مرضى الايدز يطالبون بتقبلهم في المجتمع السعودي...

نقل الأعضاء, الأمراض الجرثومية, الرضاعة الطبيعية, جهاز مناعة, المجتمع السعودي, الاتصال الجنسي, مستشفى الملك فيصل, الواقي الذكري, الجمعية السعودية لمرضى الإيدز, د. سناء فلمبان, د. محمد السيد, المتعايشون مع الإيدز / حامل فيروس الإيدز, فيروس الإيدز, أثن

15 فبراير 2010

يحلمون بالحياة الطبيعية كبشر لا يزالون يتنفسون الهواء، ولديهم أولوياتهم وطموحاتهم التي يسعون لتحقيقها. ويأملون أن يتفهم الأخر وضعهم ليس على أنهم مذنبون، بل على أنهم ضحايا في كثير من الأحيان وتائبون في أحيان أخرى.

إنهم مصابو مرض نقص المناعة (الإيدز) في السعودية، فهم جزء لا يمكن فصله عن المجتمع، وهذا ما يدفع بالمعنيين الى أن يتجاوبوا مع متطلبات وجودهم في الدنيا، لتكون الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز الجسر الذي يسير عليه المصابون عبوراً الى ضفة الاندماج مع المجتمع.  «لها» زارت مقر الجمعية في جدة والتقت أبو نواف أحد المصابين بالمرض، واطلعت على جهود الجمعية لتوفير بيئة سليمة وطبيعية إلى أقصى حد يمكن الوصول إليه في مجتمع يرفض تقبل مرضى نقص المناعة.


جلس معنا وكله فخر بالمنجزات التي حققها مع أنه عانى مرض نقص المناعة منذ صغره. أبو نواف صاحب وجه بشوش متفائل بالحياة، ومسلم بالقدر حامداً وشاكرا الله سبحانه وتعالى على ما أعطاه. 

«لها» إلتقت أبو نواف في مقر الجمعية السعودية لمرضى الإيدز. مبنى يظهر من جدرانه أنه يحمل أملاً جديداً للمتعايشين مع المرض. شاب سعودي بهيئة شبابية يستقبل زوار المكان، وكأنه أبعد ما يكون عن اسمه المخيف، وعندما علم أننا من عالم الصحافة أدخلنا الى المسؤول بكل صدر رحب لنجد تفاعلاً كبيراً وتقبلاً لمسجل صحافية تنقل واقع حياة المتعايشين، وكاميرا لم يمانع صاحب الحالة ان تلتقط ملامحه البشوشة في خطوط أمل تصدح في الصورة. لكن طلبه الوحيد كان ألا تكون هذه الملامح الجريئة في الحقيقة واضحة للعيان وذلك لأسباب تظهر لمن سيتابع التحقيق.

قصة أبو نواف مأساة حقيقية بدأت عندما تعرض لحادث سير خارج السعودية مما دفع بوالده -رحمة الله- الى أن ينقله مسرعا إلى المستشفى حيث نقل اليه دم في الحال. ولكن الدماء التي أنقذته من الموت هي ذاتها سبب مأساته، وهو شاب يبلغ من العمر حالياً ثلاثين عاماً. يقول: «لم أعلم عن إصابتي إلا في وقت متقدم من العمر لأن الوالد رحمة الله عليه لم يكن يرغب في أن يعلم أحد بما حل بي. حتى أن والدتي وأخوتي وأخواتي لا يعلمون حتى اللحظة. بدأت الحكاية عندما كنا في رحلة خارج السعودية وتعرضت لحادث وأنا في الثامنة من العمر. وفي المستشفى نقل اليّ دم نّجاني في الموت لكنه كان ملوثاً بالفيروس. وهكذا يبقى المرض قنبلة موقوتة في جسمي قد تفجر في أي لحظة.

أضاف: «عانيت كثيرا وأنا طفل، وأتذكر انه في كثير من الوقت كنت أنام في المستشفى بحجة أني مصاب بحمى أو جرثومة في المعدة. وكان الوحيد الذي يعلم بحقيقة المرض هو الوالد، وكنت أواصل دراستي بشق النفس بسبب زياراتي المتكررة للمستشفيات.

