معجزة 'أبو علاء'...

طب نفسي, الرياضة, محاربة الإكتئاب, إنتحار, مشكلة / مشاكل نفسية, علم إجتماع, كرة قدم, رأي الطب, د. عمر السيد, مصطفى صبحة, لاعب كرة قدم, الدوري السوري, نادي حطين, نادي تشرين, نادي برشلونة, مرحلة المراهقة

15 فبراير 2010

فضل مصطفى صبحة «أبو علاء» أن ينتحر احتجاجاً على ما حدث ويحدث معه ووالده كل يوم  من قيل وقال وشجار لا ينتهي، فوضع حداً لذلك بأن ألقى بنفسه من سطح العمارة التي يسكن فيها في مدينته لفشله في وضع حل لمشكلته مع والده... قد يتخيل لكم في بادئ الأمر أنه انتحر لفشله في قصة حب، أو كما نسمع في الصحف والمجلات لعدم تمكنه من دفع الديون المتراكمة عليه؟ لكن مصطفى رمى بنفسه من الطابق الخامس من أجل كرة مستديرة كان يعشقها ولم ينجح مع ذلك في انهاء حياته. بدأ أبو علاء يقصّ حكايته وكانت حكايته مؤسفة جداً، ومع ذلك كانت النهاية إلى حد ما درامية وسعيدة في كل شيء.

«سامحني يا والدي وسامحيني يا والدتي على ما أقدمت عليه»... هذه الكلمات كتبها روميو الكرة أبو علاء قبل أن يرمي بنفسه من الطابق الخامس من شرفة  منزله المطلة على الشارع العام، ولكن القدر كتب له العيش بعدما شاهد الموت بأم عينه علماً أنه لا يوجد في جسمه شبر واحد إلا تكسّر من رأسه حتى قدميه.

لم يتوقع أبو علاء الإنسان البسيط الذي يعيش في منطقة مكتظة بالسكان معتمداً في كسب عيشه على العمل اليومي والكسب الحلال، أن يتحول إلى رجل شهير يتناقل الناس حكايته. ولم يدر الأب البسيط الذي تتسم حياته بالهدوء والسكينة، أن يصبح ذات يوم مثار حديث جيرانه، ولم يخطر في بال هذا الرجل الذي لم يتجاوز الأربعين، أن يملك في لحظات الخطر قوة إرادة تمكنه من النجاة من الموت بأعجوبة. وفوق كل ذلك لم يتبادر إلى ذهنه لحظة واحدة أنه سيواجه موقفاً كان بالنسبة اليه من الأحداث التي يسمعها كما يسمع الحكايات والروايات.

«الكرة سبب انتحاري»...
«لها»كانت على موعد معه في بيته المتواضع  ذي الإطلالة المرتفعة، حيث بدأ يقص لنا حكايته من الألف إلى الياء:

«كان الجو ممطراً وبارداً جداً. فتحت النافذة المطلة على الشارع العام. فكرت أن أرمي بنفسي منها حتى أريح نفسي وأهلي مما أنا فيه، خاصة أنني كنت مريضاً بشيء اسمه الرياضة وبالتحديد كرة القدم... مرت لحظات وأحسست بأنني يجب أن أرمي بنفسي، ودون شعور كنت في الهواء أطير، ودون أن أشعر وضعت يدي على رأسي لأحمي وجهي فكانت الطامة الكبرى».

وتابع أبو علاء يقول: «عندما أصبحت على الأرض حاولت الوقوف على قدمي إلا أنني سقطت مرة أخرى وغبت عن الوعي ولا أعرف ما الذي كان يؤلمني  حينها وماذا حدث بعدها... فتحت عينيّ بعد ثلاثة أيام لأسأل أين أنا؟ ومن الذي أتى بي إلى هنا؟

حينها كان والداي الى جانبي فقالا لي اطمئن أنت بخير، وكتب الله لك عمراً جديداً. ولكن حينها كنت ملفوفاً من رأسي حتى قدميّ بالجبس».

أما عن الأسباب التي جعلته يفكر بالانتحار فقال:
«نقيم أنا وأفراد أسرتي في منزل والدي وكنت معروفاً في الحي والمنطقة بأنني لاعب كرة قدم متميز جداً وكنت قد انضممت الى المنتخب وأهوى الرياضة إلى حد الجنون والعشق. وكانت هناك خلافات دائمة بيني وبين والدي الذي يرفض هذه الرياضة ولا يحبها، وكنا دائماً نتبادل الكلمات محاولاً أن يبعدني عن هذا الطريق بقوله: «الرياضة يا ابني ما بتطعمي خبز. وكل يوم كان يسمعني هذا الموال حتى فكرت بالانتحار وكان ما كان».

أضاف: «ما حدث معي أعتبره حلماً، وإلى الآن لم أصدق أنني حي لأنني عشت الموت وشعرت به. كلما تذكرت الحادثة أشعر بالنعمة التي أعطاني إياها الله سبحانه وتعالى، وندمت أشد الندم على فعلتي هذه».

وعن موقف والده تابع حديثه:

«والدي كان الأكثر حزناً واعتبر نفسه السبب في ما حصل لي. ولن أنسى وقفته في المستشفى طوال فترة علاجي، وكان يقول لي عندما تخرج من المستشفى إلعب وتابع الرياضة كما يحلو لك ولن أتدخل في ما تفعله...

الظروف تغيرت إلا أنني مازلت حتى اللحظة أتابع الرياضة ولكن لا أمارسها بسبب وضعي الصحي الذي لا يسمح بذلك، أما من ناحية المتابعة فما زلت أتابع مباريات الدوري السوري والمباريات الأوروبية لحظة بلحظة».

