في السعودية… الغيرة والشك والعنف الأسري

قتل, جرائم, المخدرات, حبس / سجن, عنف أسري, الغيرة, تحرّش جنسي, المجتمع السعودي, الدولة السعودية, التواء العمود الفقري, عنف إجتماعي

30 أغسطس 2010

بين قضبان حجرة صغيرة ومطرقة مجتمع بمعطياته التي تصف المرأة بالخائنة والمُلامة بالدرجة الأولى، وبين الضغوط التي تقع عليها وتتعايش معها  حتى وإن كانت مظلومة ومقهورة أو معنفة، تخرج عن صمتها بردة فعلٍ تقودها إلى مجتمع آخر غريب، مخيف، مظلم ومكتظ بوجوهٍ وقصصٍ غريبة في تفاصيلها لكنها متشابهة في أسبابها. ينتظرن حكماً بالقصاص، أو العفو، أو حتى انقضاء مدة الحكم عليهن. وحيدات ونزيلات في سجنٍ لا يُفرق بين الغني والفقير، ولا بين الكبير والصغير، ليثأرن لأنوثتهن ووجعهن من سوء معاملة الرجل والمجتمع لهن. جرائم لم تأتِ من فراغ، وقصص مؤلمة لنساءٍ أضنتهن ظروف الحياة وواقعها الصعب، ليتحولن من زوجات وأمهات وجامعيات وربات بيوت، إلى مجرمات يقبعن داخل السجون. «لها» استعرضت قصصاً لبعض الجرائم النسائية في السعودية، آخذة بالآراء المناسبة في هذه القضايا.. 

صداقة تقود الى السجن

مها
(وهو الاسم المستعار نزولاً عند رغبة صاحبة القصة) فتاة جامعية  تبلغ من العمر 23 سنة، هي اصغر نزيلة في سجن بريمان في جدة تنفذ حكم 5 سنوات و 1000جلدة بسبب تهمة تعاطيها للمخدرات والقبض عليها في خلوة غير شرعية في شقة (يُشتبه بأنها وكر للدعارة) مع شاب سعودي (28 سنة) تعرفت عليه عن طريق إحدى صديقاتها بحجة أنها فتاة جميلة يجب أن يكون لديها صديق. استمرت علاقة مها بذلك الشاب عن طريق الهاتف لمدة شهرين تخللها بعض المقابلات في أماكن عامة، ونمت بينهما قصة حب وعدها الشاب بأن يتوجها بالزواج وأنه سيطلب من أهله بأن يتقدموا لخطبة مها في أسرع وقت.
وفي يوم الحادثة اتفقت مها وعشيقها على أن يتقابلا في مكان عام لكنه اقترح عليها الذهاب إلى منزله بدلاً من الذهاب إلى مكان عام. وافقت مها وذهبت معه وعندما وصلا إلى الشقة رأت مجموعة من الشباب والفتيات أمامها أوهمها العشيق بأنهم بعض الأقارب جاؤوا للزيارة سلمت مها على الموجودين ودخلت معه الغرفة، وبعد ساعة فقط من دخولها الشقة تم إلقاء القبض عليهم من قبل هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتم تحويلهم الى الشرطة ومن ثم الى السجن.

سعودية تقتل زوجها بعد 18 عاماً من الزواج
في حادثة اخرى نشرتها صحيفة «الوطن» السعودية منذ ما يقارب 3 سنوات عن سيدة سعودية قتلت زوجها بعد أن عانت معه لأكثر من 18 عاماً فكان الضرب والسب والشتم غذاءها اليومي من زوجٍ لم يخفْ خالقه في هذه الزوجة والأم لـثمانية أطفال، لتقرر بعدما ضربها وأهانها بأقبح الألفاظ أمام أولادها سحب السكين وطعنته عدة طعنات وهي تصرخ، ثم بدأت بالبكاء فهي لم تتوقع أن تصبح قاتلة يوماً. وهي اليوم تقبع خلف قضبان السجن محرومة من أطفالها ومن حياتها، لتتحول في لحظات من أم إلى قاتلة. 

