تقليد البرامج التلفزيونية

تلفزيون الآن, المدرسة, المخدرات, اعادة تأهيل المدمنين, جمعية أهلية, تلميذ, ترويج الحشيش, الطبقات الفقيرة, أفيون

25 أكتوبر 2010

إشارة تبادلها بعض الأولاد لفتت نظر أساتذة إحدى المدارس وحثت المدرّسة ل.ع. على معرفة مصدرها ومضمونها، فتعاونت مع مدير المدرسة وشاركتها أربع من المعلمات لكشف سر هذه الاشارة ومضمونها... لكن المفاجأة كانت كبيرة عندما تبين أن هنالك عدداً لا يستهان به من التلامذة في المدرسة يتعاطون مادة الافيون! وبدأت المعلمة ل. ع. بإيجاد طريقة لمعرفة ما يقوم به التلاميذ، ولماذا يقدمون على برش الطبشور الابيض على طرف الإبهام في اليد ويشتمّونه وكأنها من المواد المحظور شمها (أي الافيون). ويعرف عن مادة الافيون أن زراعتها تتمّ في تشرين الأول/أكتوبر وتجنى بين أيار/مايو وحزيران/يونيو. ومع أيلول/سبتمبر تفتح المدارس أبوابها ويسهل على البائعين ترويجها بين التلامذة! ويمكن معرفة مدمن الافيون عبر النظر الى بؤبؤ العين إذ يكون ضيقاً جداً ولا يتّسع إذا تعرض للضوء، كما يحصل للعين عادة.

