مآسي العنف الأسري والعنف ضد المرأة في السعودية

يوم المرأة العالمي, عنف ضدّ المرأة, جمعية نهضة المرأة, حماية الطفولة, المخدرات, حبس / سجن, إدمان, المرأة السعودية / نساء سعوديات, حماية المرأة, عنف أسري, القضاء السعودي, جريمة قتل, حقوق الإنسان, د. مها المنيف, الضرب, ميرفا القاضي, محكمة الأسرة

05 أغسطس 2010

لا تزال المرأة السعودية تعاني أحياناً من مآسٍ عادة ما تبقى طيّ الكتمان لخصوصية المجتمع المحكوم بعادات وتقاليد وأعراف تقتضي حماية السمعة بالحفاظ على أسرار البيوت، والتزام الصمت إزاء العنف الجسدي، أو العنف المعنوي، والضغوط النفسية التي تتعرض لها المرأة داخل البيت...
إذْ تنشأ الكثير من النساء السعوديات في مجتمعهن المحافظ على ثقافة السكوت والصبر والتحمل مما ينتج عنه في بعض الأحيان ما لا تحمد عقباه من مرض مزمن أو جريمة قتل تروح ضحيتها المرأة أو أحدأبنائها، كما حدث في قصص واقعية كثيرة. سنعرض إحداها في هذا التحقيق، مع إحصاء لحوادث عنف متنوعة، وعرض للقوانين والفتاوى المتعلقة بالعنف ضدّ المرأة، ونختم بندوة لـ «لها» حول العنف في السعودية.


أما القصة المأساة فهي التالية

ما حدث لأم عبدالرحمن تدمى له الأفئدة وتدمع لها العيون لما فيه من تفاصيل مؤلمة. التقيناها في شقتها المتواضعة التي تعيش فيها تارة من نفقة أهل الخير، وتارة من مساعدات والدتها  من معاش زوجها المتوفى الذي تقدمه لها أحياناً كاملاً. لفت انتباهي آثار لضرب مبرح على وجهها: أثر لجرح على جبينها، إحدى عينيها تختلف عن الأخرى، أما أسنانها الأمامية فقد شوهت تماماً ولم يتبق من الأمام سوى بقايا أربع أضراس أو ثلاث.
بدأت قصة أم عبدالرحمن بعد زواجها من إبن عمها. قالت: «في البداية كانت حياتي معه تمضي بشكل مقبول. لم يكن يصرف علي أنا والأبناء فقد كان مقصراً مادياً بعض الأحيان ولكن بعد تعاطيه المخدرات والحشيش والمسكر أصبح مقصراً بشكل كامل. كنت أصرف على أبنائي من أهلي وأهل الخير رغم كرهي لمد يدي، لكن الظروف دفعتني إلى ذلك».
تكمل وفي صوتها غصة: «لم أعانِ من الحاجة والذل وأنا على ذمة رجل فحسب، بل أصبح يضربني ضرباً مبرحاً. أحياناً يضربني بوعي وأحياناً بلا وعي حين يكون تحت تأثير المخدر والشراب».
سألناها عن موقف أهلها وأهل زوجها من معاناتها معه، فهزت رأسها وأجابت: «أهلي لديهم علم، ولكن لا أحد منهم يريد التدخل خوفاً من المشاكل وتوتر علاقتهم به. وقد تكلمت مع أهله بلا جدوى، فهو يكذب على أهله وهم يصدقونه لأنه ابنهم قبل أي شيء. وكثيراً ما سمعت من أهلي وأهله كلمة اسكتي من أجل السمعة. عانيت من ضغط من جميع الجهات حتى أبلغت عنه مكافحة المخدرات الذين قبضوا عليه وأحالوه إلى مستشفى الأمل، وكان من المقرر إقامته في المستشفى للعلاج ستة أشهر، إلا أنه تمكن من الخروج في أقل من شهر بواسطة، إذ أنه يعمل في السلك العسكري ولديه معارف هنا وهناك. بل حتى الطبيب الذي كان مسؤولاً عن حالته أُبدل بشكل مفاجئ واختفت معه بعض من الأوراق المهمة التي تخص حالته. وعاد إلينا أكثر عنفاً من السابق، وانتقاماً مني أخذ مني ابنتيّ وراح يهددني بالقتل بين فترة وأخرى، وكم من مرة أتلقى منه اتصالاً هاتفياً يقول لي فيه موتك على يدي.. ولجأت إلى دار الحماية وبالتحديد المسؤولة عن دار الحماية في المنطقة التي قالت لي بكل برود بعد أن لجأت إليها خوفاً من تهديداته لي بالقتل: «لا نستقبل أحداً، وليس بأيدينا توفير فرقة عسكرية لأي شخص مهدد بالقتل!»... يعني هل ينتظرون أن ينفذ تهديده ويقتلني حتى يصدقوا أنني حقاً في حاجة إلى حماية؟!».

