الإيدز ليس وباء ونطالب باحترام المجتمع لنا

مشكلة / مشاكل إجتماعية, محاربة الإكتئاب, تأهيل نفسي, برنامج تأهيل, تأهيل إجتماعي, د. سناء فلمبان, فيروس الإيدز, مرضى الإيدز, مرض نقص المناعة / الإيدز

10 مايو 2010

مرض ليس له علاج جذري حتى اللحظة، إلا أن التقدم الطبي بات ملحوظاً جداً في الآونة الأخيرة بحيث يمكن للمصاب بمرض نقص المناعة (الإيدز) أن يعيش أسوة بالفرد العادي مع قليل من الحذر والخطوات الإحترازية. إلا أن المجتمعات العربية لا تتقبل المصابين بالرغم من أن شريحة كبيرة منهم، أو منهن، انتقل المرض إلى أجسادهم عن طريق الخطأ، والنساء المصابات يدفعن أحياناً ثمن أخطاء أزواجهن.
في جمعية مرضى الايدز في جدة التقت «لها» أم إيمان، وهو الاسم الذي اختارت أن تعرف نفسها به، وأحلام ابنة الثامنة والعشرين من العمر لترويا قصة انتقال المرض اليهما، وماذا فعلتا، وكيف اختارتا أن تكملا حياتهما بعدما عرفتا بالإصابة. وفي المقابل ما هي مطالبهما في حياة كريمة داخل السعودية خصوصا، والوطن العربي بشكل عام، وكيف استطاعت الجمعية رغم حداثة عمرها أن تتبنى المصابين وتعمل على تأهيلهم نفسيا قبل العلاج الجسدي.


أم إيمان التقتنا وكلها أمل في أن توفر لطفلها البكر حياة كريمة خصوصا بعدما أكد لها الأطباء خلوه تماما من الإصابة بفيروس نقص المناعة رغم اكتشافها الإصابة خلال حملها به في الشهر السابع. قالت: «عشت كزوجة مخلصة، أقوم بكل واجباتي الزوجية والمنزلية على أكمل وجه، لم أعلم أبدا أني سأكون في يوم ما عرضة لهذا المرض الذي لم أعلم عنه حقيقة إلا عند الإصابة به».

وفيما آثرت إخفاء ملامح وجهها خلف غطاء الوجه الأسود، فإن صوتها الهاديء، المنخفض، الذي يحمل استسلاماً كبيراً لأمر الله وقدره، أتى بكلمات مفعمة بالأمل، ونظرة تفاؤلية جداً فالمستقبل... «بعد زواجي بأشهر اكتشفت أني أحمل في أحشائي أول أطفالي وآخرهم، وفي الشهر السابع طلب مني الطبيب الفحوص الدورية التي تجريها أي أم تحمل جنينها البكر. وفي ساعات فرحتي الغامرة بهذا الطفل وبعد إجراء التحاليل المخبرية المعتادة، اكتشف الطبيب نتيجة غير مشرفة، بل اكتشف كارثة، أو قنبلة لا أعرف كيف أصفها، مما أجبره على إعادة الفحوص للتأكد لعلّه يجد خطأ ما في الأوراق. لكن النتيجة جاءت مؤكدة للسابقة، وكانت الواقعة عندما أخبرني بإصابتي بالايدز. لم أفهم معنى هذه الكلمة إلا بعدما شرح لي الطبيب المرض، وما هو، وكيف يمكن أن يكون قد انتقل إلي. في خضم كل هذا لم أفكر إلا في الجنين، هل هو مصاب؟ هل يمكن أن يموت؟ هل سيعيش في مجتمع لا يقدّر أنه بريء، وأمه لا ذنب لها، ولا حتى تعلم كيف أصيبت بالمرض؟ تساؤلات كثيرة كانت تدور في رأسي والطبيب يحدثني، ودموعي أكاد لا أسيطر عليها».

توقفت قليلاً عن الحديث تلتقط أنفاسا كانت قد تناستها تسع سنوات هي عمر طفلها الذي لا يعلم عن مرض والدته، ولا تريد أن يعرف حتى لا يعيّره أحد بها، ولا ينبذه المجتمع.

