ما هي سن العانس؟

مشكلة / مشاكل إجتماعية, أسباب العنوسة, العانس والمجتمع, المملكة العربية السعودية, شهادات حيّة, شهادة جامعية, العنوسة, تأخر سن الزواج, عانس

21 يونيو 2010

تأخر سن الزواج أو «العنوسة» كما يسميها أغلب الناس من القضايا التي تشغل بال المجتمع السعودي. زواج الفتاة له أهمية كبيرة في دولة كالسعودية للقيام بدورها الأساسي في المجتمع وهو رعاية الزوج والأولاد، وعندما يتأخر يسود القلق في المنزل بشكل خاص وفي المجتمع بشكل عام. ومع تأخر سن الزواج في السنوات الأخيرة نتيجة  لتزايد أهمية تعليم الفتاة، ومن ثم خروجها إلى العمل، إلا أن وصول الفتاة إلى بداية الثلاثينات يدق ناقوس الخطر فتصنف داخل إطار «العانس». ورغم وجود القلق الإجتماعي تجاه موضوع العنوسة وتأخر سن الزواج، ترفض الفتاة الثلاثينية أن تقدم تنازلات وتصر على إنتظار الشريك المناسب. فلم تعد الفتاة تنتظر «العريس الموعود» في المنزل، بل أصبحت تمضي في حياتها العلمية والعملية دون أن يصير الزواج هو الهاجس الأكبر الذي يسير حياتها. ومع تمتعها ببعض من الحرية الشخصية والإستقلالية نتيجة لخروجها للعمل، تصبح أكثر قوة وصلابة محاولة كسر الإطار الاجتماعي الذي صنفها «عانساً»، ولكن تظل فكرة الإرتباط لتكوين العائلة تداعب مخيلتها بين الحين والآخر حين تنظر إلى المستقبل فتجد نفسها وحيدة دون عائلة صغيرة.


كلما تقدم بك العمر وازدادت خبراتك، صعبت إختياراتك وأصبحتِ أكثر إنتقائية فتحكمين على الأمور من منطلق عقلاني بعيداً عن العواطفى». هذا ما عبرت به منال عمر (35 عاماً) عن حالتها وهي مازالت تنتظر أن يجمعها القدر بالإنسان المناسب الذي يتوافق مع أفكارها ومعتقداتها، مؤكدة أن المرحلة العمرية التي وصلت إليها لاتسمح لها بالتنازل عن أمور تراها ضرورية في الرجل الذي يمكن أن تتزوجه كالشهادة الجامعية، والشكل المقبول، وتفتح العقل، والعديد من الأمور الأخرى. وقالت عمر إن المشكلة التي تواجه المرأة غير المتزوجة التي تصل إلى العقد الثالث من عمرها أنها تصبح خياراً غير متاح للشباب بين 27 و30 عاماً الذين لم يسبق لهم الإرتباط، وتنحصر إختياراتها في المتزوج أو الأرمل أو المطلق الأكبر سناً. «الشاب يبحث عن الفتاة الأصغر سناً حتى ولو كان فوق 30 سنة، والمرأة تبحث عن الرجل الأكبر سناً، فيصعب أن تجد رجلاً مناسباً حراً غير مرتبط أو مسؤول عن أطفال».
وذكرت عمر أنها مرت بتجربة عاطفية في منتصف العشرينات من عمرها ساهمت بشكل مباشر في تأخير فكرة الإرتباط. فقد تعرفت على شاب ونشأت بينهما علاقة حب ومن ثم خطوبة، ولكنه كان متزوجاً وإكتشفت أنها لاتتفق مع أفكاره ومعتقداته رغم مشاعر الحب التي تجمعها به. وقالت: «بعد خروجي من هذه التجربة لم أكن مستعدة لأي علاقة أخرى، فمضت سنة تلو الأخرى حتى وصلت إلى سن 30 سنة. وعندما أصبحت مستعدة للإرتباط لم أجد الشخص المناسب، وكل من قابلت لم يكن يرغب في علاقة زواج مباشرة وأراد علاقة عاطفية طويلة وبعدها يحسم أمر الزواج، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة إليّ».
واعتبرت أن نظرة الشاب أو الرجل إلى المرأة التي تخطت 30 سنة ولم تتزوج تعتبر من المشاكل التي تواجه المرأة غير المتزوجة في السعودية. «يعتقد الرجل أن المرأة غير المتزوجة التي تخطت 30 سنة تحكمها العاطفة ويمكن أن تصبح صيداً أسهل ويمكن النيل منها دون زواج، معتبراً أن عدم الزواج يجعلها في حاجة عاطفية لأي رجل يدخل حياتها، وبالتالي لايتعامل معها بجدية أو يفكر في الإرتباط بها. الحقيقة أن المرأة تصبح أكثر نضجاً وأكثر حرصاً في اختياراتها». وأكدت عمر أن الثلاثينية غير المتزوجة تسعى لتكوين أسرة أكثر من سعيها وراء العواطف والمشاعر. فرغبتها في الزواج تنبع من حاجتها إلى الارتباط بشخص يمكنها أن تكوّن أسرة معه وتعتمد عليه معنوياً ومادياً وليس من أجل الإعتماد العاطفي. وترى عمر أن أسباب تأخر الزواج للمرأة الثلاثينية تعود إلى واقع المجتمع وعدم إتاحة الفرصة للجنسين للتعارف، فتقول: «اليوم لايمكنك أن تتعرفي على إبن الجيران لأن العلاقات بين الجيران تكاد تكون معدومة، ولايمكنك أن تتعرفي على صديق أخيك لأنه أمر غير مقبول إجتماعياً، وحتى زميلك في العمل بينك وبينه عوائق وحواجز ولا تعلمين كيف سينظر إليك. كذلك  القبلية تحكم الكثير من فئات المجتمع وتجبر أبناءها وبناتها على الزواج من العائلة أو القبيلة. ناهيك بوجود الإنترنت الذي سهل الكثير من العلاقات بين الجنسين فأخر ضرورة الإرتباط، لأن كل الخيارات متاحة على النت. كلها أمور ساهمت بطريقة أو بأخرى في تصعيب زواج الفتاة التي تخطت 30 سنة وجعلتها تصنف كعانس».