كبر الطفل الصغير ولا يزال يجهل حقيقة مرضه المؤلمة، فبعد أن انتهى من المرحلة الابتدائية واصل المرحلة المتوسطة ومن ثم الثانوية حتى حانت لحظة الحقيقة التي علم بها لأنه أراد أن يعرف لماذا هو دون أفراد عائلته الذي يتردد بصفة مستمرة على الأطباء.

«اكتشفت المرض وأنا في المرحلة الثانوية لأني كنت دائماً أصاب بالحمى، وفي الصف الأول الثانوي عندما دخلت المستشفى كان التشخيص حمى شوكية، ثم قيل لي أني مصاب بجرثومة في الدم ومع العلاج سأشفى. ولكن كل هذه كانت أمراضاً يتحجج بها الأطباء حتى لا أعرف الحقيقة بناء على طلب الوالد. وكان الوقت الذي علمت فيه عندما أصبت بورم حميد في الحنجرة بسبب نقص المناعة، حينها أدخلت مستشفى الملك فيصل التخصصي وخضعت للعلاج الكيميائي، رغم أن الورم حميد، والحمد الله شفيت. ولكن من بعد ذلك كنت أتناول أدوية بصفة مستمرة، وكلفة العلاج كانت جدا عالية، وحتى بعد الشفاء لا أزال أصاب بالحمى. وكنت كلما راجعت الطبيبة تقول لي إني مصاب بجرثومة وهي ما تسبب لي هذه الحمى المستمرة، ولكن لم أقتنع بعد أن كبرت وأصبحت في المرحلة الثانوية، فكان التساؤل ما هي هذه الحمى التي لا تزول أعراضها أبدا، وترافقني منذ من الصغر. وقتها وعن طريق الانترنت أدخلت أسماء العلاجات على المواقع الطبية وحينها اكتشفت الحقيقة، فهذه العلاجات هي لمرض نقص المناعة. لم أصدق ما قرأت في البداية، ولكن كل المواقع أكدت أن أسماء الأدوية التي أتناولها هي لمرض نقص المناعة».

بعدها فقد أبو نواف كل حلم كان يراود مخيلته. قابل طبيبته المعالجة وواجهها بما عرف وجاءته الإجابة تؤكد الإصابة. ومن كان سنده في كل المراحل السابقة كان قد رحل من الحياة، فقد توفي الأب، ومن يعرف بالسر هو الأخ الأكبر الذي هالته  معرفة أخيه بما لديه من مرض، بل غضب منه بشدة لذهابه إلى الطبيبة.


ما بعد الحقيقة والمعرفة بالإصابة

انقطع أبو نواف عن المجتمع تماماً عندما علم بحقيقة مرضه وكان ذلك قبل خمس سنوات. حينها كان قد انتهى من دراسته الثانوية، وحصل على دبلوم في الكمبيوتر، وكان يمارس جميع أنواع الرياضة خصوصاً كرة القدم. كل هذه الرحلة توقفت وكأن الزمن لم يعد يمشي في مساره الصحيح، وكأن العمر انتهى قبل أن ينتهي. هكذا كانت حالة أبو نواف الذي  فقد وظيفته، ودخل في حالة نفسية سيئة جداً لمدة شهرين، كان كل يوم فيها دهراً. فالأحلام انهارت، والحياة فقدت معناها الطبيعي، كل شيء توقف... حتى تواصلت معه الجمعية، ومستشفى الملك سعود في جدة. هنا قال أبو نواف: «شهران من الحياة بلا حياة. لم أقوَ على أن أخبر أياً كان من أهلي سوى أخي الكبير. وفجأة جاءني اتصال من مستشفى الملك سعود في جدة عن طريق الجمعية ليتواصلوا معي ويقترحوا علي الانضمام الى البرنامج في الجمعية، وأن أتزوج من مصابة.

فكرت كثيراً، ولم أجد إلا أن أقبل بهذا الحل، وكان الطبيب المسؤول عن علاجي الدكتور محمد السيد يجلس معي وأقنعني بالزواج من مصابة لأن الحياة في النهاية لا بد أن تسير، وجازماً بأن تناول الأدوية بطريقة منظمة يساعدني على العيش بطريقة طبيعية جداً ودون أن أشعر بالمرض. وبالفعل أقنعني، وعن طريق الجمعية اجتمعت مع أول مصابة إلا أنها كانت خائفة جداً من مسألة الارتباط، ولم يتم الموضوع. ثم قابلت أخرى ولكن أيضاً لم يتم النصيب. وفي المرة الثالثة الحمد الله تم الزواج واقتنعت هي بي، وأنا اقتنعت بها مع أني لم أكن أعمل حينذاك ولم أكن أمارس حياتي بشكل طبيعي».