الصعايدي: أكثر الجرائم التي ترتكبها المرأة هي قتل الزوج بدافع الغيرة أو الخيانة
ذكرت مديرة التحرير في صحيفة «الندوة» والباحثة الأمنية والاجتماعية فاطمة الصعايدي، أن المرأة في المجتمعات الشرقية تواجه الكثير من الضغوط النفسية بسبب خضوعها لسيطرة الرجل سواء والدها أو زوجها أو شقيقها، الأمر الذي يؤدي بالمرأة إلى التوجه للجريمة والقتل في الكثير من الأحيان لإنهاء حياتها وحياة من يعذبها. تقول: «المرأة لا تقتل إلا إذا تعبت من الإيذاء والعنف والضغط النفسي أو من الابتزاز، فهي تصل إلى درجة الرغبة في الانتقام، فالكثير من الجرائم التي ترتكبها نساء هي جرائم قتل الزوج بسبب الغيرة أو ارتكاب المرأة للخيانة أو لاستبداد الزوج. وكما نعلم  أن المرأة بطبيعتها إنسانة رقيقة وحساسة جداً، وعندما تتحول إلى مجرمة تكون قد استنفدت كل الحلول والصبر في مواجهة أزمتها. كما أنني أرى بأن درجة الجريمة لدى الرجل أعلى منها عند المرأة، ذلك أن الرجل بالإمكان أن يقتل في أي وقت ودون أي ضغوط، سواء كان في نزاعات أو مشكلة ما أو غيرها، فنجد الرجل أصبح في لحظات مجرماً. لكن نادراً ما نجد أن المرأة قاتلة».
وأضافت: «النساء القاتلات يكنّ أثناء ارتكاب الجريمة عنيفات ومتخبطات وغالباً ما يكنّ مصابات بانهيار عصبي. ففي جرائم القتل تكون المرأة أكثر عنفاً فيها من الرجل نظراً لطبيعة المرأة الضعيفة جسمانياً. كما تشتهر النساء بجرائم القتل عن طريق استخدام أو دس السم في الطعام».
وأكدت الصعايدي أن القتل على يد المرأة لا يُشكل ظاهرة في المجتمع السعودي أو حتى لدى المرأة السعودية بل قد تكاد تكون نادرة. «لا اعتقد بأن جريمة القتل تُشكل ظاهرة في مجتمعنا حتى أن نسبتها لا تتعدى الواحد في المئة مقارنة بالجرائم الأخرى في المجتمع، ذلك لأن الإسلام كرم المرأة وكفل لها الحياة الكريمة. والمجتمع السعودي ساعدها في جوانب كثيرة من حياتها الاجتماعية وفتح أمامها أبواب التعليم والعمل لتصبح شريكة للرجل وليست مجرمة فيه».
وعن الحلول لمواجهة الجريمة «النسائية» في المجتمع السعودي تقول: «حتى ولو كانت هذه الجرائم نادرة إلا أنها تحدث، وإن حدثت فهي بنسبة ضئيلة جداً لكن هذه المشكلة لابد من مواجهتها باستيعاب النساء أكثر ومساعدتهن بالحلول الاجتماعية وفتح أبواب كثيرة للمرأة وإعطائها حقوقها في المحاكم الشرعية، وعدم حصرها في خندق مع الزوج والمشاكل الأسرية وما إلى ذلك».

الجهني: الرجل هو من يحوّل الأنثى الرقيقة الى وحشٍ كاسر
من جانبها، ذكرت نائبة المدير التنفيذي ورئيسة القسم النسائي وتنمية الموارد في اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم في محافظة جدة أمال حسن الجهني، انه لا يوجد قاتلات في سجن مدينة جدة. وخلال زيارتها لسجن بريمان لم تلتقِ أي سجينة سعودية متهمة بجريمة قتل. تقول: «السجينات في سجن بريمان والبالغ عددهن 24 سجينة سعودية، متهمات بقضايا أخلاقية وسلوكية  أو الاتجار بالمخدرات وتعاطيها. وتعود خلفيات بعض السجينات إلى عوامل عدة منها التفكك الأسري وعدم مراقبة الأهل لبناتهن، والاندفاع وراء البحث عن العاطفة. والكثيرات منهن يصلن إلى السجن بعد التغرير بهن، خاصة الفتيات اللواتي يتم القبض عليهن في خلوة غير شرعية. وأكثر الجرائم التي تتهم فيها السعودية وتُسجن هي المتعلقة بالاتجار بالمخدرات أو تعاطيها ويصل عددهن إلى 15 سجينة. أما باقي السجينات فهن من جنسيات مختلفة ويبلغ عددهن 700 سجينة أجنبية، وهناك سجينة واحدة فقط  من جنسية آسيوية متهمة بقتل زوجها السعودي وسيُطبق عليها حكم القصاص».

