ماذا تفعل المغتصبة بجنينها؟
د. علي جمعة, د. محمد رأفت عثمان, علماء الأزهر, د. مهجة غالب, الإعتداء الجنسي, د. عبد المعطي بيومي, علماء الدين, إغتصاب, الإجهاض
08 ديسمبر 2010مخالف للشرع
ويرفض رئيس قسم الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتور عبد الفتاح إدريس إجهاض المغتصبة، مؤكداً أنه لا يوجد دليل شرعي، من الكتاب أو السنة، يوجب إجهاضها، بل إنه لا يجوز إجهاضها حتى قبل 120 يوماً، لقوله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا مرّ بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة أرسل الله إليها الملك ويأمره بخلق لحمها وعظامها»، وبالتالي فلا يوجد فترات يباح فيها إجهاض الجنين، لأن هذا عمل غير جائز باتفاق الفقهاء، سواء كانت الحامل بالجنين مغتصبة أو زانية، ولا لغيرهما، وما يخالف ذلك فهي آراء ضعيفة.
ويتساءل: «ما ذنب هذا الجنين حتى يقتل؟ والأفضل أن نطالب بسن تشريعات رادعة تمنع مسببات الاغتصاب لحماية المجتمع من آثار هذه الجريمة، مثل التزام الأسر بتوجيه بناتها بالسير على تعاليم الإسلام، بحيث ترتدي ملابس محتشمة، وألا تخالط الشباب، وأن تسير في أماكن آمنة، وتغليظ عقوبة التحرش، وأن ينفذ حكم الإعدام علناً فيمن يرتكب جريمة الاغتصاب، حتى يتحقق جانب الردع للآخرين».
حرية الاختيار
واختلف معه في الرأي عضو مجمع البحوث الدكتور عبد المعطي بيومي الذي رفض إلزام أو إجبار المغتصبة على الإجهاض، لأن الإلزام بفورية الإجهاض إنما يجب عليها في حالة اتخاذها قراراً بإجهاض جنينها، أما إن أرادت أن تبقيه فلا تجبر عليه، لأن حرية الإجهاض أو عدمه متروكة للمغتصبة، مع التنبيه على أن الإجهاض لا بد أن يكون قبل نفخ الروح، أما إذا تم الإجهاض بعد 120 يوماً، فتكون واقعة قتل.
الضرورات تبيح المحظورات
أما عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد الشحات الجندي، فيقول: «يجب إجهاض المغتصبة لأن الاغتصاب عمل غير مشروع وحرام، ولذلك فإن ثمرة هذا العمل الحرام ينبغي التخلص منها فوراً. ولهذا على المغتصبة المبادرة للإجهاض حتى لا تتأخر، ويكون تأخرها تجاوزاً للمدة المحددة، وهي 120 يوماً، وكلما كان الإجهاض مبكراً كان أفضل، حتى لا يكتمل نمو الجنين وبالتالي ينشأ خلق آخر».
وأيدت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة آمنة نصير، وجوب إجهاض المغتصبة قائلة: «جنين السفاح أتى من عمل خسيس انعدمت فيه إرادة المرأة، ولذلك يجب التخلص من آثاره سريعاً. أما إذا رفضت وأبقته فكانت آثمة، وكأنها رضيت بالاغتصاب المحرم شرعاً، لأنني أعتبر الاغتصاب قتلاً للمرأة وللنفس، وسلباً لمعنى الحياة من أعماقها، عندما ينتزعها المغتصب بهذه الصورة الإجرامية. وأدعو من تعرضت لهذا الموقف لأن تسارع وتغسل كل آثار الجريمة، وهذا جائز شرعاً باعتبار ذلك فيه ستر للمرأة، وتخليص لها من آلامها النفسية، لأنه حسب القاعدة الشرعية: «الضرورات تبيح المحظورات»، وبالتالي فإن الحفاظ على كرامة المرأة وسمعتها وصحتها النفسية أمر ضروري».
