لا مانع شرعاً من تعليم المرأة القرآن للرجال
د. علي جمعة, مساواة الرجل والمرأة, د. مبروك عطية, د. عبد المعطي بيومي, مفتي مصر, د. سعاد صالح, ضوابط شرعية, فتوى, علماء الدين, قراءة القرآن, د. رجاء حزين, د. محمد عبد المنعم البري
24 يناير 2011ثوابها عظيم
وأوضح الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور أحمد السايح، أنه من الأفضل أن يكون تُعلُّم القرآن للنساء على يد امرأة، وللرجال على يد رجل، لما في ذلك من البعد عن الفتنة وأسبابها، ومع هذا فإن قامت المرأة بتعليم القرآن أو غيره من العلوم المفيدة لا مانع من ذلك شرعًا، بل إن الجميع هنا يثاب من الله سبحانه وتعالي القائل: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا» سورة طه الآية 114. وكذلك قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، «خيركم من تعلم القرآن وعلّمه ». ومن يقرأ التاريخ الإسلامي سيجد هناك عشرات بل مئات من الفقيهات والمحدِّثات، كن يعلمن الرجال القرآن والأحاديث النبوية.
ونصح السايح النساء اللواتي يُعلِّمن الرجال القرآن بأحكامه المختلفة أن يستفدن في التحفيظ بالوسائل التكنولوجية، مثل المسجل أو الكمبيوتر، لتسهيل المراجعة والمتابعة للتقليل من كلام المرأة أمام الرجال إلا للتوضيح والشرح. ولكن إذا دعت الحاجة إلى قيام امرأة بالتدريس للرجال، أو قيام رجل بالتدريس للنساء وتعليمهن لعدم وجود معلمة أو لكونه مجوِّداً متقناً يعلمهن أحكام التلاوة، فلا حرج في ذلك.
ضوابط شرعية
وعن الضوابط الشرعية التي يجب مراعاتها أثناء تحفيظ المرأة القرآن للرجال، قال عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد الأسبق لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر الدكتور عبد المعطي بيومي: «الضوابط عديدة، منها أن ينسحب الرجل إذا شعر بميل قلبه الى صوت المرأة، وألا تكون هناك محادثة خاصة بينها وبين أحد الرجال بعيدًا عن مكان الدرس، وتركها التزيّنِ والتطيّبِ والتبرّجِ والخضوعِ بالقولِ أو تليينِه، لأن الراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن صوت المرأة ليس بعورة، ولكنه يتحول إلى عورة إذا كان مرتفعًا حتى ولو كان تعليم النساء للرجال، حيث يجب عليهن الالتزام بالتوجيه القرآني لنساء المسلمين، وعلى رأسهن زوجات النبي، صلى الله عليه وسلم، باعتبارهن أمهات المؤمنين: «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفًا» سورة الأحزاب آية 32».
ليس حرامًا
بدأت القضية بطلب فتوى مقدمة لدار الإفتاء يسأل صاحبها: هل يجوز لامرأة أن تُعلِّم الرجال علم القراءات القرآنية، من تلاوة ورسم مصحف ومتون وغير ذلك، لعدم وجود مختصين من الرجال في هذا العلم في ذلك المكان؟
أجاب جمعة بقوله: «كون الرجال يتعلمون من المرأة وكون النساء يتعلمن من الرجل لا مانع منه شرعًا، خاصة أن وجود النساء مع الرجال في مكان واحد ليس حرامًا في ذاته، وأن الحرمة إنما هي في الهيئة الاجتماعية إذا كانت مخالفة للشرع، كأن تُظهر النساءُ ما لا يحل لهن إظهاره شرعًا، أو يكون الاجتماع على منكر أو لمنكر، أو يكون فيه خلوة محرَّمة».
وأضاف المفتي: «نصَّ أهل العلم على أن الاختلاط المحرم في ذاته إنما هو التلاصق والتلامس، لا مجرد اجتماع الرجال مع النساء في مكان واحد، وعلى ذلك دلّت أحاديث عديدة في السنة النبوية الشريفة. كما أن انفصال النساء عن الرجال في المكان أو في التعامل المباشر ليس بفرض على نساء المؤمنين، وإنما هو خاص لزوجات النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك ما ذكره الله في قوله: «وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ» آية 53 سورة الأحزاب.
