العميدة رشيدة المغربي أخت دلال المغربي

حربي العامري, الرئيس الفلسطيني محمود عباس, سيرة حياة, الزيف الإسرائيلي, حزب الله, رشيدة المغربي, دلال المغربي, شهيد / شهداء

16 فبراير 2011

مر عيد ميلاد الشهيدة دلال المغربي قبل يومين من دخولنا العام 2011، لذلك ارتأت «لها» أن تستعرض أهم المحطات في حياة دلال المغربي الإنسانة، ماذا كانت تحب؟ وماذا كانت تكره؟ وألوانها المفضلة، وألعابها، والحب في حياتها، وغيرها من الأمور، وذلك من خلال إجراء حوار مع أختها العميدة رشيدة المغربي مساعدة المفوض السياسي العام في التوجيه السياسي والوطني، والمقيمة حالياً في فلسطين.

التقينا العميدة المغربي في منزلها في مدينة رام الله، وبدأت حديثها عن حياة أختها الشهيدة دلال المغربي بقولها: «ولدت دلال في  29-12-1959، وكانت طفولتها سعيدة جداً. والدنا كان يحاول أن يسعدنا، وحتى جيراننا كانوا طيبين جداً. وكانت علاقة دلال مع أمناً دافئة جداً، فدلال كانت تساعد أمي في أعمال البيت أكثر مني، وكانت تتلقى الرعاية والاهتمام أكثر منا. ودلال هي توأم أخي محمد، وهي كانت حنونة عليه، وكانت تحب المرح لذلك كسبت حب الجميع لها. وفي تلك الأيام كنا نحب أن نرسم ونلون ولم تكن الألعاب تستهوينا، كنا نلعب الألعاب الرياضية مثل الحجلة والغميضة وغيرهما، لأن اللعب مع أصدقائنا الأطفال أهم  برأي دلال، ولم يكن لديها اهتمام باللعب مع الدمية. كنا في أيام العطل نذهب إلى بيتنا الآخر في جبل صوفر، وهناك يوجد منزلقات وكهوف وأحراج الصنوبر. وعندما كان احدهم يعطينا دمية، فإننا كنا نضعها في البيت الى جانب السرير لأن الدمى كانت في نظرنا فقط للزينة. وكان لدلال صديقات من المدرسة كن يلعبن ويدرسن معاً، فقد كان لها شعبية بين صديقاتها... كانت دلال تحب أكلة اللوبياء. ودلال كانت تشبه أمي، وتحب الماكياج الهادئ... عندما جاء المخاض إلى أمنا وهي حامل بدلال لم يكن هناك مستشفى بل داية التي كنا نولد على يدها، وعندما ولدت دلال كانت الداية تهم بالخروج من منزلنا، ولكن جدتي اكتشفت أن هناك مولوداً آخر هو توأم لدلال. وعادت الداية لكي تخرج أخي محمد وشدت يده بقوة فأصيب حينها، وبقي مريضاً لفترة».

واصلت رشيدة المغربي حديثها بقولها: «نحن ولدنا في لبنان وكان هناك وعي أننا فلسطينيون. واكتشفنا بعد أن أصبح عمر دلال 10 أن هناك فرقاً بين فلسطيني ولبناني، فبدأت دلال بعدم اللعب مع أبناء الجيران، وكنا نستغرب ونتساءل لماذا بنات خالاتنا لسن مثلنا؟ وعلمنا في ما بعد أنهن لبنانيات، وهذا جعلنا ننطوي قليلاً، وبدلاً من الخروج للعب أصبحنا ننتظر والدنا الذي كان يعمل متعهد إنشاءات، حتى يحكي لنا القصص عن فلسطين، وسبب وجودنا في لبنان، وأين هم أعمامي ، لأننا كنا نعرف من هم أهل أمي لأنها لبنانية أما أهل أبي فلم نعرفهم لأنهم فلسطينيون».

صمتت رشيدة المغربي قليلاً ثم أضافت: «كنا نأكل كل شيء وكنا نزرع في الجبل شجراً، وكانت دلال تحب الفواكه كثيراً. وبالنسبة الى الألوان كانت تحب البرتقالي، وأنا أحب الأزرق السماوي. وكنا نحب لبس الجينز، وفي الأعياد كنا نفضل ارتداء الجينز على ارتداء فساتين العيد... وصلت دلال الى المرحلة الثانوية، ولم تنقطع عن الدراسة حتى في الحرب. وفي وقت إغلاق المدارس كانت تقرأ الكتب، وكانت أول مجموعة قاتلت معها الكتيبة الطلابية. وبقيت دلال معها منذ العام 1975 وحتى العام 1977. وعندما حصلت الحرب ذهب أهلي إلى بيتنا في الجبل وبقينا أنا ودلال في بيروت، وكنت أشارك في بيروت والجنوب ودلال كانت مع الكتيبة الطلابية».

