ضحايا الكنز الوهمي في سوريا
ذهب, جرائم, تاريخ, دمشق, كنز وهمي, علم النفس, الأواني الفخارية, المباني التاريخية, كنزة, د. سراج أولاد, معالم أثرية, ضحايا الكنز الوهمي, عمليات التنقيب, موقع / مواقع عمرانية, بيوت قديمة, الآثار القديمة, فانوس سحري
01 فبراير 2010 حفر ليجد الذهب فوجد ثعباناً كبيراً!
السيد علي أبو حسن أحد الباحثين عن الكنوز والذي لم يحالفه الحظ بالعثور على مبتغاه يقول:
«أسكن في بيت يعود تاريخه الى أكثر من مئتي عام وهو لأجدادي، وقد كان بيتاً جميلاً رغم التعب الواضح على جدرانه جراء السنوات الطويلة التي تعاقبت عليه. ودائماً ومنذ صغري أسمع كلاماً يدور في المنزل حول ما هو موجود داخل جدرانه، وقد كانت جدتي تردد دوماً أنه يجب أن يبحث أحد منا في خبايا المنزل لأنها متأكدة من وجود مسكوكات ذهبية وأوانٍ فخارية قديمة جداً تساوي الملايين، لكني لم أقتنع بهذا الكلام الى أن علمت أن أحد جيراننا في الحارة كان يهدم بيته بغرض بناء عمارة جديدة وإذ به يعثر أثناء الحفر على فخاريات قديمة، وهذا ما أثار فضولي وجعلني أكثر عزماً على القيام بالأمر الكفيل بحل جميع مشكلاتي ومشكلات عائلتي. ورغم تخوفي من القيام بتلك الخطوة للوصول إلى هذا الكنز، فإن رغبتي في نبش جدران المنزل كانت تزداد يوماً بعد يوم. ومع تفاقم صعاب الحياة قررت أن أحفر المنزل للوصول الى الذهب الذي حدثتنا عنه جدتي.
وكانت خطوتي الأولى إرسال عائلتي إلى مكان آخر للعيش فيه طوال فترة بحثي عن الذهب. وبالفعل أرسلت أسرتي أفراد إلى بيت جدهم في القرية، وبعدما أصبحت وحدي في المنزل وضعت خطة وبدأت أحفر أحد الجدران المهترئة.
وبعد أيام قليلة من الحفر والتعب والجهد الذي قمت به بشكل سري كي لا يلاحظ أحد من الجيران ما أقوم به، وصلت إلى نقطة حساسة من الجدار فسمعت خربشة قوية، لكني لم أكترث للموضوع وتابعت عملي حتى بدا لي ثعبان ضخم فهرعت مسرعاً قبل أن يستطيع التحرر بشكل كامل من الجدار. وخرجت من المنزل وبدأت أصرخ حتى تجمع الناس حولي وقلت لهم هناك ثعبان في المنزل. وبعد أن هدأت الأمور لم يتم العثور على ذلك الثعبان، فقد عاد إلى حياته داخل الجدران المهترئة. وبعد هذا لم يعد المنزل صالحاً للسكن لذلك اضطررنا أنا وعائلتي لاستئجار منزل نعيش فيه ريثما نحل موضوع المنزل الذي لا أستطيع أن أفرط به كونه من رائحة الأجداد...
المهم أن حلمي ضاع، فمرة كنت أقول في نفسي عندما أحصل على الكنز سأتزوج، أو أني سأشتري بيتاً في حي راقٍ وسيارة أحدث طراز، وأني سأساعد بعض أقاربي المحتاجين... لكن كل ذلك أًصبح في عالم المستحيل، ولم يعد لدي أمل في هذا المنزل الذي تعشش فيه الأفاعي والجرذان وتتنعم بالذهب الموجود بين جدرانه إذا كان ما قالته جدتي صحيحاً.