القاضي المرعب
وعن مطالبتها بالخلع وحل المشكلة قانونياً قالت: «قصدت المحكمة وتقدمت بشكوى وأحضرت معي تقارير طبية تثبت تعرضي للضرب المبرح، وطلبت الاتصال بمستشفى الأمل للتحقق من أنه مدمن ووجوده بيننا يشكل خطراً علي وعلى أبنائي. ولسوء حظي فإن القاضي المسؤول عن قضيتي استقبلني بوجه عابس وصوت مرتفع وأسلوب مهين، بل إن شكله مرعب فخفت وارتبكت أمامه ولم أتمكن من التحدث عن مشكلتي جيداً لكنني طلبت حقي في الخلع فما كان منه إلا أن نهرني قائلاً: «لا يحق لك أن تطلبي الخلع قبل أن يشفى زوجك. يجب أن يعالَج أولاً لكي يكون بوعيه، أو يُحضر ولياً من أهله يتحدث بالنيابة عنه ونتفاوض».
واصلت الحديث بانفعال: «قلت للقاضي كيف لا يحق لي الخلع وزوجي يضربني وهو مصاب باضطرابات نفسية؟ وكيف يعالج وهو رافض للعلاج وأهله غير متعاونين حتى أحضر ولياً منهم ينوب عنه؟ فرد القاضي بغضب قائلاً إنه لا بد من أن أعطيه مهلة لكي يشفى أو ترسل المحكمة شخصاً هو يتكلم مع أحد من أهله، لأن فاقد الوعي غير المدرك لأفعاله ينبغي أن يحل محله ولي من طرفه. ولكن من الولي الذي سيقبل بأن يتكلم عنه في المحكمة؟».
أضافت: «سألت القاضي إن كان مسموحاً لي أن أوكل أخي إلا أنه أنهى الجلسة صائحاً بزجر: «لا تتدخلي فنحن أبخص!»، ومنذ ذلك اليوم لم أعد أدخل محكمة بعد ما رأيته من قلة احترام وأسلوب ترهيب وغضب من القاضي لا مبرر له».
واستدركت قائلة: «تمكنت من الوصول إلى رئيس المحاكم هاتفياً وأخبرته عن تفاصيل قضيتي فتعاطف معي وقال إن الوضع خطرٌ السكوت عنه، ووعدني بحل مشكلتي وطلب مني الحضور شخصياً إلى المحكمة. ولكي أصل إلى رئيس المحاكم لا بد من المرور على عدة قضاة، ومع الأسف هؤلاء لم يسمحوا لي بالوصول إلى الرئيس ومنعوني رغم أنني أخبرتهم بأن بيني وبينه موعداً مسبقاً».