وأكملت: «خرجت من عيادة الطبيب وهو يطمئنني، ويقول لي أنه سيتابعني ويتأكد من خلو الصغير من الإصابة، ولكن على الأب أن يخضع للفحوص اللازمة حتى يكتشفوا إصابته من عدمها، وكانت النتيجة إيجابية، بل أني اكتسبت المرض، من المعاشرة الزوجية. ورغم كل الإلحاح الذي واجهته به لم يكشف لي كيف اكتسب المرض، لم يذكر لي، وبقي السر حبيس صدره، حتى تدهورت صحته من هول الصدمة، ولم يتمالك نفسه خصوصاً بعد معرفته بإمكان إصابة طفله البكر بالمرض، حتى توفي».

أضافت أم إيمان: «بعد وفاة زوجي دخلت في حالة نفسية مرضية، ولم يهوّن علي كل هذه المصائب سوى أن النتائج الطبية لتحليل جنين الطفل كانت سلبية، أي أن الطفل لم يلتقط فيروس الإيدز الحمد الله. وحتى بعد ولادته خضع للكثير من الفحوص، وكلها كانت تؤكد خلوه من الإصابة وبدأت رحلة العلاج بعد الإنجاب، حين حولت إلى مستشفى الملك سعود وبدأت التردد عليه لأني أصبحت متمسكة بالحياة أكثر من أجل ابني الذي سينير دربي في وسط هذه الظلمة. ومع العلاج المتواصل استطعت الوصول إلى نقطة الصفر، أي أن المرض خامد تماماً، وغير نشط. وتمكنت من مواصلة حياتي دون أن أشعر أني مختلفة عن باقي السيدات، وهذا ما أقدره للأطباء الذين دعموني خلال كل تلك السنوات. وكان طفلي يكبر أمام عيني دون أن يعرف أن والدته تحمل في دمها فيروساً قاتلاً، يمكن أن يفتك بها إذا تهاونت في علاج نفسها».


«حياتي اليومية»

لم تختلف حياة أم إيمان، على حد قولها، عما كانت عليه، ذلك أنها حريصة جداً على صحتها وعلى سلامة يديها من أي جروح، خصوصاً أنها أصبحت على دراية بمسببات انتقال المرض. «المشكلة ليست في المصاب، بل بالناس الذين ما أن يسمعوا بإصابتنا حتى يبتعدوا. وهذا يشمل الأطباء  في المستشفيات، ففي يوم كنت عند أحد الأطباء وعندما علم عن إصابتي بفيروس الإيدز امتنع تماما عن علاجي، وهذه الحالة تتكرر معي بشكل دائم. وعندما أرى الطبيب الذي يعي تماماً بالمرض كيف يتعامل معي، لا ألوم الإنسان العادي والبسيط على رفضه الاختلاط بنا. ومع ذلك أنا مصرة على توعية المجتمع، وهذا ما جعلني أكون فردا في الجمعية، وأطلق صوتي في وسائل الإعلام لتوعية المجتمع بنا، وبكيفية التعامل الطبيعي معنا».

وعن حياتها اليومية تقول: «أصبحت أكثر نشاطاً، وفاعلية، بل أحاول حاليا جاهدة الحصول على قرض مالي لفتح مشروع صغير يكفيني وابني السؤال، خصوصاً أني كلما تقدمت بطلب العمل لجهة ما أتخوف من معرفتهم بطبيعة مرضي وبالتالي أخرج مكسورة الخاطر وهذا ما لا أريده. والجمعية التي لا تزال حديثة العهد في مدينة جدة تحاول جاهدة أن تقف معنا، وتوفر لنا كثيراً من الخدمات. فهي تقدم رواتب شهرية لنا، إضافة إلى المؤن الغذائية. وحالياً تعمل على توفير قروض مالية من البنوك لفتح مشاريع صغيرة لنسترزق منها».

