منع زواج الشقيقة الصغرى قبل الكبرى مخالف للشرع
مشكلة / مشاكل الزواج, عادات وتقاليد, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, د. نصر فريد واصل, د. عفاف النجار, فتوى, علماء الدين, جامعة عين شمس, د. عبد الحي عزب, المخالفة الشرعية, مأساة, قضية / قضايا الزواج, ظلم المرأة
17 يناير 2011تسلسل مرفوض
وأشار عميد كلية الدراسات الإسلامية في بني سويف، الدكتور عبد الحي عزب إلى أنه لا يجوز للوالد أو الأخ منع من في ولايته من الزواج إلا بعد زواج الكبيرة إذا تقدم لها الخاطب الكفء في دينه وخلقه مع رضاها به، ومن يفعل ذلك فهو آثم شرعًا ويجب على الحاكم أو القاضي إنزال العقاب به إذا لم يرتدع ويرجع عن ظلمه، لأن هذا حكم الله القائل: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً» آية 36 سورة الأحزاب.
وأضاف: «أرفض ما اعتاد عليه بعض الناس من تزويج الفتاة الكبرى ثم الوسطى ثم الصغرى حتى ولو كن عشرًا، فالتعصب لهذا التسلسل لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، بل إنه جاء في سورة القصص لمَّا أراد نبي الله شعيب أن يزوج موسى، عليه السلام، قال له: «إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيَّ هاتين». كأن شعيباً يقول لموسى عندي بنتان أعطيك أوصافهما ثم تختار منهما واحدة، ولو كان التسلسل في تزويج الفتيات أمرًا واجبًا لما خيَّره في إحدي ابنتيه، وبالتالي متى جاء الخاطب الكفء للصغرى أو الوسطى فيجب على الولي أن يزوجه إياها، ولا يجوز له أن يرده بحجة وجود الكبرى».
مأساة
جاءت هذه الفتوى تفاعلاً مع مأساة سبع شقيقات ذهبن إلى الكحلاوي وشرحن لها مأساتهن مع والدهن المسن الذي منعهن من الزواج، لأن الأخت الكبرى لم تتزوج، مما جعل أكثر من نصفهن يركبن قطار العنوسة والباقيات في الانتظار، خاصة أن الكبرى في منتصف الأربعينات ومازال لديها أمل في ابن الحلال.
وأقسم الوالد بالطلاق من الأم أنه لن يتراجع عن موقفه حتى لا تعيّره العائلة والمجتمع بأنه زوَّج الصغيرات قبل الكبرى مما يعد فأل شؤم عليها مهما تقدمت سنها، بل إنه يعتقد أن ما يفعله موافق للدين تمامًا لدفاعه عن حق البنت الكبرى في أن يكون لها زوج حتى ولو بلغت الستين، وعلى أخواتها الانتظار لأنهن لسن أفضل منها عنده».
عادة!
وتعجبت الكحلاوي، وهي العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، من تصرف الأب ووصفته بأنه نوع من «القتل المعنوي»، لأن الأصل مشروعية تزويج البنات مطلقاً بغض النظر عن السن حسب قوله تعالى: «وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ» الآية 32 سورة النور.
طالما تقدم لخطبتها من يريد الارتباط الشرعي بها، وكان ذا خلق ومقدرة مادية على إعالة أسرة، وعدم وجود أي موانع شرعية أو بدنية فيجب على ولي الأمر أن يزوجها، لأن عادة اشتراط زواج الكبيرة قبل الصغيرة ليست من الشرع، بل إنها مخالفة له وظلم للصغيرة.
وأشارت الدكتورة عبلة إلى أنه «من حق الصغيرة المطالبة برفع الظلم الواقع عليها دون الصدام مع ولي أمرها، كأن تقوم بتوسيط بعض أقاربها أو من لهم تأثير إيجابي عليه لإنصافها، وأن تدعو الله له بأن يهديه إلى العدل، وإن فشلت كل المحاولات من حقها أن ترفع أمرها إلى القضاء الذي ينصفها، لأن القاضي ولي من لا ولي له أو لمن ظلمها وليها بما يخالف تعاليم الدين، وليس مستنكَرًا أن يقوم ولِيّ الأمر أو الحاكم بوضع الضوابط التي تمنع الظلم من خلال قوانين رادعة تعاقب ولي الأمر الذي يسيء إلى من هن في ولايته من النساء، وخاصة أن هناك حالاتٍ كثيرة تعاني فيها الفتاة من ظلم وليّ أمرها».
