والدة حليمة المتزوجة من سعودي

حقوق المرأة, شارب الخمر, الزواج العرفي, قضية / قضايا الطفل / الأطفال, عقد نكاح, الهوية السعودية, حقوق الإنسان, الدولة السعودية, صومال, الأوراق الثبوتية, المحامي ريان المفتي, تصريح بالزواج, القانون السعودي, حملة أبناء بلا هوية

29 مارس 2010

قصة لكتابتها بداية، ولكن النهاية لم يقدر لها بعد أن تكتب على صفحات حليمة ووالدتها. أخواتها أكبرهن في الثامنة عشرة والصغيرة لا تتجاوز العام والنصف. والأب مترنح من زجاجة إلى أخرى يعاقر الشراب لعلّه ينسى أن له أسرة لا عائل لها إلا الله، ومن ثم هو. والدة حليمة قدمت من الصومال فتاة صغيرة مع أخت والدها، العمة التي أصرت أن تغير حال ابنة أخيها، لتخلصها من فقر مدقع في موطنها الأصلي، لتنشئها في السعودية بعيداً عن لسعات البرد ومغبة الجوع. إلا أن مصيرها الذي تعرفت عليه «لها» بالتفصيل لا يقل ظلمة عما كانت تهرب منه في سنوات طفولتها.

هاتفتها مخبرة إياها أننا مجلة «لها» ونودّ أن نلتقي حليمة إبنة الثلاثة عشر عاماً، إلا أنها اعترضت قائلة: «لا أريد حسنة من أحد». وبصعوبة استطعنا إقناعها بالحضور إلى مقر المجلة. إلا أن الحكاية لم تتوقف تفاصيلها عند حليمة بل فوجئنا بست فتيات أكبرهن تبلغ الثامنة عشر من عمرها، والصغيرة لا تتجاوز السنتين.

وكلما تحدثت الأم كانت التفاصيل أكثر حزناً، خصوصاً أنهن فتيات سعوديات يحملن هوية البلد داخل أجسادهن، ولكن على أرض الواقع فهن بنات المقيمة، والسبب أن والدهن لم يلتفت ولو لدقائق قليلة لهن، ليثبت وجودهن وأنفاسهن في سماء السعودية، كونه سعودياً وتحديداً من جازان.

قصة وجودي في السعودية

بدأت الأم سرد حكايتها من بدايتها عندما قدمت إلى السعودية مع عمتها من الصومال هرباً من ويلات الحروب الأهلية القديمة الجديدة، ولهيب الجوع القارص، والفقر المدقع. لتتربى في كنفها، بين أطفالها. «لم تكن حالي في السعودية جيدة جداً، ولكن على الأقل شعرت بالأمان. والحمد لله كنت أسكن عند عمتي، وكبرت بين أولادها، مع أني لم أتمتع بما تمتع به الطفل العادي من دخول المدرسة وغيره. ولكن يكفي أني كنت أجد مكاناً أنام فيه دون أن أخاف دخول أحد علي وقتلي كما هي الحال في بلدي الأم. حينما كبرت واشتد عودي بدأت العمل كخادمة في البيوت حتى أتى صاحب النصيب وهو زوجي الحالي، وكان أمل عمتي عند زواجي منه أن يصون كرامتي، وأكون زوجة وأماً، وأن يكفيني العمل في خدمة البيوت، ولكن».

سعودي الجنسية هو زوج أم حليمة تزوج بها في القنصلية بعقد وشهود، لكن المشكلة التي يعانيها آلاف الأطفال سواء داخل السعودية أو خارجها تكمن في التصريح، وهو موافقة الدولة على زواج السعودي من زوجة غير سعودية.

قالت والدة حليمة: «عندما قالوا لي عن الرجل الخاطب فرحت به، وقلت سأعيش في كرامة وسينتهي عملي كخادمة في البيوت. هذا الزواج كان قبل حوالي عشرين عاماً. لم أكن أعرف عن التصاريح المطلوبة، وعن ضرورة إصدار موافقة من الدولة، فانا لم أرتدْ المدارس، ولا أعلم عن القوانين شيئاً، وكان من المفترض أن يكون زوجي هو من يمتلك هذه المعلومة، فأنا جاءت عمتي وأخبرتني أن خاطباً سعودياً تقدم لي، وأنا وافقت على أمل أن ينتشلني من العمل في خدمة البيوت».

حليمة: أعمل مع والدتي بدلا من الجلوس في البيت

عشرون عاما من الزواج الذي أثمر ست فتيات لا يملكن أي ورقة ثبوتية تثبت نسبهن لأبيهن، ولا شهادة مدرسية. أم حليمة قالت: «منذ بداية زواجي كان زوجي يعاقر الخمر، وراح إدمانه يتفاقم يوماً بعد يوم. ولكن ما كان يسكت لساني هو إنفاقه على البيت. بعد تقاعده لم يعد لي أي مصدر مالي سوى ما يجود به علي عند تسلمه الراتب، وما يرزقني به الله بعد عودتي للخدمة في المنازل. فمن سيطعم ست فتيات يحتجن إلى الكثير من المصاريف، ولا يبالي والدهن بهن، بل على العكس ذقن منه كثيراً من الضرب، والصراخ خصوصا عندما يفقد عقله».

