مُعوّقون يقهرون الإعاقة في الكويت

الكويت, معاقين, ممارسة الرياضة, إعاقة البصر, أمجد خيري, طبيب نفسي, الإعاقة العقلية

20 سبتمبر 2010

أكثر ما يتميز به معاقو الكويت هو المجال الرياضي. وقد اعتادوا على المشاركة في المحافل الرياضية الدولية وحصد المراكز الأولى والمتقدمة في كل بطولة يشاركون فيها. وأخيرا  تأهل نجم النادي الكويتي لرياضة المعاقين، وأفضل لاعب في التصويت الجماهيري، حمد العدواني إلى بطولة العالم لألعاب القوى، بعدما انتزع الميدالية الفضية في سباق الـ 200 متر في بطولة فزاع الدولية التي أقيمت في مدينة العين الإماراتية وسط مجموعة كبيرة من اللاعبين المتميزين. وأكد العدواني استحقاقه كأفضل لاعب لذوي الاحتياجات الخاصة، وصعد بجدارة إلى بطولة العالم. وقد حصلت الكويت على أربعة مقاعد  تأهيلية لبطولة العالم 2011 بعد فضية العدواني، إذا حصل عبدالله الصالح على الميدالية الذهبية في رمي الكرة الحديد، ونال جاسم الكندري الميدالية البرونزية في مسابقة رمي الكرة للمكفوفين، وبرونزية أخرى نالها ماجد حجاب لدفع الكرة مسافة 57 مترا، وبرونزية ثالثة خطفتها اللاعبة منال المطيري في رمي الرمح لفئة 57، مما يعني حصول الكويت على خمس ميداليات في بطولة فزاع في إنجاز رائع روحهم العالية وعزيمتهم القوية في جميع البطولات.

على خشبة المسرح
شق الفنان مبارك العجمي من ذوي الاحتياجات الخاصة  طريقه في عالم الفن الشائك ليثبت للعالم ان المعاقين قادرون على خوض العديد من المجالات الصعبة والحيوية،  ليحولوا نظرة الشفقة التي غالباً ما يرونها حولهم الى نظرة اعجاب. وعلى  كرسيه المتحرك اعتلى خشبة المسرح وقدم اداء مميزاً. واستطاع العجمي الذي ولد في العام 1982، ان يكون أول فنان في مسرح الدراما من ذوي الاحتياجات الخاصة، علماً انه كان يحلم بالوقوف امام النجوم الكبار امثال حياة الفهد وسعاد عبدالله وعبدالحسين عبدالرضا.
يقول العجمي: «كنت قبل الحادث شخصاً طموحاً مثل أي شخص آخر يتمنى ان يتوظف في أي وظيفة ليكمل حياته بشكل بسيط وعادي، وشاء القدر ان يغير مسار حياتي كوميض الكاميرا، ليتبين ان الحياة ليست توظيفاً أو عملاً، فالحياة ارادة لأن القدر أخذ مني شيئاً، لكن أعطاني أشياء لتميزني عن الناس، فأنا اليوم أطمح الى جائزة الاوسكار».
يضيف: «اخواني المعاقون بارزون في الرياضة، وكثيراً ما نسمع عن الأبطال المعاقين، ولكنهم  قلة في المجال الاعلامي رغم وجود سفير المعاقين الشاعر عبدالكريم العنزي وهو علم من أعلام المعاقين، لكن المجال الوحيد الذي لم يكن فيه معاقون هو المسرح، وانتهزت الفرصة لأمثل اخواني المعاقين وأعبّر على خشبة المسرح عن معاناتهم وانجازاتهم، والحمد لله أثبتّ وجودي، وكنت عند حسن الظن لأصبح أول ممثل من المعاقين يمثل الكويت في الخارج.
وتحدث العجمي عن الجوائز التي حصل عليها في المهرجانات بقوله: «حصلت على شهادة تقدير كممثل في مهرجان قطر المسرحي. ويعتبر هذا المهرجان الأول لذوي الاحتياجات الخاصة، وحصلت الكويت على المركز الأول في المسرحية كأفضل عرض متكامل الطاقم، فكنا مبدعين، وحصلنا على جائزة أفضل ديكور نفذته شيماء بوصخر، وحصدنا جائزة أفضل نص للكاتب مشعل الموسى وأيضاًجائزة أفضل اخراج للمخرج يحيى عبدالرضا.
وتعتبر هذه الجوائز تاريخية لأن هذا أول مهرجان مسرحي لذوي الاحتياجات الخاصة، والحمد لله، تمكن معاقو الكويت من بصمتهم الخاصة على المهرجان الخليجي في قطر».
وعن الصعاب التي يواجهها المعاق في الكويت قال العجمي: «أطالب بتوفير مسارح متكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة لمناقشة جميع قضايا المجتمع لا قضايا المعاقين فقط. ونطالب بتوفير أماكن للمعاقين في المسارح ودور السينما، فألى متى تظل أماكن المعاقين في الممرات مما يسبب  لهم الاحراج؟ ولهذا نطالب بتوفير مقاعد مناسبة لهم لأنهم شريحة كبيرة في المجتمع الكويتي ومميزون وأبطال وفنانون . وهناك معاناة يومية تحدثنا عنها بشكل متكرر وما زلنا «نعيد ونزيد فيها»، وهي مشكلة المواقف أمام المجمعات».
وتابع: «المشكلة الاخرى هي توظيف المعاقين»، متمنياً تسهيل أمورهم في التوظيف وان توفرلهم الدولة فرص لاكمال دراساتهم حتى الشهادات العليا، مؤكداً انهم أذكياء ولامعون، ودعا إلى اعطائهم فرصة لتدريس لغتهم في الجامعة ليستفيد منهم المجتمع لان لغة الاشارة باتت عالمية.