تم الزواج وحتى اللحظة لا تعرف والدة أبو نواف عن إصابة ولدها وزوجته بالمرض، كل ما تعرفه أنه تزوج وفرحت به بناء على طلبه وطلب أخيه الكبير.

قرار عدم الإنجاب

قرار الإنجاب لم يكن وارداً تحت أي ظرف من الظروف. وعن ذلك قال: «كنّا اتفقنا أنا وزوجتي على عدم  الخوض في مسألة الإنجاب، لأن ما هو متعارف عليه أن الأب المصاب والأم المصابة يكون أطفالهما حاملين للفيروس. وهذه المسألة كانت مرفوضة تماماً لدي، فما عانيته لا أريد أن يعانيه أطفالي. وبالفعل مضت السنة الأولى من الزواج بكل سلام حتى فوجئت بزوجتي تقول إنها حامل. فقررت الذهاب بها إلى الدكتور محمد لإجهاض الجنين من أيامه الأولى، ولكن الصدمة كانت في قرار الطبيب الذي قرر الاحتفاظ بالجنين مؤكداً أنه مع الأدوية التي تتناولها الأم يمكن أن تنجب طفلاً سليماً لا يعاني المرض. لم أقتنع بالفكرة وكنت مصراً على الإجهاض، لكن الطبيب أصر على الاحتفاظ بالجنين. وكانت إرادة الله وبقى الجنين، ولكن ولقدرة أرادها رب العالمين ولد الجنين ميتاً».

هنا تنفس أبو نواف الصعداء حين علم أن طفله الأول توفي مع أن كل التحاليل كانت تؤكد سلامته من الفيروس. وبعدها شدد الزوجان الاحتياطات لعدم حصول حمل جديد. ولكن ما يريده الله سبحانه لا مرد له، فتم الحمل بعد سنة من وفاة الطفل الأول. وهنا توكل أبو نواف على الله واحتفظ بالجنين. ولديه الآن ابنة تبلغ من العمر سنة وسبعة أشهر تتمتع بالصحة والعافية، وسليمة مئة في المئة.

ومنذ ولادة طفلته تغيرت حياته تماماً، فهو يعمل حالياً في إحدى الشركات بمنصب إداري رفيع بناء على خبراته السابقة، بل يمارس حياته الرياضية بكل أنواعها وأشكالها دون أي خوف من الغد.

وهو اليوم أحد أهم الأشخاص الذين تستعين بهم الجمعية للجلوس مع المصابين ويتحدث عن تجربته مع الفيروس وكيف استطاع قهر المرض ومواصلة حياته كما أرادها الله، طالما انه يعلم أنه لم يرتكب أي سوء.

وهو يطالب المجتمع بتقبل مرضى نقص المناعة لأنهم في النهاية فئة من المجتمع لديها حق العيش والعمل والدراسة، وممارسة كل النشاطات الطبيعية التي يمارسها الفرد العادي. ويقر أبو نواف بأن المجتمعات العربية تحتاج الى الكثير من التوعية في ما خص معاملة المصاب بفيروس الايدز، اذ أن الايدز لا يمكن أن ينتقل إلى الآخر  بمجرد المجالسة أو المصافحة...


الدكتورة سناء فلمبان: من أهم برامج الجمعية تزويج المتعايشين مع المرض

المتعايشون مع الايدز هو مصطلح عالمي يقصد به المصابون الحاملون للفيروس. هكذا عرفت رئيسة الجمعية السعودية لمرضى الايدز في جدة  الدكتورة سناء فلمبان كلمة المتعايشين مع المرض قائلة: «المصاب قد يحمل الفيروس ولا تظهر عليه أعراض مرضية. سنوات طويلة، بل قد لا تظهر الأعراض لدى بعض الناس».

وعن مشاريع الجمعية التي تساند المصابين أضافت: «تنفذ الجمعية ضمن أحد برامجها برنامجاً لتزويج المتعايشين مع الايدز ممن لديهم الرغبة في الزواج والإنجاب. وهناك عدد من المسجلين في البرنامج من مختلف مناطق السعودية، ويتم التنسيق حسب المواصفات المطلوبة، وإحالتهم على الطبيب المعالج للتأكد من الوضع الصحي للحالات واستقراره خصوصاً في ما يخص الإنجاب. ويمثل الذكور نسبة أكبر من المسجلين لأن الإحصاءات عن إجمالي عدد المصابين تحتوي على نسبة إصابة أكبر لدى الرجال، وبمعدل خمسة رجال إلى سيدة واحدة». 