بالعودة إلى المدرسة قررت المعلمة ل. أن تتناول هذا الموضوع مع تلامذتها عبر حصة علمية تتحدث فيها عن نبتة الخشخاش ومادة الافيون المستخرجة منها لتحث التلاميذ على التكلم عن هذه النبتة والتوصّل الى معرفة كيفية انتشارها بين التلامذة وعن حركة شم مسحوق الطبشور الأبيض.
وتقول المعلمة أن نبتة الخشخاش عرفت مع الطب العربي المصري، ومنها يستخرج المورفين. ويعود اسم مورفين الى «مورفيه» وهو من الآلهة اليونانية ويعرف انه ابن الليل والنعاس. وكان اليونانيون يطحنون الخشخاش مع حشرة الذباب ويعطونها للطفل حتى ينام. وعندما توصل الطب الى معرفة فعالية نبتة الخشخاش سمي المورفين نسبة الى مورفيه...وقد استخدم العرب هذا النبات ومنهم انتقل الى أوروبا.
وبعد أن تناولت المعلمة ل. هذا النص وتوسعت بشرحه علميا ووصفاً لحث التلامذة على الكلام ومعرفة من منهم يتعاطى هذه المادة السامة وخاصة أنها كانت تلحظ التلميذ ع. شارد الفكر في غالب الأوقات، طلبت من المرشدة الاجتماعية متابعته ومعرفة مشاكله، كما أرسلت في طلب أولياء أمره أكثر من مرة.
وعندما بدأت برسم زهرة الخشخاش وشكلها الخارجي انبرى ع. الشارد الذهن ليقول لها: «رسمك ليس صحيحاً». فسألته عن السبب فأجابها أن لها أيضاً جيوب مثل المملحة ولها تاج في هذا المكان، وأشار إليه. عندها طلبت منه التقدم الى اللوح ليصلح الرسم. فشجعته على إكمال العمل والشرح. فقال إن في الخشخاش سائلاً هو مادة الهيرويين، وأن هذا السائل يتحول الى حبوب، وهذه تسحب وتطحن فتتحول الى هيرويين من الدرجة الثانية. عندها سالته المعلمة عن الحبوب في حال عدم نزعها، فأجابها بأنها تسقط لذلك عندما نحرك نبتة الخشخاش تصدر صوت خشخشة يشير الى وجود هذه الحبوب داخلها.
تعجبت المعلمة لأجوبة تلميذها الذي أوضح أن والده مزارع لهذه المادة في منطقة البقاع اللبنانية. عندها سألته المعلمة عن مذاقها فأجابها بان لا طعم لها، ثم تابعت لمعرفة أي نوع «يطوش» أكثر  فقال لها: «السائل منها، لكن لا يمكننا استعماله لأنه الأغلى ثمنا ونستعيض عنه بالبودرة بعد أن ننزع الحبوب ونطحنها». وماذا يحصل بعدها سألته المعلمة، فأجابها بانه يشعر بدوار بسيط مع الشعور بفرح جميل. عندها هنأته على شجاعته وطلبت من التلامذة أن يشاركها كل تلميذ تجربته بعد أن تعرّف الى هذه النبتة!
وسألت المعلمة التلامذة: «من منكم والده مثل والد ع. لديه أرض يزرع فيها الخشخاش وأعطاه شيئاً ليشمه؟».
فانبرى التلميذ أ. س. ليقول أن ع. أعطاه حبتين فوضعهما في النارجيلة وانطوشت وبدأت بالتقيؤ. فسألت ع. ماذا أعطاني فقال لي حبتين من دواء «بانادول»، لكنهما كانتا مختلفتين في الشكل».
سألت المعلمة من لديه تجربة أخرى فوقف التلميذ ب.س. وقال: «ع.أعطاني من السائل فوضعته على تنبك النارجيلة وشاركتني أمي تدخينها مساءً فسررنا كثيراً عدت ورجوته ليعطيني المزيد لكنه رفض.
فنظرت المعلمة الى ع. معاتبة: «لماذا بخلت عليه؟» فأجابها بأن هذا النوع رفيع الثمن لا نستطيع أن نعطيه لأحد».
وانبرى إحد التلامذة ليقول لها ان ابن عم ع. يبيع هذه الانواع مقابل المال، فقالت له: «إنني أريد لي أيضاً» وأرادت التعرف اليه وتوجهت الى الصف الثالث حيث هو فخاف بعدما طلبت منه  شراء بعض منها بشكل مادة أولية وسائل وبودرة. لكن المعلمة هدأته بعد أن علم أنها تريد شرائها لحصة دراسية حتى يتعرف إليها التلامذة عن كثب، فأجابها انه لا يتوافر لديه إلا البودرة وبالكمية المطلوبة!
وفي اليوم التالي أحضر إبن عم ع. بودرة الهيرويين وكانت المعلمة تشاهد هذا النوع للمرة الأولى. وكان لونها مشابها للون الكمون، ورفض التلميذ أخذ المال من المعلمة ل. متمنياً أن تقبل المادة هدية منه. عندها سألته إذا كان قد سبق إن أعطى أحداً في المدرسة؟ فأشار الى أربعة تلامذة.
وتتالت التجارب وضاق صدر المعلمة في إخفاء شعورها ووجهت حديثها إلى التلميذ ع. قائلة: «لربما انك تعطيني معلومات خاطئة؟» فنفى التلميذ موضحاً أنه سيأتيها في اليوم التالي بزهرة من الخشخاش مليئة وأخرى مسحوب منها السائل بالإبرة وأخرى مع الحبوب إضافة الى البودرة.
إنتهت حصة الدرس وخرجت المعلمة مسرعة الى مدير المدرسة لتعلمه بحقيقة الأمر ومعلنة أن «الحشيشة تضرب الأولاد» مع الإعلان عن أسماء الأولاد كافة والإصرار على متابعة الموضوع حتى علاجه.

كما علمت المعلمة ل. أن ترويج هذه المواد السامة كان في معظمه يتم مجاناً، خاصة أن أكثر التلامذة هم من الطبقة الفقيرة أو المتوسطة.
وتعاون مدير المدرسة مع المعلمة ل. وبعض المعلمات حتى تمّ علاج الموضوع وإبعاد المروّجين من تلامذة ومتابعة المدمنين الذين بلغ عددهم أكثر من 25 تلميذاً. وتبين أن التلامذة الذين كانوا يضعون بودرة الطبشور الابيض ويشتمّونها لم يكونوا ضمن فئة المدمنين بل مشاهدين لبرامج تلفزيونية، فرغبوا في تقليدها ووجدوا في الطبشور الأبيض ضالتهم! وشاركت المعلمة ل. مع التلامذة بعد معالجة المشكلة في بحث علمي طويل وعلقت لافتات كبيرة في المدرسة تحذر: «المخدرات= الموت».ويطل العام الدراسي الجديد دون أن تغيب مشكلة المخدرات. وتتمنى المعلمة ل. من ذوي الأولاد كافة أن يبقوا على مقربة من أولادهم ويولوهم الاهتمام الواجب للمحافظة على مجتمع سليم.