بؤس العائلة
طلبنا منها أن تحدثنا عن حال أبنائها في خضم هذه الظروف، فقالت: «لدي ابن عمره 17 عاماً تأخر دراسياً بسبب العنف الذي يمارسه عليه أبوه الذي يضربه لأسباب تافهة، وأحياناً بلا سبب سوى الإنتقام مني. وأحياناً كان يدخل عليه وهو نائم ليضربه من أجل أن يقهرني، حتى تعقّد الولد نفسياً مما أدى إلى انطوائه وفشله في الدراسة خصوصاً أنه لم يكن يتمكن من حضور الامتحانات لأن أباه لم يوثق ملفه في المدرسة بشكل رسمي وهناك أوراق مطلوبة من إدارة المدرسة لم يحضرها ابني بسبب إهمال أبيه، فخاطبت وزير التربية والتعليم وتمكنت من إعادته إلى المدرسة ولكنه مازال يعاني بسبب أبيه ومن مضايقة بعض أبناء الحي له لإدمان أبيه وسخريتهم منه بأنه ابن شخص مدمن ومختل، بل إن المضايقات امتدت إلى شجار أسفر عن طعن ابني في ذراعه».
أما ابنتاها فقد أخذهما والدهما كعقاب وتحدٍ لها بعد أن أبلغت عنه مكافحة المخدرات وأدخلته مستشفى الأمل، وهي تخشى عليهما من أبيهما المدمن وتخشى على نفسها من العيش وحيدة في شقتها التي استأجرتها بعد تصاعد العنف في حقها وبعدما أقفلت الأبواب في وجهها من الشرطة والأمارة ودار الحماية والمحكمة، ولم تجد من يهتم بأمرها ويأخذ لها حقها لتعيش حياة آمنة ومستقرة كغيرها من البشر الآمنين المطمئنين في بيوتهم.
سألناها عن التشوهات فأجابت بأن تساقط أسنانها الأمامية سببه عدة ضربات على الفم، وأشارت إلى أثر خياطة جرح على جبهتها.
كما أشارت إلى إحدى عينيها المنتفخة ذات الجفن المرتخي قائلة إنها في حاجة إلى عملية تجميل لرفعها حسب كلام الطبيب الذي استقبلها في المستشفى وسألها عن سبب كل تلك الجروح لتجيب بتردد في البداية أنها وقعت على الأرض، ومن ثم لتعترف تحت ضغط من الطبيب بأن الفاعل هو زوجها.
قالت: «أريد لم الشمل. أريد استرداد ابنتيّ، وأن أحصل على حقي في الخلع، وتوفير حماية لي ولأبنائي لنعيش معاً في أمن وأمان. كما أرغب في وظيفة بأي راتب تحفظ كرامتي وكرامة أبنائي إذ أنني محرجة من صدقات أهل الخير ومن الإثقال على والدتي التي لا تقصر معي إذا توافر لديها مبلغ من المال وهي في أمس الحاجة إليه».

حقوق الإنسان: يحق للزوجة المطالبة بأبنائها إذا كان الأب غير مؤهل
نور الحواس اختصاصية وباحثة اجتماعية تقول: «إذا ثبت أن زوج المرأة يعاني الإدمان ومشاكل نفسية فإنه يحق لها أن تطالب بأبنائها لأن وجودهم في كنف أب مدمن ومضطرب نفسياً فيه خطر عليهم. والخطوة الأولى هي توفير أدلة وتقارير تثبت تعاطي الأب ومشاكل الأب النفسية وأدلة وتقارير أخرى تثبت تعرضها للضرب وتحدد موعدا مع المحكمة لبدء جلسات جديدة لقضيتها، ويحق لها أن تطلب تغيير القاضي وأن تؤكد حقها بالخلع بقولها للمحكمة إن حياتها مهددة بالقتل وأنه مدمن وتتوقع منه أي تصرف».
تضيف الحواس: «كذلك سيتم تكليف أعضاء من هيئة النظر في المحكمة لزيارة المرأة ورؤية وضعها عن قرب والتحدث إليها ولمعرفة سبب تخلي الأهل عن المساعدة، فربما تكون هناك أسباب من جانبها لم تكشف عنها».

