عبد الرزاق التركي... رجل الأعمال والمحلّل السياسي السعودي

معاقين, إعاقة البصر, سيرة حياة, رجل / رجال أعمال, الجامعة الأميركية في بيروت, عبد الرزاق التركي

20 سبتمبر 2010

لديه مفردات تجعلك تفرق ما بين المعاق وغير المعاق، ويرفض تماما أن يعد نفسه من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة كونه استطاع أن يصنع بصمته الخاصة في عالم الأعمال والتجارة، وكمحلل سياسي في الفترة ما بين 1990 و1992، حين كان في الولايات المتحدة الأميركية والتحق بالعمل في السفارة السعودية، كونه حاصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية وعلم الاجتماع.

رجل الأعمال والمحلّل السياسي السعودي عبد الرزاق التركي تحدى إعاقته البصرية التي أصيب بها وهو في عمر سنة والنصف بسبب ورم أصابه في صغره. إلا أن طفولته التي حرص والده أن يعيشها بشكل طبيعي، وبحياة مليئة بالفرح جعلت منه متحدياً لهذه الإعاقة حتى وصل إلى مناصب قيادية على مستوى الوطن العربي، فقد حصل على الماجستير في التربية الخاصة، ومن ثم الماجستير مع مرتبة الشرف في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية في واشنطن.
حصل مؤخراً على كأس الأمم المتحدة كاعتراف دولي لتميزه في خدمات ذوي الاحتياجات الخاصة، ونجاحه في أعماله التجارية، إضافة إلى شهادة رجل العام لسنة 2000، وشهادة جمعية المفتاح الذهبي الوطنية التشريفية من جامعة أوريغون.
«لها» التقت عبد الرزاق التركي في مكتبها في جدة بعد محاضرة ألقاها في جامعة عفت، أكد فيهاأن الإعاقة ليست مبرراً لعدم الوصول إلى الهدف.
أصر على أن يكون ضيفنا وينتقل هو إلى مكتبنا بدل أن نذهب نحن إلى مقر إقامته في جدة. رجل يحمل على محياه ابتسامة عريضة، ولباقة في الحديث، وثقافة كبيرة اكتسبها من قراءاته المتعددة وسفره المستمر. يقر أنه لم يشعر للحظة بأنه كفيف البصر حتى تعامل مع غير المعاق عندما قرر دخول المدرسة. عبد الرزاق التركي يروي قصة حياته لـ «لها» لأنه يجدها نموذجاً لأي شاب يتقاعس عن أداء دوره في العمل، ومجريات أمور الحياة قال: «ولدت في أسرة علمتني معنى الطفولة الحقيقية، ولم تعبأ بكوني كفيف البصر، بل على العكس تماما فقد علمني أبواي أن أعيش حياتي بكل حرية وانطلاق، وزرعا الطموح والأمل داخل نفسي لأصل الى ما وصلت له في الوقت الحالي اليه».

الصدمة الأولى
وروىأنه أصيب بفقدان البصر. بعد ولادته بعام ونصف العام حيث ظهر على منطقة البصر ورم حميد أدى إلى فقدانه البصر. وجزم بأنه لم يشعر أبدا بأنه مختلف عن أقرانه من الأطفال، بل وجد كل اهتمام من والديه وعائلته بأكملها حتى وصل إلى سن الدراسة.
عن مرحلته الدراسية أضاف: «في ذلك الزمان لم يكن هناك من يهتم بذوي الاحتياجات الخاصة، ولا  مدرسة تعنى بالمكفوف إلا في مدينة الإحساء. وعند بلوغي سن الست سنوات شعرت بالأسى فما كان من والدي إلا أن جلب مدرسين لتدريسي المناهج السعودية حتى بلغت الثانوية، حينها علمت أن هناك ما يسمى الاختبارات المنزلية لكل من المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، فما كان مني إلا أن تقدمت بطلب لوزير التربية والتعليم وكان حينها الخويطر، وواجه طلبي بالرفض و أشار علي بمعهد للمكفوفين في مدينة القطيف. وعندما بحثت عنه وجدت أنه للمرحلة الابتدائية وكنت أنا قد بلغت المرحلة الثانوية، واعتقد أن قراره كان مجحفاً في حقي لأني طلبت منه أن يتم اختباري ولكنه رفض، وكلفني إعادة دراسة اثني عشر عاما، وكلف الدولة تدريسي. وبالفعل دخلت وانتسبت من بداية المرحلة الابتدائية وحتى انتهائي من الثانوية العامة ليتسنى لي دخول الجامعة».

