في زواج الابتعاث المرأة تدفع الثمن!
الحياة الزوجية, الطب الشرعي, د. محمد رأفت عثمان, د. مهجة غالب, د. آمنة نصير, ملكة يوسف زرار, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, د. سعاد صالح, علماء الدين, د. محمد عبد المنعم البري, زواج الابتعاث, د. سالم عبد الجليل
28 فبراير 2011المدة
ويشير الدكتور سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف، إلى أن زواج الابتعاث إذا اكتمل الشروط والأركان فهو صحيح، ولكن إذا كان محدداً بمدة السفر فهو يدخل في دائرة زواج المتعة، وإذا كانت فيه نية الطلاق ولم تُعلَن فقد اختلف العلماء بين تحليله أو تحريمه. ويكمل: «لا أحبذ هذا النوع من الزواج، حتى ولو كان مكتمل الشروط والأركان من الناحية الشرعية، لأنه يظل زواجاً على ورقة طلاق وتنتهي مدته بانتهاء البعثة، وبالتالي فإنني أراه نوعاً من العبث الذي لا يجيزه الشرع، لأن السفر والابتعاث ليسا مسألة حياة أو موت حتى تضطر المبتعثات لهذا الزواج. وأقترح استبدال المِحرم بالصحبة الآمنة إذا كان يصعب وجوده، أو تفكير الدول الغنية في إنشاء جامعة للمبتعثات في الداخل، أو فروع للجامعات العالمية لديها، ويتم التواصل والاستفادة من المحاضرين في الخارج من خلال الإنترنت».
مع ازدياد أعداد المبتعثات، واشتراط بعض الدول وجود محرم مع الفتاة حتى تسافر الى الخارج، تضطر بعض الفتيات للزواج لمجرد تحقيق حلم السفر، وهو ما يطلق عليه زواج الابتعاث الذي كان أخيراً موضوعاً لاستطلاع موسع في المملكة العربية السعودية شاركت فيه مئات الأسر السعودية، فرفض 93 في المئة منها قبول تزويج بناتها لمجرد الالتزام بشرط المحرم للسفر. وأكدت الأسر أن ما بني على باطل فهو باطل، وأن الغرض الأساسي من الزواج هو الاستقرار، بينما وافقت 7 في المئة من الأسر على هذا الزواج بحجة أن احتمال فشل الحياة الزوجية قائم في كل الأحوال، سواء كان زواج ابتعاث أو غيره، فماذا يقول رجال الدين عن هذا الزواج؟
تحايل مرفوض
ويؤكد الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة، معارضته لزواج الابتعاث الذي وصفه بأنه «نوع من التحايل على الشرع، حتى ولو تم ذلك برضا وقبول الزوجين وأسرتيهما والمهر والشهود والإشهار. فهو يظل مفتقداً لشرط جوهري غير معلن، وهو نية الزوج الغدر والخداع بعد انتهاء بعثته، وينسى أن الله هو المطلع على الأسرار وما في داخل النفوس، لأنه سبحانه القائل: «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» آية 19 سورة غافر. ولهذا أرى أن اشتراط وجود محرم يرافق المبتعثة إلى الخارج يجب ألا يكون سبباً لأن تتزوج زواجاً محكوماً عليه بالفشل، وستكون هي ضحيته الأولى لا محالة، في حين سيمضي الزوج إلى حال سبيله بعد أن يطلقها ويدفع المؤخر».
الصحبة الآمنة بدلاً من المحرم
في البداية تقول الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية: «الإسلام دين يسر لا عسر، شرط ألا يؤدي ذلك إلى تحليل حرام أو تحريم حلال. من هنا تأتي أهمية الصحبة الآمنة بدلاً من المحرم إذا لم يكن متوافراً أو فيه صعوبة، وذلك محافظة على مستقبل المبتعثة وتشجيعها على طلب العلم، وذلك لأنه الشيء الوحيد المطلوب الاستزادة منه، فقال تعالى: «وقلْ ربِّ زدني علماً» آية 114 سورة طه. وقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة». ويجب على علماء الدين التيسير بما لا يخل بالضوابط الشرعية، بإتاحة الفرصة للطالبات لاستكمال تعليمهن، والبعد عن زواج الابتعاث الموقت الذي هو نوع من زواج المتعة، لأنه لغرض معين ولفترة معينة، حتى ولو لم يعلن الزوج ذلك، لأنه في هذه الحالة يكون آثماً شرعاً، لأنه خالف شرطاً أساسياً في الزواج الشرعي، وهو أن الأصل في الزواج في الإسلام الدوام، وذلك لبناء أسرة مستقرة. أما زواج الابتعاث ففيه مخالفة للشرع، لوجود نية عند الزوج أو حتى باتفاق الزوجين أنه لمدة الابتعاث فقط، وبالتالي فهو مدعاة للتلاعب بالزواج لتحقيق المنافع».