وسيلة العفة
ووصفت عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، الدكتورة عفاف النجار، ولي الأمر الذي يشترط زواج الكبري قبل الصغرى، حتى ولو أدى ذلك إلى عنوستهما معًا، بأنه محارب لله ورسوله لأنه يمنع سنة الزواج التي جعلها الإسلام الوسيلة الوحيدة للعفة وإشباع الغريزة والإنجاب، بل إن الله جعله آية من آياته فقال: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» آية 21 سورة الروم .
بالإضافة إلى مساعدته على نشر الفاحشة بسد باب الحلال وفتح باب الحرام، ليس على ابنته أو أخته فقط بل على الشباب الذين رغبوا في الزواج تنفيذًا لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاءٌ».
رفض غير مبرر
وقال الدكتور أحمد عبده عوض، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة طنطا: يعد هذا الرفض من ولي الأمر غير إنساني وغير مبرر، بل إنه بهذه العادة يحارب تعاليم الدين التي تدعو إلى العفة وترفض ربط مصائر الناس ببعضهم، وليس ذنب البنت الصغرى أن الكبرى لم تتزوج، ولهذا يجب أن يكون العلاج من خلال المحاور الثلاثة للقضية، أولها الأب فيجب أن يعرف أنه لا يجوز له أن يرفض زواج ابنته ممن يرضى دينه وخلقه بحجة عدم زواج أختها، ويعتبر هذا من العضل المخالف لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
والثاني يتمثل في البنت الكبرى التي عليها أن تتخلى عن الأنانية وتقنع والدها رفضها لتفكيره وربطه لمصير أختها بها. والمحور الثالث فهو خاص بالبنت الصغرى التي عليها أن تحاول الحصول على حقها بالعقلانية والوسائل غير الصدامية عن طريق الأقارب والأصدقاء ذوي الكلمة المسموعة لدى الأب لإقناعه بخطأ تفكيره وتحكيم القاعدة الشرعية «الضرر لا يزال بالضرر».
وأنهى عبده كلامه بقوله: «أحذر الأولياء من أن يتعرضوا لدعوات الصغيرات المظلومات، وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب».
لأن سلاحها الوحيد الدعاء إذا فشلت كل محاولات التفاهم ورفع الظلم عنها ومنعها الحياء والتقاليد من أن ترفع أمرها إلى القضاء. وننصح أولياء الأمور بأن يتبعوا تعاليم ديننا الذي يدعونا إلى التآلف والوحدة والتعاون، وخاصة داخل الأسرة بين الأب وبناته، فقال تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» آية 2 سورة المائدة.
تقاليد مخالفة
وقال الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور مبروك عطية: «للأسف الشديد بعض الآباء ليس عندهم الإحساس بالمسؤولية، وأصبحت قضية الزواج لديهم عملية تجارية، ويضعون مصلحتهم أولاً ثم يحتكمون إلى بعض التقاليد البالية وليس إلى أحكام الشرع.
ويتحكم في مصير البنات والأخوات غير المتزوجات ضعاف الذِّمَم، ولهذا يحق شرعًا لمن تتعرض للظلم، مثل من يمنعها وليها من الزواج إلا إذا تزوجت شقيقتها الأكبر منها، أن ترفع أمرها إلى وَلِيّ الأمر الذي له حق الردع إذا فشلت كل الوسائل السلمية أو التفاهم، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وخاصة مع الأولياء الذين لا يتقون الله سبحانه ولا يراعون الظروف، لأن تزويج الصغيرة قبل الكبيرة ليس مخالفًا للشرع وليس بعيب اجتماعي، وبالتالي يجب على أهل البنت إذا أتاهم من يرضون دينه وخلقه أن يزوجوه إياها، لا سيما مع رغبتها فيه وموافقتها عليه.
أما إذا منعوها من حقها ففي ذلك جناية على البنت الراغبة في الزواج من هذا الرجل، حيث منعوها ما هو حقٌ لها، لأن الحق في التزويج هو إلى البنت نفسها ولهذا قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لا تُنكح البكر حتى تُستأذَن ولا تُنكح الثيب حتى تُستأمَر».