حكم الإجهاض
بدأت القضية عندما كتب الباحث الإسلامي الدكتور مسعود صبري مقالاً عنوانه: «ماذا تفعل المغتصبة بجنينها؟»، أكد فيه أنه تنشأ عن الاغتصاب أضرار عديدة، من النواحي الدينية والاجتماعية والنفسية، ومنها ما قد يحصل نتيجة الحمل، لهذا تظل المرأة في حيرة من أمرها، هل تتخلص من جنينها الذي أتى بغير رغبتها؟ أم تشعر بالحرج الشرعي عندما تسمع أنه لا يجوز إجهاض الجنين؟ وماذا لو احتفظت به، فإلى من ينسب؟ هل ينسب إلى المجرم المغتصب؟ وماذا لو كان هذا المغتصب أحد المحارم كما هو في بعض الحالات النادرة؟
وفرَّق صبري المغتصبة وغيرها ممن تحمل سفاحاً وتدعي أنها اغتصبت، قائلاً: «المغتصبة هي من مورست معها الفاحشة رغماً عنها، وهي لها كارهة، وتلك التي يكون الاجتهاد في حالتها من جواز الإجهاض من عدمه. أما التي تزني برضاها، أو كانت ممن تمارس الفاحشة لأجل المتعة، أو من أجل التكسب، فهذه يحرم في حقها الإجهاض، وتأثم بإجهاض جنينها، ولو كان قبل نفخ الروح، أما بعد نفخ الروح في الجنين فعليها الإثم مع العقوبة المقررة شرعاً، من الكفارة والغرة، وهي ربع عشر دية الرجل.
أما المرأة التي اغتُصبت فقد وقع عليها جرم رغماً عنها، وهذه المرأة قد تحمل وتريد أن تتخلّص من الجنين، الذي جاء دون رضاها، وهذه إما أن يكون الجنين قد تخلق في رحمها، أو نفخ فيه الروح. والتخلّق اختلف الفقهاء في مدته، فمنهم من جعله بعد مئة وعشرين يوماً، ومنهم من رأى أن التخلّق يحصل بعد أربعين يوماً، وهو ما يتماشى مع وجهة النظر العلمية التي تفرّق بين التخلق ونفخ الروح، واعتباره آدميًّا له حقوق، وهذا ما يشهد له ظاهر القرآن: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ» (آية 5 سورة الحج).
وعن نسب ابن الاغتصاب قال الدكتور مسعود: «أفضل ما وجدته في الاجتهادات المعاصرة، في هذه المسألة هو ما ذهب إليه مفتي مصر، الدكتور علي جمعة، من حرمة نسب الجنين إلى أبيه من الاغتصاب، في حين يجوز إضافة لقب عائلة الكافل للطفل المكفول، قياساً بالولاء الذي هو جائز شرعاً، وانتفاء التبني المحرم شرعاً، بحيث يحفظ له حقوقه المدنية. ويتساوى في هذا أن يكون نتج من اغتصاب أجنبي أو أحد المحارم، مع اعتبار أن الاغتصاب من قبل أحد المحارم أشد جرماً، وأكبر إثماً عند الله، ثم عند الناس».
وانتهى إلى أنه، رغم اختلاف الفقهاء في حكم الإجهاض قبل التخلق أو نفخ الروح، فإنه يجوز للمرأة أن تُجهض جنينها، إن كان ناتجاً عن اغتصاب، وهذا الحكم الشرعي مبني على أن الإنجاب حق مشترك، وأن الاغتصاب يُسقط هذا الحق، وبالتالي يحق للمرأة التخلص من ناتج الاغتصاب».
ضوابط شرعية
إذا كانت هذه هي تفاصيل خلاف الباحثيْن، الدكتور صبري والدكتور الشعَّار، فماذا يقول علماء الدين عن هذا الخلاف؟ وهل لديهم إجابة حاسمة على سؤال: ماذا تفعل المغتصبة في جنينها؟
يؤكد مفتي مصر الدكتور علي جمعة، عدم جواز إجهاض جنين الاغتصاب بعد مرور الأشهر الأربعة الأولى من الحمل، وإلا اعتبر ذلك قتلاً للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، مما يدل على عدم جواز إجهاض المغتصبة بعد نفخ الروح في الجنين، حيث ساوى الشرع في العقوبة والتبعات المالية، «وهي الغرة»، بين من يعتدي على الحامل، من نكاح أو سفاح أو اغتصاب، فيُسقط ولدها. ولو كانت المغتصبة لها الحق في إجهاض نفسها، لما استوت العقوبة في الاعتداء على جنينها مع العقوبة في الاعتداء على أي حمل آخر.
