تعقيم المرأة
منع الحمل, د. عبلة الكحلاوي, د. أحمد عمر هاشم, الشريعة الإسلامية, علماء الدين, د. حامد أبو طالب, الشيخ جمال قطب, د. عبد الحي عزب, الإجهاض, د. رجاء حزين, تعقيم المرأة
26 أبريل 2010التعقيم
يُعرّف أستاذ النساء والتوليد بطب الأزهر ورئيس الجمعية العالمية لطب النساء والتوليد الدكتور جمال ابو السرور التعقيم بأنه التأثير على الجهاز التناسلي للرجل أو المرأة ليفقد قدرته على الإنجاب بشكل دائم. ولم يكن التعقيم معروفاً في الماضي إلا من خلال الخصاء للعبيد وقد نهت عنه الأديان. ويكون التعقيم للرجال بقطع الحبل المنوي بعملية جراحية بسيطة، أما للنساء فيكون بقطع قناتي الرحم أي قناتي فالوب أو ربطهما أو الاثنين. ويمكن أن يتم ذلك عن طريق فتح البطن أو بواسطة منظار بطني، كما يمكن الوصول إلى القناتين عن طريق عنق الرحم بمنظار رحمي. ويعتبر التعقيم من الوسائل الدائمة لمنع الحمل بدليل أن محاولة إعادة وصل الأنبوبين التي تُمكّن الزوجة من الحمل نسبة النجاح فيها قليلة.
حالة وحيدة
أما الرئيس الأسبق للجنة الفتوى في الأزهر الشيخ جمال قطب فيرى أن الحالة الوحيدة التي يجوز فيها التعقيم هي «الخوف المحقق والمؤكد على حياة الزوجة لشدة مرضها لأنها هي الأصل، ولا يجوز التضحية بالأصل من أجل الفرع وهو الطفل القادم، والقاعدة الشرعية في ذلك تنطلق من الآية القرآنية التي تقول: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة » (آية 195 سورة البقرة) . وقوله صلى الله عليه وسلم: « لا ضرر ولا ضرار». وإذا كان بعض العلماء قد أباحوا تأخير الإنجاب فإنهم حرموا منع الحمل نهائياً بالتعقيم أو الإجهاض. وبالتالي لا يجوز شرعاً بأي حال من الأحوال تعقيم المرأة خشية الفقر، لأن الرزق بأمر الله يهبه لمن يشاء ويأخذه ممن يشاء. وليس كل مرض يمكن أن يكون سبباً لتعقيم المرأة وجعلها غير قادرة على الإنجاب، فلا بد أن يكون في هذا المرض خطر على حياة الأم إذا أصبحت حاملاً».
قانون مرفوض
وتقول عميدة كلية الدراسات الإسلامية بالقليوبية جامعة الأزهر الدكتورة رجاء حزين: «أرفض سن أي قوانين تُجبر الأسرة على تحديد النسل أو منعه بالتعقيم لأن هذه القوانين تتعارض مع الشريعة الإسلامية، والأهم أن تهتم الدولة بمعالجة أسباب الفقر والمرض، وتقدم مزيداً من الرعاية لأبناء الفقراء حتى تتحول الثروة البشرية إلى نعمة لا أن تصدر مثل هذه القوانين التي لا يقرها دين ولا عقل ولا تتناسب مع تقاليدنا وأعرافنا. وعلينا عدم نقل أفكار بعض المنظمات الغربية التي تُحارب الإنجاب وتراه سبب مشكلات العالم، وأنه يجب منع الفقراء من الإنجاب بكل الوسائل سواء كان ذلك بالترغيب أو الترهيب، وبالتالي فإن هذا الاقتراح يتعارض مع دساتير معظم الدول العربية التي تؤكد أن إجهاض الزوجة أو تعقيمها من أجل الفقر حرام قطعاً، ومن يفعل ذلك يأثم ومن يسن قانوناً بهذا فهو أكثر إثماً، لأنه عمم الحرام وأجبر الناس بالقوة عليه».