النتيجة
ويقول مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل: «الله تعالى شرّع الزواج لمقاصد شرعية عظيمة، منها حفظ النسل ورعايته وسعادة الإنسان واستقراره وإعفاف نفسه وشريك حياته وجعل الأسرة قوام المجتمع وأساس بنائه وتكوينه، وشرع عوامل ارتباط هذا الكيان الأسري في المجتمع، وبيَّن آدابه وأحكامه، وحذَّر من كل أسباب التمزق الأسري وتفككه وجعل المودة والرحمة من أقوى روابط تماسكه وحرم الفاحشة بكل صورها ومقدماتها.
ولكن من المؤسف أن بعض الأولياء في مجتمعاتنا يمنعون تزويج البنت الصغرى قبل الكبرى ويرفضون أي خاطب قادم لابنتهم الصغرى مهما كانت إمكاناته، وذلك تأثرًا بأعراف ظالمة مخالفة للدين، والغريب أن النتيجة عنوسة الشقيقتين أو الشقيقات إذا كانت لديه بنات كثيرات».
«الكبرى تتزوج قبل الصغرى»، هذا هو الشعار الذي يرفعه بعض الآباء ويتمسكون به مهما تأخر زواج الابنة الكبرى، ومهما جاء من عرسان للابنة الصغرى! هذه الحالة الاجتماعية تولّد العديد من المآسي والمشاكل، ولذلك أعلنت الدكتورة عبلة الكحلاوي، في فتوى جريئة، أن من يمنع زواج الابنة الصغرى قبل الكبرى يخالف الشرع. فما هي أسانيدها في الفتوى؟ وماذا يقول علماء الدين؟
نظرة اجتماعية خاطئة
عن التفسير الاجتماعي لتلك الظاهرة، تؤكد أستاذة الاجتماع في جامعة عين شمس، أنها ليست مقصورة على مصر، بل تمتد إلى كل المجتمعات العربية وتعود إلى ما قبل ظهور الإسلام، إلا أن هذه الأفكار الجاهلية مستمرة حتى الآن، وخاصة في المناطق الريفية والبدوية التي تسود فيها عادات وتقاليد تكرس سلطة الرجل وتجعله متحكمًا في مصير بناته أو أخواته، ومنها منع زواج البنت الصغيرة قبل زواج الكبيرة بحجة أن هذا فأل شؤم على الأخت الكبرى التي سيزهد الرجال بها، كما أن زواج الصغرى سيجرح مشاعر الكبرى ويكسر قلبها، وهذه النظرة الخاطئة تسبب نفورًا بين الأخوات ويسود البغض بينهن بسبب الزواج، مع أن الزواج قسمة ونصيب.
ويتحمل الآباء الذنب في تعطيل سنة من سنن الحياة والوقوف في وجه من جاء نصيبها. ولهذا لا بد من التعقل، فلكل فتاة نصيبها بدلاً من أن يكون نصيب كل البنات العنوسة. ولا يحق لأحد أن ينتقد الأسرة التي توافق على تزويج الصغرى قبل الكبرى، فيجب أن يتكاتف الجميع لتغيير تلك النظرة الاجتماعية الخاطئة».
الضحية
ويحلل أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة، الدكتور يحيى الرخاوي، القضية من مختلف جوانبها قائلاً: «الضحية الأولى البنت الصغرى التي تتعرض لبعض الأمراض النفسية مثل القلق والانطواء، الأمر الذي قد يصل إلى حد الانتحار لأنها لا تستطيع أن تتكلم عما في خاطرها، أو تطالب بحقها، فتكتم كل ذلك في صدرها فتصاب بالهم والغم والحزن، وخاصة إذا علمنا أن الحياء قد يمنع البنات من التحدث عن حقهن في الزواج، كما أن بعض التقاليد قد تجعل مصيرها القتل إذا طالبت بحقها أو رفعت أمرها إلى القضاء».
ويشير الدكتور يحيى إلى أن هذه التقاليد تؤدي إلى حالة من الاحتقان النفسي بين الأختين اللتين ربط الأب أو الأخ ظلمًا مصيرهما ببعض، حتى أن الأخت الكبرى قد ترى أحياناً من خلال هذه التقاليد أن من حقها الزواج قبل الصغرى، وتحاول شحن والدها ووالدتها بأنها ستتعرض للعنوسة إذا تزوجت الصغرى قبلها.
وتزداد المشكلة تعقيدًا إذا كانت الأسرة تضم أكثر من بنت ولم تتزوج الكبرى، فإنهن جميعاً يركبن قطار العنوسة وتفترسهن الأمراض النفسية وتسوء العلاقات بينهن، وتصبح الكبرى سبب تعاسة شقيقاتها من بعدها.