استاذ جامعي  كفيف يدرّس القانون للمبصرين
يمثل أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق في جامعة الكويت الدكتور مدوس الرشيدي حالة استثنائية  وظاهرة نادرة تنم عن عزيمة لا تعرف للهزيمة معنى. فهو الأستاذ الكفيف الذي يتسلح بالعلم والثقة معا ويقف في قاعة المحاضرات ليدرس طلبته المبصرين.
أشعل الرشيدي شمعة الامل عوضا ان يلعن الظلام الذي تسلل إلى عينيه باكرا ليطفئ نورهما ، قبل أن يتجاوز عامه الرابع.
يقول: «خرجت يوماً من البيت عندما كنت طفلاً صغيراً، لأعود محمرّ العينين ومصاباً بالرمد، فما كان من والديّ إلا أن حاولا -عبثاً- علاجي بالوسائل الشعبية، الواحدة تلو الأخرى، حتى وصلا إلى آخرها، وهو الكي، ليتفطّنا -بعد رحلة العلاج الطويلة- إلى استشارة طبيب المستشفى الأميركي في الكويت، والذي اعتذر لهما، معلناً عجزه عن إصلاح ما أفسده العطار».
ولكنه بكل اصرار استسلم لرغبته في التعلم، ليلتحق بمدارس المبصرين في المرحلة الابتدائية التي أرهقته مشقة التعلم فيها، لينتقل إلى معاهد المكفوفين المتخصصة التي مثّلت له نقلة دراسيةً نوعية، وساعدته على  النجاح والتفوق.
واوصلته القراءة بطريقة «برايل» الى الدراسة في ثانوية الشويخ والتفوق على أقرانه حتى دراسة القانون بعد التحاقه بكلية الحقوق في جامعة الكويت، والتي تخرج فيها بدرجة الامتياز في العام 1980، ليشد بعدها الرحال إلى الولايات المتحدة الأميركية، مبتعثاً لدراسة الماجستير في جامعة ميامي. وحصل في العام 1989 على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة ادنبره في إسكوتلندا.
عاد أستاذ القانون الدكتور مدوس الرشيدي إلى دياره، معتقداً أن جامعة الوطن ستفتح ذراعيها وتحتضن إبداعه وتحديه الإعاقة، غير أن أحلامه الكبيرة تضاءلت امام جهل بعض المسؤولين في الجامعة وعدم اقتناعهم وقتها بأن يكون عضو هيئة التدريس فاقدا للبصر، فعمل باحثاً في وزارة الأوقاف.
لكنه لم يستسلم، وظل يبارز العقليات المتحجرة ويطالب بحقه الاكاديمي وبعد جولات عدة كسب مشروعيته وفاز بالانضمام الى هيئة التدريس في جامعة الكويت ليدرس القانون الدولي للطلبة رغم ان قصة كفاحه وحدها تصلح لأن تكون مادة تدرس ليس لطلبة الجامعة ولكن للاجيال كافة، لأنه منارة إرادة قهرت الاعاقة والعجز بالايمان بالذات.

