ضحايا الزئبق الأحمر ما زالوا يتساقطون...

جرائم, نصب وإحتيال, ضحايا السحر, جرائم السحر, د. عبد المعطي بيومي, السحر السفلي, دجالين, ضحايا الزئبق الأحمر, من رؤى الساحرة الشريرة, الساحرة الأفريقية, الطقوس السحرية, رأي الدين في السحر

08 مارس 2010

في القاهرة ظهرت الساحرة ليندا. جاءت من أدغال أفريقيا حاملةً الأحلام الزائفة والدولارات المزعومة التي ستهبط من السماء عليها وعلى أعوانها! صدّقها العشرات وقدموا لها أموالهم، وانتظروا تحقيق أسطورة «الزئبق الأحمر والجان»، ولكن شيئاً من كل هذا لم يحدث، بل ضاعت أموال الضحايا، وتبخرت ليندا بعدما خدعت الكثيرين واستولت منهم على الملايين.

رغم ما تنشره الصحف باستمرار عن حكايات ضحايا الزئبق الأحمر، وأكذوبة توليد الدولارات، فإن الملف لم يُغلق بعد، سقط عشرات الضحايا وللأسف معظمهم كانوا من المتعلمين، ورجال الأعمال الذين صدّقوا الدجالين، وحين جاءت الساحرة الأفريقية ليندا إلى القاهرة كانت تضع أمامها هدفاً محدداً وهو البحث عن أماكن لقاءات سيدات المجتمع الراقي! تعلّمت الساحرة الأفريقية بعض العبارات العربية لأنها أرادت أن تُتقن مهنتها جيداً، فالهدف لم يكن بعيد المنال، ونجحت خلال فترة بسيطة في أن تخترق أوساط الكبار وتنتزع ثقتهم وأموالهم! ظهرت ليندا في الفنادق الكبرى والحفلات التي تقيمها سيدات الأعمال، بهرت الجميع بلباقتها وذكائها الحاد، كانت تستقل سيارة فارهة ويلازمها أحد معاونيها، وسرعان ما نجحت في تكوين صداقات عديدة بينها وبعض سيدات الأعمال. تصرفت ليندا بذكاء عندما لم تطرح حكاية الدولارات والزئبق الأحمر في بداية حديثها، بل كانت تختار بعناية التوقيت والأشخاص الملائمين قبل أن تتحدث في هذا الموضوع الشائك. ولكنها في النهاية وجدت المناخ ملائماً، وفتحت خزانة أسرارها، وبدأت تصطاد الضحايا.


سحر سفلي!

عقارب الساعة تجاوزت الأولى فجراً والفندق الكبير يعج برواده رغم هذا الوقت المتقدم من الليل، كانت ليندا تجلس مع سيدة الأعمال المصرية سوزي التي كانت تُنصت بشدة إلى حديث السمراء الأفريقية. بدأت ليندا تشرح فكرتها عن الزئبق الأحمر، وأكدت لسوزي أنه طعام الجان الذي يعيد إليه شبابه، ومقابل بضعة غرامات من الزئبق الأحمر بإمكان الجان أن يولّد الدولارات! كانت سوزي قد سمعت من قبل عن هذا الموضوع لكنها لم تأخذه مأخذ الجد. ومع ذلك راحت ليندا تشرح هذا الموضوع باستفاضة، الأفريقية واعترفت لجليستها أنها تعمل في السحر السفلي! انتفضت سيدة الأعمال وبدا عليها بعض الخوف، لكن الساحرة نجحت في أن تبث الطمأنينة في نفسها، وأكدت لها أنها لا تؤذي أحداً بل تحمل لها الخير كله، وان ثروة ستهبط عليها من السماء! ازداد انتباه سوزي وأخبرتها ليندا بأنها ستقدم لها مليوني دولار في مقابل أن تدفع لها سيدة الأعمال المصرية ١٠٠ ألف دولار ثمناً لشراء الزئبق الأحمر. وقبل أن تنطق سوزي بكلمة واحدة عرضت عليها ليندا أن تشهد بنفسها تجربة مشابهة لسيدة أعمال خليجية دفعت هذا المبلغ، وستحصل مقابله على الملايين.