القانونية هدى السناري: عليها أن تبلغ الهيئة لاتخاذ الإجراءات المطلوبة
 من جهتها، أوضحت الاستشارية القانونية هدى السناري أنه كان من الأفضل لصاحبة القضية أن تبلغ عن زوجها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدلاً من مكافحة المخدرات، فهم سيساعدونها في ما يتعلق بإدمان زوجها بشكل أسرع وأحسن.
وعن الخطوات اللازم اتخاذها من الزوجة لطلب الخلع واسترداد أبنائها، قالت السناري: «من اللازم إحضار تقرير يفيد التعرض للضرب، ويجب في البداية إبلاغ الشرطة لأن الموضوع فيه تهديد بالقتل وهذا أمر لا ينبغي السكوت عنه خصوصاً أنه مدمن، وستحيلها الشرطة على هيئة التحقيق والادعاء العام»..
وعن الشرطة وموقفها من التهديدات بالقتل أضافت: «هناك حالات تقدمت صاحباتها بشكوى بعد تهديدهن بالقتل ولم تستجب الشرطة حتى حدثت جرائم القتل بالفعل! ومنها قضية تلك المرأة التي استنجدت طلباً للحماية من زوجها الذي كان يتوعد بقتلها، ثم قتلها بدم بارد وفي مقر عملها في إحدى العيادات الطبية. وقضية أخرى لطفلة معنفة كانت تعيش مع أبيها بعد انفصاله عن والدتها والتي تعرضت لمسلسل من العنف من أبيها وزوجته، ولخوف جدتها لأبيها عليها من الموت ترددت على الشرطة وتقدمت بشكوى على ابنها أكثر من مرة إلا أن الشرطة لم تتجاوب، بل أنهم نهروها في زيارتها الثالثة لقسم الشرطة قائلين أنها إن حضرت مرة أخرى فسيحبسونها هي، حتى توفيت حفيدتها بسبب الضرب المبرح ولم يجدِ ترددها على الشرطة نفعاً...
الشرطة لدينا في حاجة إلى تطوير في أدائها وتدريب على استقبال حالات العنف».
وتابعت السناري حديثها: «يجب عليها الذهاب إلى المحكمة لطلب الخلع. وهناك نوعان من الخلع، أحدهما الخلع بعوض وهو أن تخلع المرأة زوجها مقابل مبلغ من المال تفتدي نفسها به، والآخر هو فسخ النكاح بلا دفع للمال من جانب الزوجة. وهذا النوع يصح حين تكون المرأة متضررة ولديها إثبات لأن هناك ضرراً عليها من الزوج، سواءً بتقرير من المستشفى أو الشرطة. وفي حالة أم عبدالرحمن يحق لها المطالبة بفسخ النكاح لما أصيبت به من أضرار فادحة بسبب العنف وإدمان زوجها».
وعن حق الحالة في تبديل القاضي نفت السناري إمكان ذلك قائلة: «لا يحق لها تغيير القاضي لأن القضاء الآن أصبح في الحاسب الآلي، فكل حالة لها سجل ورقم تسلسلي وقاضٍ مكلف بحالتها لا يمكن إزالة اسمه من سجلها. ولكن مع الصبر والمواظبة استناداً إلى الأدلة ومعرفتها لحقوقها ستتمكن من حل مشكلتها مهما تأخر القضية».

خبراء يدعون الى انشاء مرصد وطني وقاعدة بيانات
تحظى قضايا العنف الأسري في السعودية بأهمية خاصة لدى الهيئات والمؤسسات الحكومية المهتمة بالجانب الاجتماعي، نظراً الى كون هذا العنف من أهم أسباب المشاكل النفسية والاجتماعية للنشء التي تظل آثارها ممتدة لسنوات طويلة فتنعكس علي سلوكياتهم في مختلف المراحل العمرية، وتساهم في تنامي الشعور بالاضطهاد والظلم، مما يؤدي بالأطفال إلى التأخر الدراسي والانحراف  وبالمعنفين إلى الإصابة بأمراض نفسية.
كشف عضو فريق الحماية من العنف والإيذاء في مديرية الشؤون الصحية في منطقة الرياض الدكتور عبدالله الجذيلي أن 79 في المئة من حالات العنف والإيذاء في العام الماضي في السعودية كانت ضد نساء. و25 في المئة من الحالات استقبلها مستشفى الملك سعود الطبي في العاصمة الرياض، إذ إن غالبية حالات العنف تقع على الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً. وأشار إلى أن تكرار الاعتداء وصل إلى 43 في المئة، واكتشاف الحالات يكون من خلال المرض بنسبة 37 في المئة، وعن طريق أحد الأبوين بـ21 في المئة.
من جهته، ذكر أستاذ علم الاجتماع الإعلامي الباحث في مركز الأبحاث ومكافحة الجريمة في وزارة الداخلية الدكتور محمد صقر، أن دراسة أجريت على مجموعة من الذكور في الرياض والدمام ومكة، كشفت عن تعرض 21 في المئة منهم للعنف، و24 في المئة للاعتداء في بعض الأحيان، و33 في المئة يتعرضون للإيذاء النفسي، و25 في المئة للجسدي، و23 في المئة للإهمال. وتعرض 21 في المئة من العينة المدروسة لضرب مبرح. وأضاف أن مدينة الرياض تعتبر أعلى المدن في تسجيل حالات العنف، تلتها جدة ومكة والطائف، مشيراً إلى أن أشرطة الألعاب الإلكترونية خصوصاً التي تنتجها دول أجنبية تعلم الأطفال على الاعتداء، والمواقع الإلكترونية وأفلام الفيديو تجعل من العنف أمرأً عادياً، وكلها تشجع على استخدام الأسلحة النارية.