وتنهدت رشيدة المغربي وتابعت حديثها عن دلال، فقالت: «في العام 1975 كان عمر دلال أربع عشرة عاماً. وقتها تزوجت وتمت خطبة دلال من أحد المناضلين الفلسطينيين، وقد تم ذلك في اليوم نفسه، وأرغمنا أهلي على إقامة العرس وحفلة الخطبة في البيت. يومها كان ثوب عرسي أزرق، وثوب خطبة دلال برتقالياً. ولم استمر بعد ذلك بزواجي وتم طلاقي وعدت الى بيت أهلي كما أن دلال تركت خطيبها لأنه عارض عملها القتالي. ولم تتبادل دلال الرسائل مع خطيبها قبل الزواج، ولكنها أحبت خطيبها لأنه كان وطنياً ومناضلاً وفلسطينياً، وأخلاقه ممتازة، وهذا كان الحب الوحيد في حياة دلال. وبعد انفصالها تابعت دلال مسيرتها القتالية وبقيت لمدة عشرة شهور في معسكرات التدريب على عمليات القوات الخاصة، وكنت في إجازتي اذهب إلى المعسكر حيث توجد دلال».

وسكتت رشيدة قليلاً ثم تابعت كلامها قائلة: «كانت دلال تعود إلى منزلنا باللباس المدني، ووالدنا كان متطوعاً في الهلال وكان أيضا مسؤول إنشاءات. وكنا نتوسل اليه ليدخلنا إلى الهلال الأحمر كممرضتين، وقد وافق الدكتور فتحي عرفات رحمه الله برغم صغر سننا على أن نتدرب. وعندما انهينا فترة التدريب أصبحنا ممرضتين، وكان ذلك في عام 1973 أي قبل الحرب، وكان أهلنا يعتقدون أننا في الهلال، ولكننا كنا نذهب إلى المعسكرات، وأهلنا كانوا في بيتنا في الجبل. ولم تظهر دلال بلباس عسكري إطلاقا، والجميع صدموا عندما قامت بتلك العملية، فهي لم تكشف عن جانبها العسكري.
وفي شهر 12 من العام 1977 كان موعد انطلاق العملية لدلال ورفاقها. وجاءت لكي تودع العائلة وقد حضرت عيد ميلاد أخي الصغير، وقالت لي حينها: «هذا آخر عيد ميلاد أحضره»، وكانت عيناها حمراوين. ولكن بعد يومين عادت، وقالت «إن العملية أجلت لأن الأحوال الجوية كانت سيئة. وفي شهر 3-1978، أخبرتني دلال أن العملية قريبة، وكان لدي صورة بلباس عسكري، وقالت لي لا يوجد لدي مثل هذه الصورة، وقلت لها خذي ثيابي ولكنها رفضت لأن ثيابي اصغر من ناحية المقاس. وقالت لي في الصباح سنذهب الى المصور لكي يلتقط صورة لي، وفعلاً هذا ما حصل، وأوصلتها إلى موقف الحافلات. وكانت تلك آخر مرة رأيتها فيها. كانت سعيدة وهي تودعني وكنت أحسدها على سعادتها تلك، ولم توصِني بشيء لأنها كانت تعتقد أنني سأستشهد بعدها، ومن ثم عدت إلى المكتب في أمن الرئاسة وبقيت صامتة، وبعد مضي ثلاثة أيام كنت في الدوام في الساعة الحادية عشرة ليلاً، وكنت أحمل دائماً راديو صغير الحجم، وسمعت في الأخبار أن عملية فلسطينية وقعت. حينها تأكدت أن دلال فيها، وعند الساعة 12 ليلاً غادرت المكتب لأعود الى البيت، وفي الطريق التقيت الأخ أبو الطيب الذي قال إن هناك ما يريد أن يخبرني به، فقلت له أعلم ما ستخبرني به، وقال لي لا تقولي شيئاً للأهل، ووافقت على ذلك. وعندما وصلت إلى البقالة قبل بيتنا، رآني جارنا وأبي الذي صرخ وهو يستمع إلى الراديو قائلاً لي: «تعالي اسمعي الأبطال شو عملوا بفلسطين»، ولم أعلّق. سألني أبي: هل تعرفين أحداً من المشاركين في العملية؟ فقلت لأبي: انني أريد أن أنام ودخلت البيت ومن ثم إلى غرفة النوم».