ما أن تم الإعلان في البرلمان المصري عن اقتراح بقانون يُبيح تعقيم المرأة لمنعها من الحمل، حتى انفجرت حالة من الجدل بين علماء الدين، هناك من يعارضون التعقيم تماماً، وهناك من يرونه جائزاً فقط في حالة المرض، ويرفضونه إذا كان بسبب الفقر. فما هي حكاية هذا الاقتراح وماذا يقول رجال الدين؟ حاول رئيس لجنة الصحة في البرلمان المصري الدكتور حمدي السيد التخفيف من رد الفعل المعارض للاقتراح، فأكد أن كلامه فُهِم خطأ، وأن وسائل الإعلام ضخّمت الموضوع بأنه يدعو إلى إباحة إجهاض الفقراء مع أنه لا أحد يجرؤ فى العالم على المطالبة بذلك، لأنه يتنافى مع قدسية مهنة الطب والشرائع السماوية. وردت وسائل الإعلام على هجوم السيد بنشر نص أقواله بلجنة الصحة، مؤكدةً أن تراجعه هذا موقت لتفادي الغضب الشعبي، في حين أن هناك خطة مستقبلية لتطبيق الاقتراح بشكل أو بآخر بإباحة تعقيم المرأة أو إجهاضها لظروف الفقر أو المرض بعد موافقة الزوجين أو ولي الزوجة في حالة تعذر الحصول على موافقتها، وكذلك موافقة لجنة طبية من ثلاثة أطباء على تقرير يُثبت تشوه الجنين أو تعرض المرأة لأمراض من شأنها إصابة الأجنة بالتشوه، أو وصول المرأة إلى عمر ٤٠ سنة بحيث يتعرض الجنين لاحتمال التشوه، مع مراعاة الظروف المعيشية الصعبة التي لا تُساعد الأم في تربية أولادها أو الإنفاق عليهم طبقاً لتقرير صادر من وحدة الشؤون الاجتماعية.
الأمراض الخطيرة
ويؤكد عميد كلية الدراسات الإسلامية في بني سويف الدكتور عبدالحي عزب أن جمهور العلماء يرى أن سياسة منع الحمل مخالفة لتعاليم الإسلام، و«ذلك لأن فكرته الأساسية تقوم على الخوف من الفقر وقلة الموارد، مع أن الله تكفل بأرزاق مخلوقاته أولهم وآخرهم، وهيأ لهم وسائل حصولهم على الرزق بالعمل والسعي في الأرض فقال تعالى: «وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها» (سورة هود آية 6). كما أجمع الفقهاء على حرمة التعقيم ما لم يكن هناك سبب طبي قوي لذلك. ويستوي في تحريم التعقيم أن يكون قبل الإنجاب أو بعده ولا يهم هنا عدد مرات الإنجاب، ويجوز التعقيم للمرأة إذا كان هناك خطر عليها بسبب الحمل أو الولادة، ولا يكون ذلك إلا في حالات قليلة أبرزها الأمراض الخطيرة، مع العلم أن القاعدة أن الإسلام حث على زيادة النسل وضمن حفظه، وحث على الزواج ورغّب فيه. وكان الاتجاه العام للبشرية في كل الأزمان هو الإكثار من الذرية غير أنه ظهرت بعض الحركات الداعية الى تحديد النسل ومنعه بالتعقيم وخلافه، وكانت نظرتهم مادية بحتة بعيدة عن تعاليم الأديان، حيث لا يوجد دين سماوي يبرر ويجيز أن يعقم الإنسان نفسه لظروف الفقر، لأن هذا أقرب إلى قتل النفس البريئة سواء كان ذلك عن طريق التعقيم أو الإجهاض. ولهذا قال الله تعالى: «ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم » (سورة الأنعام آية 151). وفي آية أخرى قدم الله ضمانة لرزق الأبناء على الآباء والأمهات فقال تعالى: «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ نحن نرزقهم و إياكم» (سورة الإسراء31 ).
وأوضح أن هذا «لا يعني أن الأديان تدعو إلى الإنجاب دون أي تنظيم حسب الظروف المعيشية للأسرة بل إن التنظيم مطلوب، أما المحرم فهو المنع التام بالتعقيم بغير ضرورة طبية يؤكدها الأطباء الثقات، الذين يرون في الحمل خطراً على حياة الأم، أما غير ذلك كالفقر فقد دعت الأديان إلى التراحم بين الناس فمثلاً الزكاة فريضة دينية تربط الغني والفقير، وكذلك الصدقات يُثاب فاعلها لأنه يعطف على الفئات المستضعفة، أما الضرائب التي تفرضها الحكومة على الأغنياء فيوجه جزء منها لدعم الأسر الفقيرة، كما تفعل الدول المتقدمة، وتوفير وسائل تنظيم الأسرة لمن يحتاج إليها إذا كانت الأسرة لا تريد الإنجاب بمحض إرادتها دون أي ضغوط».