المدمنون أكثر عنفاً
من جانبه، نبه استشاري الطب النفسي وطب الإدمان رئيس الجمعية السعودية للطب النفسي في المنطقة الوسطى الدكتور عبدالله الشرقي، إلى أهمية إيجاد تشريعات تلزم مرتكب العنف المدمن تلقي العلاج. وطالب بوضع تشريعات للتعامل مع حالات الإدمان. وذكر أن نسبة مرتكبي العنف المستخدمين للمخدرات بحسب دراسة أعدها أخيراً، تراوح بين 20 و 90 في المئة، فيما يعتقد 46 في المئة من ضحايا العنف أن مرتكبي العنف ضدهم كانوا تحت تأثير الكحول وقت ارتكاب الاعتداء.
وأشارت الدراسة، بحسب الشرقي، إلى أن نسبة قابلية مدمني الكحول للقتل تراوح بين 50 و 60 في المئة، والاعتداء غير الجنسي بين 40 الى 50 في المئة، والاعتداءات الجنسية بين 25 و 50 في المئة، والاعتداءات في المنزل من 25 و 50 في المئة، والاعتداءات على الممتلكات 35 في المئة.
وتعود غالبية حالات العنف إلى التفكك الأسري، أو الأسر التي يعاني أحد أفرادها من إدمان الكحول أو المخدرات.

400 حالة عنف خلال أربعة أشهر
من جهتها كشفت المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الدكتورة مها المنيف عن تسجيل 400 حالة عنف أسري خلال الأربعة أشهر الماضية في السعودية، 45 في المئة منها جسدي، و37 في المئة منها إهمال، و20 في المئة جنسي، و2 في المئة عاطفي، مشيرةً إلى أن الوالدين يعتبران المعنفين بنسبة 72 في المئة، و48 في المئة هي نسبة تعرض الإناث للعنف.
ولفتت الى عدم وجود إلزامية تبليغ ضد العنف إلى الآن سوى عند وزارة الصحة، في الوقت الذي ينشر فيه 38مركزاً لحماية الطفل في القطاع الصحي منها اثنان في المدينة المنورة، مؤكدة في الوقت ذاته أن حالات العنف التي تصل إلى القطاع الصحي يتم تبليغ الشؤون الاجتماعية بها ولا تبلغ الى الشرطة إلاّ إذا كانت الإصابة الناتجة من ممارسة العنف بالغة. وأرجعت المنيف العنف إلى مجموعة عوامل. وذكرت أنها إما أن تكون فردية أو نتيجة لتوتر العلاقة الزوجية، أو اجتماعية كالمعايير الثقافية التي تدعم العنف وسيادة الذكر على الأنثى ونقص القوانين التي تحمي الضعفاء.
وقال مدير الحماية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية الدكتور محمدالحربي، إن الإحصاءات الصادرة من الجهات ذات الاختصاص (مؤسسات حكومية وأهلية) بشأن حالات العنف لو جمعت لن تتجاوز الآلاف، مضيفاً أن قراراً صدر من مجلس الوزراء يؤكد أهمية جمع الإحصاءات الخاصة بحالات العنف، «والحماية تتعامل مع الباحثين والقائمين على الدراسات بشفافية، باستثناء الإعلام لكون بعض البلاغات يتضح أنها كيدية وغير صحيحة بعد دراستها».

وأشار إلى أن ست موظفات (يعملن على بند الأجور) يواجهن سيلاً من البلاغات بشكل يومي على الرقم الموحد (1919) في ما يخص بجميع حوادث العنف، من جميع أنحاء المملكة.
وأكد الاستشاري القانوني عبدالله السلفي أهمية توعية الأسرة من خلال الندوات والدورات التي من شأنها توعية المقبلين على الزواج بالحقوق والواجبات الزوجية، فجهل البعض بطبيعة هذه الحقوق والواجبات يؤدي الي الخلافات الزوجية التي قد تأخذ شكلا من العنف الذي يدفع ثمنه الزوجة والأبناء ، نظرا الى كون معظم الخلافات ناجماً عن اعتقاد أحد الأطراف بحقه في سلب حق هو في الأساس ملزم بأدائه سواء من الناحية المعنوية أو المادية. ويعود هذا الاعتقاد الخاطئ إما الى جهل بالقانون أو الى عادات وتقاليد بعيدة تماماً عن حكم الشرع والقانون. الا أن الأجيال توارثتها فأصبحت عقيدة مسلما بها لديهم على علاتها.

