قصة شقيقتين...

تجارة المخدرات , المخدرات, حبس / سجن, هيرويين, المحاكم , رجل / رجال شرطة, تجار المخدرات

26 أبريل 2011

«سامحيني يا أختي»! كانت شيماء تردد دائمًا هذه العبارة أثناء جلسات تجديد حبسها الاحتياطي على ذمة قضية الاتجار بالمخدرات. تسيل دموعها بغزارة وهي تنظر إلى شقيقتها حبيبة التي تصغرها بعام ونصف العام وتشاركها المصير: السجن سنوات طويلة هو المستقبل المظلم الذي ينتظر الشقيقتين. لم يسر السيناريو كما وضعته شيماء التي ظلت تحلم وتحلم وأيقظها كابوس السجن والحياة في زنزانة ضيقة، هي التي دمرت حياة شقيقتها بعدما أقنعتها بتقليدها حينما انخرطت في عالم المخدرات...


قبل شهور قليلة لم تكن هذه المشاهد في حسبان شيماء، المشهد كان مختلفاً تماماً، فهي كانت تعيش حياة مستقرة مع أب موظف بسيط لكن دخله يكاد يكفي أسرته، والحياة «مستورة» باللهجة المصرية الشعبية، شيماء وحبيبة تدرسان في الجامعة، الأب يشعر أن المهمة الثقيلة التي كانت على عاتقه تكاد تنتهي بتخرج ابنتيه من الجامعة وزواجهما.
ارتكب الأب غلطة عمره حين أفنى حياته للبحث عن مصادر دخل لأسرته دون أن يراقب جيداً ما يحدث في أسرته، ويحكم قبضته على تربية ابنتيه، وكم كان الثمن فادحاً، الأب لم يصدق في النهاية أن ابنتيه ضاعتا منه في لحظة.

طموح شيماء دمر حياتها تمردت على حياتها البسيطة، كانت دائماً تتحدث عن الأثرياء وعالمهم، تعشق مشاهدة الأفلام التي تجسد حياتهم، وتنعزل الشابة الحسناء في هذه الحياة الأسطورية التي تحبها وتتمنى أن تدخلها.
ودون أن تدري شيماء اكتشفت أن شقيقتها الصغرى تأثرت بهذه الأفكار، وبدأت هي الأخرى تحلم بهذا العالم، وشاركت شيماء في أحلامها المدمرة التي كان لها أبلغ الأثر في دخولهما السجن وضياع مستقبلهما.
داخل السجن بكت شيماء وهي تربت على ظهر شقيقتها وتحتضنها وقالت لها: «سامحيني، أنا السبب في كل ما حدث، وصدقيني لو كان الأمر بيدي لطلبت من القاضي أن يفرج عنك، ويكتفي بحبسي بدلاً منك»!


التهمة ثابتة

لم يكن للمشاعر الأخوية تأثير في القضية التي تنظر فيها محاكم القاهرة، فالتهمة ثابتة على شيماء وحبيبة بعدما ضبطتهما مباحث المخدرات متلبستين ببيع المخدرات لطلبة الجامعة بعد انتهاء اليوم الدراسي.
لم تكن القضية وليدة اللحظة، فالشرطة كانت ترصد تحركات شيماء وشقيقتها، وتراقب مكالماتهما الهاتفية، وتنتظر ساعة الصفر للقبض عليهما. ورغم الحذر الذي التزمته شيماء، فإن مباحث مكافحة المخدرات نجحت في التسلل إلى عالمهما السري، وأماكن تسلمهما شحنات المخدرات من كبار التجار، وكذلك الأماكن التي كانت شيماء وشقيقتها تتفقان مع زملائهما على الالتقاء فيها لتسليمهم جرعات البانغو والأقراص المخدرة.

البداية كما تروي اعترافات شيماء كانت عندما بدأت شيماء تدرس سلوك إحدى الشابات التي احترفت تجارة المخدرات، وأصبحت من الأثرياء خلال فترة وجيزة.
كانت شيماء طالبة كلية التجارة تدرك أن المخدرات هي المهنة الوحيدة التي تتجاوز أرباحها الحدود، وتفوق أي تجارة في الدنيا، فبإمكانك أن تربح الألوف من عائد بيع غرامات صغيرة من الهيرويين من الممكن إخفاؤها في جيب صغير!