قرار الأطباء
وأعلن رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري الدكتور أحمد عمر هاشم رفضه الشديد لهذا الاقتراح لأنه يتعارض مع الفطرة الإنسانية السليمة التي ترغب في الإنجاب، ووصفها القرآن بقوله تعالى: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا» سورة الكهف (آية 46).بل إن الإسلام جعل حفظ النسل من الضرورات التي جاءت الشريعة بحفظها وصيانتها، ولهذا حرّم الإجهاض وجعل أي اعتداء على الجنين يكون فيه «الغرّة» وهي دفع دية، أما إذا كان الاعتداء بعد مضي ستة أشهر على الحمل فصاعداً فعلى المتعدي الدية كاملة مع الكفارة.
وأضاف الإسلام دعا إلى زيادة النسل باعتباره نعمةً إذا أحسنا توظيفها تؤدي إلى تقوية الأمة، فقال صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة»، وليس هذا الأمر مقصوراً على الإسلام، بل كان من دعاء الأنبياء وعباد الرحمن في كل العصور ما سجله القرآن في قوله تعالى: «ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما» سورة الفرقان (آية 74). ولهذا فإن اقتراح التعقيم مرفوض شكلاً وموضوعاً، وخاصة فيما يتعلق بالفقر وأنا له بالمرصاد. أما بالنسبة الى المرض فإن هذا يقرره الأطباء الثقات».
الضحية الأولى
وتؤكد العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة عبلّة الكحلاوي أن «الأرزاق بيد الله وحده، ولهذا فإن الآية القرآنية الوحيدة التي جمعت العديد من أسماء الله الحسنى، تؤكد أن أمور الرزق بيد الله وحده قوله تعالى: « إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين» (آية 58 سورة الذاريات) . ولا شك أن التعقيم سيؤدي إلى زيادة نسبة الطلاق إذا كان الزوج يرغب في الإنجاب ومنعته القوانين بسبب الفقر أو المرض فإنه سيفكر في التخلص من زوجته بالطلاق والزواج بأخرى، وفي أحسن الأحوال سيتزوج عليها ويهملها، وبالتالي فإن الزوجة هي التي ستدفع ضريبة التعقيم، وفي الوقت نفسه يؤدي إلى زيادة معدلات الطلاق في المجتمع الذي يعني مزيداً من الانحراف السلوكي والأخلاقي للمطلقات وأولادهن إذا افتقدوا للرعاية المطلوبة، مع أنهم في الحقيقة مجني عليهم وضحايا للتعقيم».
أفكار أجنبية
وربط العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور حامد أبو طالب بين «الدعوة إلى التعقيم وما سبق أن دعا إليه مالتس، رجل الدين الإنكليزي الذي تفرغ لدراسة السكان والبيئة، وخلص إلى أن السكان يزدادون على هيئة متواليات هندسية، أما الموارد فتزداد على شكل متواليات حسابية. وبالتالي فإن السكان سيتضاعفون كل 25 سنة بينما لن تزداد الموارد إلا بنسبة أقل من ذلك بكثير، ولهذا فإنه لا بد أن يأتي يوم لا تفي فيه الموارد بحاجات البشر، ولهذا فإن الحل هو الترغيب في الامتناع عن الاتصال الجنسي بالزوجة ومنع الفقراء من الإنجاب ولو بالقوة، لأن زيادة عدد السكان هي سبب الفقر. وهذه النظرية مرفوضة شرعاً لأنها تشكك في قدرة الله على توفير الرزق لمن خلق مع أنه سبحانه القائل: «إنا كل شيء خلقناه بقدر» (آية 49 سورة القمر) . والحقيقة أن وجود جوعى في الأرض ليس سببه كثرة الإنجاب، وإنما تكاسل الإنسان وتخاذله وسوء تدبيره لأموره وعدم أخذه بالأسباب، وعدم عدالة التوزيع في الثروات يموت الملايين جوعاً في أفريقيا، في حين ترمى المنتجات في الدول الغنية في البحار حتى لا تنخفض قيمتها الشرائية، بل إن بعض الحكومات تدفع الأموال لمزارعيها حتى لا يزرعوا أراضيهم».