وفي هذا الحديث من الفوائد، جواز مخاطبة الأجنبية والسؤال عما يترتب عليه المصلحة. أما بخصوص تلقّي الرجال العلم الشرعي والموعظة من المرأة العالمة فقد كانت زوجات النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، يبلغن العلم وينشرن الدين، وهذه دواوين السنة في الرواية عنهن، بل وعن الطبقات من النساء بعدهن ممن روى عنهن الرجال وحملوا عنهن العلم. وقد رصد الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة» سيرة حياة ألف وخمسمئة وثلاث وأربعين (1543) امرأةً، منهن الفقيهات والمحدِّثات والأديبات. وكانت المرأة المسلمة تشارك الرجال في الحياة الاجتماعية العامة مع التزامها بلبسها الشرعي ومحافظتها على حدود الإسلام وآدابه.
حتى أن من النساء الصحابيات من تولت الحسبة، ومن ذلك ما رواه الطبراني في «المعجم الكبير» بسندٍ رجالُه ثقاتٌ، عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم قال: «رأيت سمراء بنت نُهَيْك، وكانت قد أدركت النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر»، وعلى ذلك فلا يسع أحدًا أن ينكر هذا الواقع الثابت في السنة النبوية الشريفة والتاريخ الإسلامي، ولا يصح جعل التقاليد والعادات الموروثة في زمان أو مكان معين حاكمةً على الدين والشرع، بل الشرع يعلو ولا يُعلَى عليه، ولا يجوز لمن سلك طريقة في الورع أن يُلزِم الناس بها أو يحملهم عليها أو يشدد ويضيِّق فيما جعل الله لهم فيه يُسرًا وسعة.
مساواة بين الجنسين
وأشار الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور مبروك عطية، إلى أن الإسلام حرص على تأكيد فكرة المساواة بين الرجال والنساء بالضوابط الشرعية التي لا تحلل حرامًا أو تُحرِّم حلالاً، حتى أنه وردت في القرآن الكريم كلمة رجل مفردة 24 مرة ، ووردت كلمة امرأة مفردة 24 مرة أيضًا، وهذه قمة المساواة والعدل وعدم التفرقة بينهما، على عكس من يريدون حبس المرأة باسم الدين بمنعها من حقوقها، ولو كان تعليمها القرآن للرجال، إذا توافرت لديها الكفاءة أو لم يكن هناك من يقوم بذلك من الرجال.
أصدر مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة، فتوى جريئة أكد فيها أنه لا مانع شرعًا من قيام المرأة بتعليم الرجال القرآن الكريم وعلوم الدين، وقدم أدلة شرعية تساند فتواه التي رحب بها بعض علماء الدين بينما تحفَّظ عنها البعض الآخر.
«لها» ترصد الآراء المختلفة حول تلك الفتوى الجريئة المثيرة للجدل، وتعرض الأسانيد الشرعية التي يعتمد عليها المؤيدون والتحفظات التي يطرحها المعارضون.
سد باب الفتنة
أما الأستاذ في كلية الدعوة- جامعة الأزهر الدكتور محمد عبد المنعم البري، فيعارض الفتوى مؤكدًا أن من قواعد الشرع أن الله سبحانه تعالى إذا حرَّم شيئاً حرَّم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه تحقيقاً لتحريمه ومنعاً من الوصول إليه أو القرب منه. ومن المتفق عليه أن الوقاية خير من اكتساب الإثم والوقوع في آثاره المضرة بالفرد والجماعة. ولو حرَّم الله أمراً وأبيحت الوسائل الموصلة إليه لكان ذلك تناقضًا ونفيًا للتحريم، ولهذا قال الله عز وجل « وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً» آية 32 سورة الإسراء. والإسلام هنا حرَّم الطرق المؤدية للفاحشة، ومنها اختلاط الرجال بالنساء بأي صورة كانت، ولو كان ذلك بتعليمها القرآن لهم، لأن هذا يتطلب منها كثرة الكلام وتليين وترقيق الصوت لإظهار الأحكام القرآنية. وصدق رسول الله، صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، إذ يقول: «مَا تَرَكْتُ فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» وقال أيضًا: «فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي النِّسَاءِ». ومن ثمَّ فإن الشيء الذي نخشى منه التهلكةَ والفتنةَ فحكمه المنعُ والحَظْرُ.
الأفضلية بالتقوى
وتقول مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية: «من يتأمل نصوص الإسلام يجدها تؤكد وحدة الأصل والنشأة بين الذكر والأنثى، فقال تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا» الآية الأولى من سورة النساء.
وأكد الله المعنى نفسه فقال أيضًا: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف» سورة البقرة آية 228.
كما جاء في الحديث قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال». ومن ثمَّ فإن الرجل والمرأة سواء أمام الله، ورُبَّ امرأةٍ تقيةٍ أكرمُ عند الله من الرجل، لأن المقياس هو التقوى وليس النوع، فقال تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» سورة الحجرات آية 13. والمرأة هنا معلمة أفضل ما يمكن أن يتعلمه بشر وهو القرآن الكريم».