بوعي أحياناً، ومن دون وعي أحياناً أخرى، بقصد أحياناً، ومن دون قصد أحياناً أخرى، يرتكب العديد من الشباب جرائم بحق التاريخ، يشوهون المواقع العمرانية والبيوت السكانية القديمة بحثاً عن الكنوز المزعومة والأحلام الواهمة. يعبثون بموروثهم الحضاري ومعظمهم لا يدرك فداحة العمل الذي يقدم عليه. ولعل بعض البيوت القديمة التي يعود تاريخها الى مئات السنين تتعرض للعبث والطمس والتخريب لأن أصحابها يخالون أن كنزاً ما مدفون هنا داخل المنزل. وعرفت أن كثيراً من تلك البيوت قد تعرضت للتخريب والهدم، حتى أن بعض القصص تقول أن أصحاب بعض هذه البيوت تعرضوا للضرر الجسدي بسبب هبوط سقف المنزل على رؤوسهم.
للوقوف على هذا الموضوع، أجرينا لقاءات مع أصحاب بيوت قديمة في دمشق عاشوا حلم الكنز الوهمي، وروواحوادث وقعت... اليكم التفاصيل:
بحثه عن الكنز أدى به إلى الجنون وإلى وفاة ابنته...
السيد مسلم معمار تحدث عن أحد جيرانه من الذين كانوا يبحثون عن كنز، وما أصابهم جراء ذلك من خلال عملية الحفر:
«قصة غريبة وحزينة في وقت واحد، فجارنا أبو محمود كان يسكن قريباً من منزلي هذا، وكان دائماً يتحدث إلي عن الكنوز والذهب، حتى أنه كان كل صباح يخرج من بيته آملاً في حصد هذا الكنز ورفع مستواه المعيشي لأنه كان فقيراً جداً ويأمل ويتمنى... حتى جاءه الفرج كما قال لي يومها وبصوت خافت: لقد وجدت الحل وسأقبر الفقر إلى الأبد.
قلت له مازحاً هل وجدت كنزاً؟ فقال: وما أدراك! نعم لقد وجدت الكنز وتذكرت أن والدي رحمه الله كان يذكر دائماً أن هذا البيت مدفونة فيه جرار من الفخار مملوءة بالذهب.
وبالفعل بدأ جارنا بالحفر خفية ولا أحد من الجيران يعلم الا أنا لأنني كنت مقرباً جداً منه، كان يحفر في اليوم لأكثر من ساعتين ثم يذهب إلى عمله دون أن يشك في أمره أحد. بقي على ذلك المنوال لأكثر من خمسة عشر يوماً، ولكن المسكين من كثرة الحفر بدأ المنزل يتخلخل. استيقظ هو وعائلته على اهتزاز البيت وظن أنها هزة أرضية، وفي الصباح سأل الأصدقاء هل شعرتم بالهزة قالوا لا لم يحدث هزة، حينها أيقن أنها بالفعل ليست هزة وإنما كثرة الحفر أصابت أعمدة البيت القديمة.
وفي اليوم التالي وكانت حينها الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، سمعنا صراخاً فخرجت واذا بي أرى منزل جارنا أبي محمود قد سقط سقفه الذي أدى إلى وفاة طفلته التي لم تبلغ من العمر السابعة وبقية أولاده الأربعة وزوجته بكسور مختلفة. وصاحبنا أبو محمود من حينها أصبح كثير الحديث مع نفسه في الشارع وأصيب بالهوس (اللهم احفظنا من بلاء الدنيا).
وجد قبوراً بدلأ من الكنوز
للسيد أبو مروان حكاية من نوع آخر، فقد سرد لنا قصة يعرفها عن جاره القريب من بيته الذي وجد شيئاً:
«قبل عشر سنوات كان لي جار يسكن قريب من بيتي هذا، وكان بيته كبيراً جداً تبلغ مساحته أكثر من ثلاثمئة متر مربع وكما يقال عندنا تلعب الخيل فيه. وفي أحد الأيام قرر صاحبنا أن يحفر أرض البيت لأن فيها أشياء وأشياء لا يعلمها إلا الله! وكان يقول لي دائماً انه يسمع أصواتاً تخرج من أسفل المنزل.
وبالفعل بدأ صاحبنا بالحفر وواصل عمله أسابيع حتى وجد سرداباً كبيرا أسفل منزله ووجد درجاً حجرياً كبيراً، حينها أيقن أن الفرج آت لا محال وأن الأمور المادية والاقتصادية ستحسن وبدأ يستدين من الجيران على أساس أن يرد لهم مالهم مضاعفاً حسب وعده لهم، وكان يتردد في النزول خوفاً من شيء ما يجده أسفل بيته. وبعد أيام قرر أن يقوي قلبه. وبالفعل نزل الدرج العتيق القديم وقلبه يخفق وهو يحمل مصباحاً كهربائياً. وكانت المفاجأة أنه رأى ثلاثة قبور قديمة. فعلا صراخه وكاد يفقد صوابه خوفاً مما شاهده، ومنذ ذلك الحين والمنزل مغلق وأصحابه هجروه خوفاً من القبور.
