لا طاعة للزوج الهاجر زوجته ظلماً
مشكلة / مشاكل الزواج, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, علماء الدين, حقوق الزوجة , خلافات العائلات, د. عبد الحي عزب, قضية / قضايا الزواج, حسن الشافعي
18 أبريل 2011الحياة الطبيعية أو الطلاق
وأكد عميد كلية الدراسات الإسلامية في بني سويف الدكتور عبد الحي عزب، أن الإسلام «حرص على العدل بين الزوجين عن طريق تحديد الحقوق والواجبات المتبادلة بينهما، ومن ثم لا يجوز للرجل أن يعاقب زوجته بالهجر بلا مبرر، وإلا كان آثماً شرعاً، ويجوز للحاكم إنزال عقوبة به إن استمرّ في ظلمه لزوجته، كأن يهجرها أكثر من أربعة أشهر، وذلك بتخييره بين أن يرجعها إلى حياتها الطبيعية أو أن يطلقها، لأنه مع الأسف بعض الرجال يفقدون إنسانيتهم تماماً ويتناسون أن هذه الزوجة بشر لها حاجاتها كما للرجل، ومن حقها أن تلبي حاجاتها عن طريق الشريعة وفي ضوء كتاب الله وسنة رسوله، خاصة أن الزوج قد يكون متزوجاً بأكثر من واحدة في حين أن هذا محرم على المرأة. ولهذا ليست هناك طاعة للزوج الهاجر لزوجته ظلماً وعدواناً».
العودة أو الطلاق
في البداية، عرَّفت الدكتورة عبلة الكحلاوي الزوج الهاجر بأنه الزوج الذي يترك الزوجة بدون معاشرة وبدون طلاق. وقد يكون الهجر عقاباً للزوجة أو بقصد الإغاظة. وهناك فرق بين هجر المرأة وتركها كالمعلّقة، لأن الهجر يكون في بيت الزوجة نفسه، في حين تبقى المعلّقة غالباً خارج البيت، فلا هي متزوجة ولا هي مطلّقة.
وأشارت إلى أن طاعة الزوج واجبة على الزوجة إذا كان زوجها يؤدي ما عليه من حقوق، أما إذا اتصف بعدم الخوف من الله تعالى، وكان جاهلاً بأحكام الإسلام في معاملة زوجته، فيهجرها بلا سبب وجيه، فلا طاعة له عليها، وخاصة إذا أمرها بمعصية، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وطالبت القضاة وعلماء الدين بالتدخل لحل الخلافات العائلية وقول كلمة الحق، لأن المرأة في كثير من الأحيان تكون الطرف الضعيف مع زوج شرس وعدواني، وهذا ما يتنافى مع الخطاب الإسلامي للزوجين بأنهما فردان أساسيان في مؤسسة الزواج، ولكل منهما حقوقه وكرامته.
وحذرت الأزواج من الحِلف على هجر الزوجة، وخاصة في المعاشرة بقصد الإضرار بها، لأن هذا يتنافى مع الأمر في قوله تعالى: «لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ». الآيتان 226 -227 من سورة البقرة. وقد أعطى الإسلام الزوج هذه المدة، وهي أربعة أشهر، كحد أقصى أما الأقل فهو جائز مع كراهية ذلك. لكن إن استمر الزوج على عناده وهجر الزوجة أكثر من أربعة أشهر، فلها رفع أمرها إلى القضاء ليخيِّر زوجها بين العودة أو الطلاق، وإن امتنع عن الأمرين يمكن حبسه.
الصبر
وتعجب أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا الدكتور أحمد عبده من سلوكيات بعض الأزواج الذين يقصرون في حق زوجاتهم، ويطلبون منهن الطاعة المطلقة، ومع هذا تُنصح الزوجات المهجورات بالصبر، وأن يتقين الله في أزواجهن حتى ولو عصوا الله فيهن، لأنهن مثابات من الله في حين يأثم الأزواج الهاجرون لزوجاتهم، لأنهم يجهلون أن الزواج عقد شرعي قائم على شروط العدالة والمحبة والتفاهم، وليس سجناً من الزوج للزوجة أو العكس.
وليس من حق الزوج تحويل الزواج إلى سجن لإذلال المرأة وهجرها وحرمانها من حياتها، وإلا يصبح إنساناً لا يعرف دينه وليس عنده ضمير أصلاً.
ويضيف عبده: «لا أريد أن أشجع على طلاق النساء، وإنما أنصحهن بالصبر ما استطعن لوجه الله. ويجب على الزوج أن يحترم كرامة زوجته وشرفها داخل المنزل وخارجه».