وأكدت والدة حليمة أنها تشاحنت مع الأب مراراً بسبب عدم استخراجه الأوراق الثبوتية لبناته الست دون فائدة، وحتى تكون أكثر إنصافاً فقد استطاعت أن تستخرج شهادتي ميلاد لآخر طفلتين لأنهما الوحيدتان اللتان ولدتهما في مستشفى.

وتكمل حليمة فتاة الثلاثة عشر عاماً الحديث عن والدتها: «أنظر إلى البنات من نفس عمري وأتمنى أن أرتاد المدرسة مثلهن، خصوصا أني سعودية الأب ويحق لي أن أعيش مثلهن».

حليمة صغيرة الحجم ولا تظهر عليها سنوات عمرها، ولعل ذلك من كثرة ما عاشته من مشاكل بين والدتها، ووالدها وما تعرضت له من ضرب وإهانات من والدها عندما كانت تعيش معه تحت سقف واحد.

تضيف: «قررت الخروج مع والدتي للعمل بدلا من الجلوس في البيت، خصوصا أن والدتي أصبحت أكبر سناً وتحتاج إلى المساعدة. فعندما تأتيها زبونة وتطلب منها الذهاب للعمل في منزلها سواء كان باليوم أو بالساعة كنت أصر على أن أكون معها حتى ننجز العمل بوقت أسرع، وحتى أزيل عن كاهلها بعض الأعمال. وفي النهاية هي الوحيدة التي تسأل عنا وتهتم لأمرنا».

انفصلت أم حليمة في المسكن عن والد البنات لأنها لم تعد تطيق العيش مع معاقر الخمر الذي تخلى عن مسؤوليته في الإنفاق على فتياته الست. فاستأجرت غرفة صغيرة في بيت عمتها وتجهزها بالمستلزمات الأساسية لتوفر سقفاً يضمها مع بناتها.

المستشار القانوني ريان المفتي: الخطأ وقع من البداية

يرى المستشار القانوني والمحامي في جدة ريان المفتي أن ما وصلت إليه الفتيات ووالدتهن هو نتيجة تراكم المخالفات التي ارتكبها الأب في زواجه من غير سعودية دون تصريح، قائلاً: «أخذت قضية حليمة صدى إعلامياً واسعاً كونها فتاة سعودية تعمل خادمة في الدولة التي من المفترض أن تحمل جنسيتها. ولكن هذه نتيجة حتمية وصلت إليها الأم بعد المخالفة الأساسية التي ارتكبها الأب عند زواجه بها من غير تصريح بالزواج من الدولة، وهو القانون المتعارف عليه في السعودية في حال تقدم الرجل السعودي للزواج من غير سعودية».

ويشير المفتي إلى أن القانون السعودي في مسألة الزواج من غير السعودية لم يتغير منذ القدم، ومن غير الممكن أن يكون الأب غفل عن هذه النقطة. وغياب التصريح يجعل زواج الأم بحكم الزواج العرفي كونه غير موثق لدى جهة رسمية.

ويوضح المحامي أن الحل يكمن في «إصدار صك بإثبات النكاح من الدوائر القضائية، وما يتوجب على الأم حالياً هو اللجوء إلى الشهود الذين شهدوا على زواجها، والذهاب بالأوراق والشهود إلى المحكمة وتقديم القضية وإثبات عقد النكاح. ومن ثم يبدأ الأب وفي ضوء الموافقة التي ستمنح له للزواج بغير سعودية باستكمال باقي الأوراق من شهادة ميلاد، وإضافة البنات إلى دفتر العائلة السعودي».

حقوق الإنسان:  نطلق حملة على مستوى السعودية لاستخراج الأوراق الثبوتية لأطفال السعودية من أباء سعوديين

تضع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية الخطوات الأساسية لحملة «أبناء بلا هوية» التي لا تزال مطروحة ومتداولة على طاولة الهيئة، وذلك بعد حصر الحالات التي تلقتها إدارة الهيئة خلال الفترة الماضية. وأشارت نور الحواس الأخصائية الاجتماعية بالهيئة إلى أن سبب إطلاق الحملة يعود الى أن معظم الحالات التي وصلتهم تتعلّق بالأبناء الذين لا يحملون هوية ولم يضافوا إلى بطاقات العائلة لعدة أسباب منها اختفاء الأب، أو عدم قبوله إضافة الى الابن، أو الابنة في دفتر العائلة، أو طلاق الأم وإنكار الأب للابن.

وقالت الحواس عن الخطوات المتبعة لحملة أبناء بلا هوية إنها «تكمن في تفعيل الحق في الحصول على هوية لجميع الأفراد، ونشر ثقافة حق الحصول على هوية من خلال برامج التوعية، ورصد الحالات مجهولة الهوية من خلال برامج للتعاون مع المدارس والمستشفيات للوقوف على الأسباب وعلاجها».