في طلب العلم: من السعودية الى بريطانيا وأميركا
بعد الانتهاء من الدراسة الثانوية في المنطقة الشرقية قرر التركي التوجه إلى المملكة المتحدة لدراسة اللغة الانكليزية، ودخول معهد يعنى بتعليم المكفوف الاعتماد على النفس وفن الحركة، وممارسة حياته بنفسه «قبل دخولي المرحلة الجامعية قررت دراسة اللغة الانكليزية في لندن، وبالفعل توجهت إلى هناك وأنهيت عاماً كاملاً. وأيضاً انتسبت إلى معهد يعنى بتعليم المكفوف الاعتماد على نفسه في أموره الحياتية اليومية، ومن ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة المرحلة الجامعية وقد حصلت على موافقة من أربع جامعات، وكل طالب قبل دخوله الجامعة سواء من داخل أميركا أو خارجها عليه أن يكون حاصلاً على شهادة التوفل، إلا أني كنت حاصلاً على تزكية من مدرسي اللغة الانكليزية في لندن لأني كنت بمثابة حاصل على الدكتوراه في اللغة مما أعفاني من دراسة التوفل. وحينها اخترت جامعة أوريغون وتخصصت في دراسة العلاقات الدولية، إضافة إلى علم الاجتماع».
ولفت الى أن الدراسة في الولايات المتحدة كانت مختلفة تماما عما كانت عليه في السعودية، اذأنها كانت تعتمد على البحث وليس التلقين وتفريغ المواد المحفوظة.

رئيس اتحاد الطلبة المسلمين
ابتعثت السعودية عبد الرزاق التركي ليكمل الدراسة الجامعية ومن ثم تحضير الماجستير. وهنا يكمل حديثه عن فترة دراسته في الولايات المتحدة: «كانت الحياة جميلة جداً، لأن الدراسة في أمريكا كانت تعتمد على الدراسة اليومية والفهم والدراسة النقدية، حتى أني لم أكن استقبل الضيوف إلا بموعد سابق. وكنت قد اخترت نظام المقرئين، حيث يحق للمكفوف أن يستأجر احد القراء الذي يرافقه إلى الصفوف الدراسية ويقوم بتلخيص وكتابة المواد وقراءتها له. وأيضا هناك من يختار طريقة برايل، إلا أني فضلت المقرئين وكان أجرهم على الدولة كوني مبتعثاً إلى الجامعة من الحكومة السعودية».
شغل التركي أثناء دراسته منصب رئيس اتحاد الطلبة المسلمين في الساحل الشمالي الغربي للولايات المتحدة، وذلك خلال الفترة من عام 1981وحتى عام 1986. «كانت هذه النشاطات تعطيني دافعاً أكبر لمواصلة الدراسة، حتى أني قررت استكمال دراسة الماجستير في التربية الخاصة في العاصمة واشنطن دي سي. وبعدها رجعت الى الوطن لمدة عام، ومن ثم سافرت إلى أميركا مرة أخرى للحصول على ماجستير آخر في العلاقات الدولية، وفروع دراسات الشرق الأوسط للسلام. وكنت في تلك الفترة أعمل في السفارة السعودية كمحلل سياسي».