وعن الفرق السورية والأوروبية التي يحب متابعتها، قال:

«الدوري السوري مليء بالفرق المتميزة، ومن الأندية أحب أندية حطين وتشرين، أما من الأندية الأوروبية فأنا أتابع وأشجع فريق برشلونة الإسباني الساحر».وعما إذا كانت حياته قد تبدلت بعد تلك الحادثة، وإلى إي حد هو سعيد اليوم، قال:

«أنا من أسرة مكونة من ثلاثة أخوة والحمد لله كلهم متميزون في حياتهم الخاصة والعملية، ونعيش اليوم بسعادة لا توصف وهذا بفضل الله ورضا الوالدين اللذين أكن لهما كل الود والاحترام وأنا مدين لهما بحياتي مع دعائي لهما بمزيد من الصحة والعافية لأن الصحة هي تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى».

وعن إمكان أن يفكر مرة أخرى بالانتحار قال:

«أعوذ بالله، هل من المعقول أن أفكر مرة أخرى بالانتحار! على العكس تماماً أنا اليوم أشد تفاؤلاً وحباًَ وتمسكاً بالحياة وتقرباً من الله  لأن الحياة حلوة وجميلة، كما أنني سعيد جداً بأسرتي».

«أبو علاء» محبوب من الجميع
أبو علاء رجل محبوب من الجميع ويخدم كل الناس وخصوصا أهل بيته وسكان حييه حسب رأي أحد جيرانه، وهو أسعد طريفي الذي قال:

«أبو علاء رجل طيب وقوي الإرادة. زرته في المستشفى وكان في أوج أوجاعه وآلامه ومع ذلك كان قوياً صابراً. وأذكر حتى الآن حادثة سقوطه، فقد كنت عائداً حينها إلى المنزل قادماً من عملي ولا أنسى ذلك المنظر الرهيب عندما سقط أمامي على الأرض وكانت حينها الساعة الرابعة بعد الظهر،  وهو عبارة عن كومة لحم. ومع ذلك حاول أبو علاء النهوض والمشي إلا أنه سقط أرضاً. وقلنا حينها رحمه الله ولا أحد كان يتوقع نجاته وشفاءه.

أبو علاء لا يشكو من مرض لا نفسي ولا عضوي بل كان قوياً ويملك قوة بدنية ممتازة، حتى أنه كان يمارس كرة القدم ويعشقها حتى الجنون. وما حدث معه أمر غريب  وسبحان الله الذي كتب له عمراً جديداً».

رأي الطب النفسي: أبو علاء لا يعاني الاكتئاب ولم يكن بحالته الطبيعية أثناء انتحاره
الدكتور عمر السيد الاختصاصي في الطب النفسي أبدى رأيه في الحادث بقوله: «الانتحار جريمة كبرى، فالذي يقتل نفسه فراراً من مصيبة أو ضائقة أو فقر أو نتيجة انفعال وغضب، فانه بذلك يعصى الله في أمر عظيم. و لعل التعريف الأساسي لظاهرة الانتحار يكمن في السلوك اليائس الذي يتبعه الشخص لوضع حد لحياته أمام المشكلة التي يواجهها دون أن يلاقي لها حلاً أو يحصل على من يقدم له المساعدة.

فالانتحار ظاهرة مؤلمة ومؤسفة معاً، كيف لا وهي تتزايد بصورة مطردة في المجتمعات عموماً وخاصة في المجتمع الغربي. ويتساءل الكثير من الباحثين الاجتماعيين عن الأسباب التي تدفع الشباب اليائس للإقدام على وضع نهاية لحياتهم، بعد أن يصلوا إلى مرحلة فقدان الأمل للخروج من المأزق، ويلاقوا صعوبة كبيرة في إعطاء جواب وافٍ لهذا السؤال البسيط.  ولعل من الحكمة القول إن الانتحار لدى الشباب في بدايات مرحلة المراهقة أو في وسطها هو نتاج طبيعي للسلوك الإنحرافي، ودخول الشاب في أزمة من المعاناة و الإرهاق، وحالة من اليأس التي تحتاج إلى مساعدة. ويقدر علماء الاجتماع أن ظاهرة الانتحار لا تتعلق باللحظات الآنية التي يعيشها المنتحر الشاب، لكنها تكمن في عوامل تتعلق بالماضي الذي كان يعيشه، حيث الرواسب النفسية العميقة والمشاكل المتراكمة التي كان يواجهها في مرحلة ما قبل الانتحار، والتي تتطور مع الأيام حتى تصل إلى تشكيل أزمة نفسية وإلى نقطة لا رجعة فيها».

وأضاف السيد: «ما فعله أبو علاء ناتج ربما عن مزيج من مشاعر الحزن والوحدة والشعور بالرفض من الآخرين، والشعور بقلة الحيلة والعجز عن مواجهة مشاكل الحياة. 
وهو نوع من أنواع الاكتئاب الذي يعرف على أنه خلل في سائر الجسم يشمل الجسم والأفكار والمزاج ويؤثر في نظرة الإنسان الى نفسه والى ما حوله من أشخاص وما يحدث من أحداث بحيث يفقد المريض اتزانه الجسدي والنفسي والعاطفي. ومن خلال إطلاعي على حادثة أبو علاء واللقاء معه عدة مرات وجدت أنه يتمتع بصحة جيدة وبعيد كل البعد عن الإكتئاب الحاد، وأعتقد أن ما حصل معه أمر غير عادي وغير طبيعي في حينه».