الجهل والفقر
وعن أسباب ارتكاب المرأة للجريمة بمختلف أنواعها قالت الجهني ان «الأسباب التي قد تدعو امرأة الى أن تصبح نزيلة سجن هي الابتعاد عن الله وجهلها بكل حقوقها وواجباتها  و جهلها بكيفية التعامل مع مجتمعها. ومن خلال عملي تأكدت بأن هناك عاملين أساسيين إذا اجتمعا قادا المرأة إلى الجريمة، وهما الجهل والفقر. ناهيك بأن وراء كل جريمة لامرأة رجلاً،  ذلك اننا في مجتمع ذكوري المرأة تتبع الرجل فيه سواء كان والدها أو شقيقها وزوجها، فهو بمثابة السند لها وإن تخلى عنها ذلك الرجل فمن المؤكد أن تجد ضالتها في ارتكاب الجريمة. والله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم قال (الرجال قوّامون على النساء). وفي ظل هذه المعطيات وغيرها نجد أن المرأة في مجتمعاتنا للأسف باتت بين مطرقة الاتجار وسندان الاستهتار، فهناك من يتاجر بها ويغرر بها دون ذنب لها، وهناك من يقدمها لرجل كسلعة في منزله ليضربها ويظلمها ويحرمها من حقوقها. وهناك من أخذ يمارس وحشيته على المرأة باسم الدين والتقاليد والأخلاق والقيم والمبادئ، والدين من جميع ما ذُكر براء. فالرجل المتعنت والزوج المتسلط والأخ الحقود يحولون الأنثى الرقيقة إلى وحشٍ كاسر يريد أن يثأر وينتقم بلا هوادة أو روّية.فالمرأة بشكل عام لا ترتكب جريمة أو تقتل إلا إن وقع عليها ضغط نفسي وإيذاء جسدي وعُنف لتصل إلى درجة الغضب والانتقام من الرجل لأن المرأة بطبيعتها مخلوق عاطفي غير قادر على العنف والقتل».

تأهيل السجينات
وحول الجهود المبذولة من اللجنة الوطنية لرعاية السجناء في تهيئة السجينة وإعادتها الى الحياة الطبيعة ودمجها في المجتمع قالت الجهني: «نحن نبذل جهوداً كثيرة في تهيئة السجينة ودمجها في حياتها ما بعد السجن، ابتداء من إقامة دورات تأهيلية منها التجميل والفنون التشكيلية والأشغال اليدوية والدورات السلوكية والتهيئة الاجتماعية وتحفيظ القرآن وحفظ الأحاديث النبوية الشريفة. ونشجعهن على ذلك من خلال الحوافز التي نقدمها لهن بتخفيف عقوبتهن إن حفظن القران والأحاديث النبوية، وبفضلٍ من الله جميع من يخرجن من السجن متعلمات وحافظات لكتاب الله وافضل حالاً مما كنّ عليه قبل دخولهن السجن».
وأضافت: «تواجهنا مشكلة بالنسبة الى السجينات السعوديات، وهي تقبل المجتمع و الأهل أو الزواج للسجينة بعد انقضاء محكوميتها. ولعل هذا الأمر من أهم الأسباب التي قد تعود بالسجينة لارتكاب جريمتها مرة أخرى فالمتزوجة تصبح مطلقة ويرفض استقبالها الزوج والأسرة كذلك، لتعود مرة أخرى الى السجن  بعد القبض عليها في جريمة أخرى. والكثيرات منهن يرفضن العودة للجريمة فتستقبلهن دار الحماية الاجتماعية الى ان يتم الاصلاح بينهن وبين ذويهن. وعملي بالدرجة الاولى يتلخص في زيارة الاهل قبل موعد خروج ابنتهم من السجن واعمل على تهيئتهم والتحدث معهم، وقد يتغير البعض منهم عندما يعرفون أن ابنتهم غُرر بها فنجد القلة منهم يسامحون. الا اننا نعاني كثيراً مع الاهل ذلك لأن 30 في المئة من الاهل يقبلون مثل هذا الأمر ويتعاملون مع ابنتهم التائبة معاملة حسنة، لتبقى اعيننا رغم ذلك معها ونتابعها في المنزل لمدة 6 اشهر. وإن علمنا أن الفتاة تعاني عنفاً في المنزل يتم سحبها من الأهل بالتعاون مع جمعية حقوق الانسان الوطنية ونقلها الى مكان آمن عند أقاربها. وان كانت فتاة غير متزوجة نسعى لتزويجها. وبفضل من الله تمكنا من تزويج عدد كبير من السجينات، وهنّ اليوم يعشن حياة سعيدة مع ازواجهن وعائلاتهن».