واصلت رشيدة الحديث: «وفي اليوم التالي بدأ الناس قراءة المناشير التي وزعت عن العملية، وفي المنشورات كانت هناك صورة لدلال ولكنّ أحداً لم يعرفها، لأن دلال أخذت الصورة أثناء التدريب في المعسكر وكان شعرها منكوشاً. وأخذ أخي محمد احد المنشورات ونظر فيها وشعر بأنها صورة دلال، وقال «هذي البنت بتشبه دلال أختي»، وقال هذا أمام أمي، فدققت أمي في الصورة التي في المنشور، وقالت: «لا لا لا هاي مش بنتي، بنتي حلوة». وبدأت تبكي وترجف، وبدأت تقول «وينا بنتي» وتبكي بحرقة. وكان مكتوباً تحت صورة دلال اسم دلاله بناء على الإعلام الإسرائيلي. وفي حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا بدأ الناس المجيء إلى بيتنا، ولكنني لم أؤكد أن دلال في العملية. وجاء الرئيس الشهيد الراحل ياسر عرفات إلى بيتنا في الساعة الأولى بعد الظهر وبرفقته سعد صايل وأبو جهاد الوزير، وعندما رأتهم أمي بدأت تصرخ وتضرب بنفسها، وطلب مني أبي بعدها أن أخبر الأقارب. وعندما ذهبت لتبليغهم، منهم من كان سيضربني، ومنهم من صدم، ومنهم من شتمني، لأنهم لم يصدقوا ما قلته لهم، لأن دلال هادئة جداً ومرحة، وبعد فترة صرت اشعر أن دلال ترافقني في الشارع، وفي اليوم الرابع على استشهادها جاء وفد من منظمة التحرير والصليب الأحمر، وسألوا أبي إذا كان يريد تسلم جثمان دلال، فقال لهم نحن نريد أن تدفن دلال في مقبرة الأقصى».

وتابعت رشيدة حديثها والغصة في حلقها: «بعد أسبوعين حصل الاجتياح لجنوب لبنان وتحديداً بعد العملية التي قامت بها دلال مع رفاقها، ومباشرة سافرت إلى بريطانيا، على أساس أن دلال ستدفن في الأقصى وان الشيوخ سيستلمون الجثة في القدس. ومن ثم سجنت 12 عاماً وتم ترحيلي من بريطانيا إلى الجزائر. وفي العام 1993 زارتني زوجة سفيرنا في الجزائر، وبرفقتها السيدة ياسمينا هي زوجة السفير الجزائري السابق في النروج، وقالت لي إن الإسرائيليين اخرجوا جثمان دلال من الثلاجة ودفنوها في مقابر الأرقام، فصدمت، وأبلغت ياسر عرفات بذلك. وفي تلك الأثناء بدأت مفاوضات أوسلو السرية ووعدني ياسر عرفات بأنه ستكون لدلال جنازة مهيبة تليق بها كبطلة وعروس لفلسطين. وعندما حصل اتفاق أسلو وعدني أبو عمار بالعودة إلى فلسطين، ولكن إسرائيل رفضت».

واختتمت العميد المغربي اللقاء: «في العام  2009 حصل تبادل أسرى بين حزب الله واسرائيل، وكنت قد أبلغت في العام 2008 بأن أعود الى لبنان لأن رفات دلال ضمن صفقة التبادل، وتمت عملية التبادل، ولكن بعد اخذ عينة من دم والدتي اتضح أن الحمض النووي غير متطابق مع دلال. ومع بداية عملية التبادل قالت الصحف الإسرائيلية إن الطب الشرعي أكد انه لا يوجد أنثى في المجموعة، وفي خبر آخر قالوا أن انهيارات أرضية جرفت جثمان دلال، وهناك أناس قالوا إنهم شاهدوا كلاباً تنهش الجثمان. وهناك تقرير آخر جاء فيه أن دلال لم تدفن في مقابر الأرقام وفق تصريحات الحاخامات العليا التي أصدرت قرار بمنع إراحة أرواح الشهداء، أي دلال ورفاقها، وذلك بناء على نظرية الديانة اليهودية التي تقول إن الأرواح لا ترتاح إلا إذا دفنت الأجساد. وأنا أقول أن دلال لا تزال في الثلاجات. وخلال عشرة اشهر كنا نحضر أنا وأمي لعرس دلال ودفنها، ولكن بعد مضي العشرة اشهر، ماتت أمي، ودفنت في القبر الذي كان معداً لدفن جثمان دلال فيه، علماً ان أمي كانت تتمتع بصحة جيدة. وأتساءل هنا أليست دلال إنسانة ومن حقها أن تدفن؟ متى ستدفن دلال؟».