العمل والزواج
انتهت سنوات التركي الدراسية وعاد إلى أرض الوطن ليمارس مهماته العملية وليجد ثلاث شركات في انتظار عودته، منها شركة أرامكو السعودية.
«كثيراً ما يندهش الناس لكوني درست العلاقات الدولية ولم أتخصص في التربية الخاصة كما هي حال دراسة الماجستير الأول، على اعتقاد من العامة أنه من المفترض بالمكفوف أن يلتزم بإعاقته، أو أن يعمل في السنترال، أو الإمامة وخلافه من هذه الأعمال. ولكن أعتقد أنه على العكس علينا أن نكون في كل مجال من مجالات الحياة التي تهتم بها الدولة، وفي كل فرع من فروع الأعمال باختلاف تخصصاتها. وكما ذكرت أنا عملت في الحقل السياسي عند وجودي في الولايات المتحدة كمحلل سياسي في السفارة. فمتى امتلك الشخص الثقة بالنفس.
 والتدريب المناسب مهما كانت إعاقته يستطيع تجاوزها، وأنا كانت لدي الرغبة في دراسة العلاقات الدولية، وهذا ما يدعمني حالياً في عملي في مجال التسويق في الشركة. وخلاف ذلك كان لدي ثلاثة عروض وظيفية كانت من أرامكو، ووظيفة من بروكتر أند غامبل، والثالث من الشركة العائلية التي نملكها. واخترت الشركة العائلية لأني شريك فيها، وتدرجت في مناصبها حتى أصبحت العضو المنتدب. كما كنت أعمل مديراً للعلاقات العامة لجمعية المعاقين، وحينها أنجزنا كثير من المشاريع كتـأليف الكتب، والمشاركة في الأيام العالمية ومنها يوم البيئة الذي يشارك فيه المعاق بتنظيف شواطىء مدينة الشرقية، وأيضا يوم الصحة العالمي».
وأشار الى أن الجمعيات الخيرية أصبح لها دور فاعل في الفترة الأخيرة خصوصا التي يرأسها الأمير سلطان بن سلمان والتي تساهم بشكل كبير في نشر الوعي بين فئات المجتمع المختلفة لتقبل ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويكمل التركي حديثه عن زواجه قائلاً: «أربع سنوات بحثت فيها عن شريكة حياتي حتى وفقت بها لتكون هي النور الذي يرشدني في هذه الحياة. إلا أن مسالة الارتباط لم تكن بالسهولة المتوقعة لأن كثيراً من الفتيات يعتبرن أن المعاق لديه نقص في الأحاسيس والمشاعر. وقد وفقت إلى الزوجة الصالحة بعد رحلة أربع سنوات.
ولدي ولد وابنة اعمل وأعيش لهما». وأكدأن المعاق والعاجز هو من يعجز عن تحقيق النجاح واستكمال الحياة بكل أعبائها. « فأن تكون كفيفاً، أو أصم أو لديك إعاقة أمور لا يمكن أن تمنعك من الوصول إلى القمة». بفتح كل مجالات العمل سواء الحكومية أو التجارية للمعاقين، وإعطائهم التدريب المناسب والأمل والثقة خصوصاً أن الدولة قد أقرت وجوب ان يكون في المئة من موظفي أي شركة من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، «إلا أنه وللأسف استغل هذا الموضوع بشكل غير مناسب، وبعض الشركات لم تلتزم بهذه النسبة».

عبد الرزاق التركي في سطور
- ولد التركي في مدينة الظهران في المنطقة الشرقية، وبعد عام ونصف العام أصيب بورم حميد تسبب بفقدانه للبصر.
- انهى دراسته الثانوية في السعودية، ومن ثم تعلم اللغة الانكليزية في لندن إضافة إلى دخوله معهد لتعلم فن الحركة والاعتماد على النفس.
- تابع دراسته الجامعية في ولاية أوريغون في الولايات المتحدة الأميركية ليحصل على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية وعلم الاجتماع مع مرتبة الشرف.
- حاصل على شهادة الماجستير في التربية الخاصة من جامعة سياتل الاميركية عام 1988.
- حاصل على الماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية في واشنطن دي سي العاصمة عام 1992.
- تولى منصب رئيس اتحاد الطلبة المسلمين في الساحل الشمالي الغربي للولايات المتحدة الأميركية.
- عضو في المنظمة العربية للمعاقين في لبنان، والجمعية الخليجية للمعاقين في البحرين، ولجنة التربية الخاصة بإدارة التعليم في المنطقة الشرقية، ومندوب الاتحاد السعودي لرياضة المعاقين في المنطقة الشرقية.
- مدير التسويق والعضو المنتدب لشركة «نما» لخدمات الشحن المحدودة.
- حصل مؤخرا على كأس الامم المتحدة اعترافا دوليا بتميزه في خدمات المعاقين، ونجاحه في الأعمال التجارية.
- حصل على شهادة رجل عام 2000، وشهادة جمعية المفتاح الذهبي الوطنية التشريفية من جامعة أوريغون يوجين.