تفسير خاطىء
وقالت عضو جمعية حقوق الإنسان سهيلة زين العابدين إن «وجود ظاهرة العنف ضد المرأة، سببه التفسير الخاطئ للآيات والأحاديث الخاصة بالولاية وطاعة الزوج، وأغلب تلك الأحاديث النبوبة المتعلقة بطاعة ورضا الزوج ضعيفة»، مطالبة العلماء بإعادة النظر في فهم النصوص القرآنية والأحاديث وفق الفهم الصحيح.
يذكر أن لقاء الخبراء الوطني الثاني في السعودية الذي عقد مؤخراً شهد جلسات ساخنة أفضت الى تحديد المعوقات التي تقف أمام جهود التصدي للعنف الأسري، إذ أجمع الخبراء على خمسة معوقات منها، عدم وضوح مفهوم العنف الأسري في السعودية، بالإضافة إلى وجود سوء فهم لبعض النصوص الشرعية المرتبطة بالعنف الأسري مثل التأديب والولاية.
وأتفق أغلب الخبراء، على عدم وجود نظام شامل ودليل إجرائي موحد للحماية من العنف الأسري في السعودية، يشمل التبليغ والاستجابة والتدخل والتأهيل، معتبرين أن هناك قصوراً في برامج التوعية المتكاملة والجادة بين المهنيين والعامة.
وأقر الخبراء، الذين تخطى عددهم مئة خبير من جميع الجهات الرسمية المعنية بالعنف الأسري، بغياب جهة متخصصة تتولى متابعة المستجدات بشأن العنف الأسري، وتفعيلها وتنسيق جهود العمل المشتتة بين مختلف الجهات، معترفين بعدم وجود قاعدة بيانات وإحصاءات موحدة، بالإضافة إلى عدم كفاية الدراسات حول العنف الأسري.
وطالبوا بتشكيل لجنة من مختلف التخصصات المعنية لتحديد مفهوم العنف الأسري وتفسير النصوص الشرعية، داعين إلى إعداد برامج توعية للمهنيين والعامة تتولاها الجهات المعنية، كوزارات الداخلية والشؤون الاجتماعية والثقافة والإعلام.
ودعوا إلى إيجاد مرصد وطني وقاعدة بيانات لحصر حالات العنف من جميع الجهات المعنية، بالإضافة إلى دعم الدراسات والأبحاث والكراسي العلمية للتصدي
لظاهرة العنف، مشددين على أهمية تضمين نظام حماية المرأة والطفل في المملكة من العنف، المنظور لدى هيئة الخبراء ومجلس الشورى، دليلاً إجرائياً موحداً للحماية من العنف الأسري، يشمل التبليغ والاستجابة والتدخل والتأهيل، مطالبين بتكوين مجلس من جميع الجهات المعنية بالعنف الأسري، تترأسه كل عام إحدى الجهات، لتنسيق الجهود.


ضحايا


من أشهر قضايا العنف الأسري في السعودية قضية الطفلة شرعاء في مدينة الرياض وقضية الطفلتين غصون، وكلثوم في مكة المكرمة.

شرعاء (11 عاماً) توفيت بعدما ضربها والدها وعلّقها في نافذة وغادر المنزل، عاد بعد ساعات ليجدها فارقت الحياة. وكشفت التحقيقات أن والد الطفلة عمد إلى هذا الفعل بعدما أبلغته زوجته أنها زارت مدرسة الطفلة في اليوم الذي توفيت فيه واكتشفت أن مستواها الدراسي سيئ.