تؤكد أم إيمان أنها إنسانة طبيعية مئة في المئة خصوصا مع وصول المرض الى مرحلة الصفر، وهي قادرة على العطاء أسوة بالفرد الطبيعي، وتطالب المجتمع المدني بالتعامل معها بشكل طبيعي لأن لها الحق في الحياة كأي فرد داخل السعودية، ولها الحق الذي يتمتع به أي مواطن في العلاج، والتعليم، والعمل والعيش. وهي حالياً تقدم المعونة الى المنتسبات لجمعية مرضى الايدز الجديدات، للوصول بهن إلى أفضل حالة نفسية ممكنة، ومواصلة الحياة في شكل.

أحلام أصيبت عن طريق طبيب الأسنان

خطوة علاجية كلفتها حياتها كاملة، ولو كانت تعلم بما يخبئه لها القدر لما خطت نحو المستوصف خطوة واحدة... هكذا كانت بداية كلمات أحلام التي باتت حياتها كابوساً لم تتجاوز حتى اللحظة تفاصيله المزعجة، تفاصيل تعيش فيها وحيدة بعيدة عن كل من حولها، تكتم في صدرها سرها. تقول: «لم أعلم أن خلع ضرسي المؤلم سيسبب لي ألماً لن ينتهي إلا بنهاية حياتي. فقد توجهت إلى مستوصف طبي قريب من بيتي لأني كنت أعاني ألماً حاداً جداً من ضرسي، ولم أستطع الانتظار للذهاب إلى المستشفى فاستسهلت الذهاب إلى المستوصف ودخلت مباشرة على الطبيب. إلا أني لاحظت أن هناك مريضاً قبلي ولم يغير الطبيب الأدوات التي استعملها معه، ولا حتى كانت لديه ممرضة تتابع معه الحالة، بل كان وحيداً. ولم أكن أعي ما حولي من شدة الألم، وذلك ما جعلني أتهاون في عدم تغيير الأدوات المستعملة عند الطبيب. وبالفعل قام الدكتور بعمله في خلع الضرس حينها. ونزفت بعد عملية الخلع كمية كبيرة من الدم. وشعرت حينها بأن شيئاً غريباً قد أصابني. وقتها كانت معي أختي وطوال الطريق وأنا أردد على مسامعها أني أصبت بالايدز، وكانت تضحك من حديثي، والواقع اني لا أعلم لماذا انتابني هذا الهاجس».

مرت فترة كانت حينها أحلام تشعر بين الحين والآخر بشعور ملحّ بأنها أصيبت بمرض نقص المناعة، ولم تتخلص من هذا الشعور. واتضح لها الأمر عندما قدمت أوراقها لدراسة التمريض في الأكاديمية الصحية.

تضيف: «أنا مطلقة منذ فترة ولم يكتب لي الله عز وجل أن أرزق أطفالاً. وكنت قد خططت أن أدرس في كلية العلوم الصحية لأعمل في التمريض. قدمت أوراقي للكلية، وطلبت حينها الكلية بعض التحاليل التي تجرى بشكل روتيني لقبول الطالب أو الطالبة، وحين أجريتها اكتشفت المرض لتنهار كل الأحلام».

بعدما عرفت بإصابتها لم تفاجأ أحلام على حد قولها لأنها توقعت ذلك من اللحظة التي غادرت فيها عيادة طبيب الأسنان. وقد توجهت بعد خروجها إلى المستوصف لتجد ان الطبيب قد رحل إلى وطنه الأصلي بعدما اكتشف المستوصف أكثر من خطأ في عمله.

وعن حياتها حاليا تقول: «بعدما عرفت عن المرض احتفظت بهذا السر لنفسي، حتى أختي التي أخبرتها سابقاً عن مخاوفي من الإصابة بالمرض لم أقوَ على إبلاغها، حتى بت أذوب في تفكيري، ولا أعرف ما علي فعله إزاء مرضي. توجهت إلى مستشفى الملك سعود وقابلت الطبيب الذي لم يبدأ معي العلاج حتى اللحظة لأن الفيروس لديّ خامد تماماً، وعندما يكون الفيروس في حالة الخمول. لا يبدأ الطبيب أي علاج».

