أثبتت براءة زوجها

جريمة, حبس / سجن, النيابة العامة, المرأة الجريئة, قسم الشرطة, دور المرأة, استيلاء على المال, إخلاء سبيل

08 فبراير 2010

إنها قصة بطولة، بطلتها زوجة وجدت زوجها متهماً في جريمة لم يرتكبها ويواجه حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات. ورغم أن الزوج نفسه كاد يستسلم للأمر الواقع، فإن الزوجة لم تهدأ وبحثت عن براءة زوجها وأثبتتها بعد ٧٠ يوماً أمضاها في السجن ليخرج على يد زوجته إلى الحرية... إنها امرأة بألف رجل، عرفت كيف تدافع عن زوجها البريء في حين أن أحداً لم يستمع الى صرخاته واستغاثاته.

الزوجة صباح هى البطل في هذه القضية، تروي لـ «لها» السيناريو المؤلم الذي عاشته قبل سبعين يوماً وقبل أن تصدر محكمة الجنايات حكمها ببراءة زوجها نبيل حسب الله من تهمة الاستيلاء على المال العام لأنه ليس الشخص الذي صدر ضده حكم الحبس ١٠ سنوات!

البداية كانت عندما سمعت الزوجة طرقات على باب شقتها، وفوجئت ب  «مباحث تنفيذ الأحكام» في وجهها. اندهشت صباح من سبب الزيارة، فزوجها حرفي بسيط ليس لديه مشكلات مع أحد، ولم يدخل في حياته قسم شرطة إلا لاستخراج بطاقته!

وكانت المفاجأة الأكثر قسوة عندما علمت أن الضباط جاؤوا خصيصاً للقبض على زوجها لتنفيذ حكم صدر ضده قبل ٣٧ سنة بالحبس ١٠ سنوات بتهمة الاستيلاء على المال العام!

جن جنون الزوجة، ففي ذلك التاريخ لم تكن سن زوجها تتخطى ١٧ سنة ولا تدري كيف ارتكب جريمة في هذه السن الصغيرة. وقبل أن يغادر زوجها المنزل أخبرها أن الأمر بسيط ولن يعدو عن كونه سوء تفاهم أو مجرد تشابه في الأسماء.

سارعت صباح للاستعانة بمحامٍ وتبعت زوجها إلى قسم الشرطة، هناك أدركت أن الأمر ليس بالبساطة التي توقعتها، فالتهمة ثابتة على زوجها وبالاسم الثلاثي!

أقسم نبيل أنه بريء وأنه ليس الشخص نفسه الذي تبحث عنه الشرطة، لكن الأوراق الرسمية لم تسانده وقررت النيابة حبسه وإحالته على محاكمة عاجلة وأودع السجن!

وظنت الزوجة أنها تعيش كابوساً مريعاً، لكنها لم تيأس، بل طمأنت زوجها وخففت الآلام عن أمه، وبدأت رحلة البحث عن البراءة، عبر الوصول الى تفاصيل القضية المحبوس زوجها على ذمتها.

الأوراق كانت تؤكد وجود ٥٦ متهماً في هذه القضية ومنهم الشخص الذي يتشابه اسمه مع اسم زوجها الذي كان يعمل سائقاً في شركة حكومية آنذاك. وحاولت الزوجة أن تؤكد للشرطة والنيابة استحالة أن يكون زوجها هو الشخص المقصود لأن عمره وقت الجريمة كان ١٧ سنة، وليس مسموحاً له استخراج رخصة قيادة، ولا يمكن تعيينه في الشركة. غير انها لم تنجح في إقناع رجال النيابة الذين تمسكوا بأن نبيل حسب الله هو نفسه المتهم الهارب منذ ٣٧ سنة، لكن الزوجة لم تستسلم وتعتبر أن الموضوع انتهى، وأن عليها الامتثال للأمر الواقع، بل أقسمت على أن تحصل على براءة زوجها حتى لو دفعت عمرها ثمناً.


البحث عن البراءة

اهتزت صباح بشدة في آخر لقاء جمعها بزوجها في السجن حينما طلب منها ألا تتركه يموت وراء القضبان، وبدأت رحلتها للبحث عن البراءة، فسافرت إلى المنصورة وهي تحمل اسمي وعنواني اثنين من المتهمين في القضية.

وبعد رحلة بحث استمرت ٥ أيام في شوارع المنصورة كان في انتظارها مفاجأة قاسية، فالمتهمان ماتا منذ سنوات ومعهما السر... كاد الأمل في براءة زوجها يضيع أمام عينيها، لكن الزوجة  قررت أن تبدأ من جديد رحلة البحث، وبدأت تسأل عن اسم المتهم المشابه لاسم لزوجها في كل مكان.

رق أحد سائقي الأجرة لحالها، وعرض عليها أن يجمعها بشيخ السائقين لتحكي له قصتها. وتذكر السائق العجوز القضية وكانت المفاجأة السارة حين أوصلها الى منزل نبيل حسب الله الحقيقي!

اكتشفت صباح أنه مات منذ سنوات، فبكت بحرقة بعدما شعرت بأن الدنيا أسودت أمامها، لكن الفجر يبزغ في أحلك لحظات الظلام، فقد تعاطف معها ابن المتهم الحقيقي حين سمع قصتها، وأخبرها أنه مستعد للذهاب معها إلى النيابة للإدلاء بشهادته.

لم تسعها الفرحة، فسافرت مع محاميها إلى القاهرة وتواعدت مع ابن المتهم الحقيقي على اللقاء في صباح اليوم التالي أمام مكتب النائب العام، بيد أن الابن تخلف عن موعده، ولم يرد على اتصالاتها وظنت أنه تراجع عن وعده.

وما لبث الأمل ان عاد من جديد حين دق جرس هاتفها واكتشفت أن المتحدث هو ابن المتهم الذي أخبرها أنه موجود في القاهرة حسب الاتفاق. وأمام النيابة أدلى الابن بشهادته وقدم شهادة وفاة والده، وأوراقه الرسمية. وسارعت النيابة الى إحالة القضية على محكمة الجنايات التي قررت إخلاء سبيل الزوج في أول جلساتها.

لم يجد نبيل كلمات شكر ليعبر لزوجته عن امتنانه لها فاكتفى بتقبيل رأسها لتعبر هذه القبلة عن كلمات كثيرة عجز لسانه عن ذكرها. لكن الفرحة ضاعت حين اكتشف أن أمه ماتت كمداً على حاله ليدخل في حالة حزن شديدة ولتبدأ الزوجة هذه المرة بطولة أخرى، هي إخراج زوجها من أحزانه بعد أن نجحت في إخراجه من سجنه.