رأي علم النفس: البحث عن الكنز الوهمي تشويه للمعالم الأُثرية
الدكتور سراج أولاد الاختصاصي في علم النفس قال:
«الإنسان منذ الأزل يبحث عن الكنوز الدفينة ظناً منه أنه سيسكن القصور وتحيط به الجواري من كل جانب. كما أن لبعض الأساطير الخرافية كأسطورة طرزان وعلي بابا والفانوس السحري تأثيراً مباشراً على الإنسان. والإنسان العربي عموماً يتأثر بمشاهدة الأفلام الأجنبية، ويحاول تقليد ما شاهده في الواقع إلا أنه ينصدم بذلك الواقع.
ويمكن تصنيف هذه الظاهرة بالهروب من الواقع وعدم القبول به. وهذه الظاهرة أصبحت منتشرة في هذا الزمن وأهدافها متعددة والأهم هو الكسب المادي السريع وتحقيق الثروة كيفما جاءت، وهذا أيضاً سببه عدم فهم القيمة التاريخية والأثرية لهذه المواقع. وفي الوقت الحاضر أصبح الإنسان يبحث عن نفسه وعن خفايا سواء في داخل البيوت أو في أعماق البحار، وهذه الظاهرة المتفشية أعتقد أنها نتيجة تفاوت طبقي وتتحول إلى هوس عقلي. وللذاكرة التاريخية دور في البحث عن المدفونات.
أضاف: «يجب أن يعلم كل شخص أن هذا الفعل هو تشويه للمعالم الأثرية وعبث بها، وطمس لتاريخ وحضارات سادت ثم بادت. فالآثار قضية تهم كل المواطنين الذين ينتظر منهم الدور الأكبر في حماية الإرث الوطني والحضاري من العبث، والمحافظة على الآثار القديمة، لأنها تمثل عمقاً تاريخياً لحضارات متعاقبة».
حول بيت أجداده إلى خراب
السيد أبو مسعود أحد الباحثين عن الكنز الوهمي يحكي قصته قائلاً:
«كنت أعلم منذ وقت طويل بوجود كنز ما في جدران المنزل، وهذا ما كان والدي يحدثني عنه. فمنزلنا القديم يجاور بعض الآثار الموجودة في المنطقة وهذا ما رجح وجود كنوز من الذهب وأحجار أثرية وفخاريات قديمة في هذه المنازل المتجاورة. وكان والدي متأكداً من وجود هذه الكنوز التي حدثه عنها أجدادنا. ورغم معرفته بذلك فإنه لم يفكر مرة بحفر المنزل، وترك تلك المهمة لنا.
ومع ذلك لم يخطر في بالي الموضوع، الى ان هجرنا المنزل لنسكن في آخر. وضاقت بنا الأحوال المادية كثيراً، وهنا فكرت جدياً في البحث والتنقيب عن الكنز، وبدأنا الحفر أنا وأولادي في المنزل بشكل يومي ولساعات طويلة وكأننا ورشة عمل حقيقية، فوزعنا المهمات والاتجاهات، واستمر الحفر أسابيع، لكن للأسف لم نعثر على شيء. وليس هذا ما أصابنا باليأس بل المشكلة الأساسية كانت في الشكل المشوه الذي أًصبح عليه المنزل بعد الحفر، فقد كان منزلاً أثرياً جميلاً وعريقاً والآن لم تعد له أي ملامح أثرية، بل تحول إلى خراب، هذا بالإضافة إلى خيبة أملنا وعملنا الطويل الذي ضاع هباءً.
وحتى لو جاء أحدهم وقال لي أن أواصل الحفر أكثر لتأكده من وجود كنز، لن أقوم بالتخريب ثانية. وكل ما أتمناه حالياً أن تتحسن أحوالي المادية لأعيد هيكلة المنزل كما كان سابقاً.