وردت مفتية النساء على من ينكرون على المرأة أن تُعلِّم الرجال القرآن بالأدلة الشرعية قائلة: «ماذا يقول هؤلاء في قول الله تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ» سورة الزمر الآية 9. وقوله سبحانه: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» سورة المجادلة الآية 11. وقوله، صلى الله عليه وسلم: «ما عُبد اللهُ بشيء أفضل من فقه في الدين». وقوله: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم». وقوله: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض وحتى النملة في جُحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير».
ويكفي معلمي العلم، سواء كانوا نساء أو رجالاً، ما قاله، صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضعُ أجنحتها لطالب العلم ِرضىً بما يصنعُ، وإن العالِمَ ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراَ ولا درهماَ وإنَّما ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر».
الضرورة القصوى
ويقول عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ يوسف البدري: «حرَّم الإسلام جميع الأسباب والطرق والمقدمات التي تؤدي الى الوقوع في الفاحشة. ومن تلك الدعاوى إباحة اختلاط النساء بالرجال، لأن الله تعالى جعل كلاً من الرجل والمرأة يميل إلى الآخر مع وجود ضعف فيهما تجاه بعضهما، فإذا حصل الاختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيئ، لأن النفوس أمَّارة بالسوء، والهوى يُعمي ويصمّ، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر، ولهذا حرص المشرِّع على التباعد بينهما وعدم الاختلاط حتى في أماكن العبادة كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيداً عما يتعلق بالدنيا.
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»، وذلك لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف».
وأنهى كلامه مؤكداً أن الإسلام لا يجيز أن تخلو المرأة برجل أجنبي عنها، ولو كانت محتشمة في لباسها ومظهرها أو حتى تعلمه القرآن، وفي ذلك جاء قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما». أما إذا كانت هناك ضرورة قصوى تقتضي قيام امرأة بتعليم القرآن للرجال فليكن ذلك من وراء حجاب ودون رؤية مباشرة لمنع الفتنة والوسائل المؤدية إليها، ولنتأمل هذا التوجيه الإلهي الذي ليس خاصًا بنساء النبي فقط بل لكل المسلمات، لأن نساء النبي هن أمهات المؤمنين والقدوة فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا» سورة الأحزاب آية 53.
صوتها ليس عورة
وتؤكد عميدة كلية الدراسات الإسلامية في القليوبية الدكتورة رجاء حزين، أن صوت المرأة ليس بعورة على الصحيح من كلام أهل العلم، وخلاصة ما ذكره العلماء أن سماع صوت المرأة الأجنبية جائز ما لم يكن فيه خضوع بالقول وما لم يؤد سماعه إلى الوقوع في الفتنة.
وينبغي للمرأة قراءة القرآن على الرجال الأجانب الذين يسمعون قراءتها، والقراءة يجب أن تكون بصوت ليس فيه تلحين وتحسين مما يجر بعض الرجال إلى التلذذ بصوتها والافتتان به. وهناك وسائل أخرى للتعليم ينبغي الاستعانة بها، مثل أجهزة التسجيل والكمبيوتر للتقليل من مدة كلامها وسد أي باب للفتنة، وإذا لم تتوافر تلك الأجهزة فإن تعليمها القرآن للرجال ليس حرامًا مادام ذلك يتم بالضوابط الشرعية.
الاختلاط المباح
ويردُّ وكيل وزارة الأوقاف المصرية الدكتور سالم عبد الجليل على من يصفون تعليم المرأة القرآن للرجال بأنه نوع من الاختلاط المحرم قائلاً: «كلمة «اختلاط» لفظ مستحدث في عصرنا، بدليل أن هذه الكلمة لم تستعمل في أي موضع من القرآن الكريم، سواء بلفظها أو مدلولها، ولم ترد في أي حديث نبوي ولا في أي كتاب من كتب الفقه والتشريع أو النصوص الإسلامية. ولهذا نجد الإسلام أباح للمرأة الخروج للصلاة في المسجد، والمشاركة في الجهاد مع الرجال، ومداواة الجرحى، والخروج للعمل بضوابطه الشرعية. وهكذا فإن مفهوم الاختلاط المباح في الإسلام هو ذلك الاختلاط المأمون، ويكون لأسباب طبيعية وتتحقق خلاله مصالح اجتماعية أو اقتصادية، وكفل الإسلام للمرأة حقوقها في طلب هذه المصالح في ظل الآداب والأخلاق».