في مستشفى الملك سعود تعرفت أحلام على الجمعية لتصبح واحدة من أعضائها وتكون عونا للسيدات اللواتي دخلن مرحلة نفسية سيئة جداً بعد إصابتهن بفيروس نقص المناعة. وقد أنهت أحلام دراسة السكرتارية، ودورات متقدمة في الحاسب الآلي لعلّها تجد وظيفة بعدما تبدد الحلم في أن تصبح ممرضة تداوي المجروح.


الدكتورة سناء فلمبان: خدماتنا تتعدى العلاج الطبي والتأهيل النفسي هو الأهم

 من جهتها، تحدثت رئيس جمعية مرضى الايدز في جدة الدكتورة سناء فلمبان عن أهمية تأهيل المتعايشات نفسيا بالدرجة الأولى قبل مساعدتهم علاجياً أو مادياً.

- كيف يتم تحويل المصابات إلى الجمعية وكيف يتحولن من حاملات للمرض إلى متعايشات معه؟
عادة ما تتقدم الحالات إلى برنامج الايدز بطلب التحويل إلى الجمعية للاستفادة من الخدمات، ويحضرن إلى الجمعية ولفتح ملف. وتقابل المصابة الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين لملء استمارة التقويم.

- بالتأكيد تأتي الحالة إلى الجمعية وهي على شفير الانهيار. كيف يتم التعامل معها لتقبل مرضها وتتعايش معه؟
ليست جميع المصابات اللواتي ينضممن الى  الجمعية من الحالات المستجدة، وبناء على استمارة التقويم يتم تقديم المطلوب للحالة سواء الاحتياجات الأسرية أو الشخصية. ومن المهم جداً الأخذ في الاعتبار أن هنالك علاقة وثيقة بين الألم والمعاناة النفسية وأنواع أخرى من الهموم الحياتية  عند اكتشاف الإصابة بالايدز. فهناك الضيق النفسي، والاكتئاب، واليأس والعزلة والانطواء أو الرغبة في  الانتقام ونشر المرض، مما يستلزم النظر إلى كفاية الدعم النفسي والاجتماعي للمصابين عموما والحالات المستجدة خصوصاً.

- ما هي الدورات التأهيلية النفسية التي تقدم لهذه الفئة من المجتمع خصوصا للواتي يكن أمهات ولديهن أطفال؟
عادة يتم إدراج الحالات حسب الحاجة إلى الجلسات الفردية للتأهيل النفسي أو الجلسات الجماعية أو كليهما. ويشرف على هذه الجلسات متخصصون. كما أن بعض الحالات تتابع دورات تاهيلية خارج البلد او جلسات خاصة توضح كيفية التعامل مع الاطفال المصابين بالمرض والعناية بهم، أو كيفية التعامل مع سوائل الجسم للمصاب عند تقديم الرعاية المنزلية، أو كيفية تقديم الدعم النفسي للمصاب عند اكتشاف الاصابة.

- ماذا عن إدراجهن كمتطوعات بعد تحولهن من منهارات نفسياً إلى سيدات يمارسن حياتهن بكل ثقة؟
يتطوع العديد من الحالات لتقديم الدعم النفسي للحالات المستجدة أو الجلسات الجماعية من النساء أو الرجال كل على حدة لتبادل الخبرات في مواجهة الضغوط النفسية والاجتماعية ومشاركة الدعم النفسي بين الحالات. وعادة تصبح المصابة مستعدة للمشاركة في الدعم النفسي للآخرين أو التوعية الصحية عندما يتحسن وضعها النفسي وتتغلب على المشاعر السلبية تجاه الاصابة بالمرض.

- ما هي البرامج التي اتفقت الجمعية عليها مع الجهات الحكومية أو الخاصة الأخرى لتوفير حياة كريمة لهذه الشريحة؟
هناك عدد من الشراكات التي نسقتها الجمعية، مثل صرف بعض القروض لتحسين أوضاع الحالة، وتوفير فرص العمل والمشاريع الصغيرة التي تدر دخلاً ثابتاً للأسرة. كذلك هنالك شراكات لتقديم الاستشارات القانونية والأسرية والدورات التأهيلية في عدد من المجالات، مثل فنون الطبخ والتجميل والخياطة والكمبيوتر وأعمال السكرتارية...