مشيرة إلى أن هناك تواصل دائم مع الحالات التي يتم تزويجها في البرنامج، أو خارجه طالما هم من الأسر التي ترعاها الجمعية وتقدم لهم الخدمات.

عن إنجاب أطفال سليمي البنية وغير مصابين بالمرض قالت الدكتورة سناء: «أصبح من الطبيعي جدا أن يتمكن المصابون بالإيدز من إنجاب أطفال سليمي الصحة مع تطور أساليب المتابعة الصحية والعلاج. وهنالك العديد من الحالات التي أنجبت طفلاً أو أكثر سليمي الصحة ولا يحملون الفيروس، ولكن يشترط أن تكون هناك متابعة صحية دقيقة قبل الحمل وخلاله وبعد الولادة تحت إشراف طبيب».


٢٠٠ أسرة مسجلة في الجمعية

يتزايد عدد المنتسبين إلى الجمعية، وبحسب ما ذكرته رئيستها أن عدد المسجلين حالياً يبلغ ٢٠٠ أسرة خلال عام واحد من وجود الجمعية على أرض الواقع. وهناك العديد من الخدمات التي تقدم للمتعايشين المسجلين في الجمعية وهم من مختلف الفئات العمرية. ومن أهم ما تقدمه الجمعية المحاضرات وجلسات الدعم النفسي الفردي والجماعي،  مما يساعد المتعايشين في التغلب على الحالات النفسية والمشاكل الاجتماعية التي يعانونها نتيجة الإصابة بالمرض. وقد استفاد العديد منهم وصاروا يتمتعون بنظرة ايجابية الى الحياة، ويضطلعون بالأعباء المعيشية لأفراد أسرهم.

وأضافت الدكتورة سناء: «باب التطوع في الجمعية مفتوح للراغبين في العمل ضمن برامجها. ويتم تقديم المعلومات اللازمة للمتطوع بحيث يصبح لديه وعي عن المرض وطرق انتقاله وكيفية حماية نفسه. وكذلك يختار نوع الدعم الذي يقدمه للجمعية».


ماذا نعرف عن الإيدز؟

يهاجم فيروس الإيدز جهاز المناعة لدى الإنسان فيجرد الجسم من دفاعه الطبيعي ضد الأمراض الجرثومية كلها. وهناك من يحمل الفيروس ولا تظهر عليه أعراض المرض لفترات طويلة فيكون سبباً لنقل العدوى.

وينتقل فيروس مرض الإيدز إلى الشخص السليم بالطرق الآتية:

- الاتصال الجنسي من مصاب بالايدز وإن لم تظهر عليه الأعراض (٩٠ % من إجمالي طرق العدوى). من الأم المصابة إلى طفلها خلال فترة الحمل، او أثناء الولادة، او فترة الرضاعة. نقل الدم أو أحد مشتقاته من شخص مصاب إلى آخر سليم. نقل الأعضاء ( كالقلب والكلية ) من شخص مصاب إلى آخر سليم. استعمال أدوات ملوثة بدم المصاب كتعاطي المخدرات بالإبر المشتركة، أمواس الحلاقة، أدوات طبيب الأسنان، أدوات الوشم وثقب الأذن والحجامة، والإبر الصينية. وتشكل الأسباب الأخيرة ما نسبته ١٠ في المئة.

- لا ينتقل الإيدز بالمعايشة اليومية للمصاب في العمل أو الدراسة أو لدى العناية به. واستخدام المرافق العامة، ووسائل المواصلات. استخدام دورات المياه وحمامات السباحة. مشاركة المصاب في طعامه وشرابه أو زيارة المستشفيات، رذاذ العطاس أو السعال. لدغ الحشرات أو عن طريق الحيوانات.

- عند مجرد الشك في الإصابة أو إصابة أحد الطرفين يجب استخدام العازل الواقي المطاطي. ومن الضروري تجنب رفقاء السوء وعدم استخدام أدواتهم الشخصية، والابتعاد عن جميع العلاقات الجنسية المحرمة.