الفرصة قائمة

وتؤكد نورة أحمد ( 34 عاماً)، والتي تعمل موظفة في أحد البنوك، أن المرأة باستطاعتها أن تجد فرصة جيدة للزواج حتى نهاية الثلاثينات، ويمكنها أن تلتقي شخصاً لم يكن له تجربة زواج سابقة أو متزوج، ولكن تقل هذه الاحتمالات مع الوصول إلى الأربعينات، لكنها لا تنتهي. تقول: «الفرصة دائماً موجودة ولايمكن أن أفقد الأمل. أنا على يقين أني سأجد الفرصة المناسبة والشخص الذي يقنعني في يوم ما. وتأخر زواجي لن يجبرني على القبول برجل متزوج أو له أطفال ولن يقلل من إصراري وأملي حتى أجد الشخص الذي يناسبني. فمهما انتظرت لايمكن أن أقدم أي تنازل وأقبل برجل متزوج، لأني لن أبني سعادتي يوماً على تعاسة إمرأة أخرى».
ولا تعتقد أحمد أن الدراسة والعمل يؤخران زواج الفتاة في السعودية، على الأقل بالنسبة إليها، لأنها لم تتزوج لعدم وجود الشخص المناسب بالمواصفات التي لابد أن تتوافر في شريك الحياة.
تقدم لأحمد شاب اعتقدت أنها وجدت فيه المواصفات المناسبة، ولكن القصة لم تكتمل فالزواج استمرّ أقل من شهر وخرجت منه دون أي إصابات جسدية. «إرتبطت بشخص عن طريق العائلة وبالطريقة التقليدية المعروفة. إعتقدت أنه إنسان مناسب لكني إكتشفت أموراً كثيرة بعد الزواج الذي لم يستمر إلا أسابيع قليلة جداً. عرفت أنه بخيل، ومهمل جداً في نظافته الشخصية، وغير محترم، إضافة إلى انعدام قدرته الجنسية. طلبت الخلع مباشرة وحصلت عليه». ولا تعتقد أحمد أنها بحاجة ملحة إلى وجود رجل في حياتها أو لتقديم أي تنازلات لتحصل على هذا الرجل. وقالت: «لا أجد أي سبب يجبرني على الشعور بالنقص أو أني أرغب في رجل ما. الحقيقة لا أشعر أني في حاجة إلى رجل إلا لتكوين أسرة وإنجاب أطفال».