ورفض مفتي مصر إباحة الإجهاض للمغتصبة بإطلاق، حتى ولو بعد أربعة أشهر من الحمل، فالقول بأن للمغتصبة الإجهاض مطلقاً يشمل إجهاضها نفسها بعد نفخ الروح فيه، أو بعد الولادة، وهذا هو المعنى الذي ساوى فيه الفقهاء بين ما بعد نفخ الروح وبين الطفل الحي، فكما لا يجوز أن نقتل مولوداً، ولو من اغتصاب، فلا يجوز أن نقتل جنين المغتصبة بعد نفخ الروح فيه.
فرق
وتحاول رئيسة قسم علوم القرآن في جامعة الأزهر الدكتورة مهجة غالب، التفرقة بين حالة التي بذلت أقصى ما تستطيع للدفاع عن نفسها، ومنع الجاني من أن ينال منها، «حتى أنها قد تفقد حياتها دفاعاً عن عفتها وشرفها وعرضها، وبين اللعوب التي تدعي الاغتصاب، بعدما فرّطت بشرفها بعلاقة غير شرعية، وتريد أن تجهض نفسها. ولهذا يجب أن يفرق العلماء والقانون والأطباء بين الحالتين». وأضافت: «أؤيد جمهور الفقهاء في أنه إذا بلغ الجنين أربعة أشهر يحرم الإجهاض، إلا إذا كان يترتب على بقائه في رحم أمه تعريض حياتها لخطر الموت، بشهادة الأطباء الثقات، لأن الجنين صار إنساناً له روح».
واقترحت أن تنشئ الدول مراكز طبية تستقبل حالات الاغتصاب التي تحال إليها من النيابة أو أقسام الشرطة، لتعالَج طبياً ونفسياً من آثار الاغتصاب، مما يساعد في تأهيل الضحايا ولتحقيق الاستقرار النفسي لهن.
مسموح قبل أربعين يوماً
ورفض عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد رأفت عثمان القول بوجوب إجهاض المغتصبة. «لا يوجد دليل شرعي يجبر المغتصبة على إسقاط جنينها، ولكن العلماء أكدوا أنه يجوز قبل أن يبلغ الحمل أربعة أشهر، أما بعدها فلا يجوز الإجهاض، بل يحرم عليها، لقوله، صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم لَيُجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم مثلها علقة، ثم مثلها مضغة، ثم يأمر الله الملك فينفخ فيه الروح، ويأمره بكتابة أربع كلمات: اكتب أجله واكتب عمله واكتب رزقه وشقي أم سعيد».
وتحفَّظ عن آراء القائلين بأن الحياة موجودة في الجنين منذ اليوم الأول قائلاً: «صحيح أن الجنين فيه حياة قبل أن تدب به الروح الإنسانية، لأن الحياة موجودة في الخلية الأولى وهي الحيوان المنوي والبويضة، لكنها حياة أقرب للحياة النباتية التي لا يمكن الحكم بأنها حياة كاملة تستوعب عقوبة شرعية». وأوضح أنه يميل، في حالة الحمل نتيجة الاغتصاب، الى الأخذ بالرأي، الذي يقول بإجهاض الجنين ما لم يصل إلى 40 يوماً، تحاشياً للمشاكل والأمور الخطيرة التي ستترتب على بقاء الجنين حتى ولادته. وفي الوقت نفسه يجب عدم التهاون مع المغتصب، بضرورة تطبيق حد الحرابة على كل من يخطف أنثى ويغتصبها، لأن الاعتداء عليها أشد جرماً من السرقة والقتل».