زواج صوري
وتصف الدكتورة ملكة يوسف زرار، أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة، زواج الابتعاث بأنه «زواج صوري» محدد بمدة البعثة وينتهي حتماً بالطلاق بعد أن يصل كل طرف إلى مصلحته أو غايته، حتى أن كلاً من الزوجين قد يعيش حياته بشكل مستقل تماماً، ولا يربط بينهما سوى ورقة الزواج التي تم تحريرها كنوع من التحايل على القوانين، ولهذا فهو زواج باطل حتى وإن دافعت عنه المبتعثات وقلن إنه شرعي من حيث الشكل العام. ولكن أين هذا الزواج الذي هو للمصلحة فقط من الزواج المستقر الذي جعله الله آية من آياته، فقال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم.
وتضيف الدكتورة ملكة: «لا تُقبل على زواج الابتعاث إلا امرأة تهرب من التعقيدات الإجرائية إلى فعل يخرجها من الأزمة، ولو على حساب كرامتها وعزة نفسها ومكانتها اللائقة في نظر زوجها الذي انتهز حاجتها هو الآخر ويفرض شروطه ويستغلها ويفرض مبالغ مالية عليها ليبقي ورقة الزواج قائمة، وبالتالي تظل تحت رحمته ولا ينفق عليها ويجعلها أسيرة له، لأنه زواج مصالح من البداية وليس مودة ورحمة. وأنا أحذر جميع الفتيات من نوعية الرجال الذين ينتهزون حاجتها إلى هذا الزواج».
مساومة دنيئة
وتقول مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية: «المبتعثة قد تفكر في الاتفاق مع رجل على استئجاره مدة البعثة، وتدفع له ما يريد مقابل عقد الزواج عليها حتى تتمكن من السفر، وبمجرد سفره معها يصبح كل منهما حراً طليقاً يفعل ما يشاء. ويستمر هذا الوضع حتى انتهاء البعثة، ولا قيمة هنا للأخلاق أو الدين أو التكافؤ في المستوى المادي أو الاجتماعي أو التعليمي أو العمري. بل إن المبتعثة، للدكتوراه مثلاً، قد توافق على الزواج من شخص لم يكمل تعليمه الأساسي. ولهذا أراه أقرب الى مساومة دنيئة تحاول أن تتخذ لها غطاءً شرعياً. فهل نتوقع هنا زواجًا سعيدًا يصمد أمام الظروف، خاصة أمام ضغوط الغربة والدراسة»؟.
وتحذر الدكتورة سعاد من أن المبتعثة «قد تنحرف إذا كان هذا هو الجو الذي تعيش فيه في الخارج، وفي مجتمعات غير إسلامية يسهل فيها الانحراف الأخلاقي. ولا بد من الاعتراف بأن غالبية المبتعثات هن في سن المراهقة أو الشباب، وبالتالي فهن عرضة للانحراف الأخلاقي مع كثرة المغريات في الغربة وسهولة الانجراف، لهذا قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» آية 21سورة النور. وبالتالي تكون المبتعثة قد هربت من مشكلة بمشاكل، ولأن ما بني على مصالح لا بد أن ينتهي بانتهاء المصلحة، أياً كانت الخسائر التي ستدفعها المرأة، التي كان أكرم لها ألا تسافر من الأساس على أن تمتهن كرامتها في زواجٌ قائم على المصلحة بالأساس نتائجه سيئة، وتدفع المرأة ثمنها وحدها».
خيار صعب
ويشير الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إلى «أننا لا نستطيع القول إن هذا الزواج باطل من الناحية الشرعية مادام مكتمل الشروط والأركان، ولم يعلن الزوج أن زواجه موقت. ومع هذا أؤكد أن المرأة غير الرجل، فهي لا تستطيع أن تقرر متى تنفصل أو متى تنجب في هذا الزواج، كما أنها إذا ما طُلقت فإن أعرافنا الاجتماعية لن تجعل الرجال يقبلون على الزواج منها، حتى ولو كانت تحمل الدكتوراه، إذا أشيع عنها أنها كانت متزوجة زواجاً غير طبيعي أثناء سفرها للبعثة. وبالتالي فإن هذا الزواج فيه تضحية بكرامة المرأة وحياتها، لأننا وضعناها أمام خيار صعب اذ عليها أن تختار بين طموحها وأحلامها وكرامتها وحياتها. ومن ثم فهو علاج مشكلة بمشكلة أكبر، ولهذا لابد من إعادة النظر في الأنظمة والقوانين التي تقيد المرأة بهذا الشكل وتجعلها مضطرة لأن تتحايل على هذه الأنظمة بطرق قد تؤدي بها إلى التهلكة، مما قد يقضي على طموحها».