وافقت سوزي على خوض التجربة وذهبت مع الساحرة الأفريقية إلى منزل سيدة الأعمال الخليجية... الظلام كان يلف الغرفة التي شهدت الطقوس السحرية، وذلك بناء على طلب الساحرة. وبدأت ليندا تقرأ طلاسم وترانيم غريبة، وتضع الزئبق الأحمر وحقيبة سوداء... وفجأة أضاءت ومضة وسرعان ما خفتت! أصابت الجميع رجفة، وطلبت ليندا من صاحبة المنزل أن تُضيء الأنوار، وسارعت الى فتح الحقيبة السوداء واندهشت سوزي حينما لمحت أكوام الدولارات فيما اتسعت ابتسامة سيدة الأعمال الخليجية، وأخبرتها ليندا بأن باقي الملايين سيتم توليدها في جلسة أخرى بشرط أن تبقى هذه الدولارات في مكانها. غادرت سوزي المكان وكلها رغبة في خوض هذه التجربة بسرعة، اتصلت بليندا وعرضت عليها أن تعطيها ١٠٠ ألف دولار فوراً، وحددت الموعد وسلمتها حقيبة الأموال، وضربت لها ليندا موعداً لجلسة التوليد. ظلت سوزي تحلم بالملايين التي ستهبط عليها من السماء، وفي موعد الجلسة وضعت ليندا الحقيبة السوداء أمامها، وبعد الطقوس المعتادة أضاءت الأنوار وقدمت لسوزي ٢٠ ألف دولار. فرحت سيدة الأعمال وأخبرتها الساحرة الأفريقية بأنها المرحلة الأولى وخلال أيام ستقدم لها باقي المبلغ. ازداد انبهار سوزي خاصة أنها شاهدت أمامها الحقيبة فارغه فيما صارت الآن عامرة بالدولارات، وظلت في انتظار اللحظة التي سيهبط فيها باقي الثروة.


المزيد من الضحايا

أصيبت سيدة الأعمال بذعر حين اختفت الساحرة الأفريقية التي تبخرت هي ومساعدها طوني. أما هاتفها المحمول فظل خارج نطاق الخدمة، وراحت المصرية تبحث عنها في كل مكان لكن بلا جدوى.

أدركت سيدة الأعمال المصرية أنها تعرضت لخدعة كبرى، واتجهت إلى سيدة الأعمال الخليجية التي قامت ليندا بتجربة الزئبق الأحمر عندها. وأسقط في يد سوزي عندما اكتشفت أن الخليجية كانت إحدى ضحايا الساحرة الأفريقية. اتجهت إلى أجهزة الأمن وقدّمت بلاغاً اتهمت فيه ليندا بالنصب والاحتيال والاستيلاء على أموالها، وتحملت نظرات الاستنكار في عيون رجال الشرطة، خاصة أنها قدّمت بنفسها أموالها للنصابة. واكتشفت أن الساحرة الأفريقية ارتكبت العديد من الجرائم، ولم يكن لها ضحية واحدة، بل خدعت العديد من الضحايا، ولكنهم من رجال الأعمال العرب والمصريين الذين صدقوها وسلموها بأنفسهم أموالهم طمعاً بملايين الدولارات.

بدأت رحلة البحث عن الساحرة التي حمل رجال الأمن أوصافها وقرروا أن يمتد بحثهم إلى الأماكن التي تتردد عليها ليندا، خصوصاً الفنادق الكبرى، فمن المؤكد أنها تبحث عن المزيد من الضحايا. تمكن ضابط المباحث من التوصل إلى ليندا وخدعها وأوهمها بأنه رجل أعمال يبحث عن وسيلة لاستثمار أمواله في أفريقيا، وابتلعت ليندا الطعم واتفقت معه على توفير وسيلة لزيادة أمواله.

عرضت عليه فكرتها لتوليد الدولارات وتظاهر الضابط بأنه مقتنع بها، فاتفق معها على موعد لتسليمها ١٠٠ ألف دولار لتشتري ليندا الزئبق الأحمر بجزء من المبلغ.

في شقة مفروشة، نصبت الشرطة مكمناً للساحرة التي أطفأت الأضواء، وحاول شريكها دس بعض الدولارات في الحقيبة الفارغة مستغلاً الظلام، فكان أن سقطت الساحرة الأفريقية واعترفت بجرائمها وأرشدت الى أماكن الأموال التي سرقتها من ضحاياها.


رأي الدين

عن موقف الإسلام من السحر وأفعال السحرة قال عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد السابق لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر الدكتور عبد المعطي بيومي: «حارب الإسلام السحر بكل الوسائل بل إنه يعده من الكبائر التي توصل إلى الكفر. ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً:  «اجتنبوا السبع الموبقات. فقيل: يارسول الله وماهن؟ فقال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات». ولا يعترف الإسلام بما يقوم به السحرة سواء كانوا رجالاً أو نساءً من أفعال كلها في الغالب معاصٍ لله وإيذاء لخلق الله. ومن المؤسف أن السحرة يروجون بين السذج أن الزئبق الأحمر يمكن استخدامه في استخراج الكنوز القديمة المدفونة في الأرض التي يحرسها الجن المسخر للسحرة، أو تحقيق ثروات طائلة من دون تعب، وهو ما يسهل النصب والاحتيال، مع أن الإسلام لا يعترف بأي وسيلة لتكوين الثروة سوى الكسب الحلال أو الميراث أو غيرهما من الطرق المشروعة».

وأنهى كلامه بالتأكيد أن المسلم الحق القوي العقيدة والإيمان لا يمكن أن يصدّق ما يقوم به السحرة، سواء كانوا عرباً أو عجماً وخاصة من القارة الأفريقية المشهورة بالاعتقاد بقوة السحر لأن دينه نهاه عن ذلك، بل الأفضل أن يبتعد الناس عن كل الأفعال المشينة ومنها السحر.