لم تنم الشابة الطموحة ليلتها، باتت تفكر في السيناريو المستقبلي الذي رسمه القدر لها، تمنت أن تساعدها الظروف على النجاح في خطتها المقبلة لمدة عام واحد فقط حتى يمكنها أن تحقق مرادها، وتبدأ مشروعاً جديداً يدر عليها ربحًا طائلاً!
بدأت شيماء تشرح فكرتها لشقيقتها، لكن حبيبة لم يكن عندها جرأة اختها. ظهر الخوف على وجه الشقيقة الصغرى وهي تستمع إلى شيماء، حاولت حبيبة أن تقاطعها وتردها عن هذه الأفكار، لكن الشقيقة الكبرى نجحت في السيطرة على عقل حبيبة!

استغلت شيماء الظروف القاسية التي عانت منها حبيبة حينما كانت تعجز عن شراء كتب دراستها بسبب عدم وجود أموال مع والدها، وأخذت تذكرها بالفارق الاجتماعي بينها وبين معظم زميلاتها في الجامعة، وصمتت حبيبة وأدركت أن شقيقتها تتحدث بمنطق لا يستطيع أحد أن يعترض عليه!
طلبت شيماء من شقيقتها أن تطيعها في كل شيء، وأن تحتفظ بهذا السر، وتخفيه عن أقرب الناس إليها، وحددت شيماء تفاصيل بداية حياتها الجديدة، ومن خلال إحدى صديقاتها في المنطقة التي تسكنها تعرفت على أحد كبار تجار المخدرات، وطلبت أن تلتقيه!


محاكمة الشقيقتين

منذ الوهلة الأولى نحَّى تاجر المخدرات شكوكه جانباً حين تحدث مع شيماء، وسرعان ما اقتنع بتوجهها ووافق على تزويدها بكميات المخدرات التي تطلبها، ومنحها فترة مناسبة حتى تسدد ثمنها، أكدت له أنها ستنشر البانغو والأقراص المخدرة بين مجموعات واسعة من طلبة الجامعة!
كانت سعادتها بلا حدود حينما تسلمت الكمية الأولى من لفافات البانغو، كانت تعرف جيداً زبائنها، ونجحت شيماء وشقيقتها في بيع كمية كبيرة من البانغو في الأسبوع الأول من رحلتهما مع المخدرات، وكانت سعادتها بلا حدود وهي تحصي مكاسبها. ابتسمت حبيبة للمرة الأولى من قلبها وهي تتناول نصيبها من أرباح المخدرات، الآن يمكنها أن تشتري كل شيء تحبه دون أن تقف الأموال عائقاً أمامها.

وسرعان ما تغيرت أحوال شيماء، قبل أن تمضي ثلاثة أشهر على عملها في تجارة المخدرات اشترت سيارة أحدث موديل وسط دهشة صديقاتها في الكلية، وسرعان ما تناثرت الأنباء لتصل إلى ضابط حرس الجامعة.
بدأ الضابط يجري تحرياته حول مصادر دخل الشقيقتين بعد أن أكدت ملفاتهما في الكلية أنهما من أسرة فقيرة، ولم يجد أمامه سوى إخطار مباحث مكافحة المخدرات حسماً للشائعات التي روَّجها بعض طلبة الكلية حول شيماء وحبيبة.

أسفرت مراقبة مكالمات الشقيقتين عن تأكيد شكوك رجال المباحث رغم محاولات شيماء استخدام الشيفرة في حواراتها مع تجار المخدرات وزبائنها، وقرر رجال المباحث الحصول على إذن من النيابة بضبط شيماء وحبيبة متلبستين ولكن خارج أسوار الجامعة حرصاً على عدم إشاعة جو من الفوضى في محراب العلم.
حدد رجال المباحث ساعة الصفر، وتم ضبط شيماء وهي تتسلم شحنة جديدة من البانغو، وفي التوقيت نفسه ألقى رجال المكافحة القبض على حبيبة وهي تبيع البانغو لزميلاتها خارج الجامعة.
كانت صدمة العمر للأم والأب اللذين لم يتوقعا ما حدث لابنتيهما اللتين قررت النيابة حبسهما، وإحالتهما الى المحاكمة العاجلة.