلى بيت جمال، وعندما وصلت تركت الضيوف الذين جاؤوا من اجل مواساة عائلة جمال، ودخلت غرفة جمال ونمت على سريره وبدأت ابكي بشدة. وبعد مضي ساعات تمالكت نفسي وخرجت إلى الضيوف».

أضافت لميس: «عندما حكم على جمال كنت محطمة النفسية في البدايات وكنت أبكي بشدة، ولو عصرت وسادتي في حينها كانت ستنزل دموعا لأنني كنت أغرقها بالدموع في كل ليلة، من كثرة بكائي على فراق جمال.

وبعد ذلك أصبحت اذهب إلى السجن الإسرائيلي لكي ازور جمال مرة أو مرتين في الأسبوع، في البداية كان يجب أن أقرر إذا ما كنت سأبقى مع جمال آم أنني سأتركه، وجاء قراري خلال فترة بسيطة، وقلت له بعد زيارتين للسجن أنني معه ولن أتخلى عنه أبداً. فرح بذلك، ومن ثم بدأنا بالإعداد لوضع خاتمي الخطبة داخل السجن. وقد حضر أهلي وأهله وأصدقاؤنا في مركبتين كبيرتين، وعندما التقيت بجمال وقام بوضع الخاتم في أصبع يدي، وقف جنود الاحتلال لكي يروا ذلك المشهد وهم غير مصدقين لأن حكم جمال كبير وأنا سأرتبط به رغم ذلك. وقامت النساء بإطلاق الزغاريد داخل السجن وخارجه، فرحاً بإتمام الخطبة.

كنت ازور جمال في كل مرة، وأحادثه عما اشعر به تجاهه، وكان شوقنا يزداد أكثر وأكثر في كل مره نرى فيها بعضنا، وكانت ترافقني أمه أو أخته، وكنت أحب أن  يتحدث إلي أكثر من الجميع، وان يهتم لوجودي. وفي إحدى المرات لم يتحدث إلي باشتياق كما تعودت عليه، فغادرت السجن وأنا حزينة وقررت أن لا أزوره في المرة المقبلة. لكن شوقي له منعني من الابتعاد عنه، وبعدها أصبح يتحدث إلي باشتياق أكثر.

وفي ليال كثيرة كان جمال يسهر حتى ساعات متقدمة من الليل لكي يكتب رسالة لي، يعبر فيها عن مدى شوقه، ويسرد فيها أمنياته التي يريد أن يحققها معي. كانت الرسائل تصل بشكل كبسولة صغيرة، أضعها في فمي وليس في جيبي وكان يسلمها لي عبر الشِباك. والحمد لله انه لم يمسك الاحتلال رسائله وهي معي، مع أننا كنا نخضع دائما للتفتيش.

وكنت أكتب رسائل بخط صغير جدا أصف فيها شوقي له دون أن تخضع رسالتي ومشاعري وحبي لرقابة الاحتلال الإسرائيلي. كنت عندما اتسلم منه رسالة أسلمه رسالة مني. وعندما ينتهي وقت الزيارة ونودع بعضنا، نذهب إلى قراءة الرسائل وكان يتحدث لي دائما في رسائله عما سيفعل لحظة لقائه معي».

وتروي لميس ضاحكة: «اليوم أنا في حاجة إلى نظارة طبية لكي استطيع أن اقرأ ما كان يكتب لي وما كنت اكتبه له، واستغرب كيف كنا نستطيع قراءة هذا الخط الصغير جداً. وما أشعر أنني بحاجة إلى مجهر عندما اقرأه، ولكنني حتى اليوم احتفظ بكل رسائله وانظر إليها بين الحين والآخر برفقة جمال، ونعود لتذكر الماضي وكيف كنا نسهر لكي نكتب تلك الرسائل وكيف كنا ننتظر تلك الرسائل بشوق».

وتختم: «عندما أطلق سراح جمال قبل المدة المحكوم بها، أي بعد تسع سنوات شاهدته من بعيد وأردت أن اركض إليه، لكن ملابسي منعتني من الركض فصرخت مرتين جمال! جمال، فالتفت هو وحضنا بعضنا، وإحدى السيدات قالت لي: أنها بكت على صراخي على جمال.

وكانت ثمرة زواجنا ثلاثة أولاد، هم شهد وناجي وشادي، ولو عاد الزمن بي إلي الخلف سأختار زوجي جمال مرة أخرى لأنني أحببته بصدق، وسنوات عمري قدمتها هدية له، وأنا أؤمن بقضيتنا وبقضية جمال ولذلك وقفت بجانبه».