عبدالإله الرشيد: بريشتي أسمع اصوات الكون
رغم ان الفنان الرسام عبدالاله الرشيد من فئة الصم، فإن ألوانه ولوحاته كانت تتحدث وتثرثر بكل العزيمة  التي تسكن روحه. وهو جعل الصمت كلاماً في لوحاته، وأكد بموهبته قدرة ذوي الارادة على تجاوز العقبات والعجز، وان بعض الصم والبكم يمتلكون رؤية أبلغ  من بعض الثرثارين.
«عبدالاله الرشيد، قدم بكل ثقة لوحاته التشكيلية الى المجتمع متجاوزاً المحلية ومشاركاً في معارض عدة في دول عربية وأجنبية. والدته تعلمت من أجله لغة الاشارة لتتفاهم معه وتكون لسانه.أم عبدالاله تحدثت الينا فقالت: «اكتشفت لدى ابني موهبة الرسم وهو في سن العاشرة تقريباً، اذ كان يرسم لوحات تختلف عن لوحات بقية زملائه في الفصل، ومعظم المعلمات كن يخترنه لرسم الوسائل التعليمية لأنه كان دقيقاً جداً ومميزاً، وبذلك علمت أن لديه موهبة.
في البداية تعبت كثيراً لايجاد وسيلة لتنمية موهبته وتطوير مهاراته، فكل الجهات كانت ترفض استقبال ابني لكونه من فئة الصم ولا يقدرون على التعامل معه، حتى اتصلت بجمعية المعلمين فتبنت عبدالاله، وخاصة الدكتور عبدالله العوضي الذي كان أستاذه وعلّمه أصول الرسم.
والآن صارت له مشاركات في المعارض المحلية والخارجية، فقد شارك في معرض ومؤتمر الأصم الخامس عشر في اسبانيا، ومهرجان الابداع للفن الخليجي، وغيرهما الكثير وحصل على الجائزة الماسية لبنك برقان. وعن سبب سيطرة الحزن على معظم لوحاته قالت والدته: «عبدالاله يعبّر عن معاناته بالرسم، فهو يسمع اصوات الكون والحياة بالألوان. ما يعيشه ليس بالسهل، فهو يعبّر عما بداخله بالرسم، لذلك تلاحظون معظم الوجوه حزينة والألوان داكنة والناس مشردة، فلغة الحزن تنطق من لوحاته لأنه عانى الكثير في هذه الحياة».

كيف نتعامل مع الطفل المعاق؟
يجب على الأهل التعامل بذكاء مع إعاقة طفلهم حتى يتمكنوا من دمجه في المجتمع، هكذا ينصح الدكتور أمجد خيري أستاذ الطب النفسي في مصر.
ويقول: «يوجد اتجاه لدمج الأطفال المعاقين الآن في مدارس الأسوياء، وهذا من أفضل أنواع العلاج لهم إذا كانت إعاقتهم خفيفة، ورغم تباين ردود فعل الأهل تجاه رعاية الطفل المعاق، يجب أن يركزوا في استثمار إعاقته في شيء يتميز فيه حتى لا يكون عالة عليهم في وقت ما، خاصة أن هناك معاقين ذهنياً متميزين في الموسيقى سواء عزفاً أو غناءً، والكثير من مرضى التوحد متميزون في الرياضيات، لذا على الأهل والمجتمع أن يتعاملوا مع المعاق على أنه طبيعي متميز في أحد المجالات أكثر من الباقي، حتى يحافظوا على ثقته بنفسه ويضمنوا عطاءً مستمراً له».
ويشير أستاذ الطب النفسي إلى أن المناهج التعليمية للمعاقين في حاجة إلى تطوير لتناسبهم، فهم في حاجة إلى مناهج تعليمية فيها تحفيز، وفي حاجة إلى أن يكون القائمون على تعليمهم ورعايتهم مدركين لطرق التعامل مع نفسية المعاق.
وينصح الدكتور أمجد خيري الأهل بالاهتمام بالطفل المعاق منذ اللحظة الأولى لاكتشاف إعاقته، فمن الممكن التعرف على التوحد إذا كان عمر الطفل ثلاثة أشهر فهو لا يتفاعل مع أمه ولا يبتسم ويصدر أصواتاً غريبة، ومن الممكن علاجه في سن صغيرة وتأهيله للاندماج في المجتمع، مشيراً إلى أن كل أنواع الإعاقة يمكن اكتشافها في سن صغيرة، وبعدها يمكن تغيير أسلوب التعامل مع الطفل، فالمتخلف ذهنياً يجب أن يتعلم بأسلوب يعتمد فيه على يده أكثر، ويمكن استغلاله في ما بعد في أعمال يدوية وسيعطي نتائج هائلة، والأمثلة الموجودة لقاهري الإعاقة تؤكد أن المعاق الذي يحصل على الثقة بالنفس لا يقل عن الشخص السليم نجاحاً بل يمكن أن يتفوق عليه.