الصالح: إهمال الأسرة يقود الى الانحراف والجريمة
من جانبه، ذكر رئيس اللجنة القانونية لمؤسسة التزام للمعايير الاخلاقية والمستشار القانوني عدنان الصالح أن الأسباب الأساسية في الجرائم النسائية يكمن وراءها إهمال الأسرة، فهي الباعث الرئيسي في حصول الجريمة. يقول: «يأتي اهمال الاسرة للفتيات في المقام الأول لحدوث الجريمة، ومن ثم تتوالى الأسباب الأخرى كالانترنت والعلاقات والصداقات الخارجية والجامعة. وأسباب قتل المرأة للرجل تختلف عن قتل الرجل للمرأة،  وغالباً المرأة لا تعتدي الا بعد ضررٍ لحق بها. فدائماً الصانع الرئيسي والاساسي لجرائمها هو الرجل أكان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فقد يكون الزوج بخيلاً، وهذا العامل قد يضطر المرأة للسرقة أو أن تُضحي بشرفها لأجل المال. أما الرجل فيقتل المرأة بسبب خيانتها واذا درسنا نجد أنها تعود الى أن الزوج اهمل زوجته فلجأت الى الخيانة خارج المنزل. وملابسات الجريمة النسائية قد تكون مرتبطة ببعضها البعض فلا نستطيع ان نحدد جزءاً ونغفل عن آخر».
وأضاف: «الجرائم تختلف وتبدأ من أقل جريمة وقد تصل إلى قضايا القتل والإرهاب. وهناك الكثير من النساء اندرجت اسماؤهن في قضايا خطيرة جداً، كقضايا غسل الأموال والمخدرات والتحرش الجنسي وقضايا الابتزاز. كما برز اسم المرأة في الجرائم الالكترونية».
وأشار الصالح الى أن أكثر الجرائم التي قد ترتكبها المرأة في السعودية لا يوجد لها احصاءات دقيقة تحدد نوع الجريمة ومكانها ولا يوجد استبيانات او استطلاعات رأي او تقارير واضحة. لكن اغلب الجرائم الموجودة في السعودية «هي جرائم اخلاقية بالدرجة الاولى تتنوع بين جرائم الخلوة غير الشرعية وجرائم الابتزاز والجريمة الالكترونية بحكم سهولة تداولها وحدوثها بين المرأة والرجل. وكذلك الجرائم التي تتعرض للتشهير والسب بحكم أن المرأة اقوالها أكثر من أفعالها، فنجد أنها تلجأ في كثير من الأحيان الى السب والشتم والقدح واتهام شخص معين. وهناك بعض الجرائم الأخرى، وهي قليلة جداً، متعلقة بالقتل والارهاب ونجد أن المرأة قلما تُشارك فيها في السعودية».
وقال الصالح إن الأحكام تتفاوت  بحسب نوع الجُرم وملابسات القضية، فقد يبدأ من أخذ تعهد على المرأة وقد يصل بها الجُرم الى الإعدام خاصة في ما يتعلق بقضايا ترويج المخدرات او التهريب او قضايا القتل. مضيفاً: «القرار 1900 الصادر عن وزير الداخلية يحدد انواع الجريمة، وحددها بنوعين من الجرائم، وقد صنفها جرائم كبرى وجرائم صغرى. وحدد انواع كل منهما. ومن بين الجرائم الكبرى قضايا القتل والتهريب وترويج المخدرات وقضايا الاغتصاب وقضايا السطو المسلح  وقضايا الابتزاز أو الجرائم الالكترونية وقضايا عقوق الوالدين التي اعتبرتها وزارة الداخلية من الجرائم الكبرى والتي لا يحق للمتهم فيها الخروج بكفالة. اما الجرائم الصغرى فتترواح بين تعاطي مُسكر أو مخدر أو شتم أو سِباب أو جرائم يحددها النظام السعودي بالصغرى. وكل قضية او جريمة لها ملابسات وحيثيات ينظر فيها القاضي، وكذلك تقارير اللجان المُشكلة من المباحث الادارية والمباحث الجنائية وهيئة التحقيق والادعاء العام».