تكلفة العلاج الباهظة تجعله حكراً على الأغنياء والمقتدرين

 - لا احصاءات متوافرة عن عدد الاولاد المدمنين وذلك لغياب توافرها بين وزارة الشؤون والجمعيات والمؤسسات المتخصصة في لبنان.
- وتلعب الجمعيات والهيئات الأهلية دوراً مهماً في التوعية والوقاية من خلال ما تعتمده من برامج وقائية توجهها لمختلف فئات المجتمع عبر الوسائل المتاحة في المدارس والإعلام والنشاطات المختلفة، علّها تعوض تقصير الإدارات الرسمية المعنية في هذا المجال والناتج حسب مصادرها عن ضعف في الإمكانات وشحّ في الموازنات المرصودة لها.
- وتختلف برامج العلاج من مؤسسة إلى أخرى، أما التكاليف فحدّث ولا حرج إذ قد تصل في بعض المراكز إلى 750 دولاراً أميركياً شهرياً، ما يحصر خدمات هذه المراكز فقط بالمقتدرين مالياً، فيما يقبع معظم المدمنين الآخرين في السجون. وهنا يجتمع التقصير الرسمي في دعم هذه البرامج والذي لا يتعدى ثلث كلفتها، بالتقصير الفاضح في دعم مراكز العلاج لتقليص حجم هذه الآفة، خصوصاً أن تلك التابعة منها للجمعيات معدودة وغير قادرة على استيعاب أكثر من 1500 مدمن لافتقارها إلى المساندة المطلوبة من الدولة.
- على الرغم من وجود العديد من الاتفاقات المتواترة منذ العام 1961 التي تحض الدول على التعاون والتنسيق لوضع خطة عمل موحدة واستراتيجية لمكافحة المخدرات على الصعيد الدولي والاقليمي والوطني والتي صدّق لبنان على معظمها، تبقى التحركات عقيمة فيه. ولعل أبرز مثال على ذلك التوصيات التي صدرت في العام 2001 عن لقاء جمع اللجان النيابية والوزارات المعنية والجمعيات غير الحكومية، وحددت بموجبه مهام الوزارات المعنية من الصحة إلى التربية، وحتى اليوم لم يصر الى تحديد آلية لتنفيذها ضمن خطة عمل وطنية.
- وباشرت الدولة اللبنانية منذ بداية التسعينات شق الطريق لمكافحة المخدرات بمنع زراعة حشيشة الكيف والخشخاش في سهل البقاع ثم التشدّد في منع زراعتها، إلا أنها ما زالت قائمة وحجمها ما زال مجهولاً في ظل افتقاد الإحصاءات والدراسات الوطنية الشاملة.

غياب التخطيط
لعل المشكلة الحقيقية التي يعاني منها لبنان، وتقف عائقاً أمام تحقيق الهدف المنشود، تكمن في عدم التعاون بين الجمعيات الأهلية نفسها، وبينها وبين الإدارات الرسمية المعنية. وبالتالي فإن برامج التوعية ومتابعة المدمنين لمعالجتهم، والعمل على تعديل قانون العقوبات المتعلق بالمدمن لا تخرج من إطار المحاولات الفردية الخاصة بكل مؤسسة أو جمعية. كما يزيد حجم المتعاطين غير المعروف أصلاً لعدم توافر الإحصاءات.

- وقد خطا لبنان خطوة كبيرة في اتجاه تصحيح الأوضاع في العام 1998 عبر تعديل قانون المخدرات وإقرار إنشاء لجنة مكافحتها، إلا أن الخطوة بقيت ناقصة لعدم إقرار المراسيم التطبيقية اللازمة لتنفيذها. وإزاء هذا الوضع، وفي ظل انقطاع التواصل بين الإدارات المعنية في الدولة والجمعيات، يحاول مكتب مكافحة المخدرات في قوى الأمن الداخلي القيام بمهامه كما يجب، للإحاطة بهذه الآفة ووضع حد لها ولو جزئياً، لما يواجهه من عقبات لجهة صدامات أمنية من وقت لآخر في المناطق المزروعة والخارجة أصلاً عن نطاق سيطرة الدولة.