مرفوض
وتؤكد الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد، أنه «رغم اكتمال زواج الابتعاث للناحية الشرعية، يظل غير مكتمل من حيث الفوائد، وليس مثالياً، ويفتقد الاحترام للمرأة التي غالباً ما تدفع وحدها فاتورة هذا الزواج وتبعاته، إذا قرر الزوج الطلاق بعد انتهاء البعثة. ويزداد الأمر سوءاً إذا أثمر هذا الزواج أولاداً، ولهذا فهو من الناحية الشرعية أقرب الى الباطل، لأنه لا تتوافر فيه أسس وأحكام الزواج المستقر، من حيث التأقيت وخداع الزوج لمن تتزوجه وفي نيته الطلاق، أو باتفاقهما معاً على أنه زواج موقت لفترة البعثة فقط».
وتضيف الدكتورة عبلة أن «الزواج مسؤولية وشراكة تبنى على العواطف وليس على المصالح الدنيوية، ومن المرفوض شرعاً تقييد الزواج بفترة معينة، كما أن عذاب الغربة ليس مبرراً لإقامة زواج عليه محاذير شرعية. لذا أحذر من هذا النوع من الزواج، وأنصح المبتعثين والمبتعثات بحفظ أنفسهم وتحصينها».
التيسير بضوابط
ويدعو الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، إلى الاستفادة من اجتهادات كبار الفقهاء في القضية، مثل الدكتور يوسف القرضاوي الذي أفتى قائلاً: «لقد بحث الفقهاء في هذا الموضوع عند تعرضهم لوجوب الحج على النساء مع نهي الرسول، صلى الله عليه وسلم، أن تسافر المرأة بغير محرم، فمنهم من تمسك بظاهر الأحاديث المذكورة فمنع سفرها بغير المحرم، ولو كان لفريضة الحج، ولم يستثنِ من هذا الحكم صورة من الصور، ومنهم من استثنى المرأة العجوز التي لا تُشتهى، ومنهم من استثنى من ذلك ما إذا كانت المرأة مع نسوة ثقات، بل اكتفى بعضهم بـ«حُرّة مسلمة ثقة»، ومنهم من اكتفى بأمن الطريق.
وإن ما حُرِّم لذاته لا يباح إلا للضرورة، أما ما حُرِّم لسد الذريعة فيباح للحاجة. ولا ريب أن سفر المرأة بغير محرم مما حُرّم سدًّا للذريعة». ويكمل الدكتور مبروك كلامه قائلاً: «الحل من وجهة نظري تشجيع المبتعثين والمبتعثات على الزواج قبل تجربة الابتعاث، والتشديد على التربية الدينية والأخلاقية، ومصاحبة أهل الخير والصلاح. وإن الله هو المطلع على السرائر، والمحاسب عليه، لقوله تعالى: «وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ» آية 284 سورة البقرة. مع التأكيد أن الإسلام يأمر بالتعلم والسفر والاجتهاد في تحصيل النفع لكن بالضوابط الشرعية، وأهمها عدم التحايل على القوانين بمثل هذا الزواج».
الصحبة الآمنة
وحذرت الدكتورة مهجة غالب، رئيسة قسم علوم القرآن في جامعة الأزهر، من القوانين المتشددة التي تشترط وجود محرم للمبتعثة ولا ترضى لهذا بديلاً من الصحبة الآمنة من بنات جنسها، مما قد يدفع الراغبة في الابتعاث إلى القبول بالزواج من مبتعث خروجاً من الأزمة وتحايلاً على القانون. وبعد الابتعاث تندم المرأة بعد أن تصبح مُطلَّقة وتعول، ووقتها لا ينفع الندم، فضلاً عن أنها قد تتعرض للابتزاز والمهانة أثناء الزواج، ولا تستطيع الرد حتى لا يطلقها، وتنتهي بعثتها إذا لم تستطع أن تجد لها محرماً.