ضغط نفسي
من جانبها، تتفق الدكتورة سهير لطفي أستاذة علم الاجتماع مع الدكتور أمجد خيري في ضرورة دمج المعاق في المجتمع بطريقة تجعله يتغلب على إعاقته، مشيرة إلى أن المجتمع يلفظ هذه الفئة من البشر، وينظر إلى إعاقتهم على أنها وصمة تلاحقهم طوال عمرهم، مما يولّد لدى المعاق أو متحدي الإعاقة ضغطاً نفسياً واجتماعياً كبيراً فيفقد ثقته بنفسه والآخرين، ويشعر بأنه غير مقبول اجتماعياً، وبالتالي لا يستطيع استكمال حياته بصورة طبيعية، فيحرم من حقوقه كإنسان والتي نصت عليها اتفاقات حقوق الإنسان التي أكدت أن المعاق له الحقوق نفسها ويجب دمجه في المجتمع. وأشارت إلى نماذج إيجابية كثيرة من المعاقين مثل أوركسترا جمعية «النور والأمل»، فأعضاؤها فتيات مكفوفات لا ينظرن إلى النوتة الموسيقية ويعزفنّ أروع الألحان، لذا يجب التركيز أكثر على مهارات المعاقين والإكثار من الأولمبيادات الخاصة بهم والمسابقات التي تحفزهم على المزيد من التعلم والاندماج في المجتمع.

مطالب
الدكتور جلال محمد آل رشيد
مدير العلاقات العامة في جمعية المكفوفين الكويتية فند بعض مطالب المعاقين بقوله: «انطلاقاً من الروح الإنسانية السامية في شريعتنا الإسلامية الغراء التي لم تترك ذوي الاحتياجات الخاصة بلا سند أو معين، بل أمرت المتشرعين بهذه الشريعة الإنسانية السمحة بضرورة تكثيف عمليات التراحم والتلاحم والتعاون في المجتمعات الإسلامية، وانطلاقا من الروح العالية المستمدة من دستور دولة الكويت الذي نصّ صراحة على ضرورة التعاون والتراحم بين أبناء مجتمعنا الأصيل، فإننا نقترح عدداً من القوانين التي نجد أنها تعيد إلى ذوي الاحتياجات الخاصة في البلاد بعضا من حقوقهم المهدورة التي نجد فيها الترجمة الدقيقة لروح الإسلام، ولروح الدستور».
 وأضاف: «من الاقتراحات إضافة بدل سائق بحدود 120 ديناراً. إلى راتب المعاق الذي تمنعه إعاقته من قيادة سيارته، لكي لا تتسبب إعاقته بالتقليل الإجباري من دخله ودخل أسرته، إضافة إلى مجموعة اقتراحات أخرى تغطي منح حقوق وامتيازات لذوي الاحتياجات الخاصة، وعدم التمييز بينهم بسبب تفاوت درجات الإعاقة.
كما نطالب بضرورة التخفيف عنهم في ساعات العمل، وأعباء العمل، مراعاة للظروف الصحية الخاصة التي يعانون منها، حيث إن ذوي الاحتياجات الخاصة لا يطالبون بالجلوس في بيوتهم، لأنهم أشخاص منتجون، بل إنهم لا يطالبون بأكثر من تخفيف العمل عنهم، لكي يتسنى لهم خدمة المجتمع، وبالتالي، فإنهم يتمنون من المجتمع. ومن الحكومة، ومن المجلس، تفهم ظروفهم الصحية الخاصة، وتمكينهم من الاندماج في المجتمع، وبيئات العمل المختلفة، مع مراعاة حق التخفيف عنهم».