وقال شقيق شرعاء الوحيد ناصر (7 أعوام) الذي كان يدخل نوبة بكاء شديدة بمجرد ذكر اسم والده، إن زوجة أبيه شاركت في تعذيب أخته "بل بعدما علقها والدي بادرت بضربها وتكميم فمها».
وروى مشهد فصل «التعذيب الأخير» الذي انتهى بوفاة شقيقته بقوله: «كان والدي ينهال عليها ضرباً متجاهلاً توسلها إليه، وبعد ذلك ربطها. وبعد خروجه دخلت زوجة والدي وقامت بتكميم فمها وانهالت عليها بالضرب، وكانت تحاول خنقها، بعد ذلك رأيتهما يغيران ملابسها وقاما بتغطيتها».

 وأضاف: «بعد أخذ أقوالي عقب وقوع الجريمة عدت إلى المنزل، فانهالت عليَّ زوجة والدي بالضرب بواسطة سلك، وقالت لي لو تفوهت بكلمة واحدة سأفعل بك ما فعلت بأختك وستلقى المصير نفسه».
وتوفيت كلثوم (9 أعوام) بعد تعرضها لمعاملة أسرية عنيفة وسيئة أدت إلى نزف في الدماغ  وانتشار كدمات على جسدها، ووفاتها إثر سلسلة بشعة من التعذيب والعنف لم تردع والدها وزوجته.
وانتحل الأب شخصية «جار العائلة» وحاول استصدار شهادة وفاة لها متعللاً بسفر والدها وتدهور حال والدتها النفسية. إلا أن الشك الذي خالج ضابط الأمن المناوب في قسم شرطة حي المنصور أبطل ذلك المخطط، خصوصاً بعدما طلب معاينة الطفلة المتوفاة وأصر على الانتقال إليها «في الحال»، قبل أن يحيلها إلى مستشفى النساء والولادة للكشف عليها ومعرفة ملابسات الوفاة وأسرار الكدمات البادية على جسدها الصغير.
وأصدر القضاء الحكم بقتل زوجة والدها «تعزيراً» وسجن والدها 15 عاماً، إلا أن والدة الطفلة كلثوم أكدت رغبتها في التنازل عن حقها حيال زوجة طليقها، متعللة «حاجة أبنائها الصغار إليها خصوصاً وأن قتلها لن يعيد كلثوم».

وتوفيت الطفلة غصون البالغة من العمر تسع سنوات بعدما ضربها والدها بأنبوبة معدنية على ساقيها، وضربها مراراً بقبضة يده على يدها اليسرى فانكسرت، ورماها بعلبة مملوئة بمادة الكيروسين على وجهها وقام بإحماء ملعقة حتى احمرت ثم كواها على كعبها، وقام بربطها بسلسلة في إحدى نوافذ المنزل ومنعها من الأكل والشرب لمدة ثلاثة أيام، وصدمها بالسيارة داخل فناء المنزل... كل ذلك لغرض التخلص منها بعد ما ساوره الشك في أنها ليست ابنته. و قامت زوجته بتحريضه ومساعدته على ذلك، كما سكبت بعض المواد الحارقة عليها وربطتها ورفستها على بطنها وداست على رأسها بالحذاء، وضربتها بيدها وبالعصي وبواسطة عصا بلاستيكية على رأسها، وطعنتها برأس عصى المكنسة في بطنها.

وأصدر القضاء السعودي بياناً جاء فيه: «بعد التحقيق معهما عن توجيه الاتهام إليهما بارتكاب جريمتهما وبإحالتهما الى المحكمة العامة صدر بحقهما صك شرعي يقضي بثبوت ما نسب إليهما شرعا، وأنه نظرا لشناعة ما أقدما عليه من اشتراكهما في تعذيب الطفلة وإذاقتها أصناف العذاب طوال سنة كاملة وهي مدة بقائها عندهما بعد أخذها من والدتها بحكم شرعي، ونظراً لأن هذا القتل نوع من القتل صبرا وقد عظم الشارع قتل البهائم صبراً فكيف بالآدمي وهي كالأسير والمحبوس لا حول لها ولا قوة فلا تستطيع الدفاع عن نفسها ولا الهرب، وحيث إن أهل العلم قرروا ان المكافأة بين الولد ووالده غير معتبرة في الحرابة وذلك لعظم شأن الحرابة وتحتم حق الله في ذلك، فقد تم الحكم عليهما بالقتل تعزيراً وصدق الحكم من محكمة التمييز ومن مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة، وصدر أمر سام يقضي بإنفاذ ما تقرر شرعاً بحق الجانيين المذكورين».