التزام الزوج
ويذكر الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور مبروك عطية أن طاعة الزوج «ليست مطلقة، وإنما مرتبطة بواجباته والتزامه بشرع الله الذي حدد حقوق كل من الزوجين على بعضهما، ومنها حق الزوج في أن تطيعه زوجته إذا كان يتقي الله فيها، أما إذا عصى الله فيها فلا طاعة له عليها. فقد جاءت امرأة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة، فقال لها: تطيعه ولا تعصيه ولا تتصدق من بيتها إلا بإذنه ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، أي جمل، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن خرجت بغير إذنه لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيتها.
قالت: فمن أعظم الناس حقاً على المرأة قال: زوجها. هذه الحقوق ليست من طرف واحد بل يقابلها واجبات على الزوج، وهو ما يدخل في إطار قول الله عز وجل: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً» آية 19 سورة النساء.
ولاشك أن الزوجة من أكثر الناس حقاً في الإحسان والتعامل بالخلق الحسن من زوجها، فقد قال الرسول، صلى الله عليه وسلم، «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».
ضوابط الهجر
وأشار الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور أحمد السايح، إلى أن هجران الزوجة قد يكون وسيلة إصلاح لبعض الزوجات الناشزات، واللواتي يمتنعن عن طاعة الزوج في المعروف، ولهذا جعل الإسلام الهجر لمواجهة تقصير بعض النساء ووجود حالة العصيان، وليس ظلماً لهن فقال تعالى: «وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» آية 34 سورة النساء.
وقد حلف النبي، صلى الله عليه وسلم، على نسائه أن لا يقربهن شهراً، وهذا ما يؤكد أن موضوع الهجران من قبل الزوج لزوجته موقتاً جائز، ولكن ليس إلى الأبد، وعلى ذلك يجب أن ينتهي الهجر بانتهاء المشكلة بين الزوجين، خاصة إن لم يؤد إلى الإصلاح واستمر الزوج فيه لمدة أربعة أشهر، بعدها عليه أن يصلح أو أن يطلّق. وقد جاء رجل هاجر لزوجته ظلماً إلى الإمام عليّ، كرم الله وجهه، فأمر الإمام بحبس الرجل وقال له: «إما أن ترجع إلى فراش الزوجية وتصلح وإما أن تطلّق أو أحرقك بالنار». وهذا يؤكد أن الهجر عقوبة شرعية موقتة للمرأة العاصية، أما غير العاصية، فلا يجوز ظلمها وهجرها، لأن الاستمرار في هجر المرأة بعد الأربعة أشهر جريمة وذنب كبير يحاسب عليهما الإنسان في الدنيا والآخرة، وذلك لأن الهاجرين لزوجاتهم ظلماً آثمون شرعاً ومن حق الحاكم عقابهم.
المباح والمحظور
وقال أستاذ الشريعة في جامعة القاهرة الدكتور حسن الشافعي إن الهجر المباح شرعاً ليس القطيعة التامة، وإنما يكون في البيت وليس طرد الزوجة من منزلها إلى منزل أسرتها كما يفعل كثير من الأزواج حالياً، لأن الهجر الشرعي هو أن يدير الزوج ظهره لزوجته في فراش الزوجية كنوع من التأنيب لها على عصيانها له. أما الهجر بلا سبب أو مبرر، فهو نوع من الظلم والعضل المنهي عنه شرعاً، للأمر الإلهي: «فلا تَعْضُلوهُنَّ». أما إذا لم يكن من الزوجة نشوز، فلا يجوز لزوجها أن يهجرها أو يؤذيها، ولو بكلام جارح، لأن هذا نوع من إساءة العِشرة ويجب عليه إما أن يعاشرها بالمعروف ولا يظلمها أو يسرحها بإحسان. وإن فعل غير ذلك، فهو مرتكب للمنكر والواجب عليه أن يتوب إلى الله من ذلك.
وأشار الشافعي إلى أنه «لا يجوز شرعاً البدء بالهجر، بل لابد أن تسبقه مناصحة برفق مع الاستعانة ببعض الصالحين والحكماء من الأقارب أو غيرهم، فإن فشلوا يمكن الهجر لفترة محددة، بعدها من حق الزوجة أن ترفع أمرها الى القضاء وتطلب الطلاق إذا كان في هجر زوجها تعسف، لأن العلاقة بين الزوجين ينبغي أن تقوم على المودة وحسن العشرة والتفاهم والصبر، لقوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» آية 35 سورة النساء. وقال رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَفْرَكْ، أي يكره، مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ».
طاعة الزوجة لزوجها واجب عليها لا جدال فيه، لكن ماذا لو كان هذا الزوج هاجراً لها وبلا مبرر مقبول، وإنما كنوع من إغاظتها أو تأديبها بشكل متعسف؟
الدكتورة عبلة الكحلاوي أكدت أنه في هذه الحالة لا يحق للزوج أن يطالب بحقه في أن تطيعه زوجته، وأفتت بأنه لا طاعة للزوج الهاجر لزوجته ظلماً. فما هي أسانيدها الشرعية في هذه الفتوى؟ وهل يوافقها علماء الدين أم يختلفون معها؟