متسع من الوقت

لم تخطر في بالها فكرة الزواج ولم يكن أمراً مهماً في حياتها لأنها كانت دائماً تعتبر نفسها صغيرة ومازال لديها متسع من الوقت، هذا ما أكدته عبير العتيبي (33 سنة) التي مازالت تنتظر الرجل المناسب. وأشارت أنها لم تلتقِ الشخص المناسب الذي يرغب في الإرتباط بها وأن كل الفرص التي صادفتها كانت غير جيدة أو غير مكتملة. «تعرضت لأكثر من مرة لرغبة بعض الشباب في انشاء علاقة خاصة، ولكن لم يحدث أن تقدم أحد لخطبتي طوال السنوات الماضية». وأوضحت أن السبب يعود لبعض المعتقدات التي مازالت تحتفظ بها بعض الأسر في أن الشاب الحجازي لا يتزوج نجدية أو أن الفتاة النجدية لن تقبل بشاب حجازي. ورغم رغبتها في الإرتباط بشاب من جدة، كما ذكرت، لم يتقدم لها عرسان من جدة نظراً إلى الفكرة السائدة بأن النجدية لن تتزوج من حجازي.
وتحدثت العتيبي عن علاقتها بشاب غير سعودي كانت قد تعرفت عليه في منتصف العقد الثاني من عمرها على أساس أن يتم الارتباط الرسمي بينهما، ولكن لم تسرْ الأمور بالشكل المطلوب تقول: «هذه العلاقة التي استمرت خمس سنوات أثرت على مجرى حياتي وجعلتني أكثر تمرداً. كنت أتوقع أننا سنتزوج، ولكن كونه كان زوجاً وأباً لم يستطع أن يتمم زواجه بي خوفاً على أطفاله الذين يعيشون مع زوجته خارج السعودية».
وقالت العتيبي إن الفرص لا تنتهي مع دخول المرأة سن الثلاثين ولكنها تقل بشكل كبير، وتصبح فتاة الثلاثين غير مرغوب فيها سواء من الأهل الباحثين لابنائهم عن زوجات، أو من الشباب الراغبين في الزواج. ورأت أن السبب يعود إلى وعي الفتاة الثلاثينية وإعتمادها على نفسها وخروج الأكثرية للعمل. «المرأة الثلاثينية أكثر قوة وقد ينجذب الكثير من الرجال إليها، لكنهم قد لايرغبون في الإرتباط بها رسمياً من خلال الزواج لأن الكثير من الرجال لا يحبذون الزواج من إمرأة ذات شخصية قوية بل يبحثون عن الفتاة العشرينية الأصغر سناً والأقل خبرة». ولفتت إلى الزواج في السعودية تأخر مع خروج المرأة للعمل ورغبتها في الإعتماد على نفسها، إضافة إلى تغير نظرة الأهل إلى الفتاة وازدياد أهمية إتمام التعليم الجامعي بالنسبة إلى الكثير من الأسر في السعودية.
وترى العتيبي أنها غير مضطرة لتقديم أي تنازلات لكي تتزوج كونها معتمدة على نفسها وتتمتع بمقدار من الحرية في الحياة بشكل عام، وهذا بحد ذاته يزيدها قوة وإصراراً على عدم القبول إلا بالشخص الذي تراه مناسباً.


طريقة الصالونات

أما هيا الحربي ( 33 سنة) فترفض أن تتزوج على طريقة «الصالونات» وهي الطريقة التقليدية المعروفة عندما يأتي أهل الشاب لمعاينة العروس بعد السؤال عنها وعن أهلها ومن ثم يرفعون رأيهم لإبنهم، ويحدَّد موعد جديد للقاء العروس بالعريس. وكانت مصرة على أن تجمعها علاقة بفارس الأحلام فترتبط به رسمياً. مرت الأيام وهي ترفض المتقدمين للزواج، فأنهت المدرسة ثم الجامعة ودخلت الحياة العملية حتى وصلت إلى الثلاثين وبدأت تصنف إجتماعياً «كعانس». وقالت الحربي: «مرت السنون ولم أجد ما كنت أحلم به. لم أشأ البحث عن أي رجل كما تفعل العديد من الفتيات. وكلما تقدم بي العمر زاد رفضي للزواج التقليدي».
وتتفق الحربي مع الأخريات بأن الثلاثينية اليوم أصبحت أكثر عناداً وإصراراً على أفكارها في الزواج وأصبحت أكثر رفضاً لتقديم أي تنازلات. «لا نستطيع التعميم أن أي فتاة لا تتزوج حتى سن الثلاثين ترفض أن تقدم تنازلات، ولكن الفتاة العاملة والمعتمدة على نفسها تتمتع بمقدار من الحرية والاستقلالية يؤهلها لعدم تقديم أي تنازلات».
وأشارت إلى أن الفتاة الثلاثينة أصبحت مسؤولة عن نفسها وفي كثير من الأحيان عن عائلتها، وتبقى الحاجة العاطفية للإرتباط بعيداً عن أي ضغط إجتماعي أو عائلي. «الحقيقة أني أرغب في الزواج لتكوين عائلة. لأجد زوجاً أو طفلاً معي في المستقبل. لا أريد أن أكبر وحيدة. هذه هي الأفكار التي تجعلني أفكر في الزواج وليس الإعتماد على رجل في تحمل مسؤولياتي أو لأي سبب آخر».