احتدم أخيراً خلاف ديني بين اثنين من الباحثين الإسلاميين، حول حق المغتصبة في إجهاض الجنين. فالدكتور مسعود صبري يرى أنه من حقها الإجهاض ويسوق الأدلة، بينما ردّ عليه الدكتور عصام الشعَّار برفض الإجهاض تماماً ويسوق أيضاً أدلته. «لها» رصدت هذا الخلاف وسألت علماء الأزهر: «ماذا تفعل المغتصبة بجنينها؟»
الإجهاض حرام
ورد عليه الباحث الإسلامي الدكتور عصام الشعَّار، بمقال عنوانه «جنين المغتصبة: «بأي ذنب أُقتل؟!»، وتساءلَ: بأي ذنب نحكم على جنين المغتصبة بالإعدام؟ هل نحكم عليه بالإعدام بذنب اقترفه أم أنه يدفع ثمن جرم أبيه؟ أم نؤاخذه بجريرة مجتمع غابت فيه قيم الرحمة والتسامح والعدل؟ أم هي محاولة لرفع الحرج عن المجتمع حتى لا يطالب باحتضان نبتة كل ذنبها أنها لم تختر أن تكون من حرام؟! ومن المعروف أنه في المجتمع السوي لا يؤخذ أحد بجريرة أحد، ولا يُعيَّر فيه أحد بذنب عوقب عليه، أو تاب إلى الله منه، بدليل أنه في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، وقعت جريمة الزنى في ما يعرف بقصة الغامدية التي زنت وتابت، ولكنها لم تكتف بالتوبة وذهبت إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، وقالت له: زنيت فأقم عليَّ الحد.
فأمرها الرسول بأن تنتظر حتى تضع حملها، وترضعه، وتفطمه. وحادثة أخرى: أن امرأة من جهينة أتت نبي الله، صلى الله عليه وسلم، وهي حامل من الزنى فقالت: يا نبي الله أصبت حداً فأقمه عليَّ، فدعا نبي الله، صلى الله عليه وسلم، وليها فقال: أحسن إليها فإذا وضعت فائتني بها، ففعل فأقام عليها الحد، فما ضاق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذرعاً بمن أتت تقر بين يديه بكبيرة تستوجب إزهاق روحها، بل يأمر بالإحسان إليها، بل يؤخر إقامة الحد حتى تضع وليدها، وترضعه، ثم يعهد بصغيرها إلى أحد المسلمين ليكفله ويرعاه».
وأنهى الدكتور الشعَّار مقاله بقوله: «يجب ألا ننظر في ذنوب العبد كأننا أرباب، ولكن يجب أن نرحم أهل البلاء، ونحمد الله على العافية لقوله، صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وقوله: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره ولا يخذله، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم».
ولهذا فإن المجتمع لا يجب أن يؤاخذ أحداً بذنب اقترفه أبد الدهر، بل المذنب له على المجتمع حقوق، فحقه على المجتمع أن يستر ذنبه، وأن يبذل له النصيحة، وأن يأخذ على يديه، فإن تاب، أو عوقب على جريمته، فمن هذه اللحظة تطوى صفحة الذنب وكأن شيئاً لم يكن».
الحياة مبكراً
أما أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة القاهرة الدكتور محمد الدسوقي، فيعارض القول بجواز إجهاض المغتصبة قبل أربعة أشهر، مؤكداً أنه «بالتصاق الحيوان المنوي بالبويضة تبدأ الحياة، وبالتالي يَحرُم الإجهاض منذ هذه اللحظة، أما بعد 120 يوماً فيبدأ الجنين الحركة، وتشعر به الأم، ومن هنا استند الفقهاء في حكمهم إلى أن الحياة تبدأ في الجنين بعد هذه المدة، نتيجة لحركة الجنين التي تشعر بها الأم الحامل، لكنهم ينفون الحياة عن الجنين قبل مضى هذه المدة، وبالتالي لا يجوز إجهاض الأنثى المغتصبة. ومن ثمَّ فإن عملية الإجهاض، في أي وقت، تعتبر قتلاً للنفس البشرية التي حرم الله قتلها إلا بالحق. والأفضل تغيير ثقافة المجتمع لتغيير النظرة إلى المرأة المغتصبة».