'الزواج المدبّر' في مصر
سلمى المصري, علماء النفس, الزواج المدبّر
17 مايو 2011أحمد حسن: تراجعت عن الزواج بعد خلافات كثيرة بيني وبين خطيبتي
قد يعدل مؤيدو الزواج المدبر عنه في منتصف الطريق بعد خوض التجربة، كما حدث مع أحمد حسن مبرمج عمل بالخليج لمدة 7 سنوات، ويحكي عن تجربته مع الزواج المدبر قائلاً: «فترة الإجازة السنوية قصيرة للغاية، فهي شهر عادة وقد تكون أسبوعين أو شهرين. والأكيد أنها غير كافية لاختيار عروس والتعرف عليها، ولكن إذا كان هدف الشاب اختيار زوجة ذات أصل طيب وعريق فيكون اختيار الأهل مناسباً، وما عليه إلا الخطوبة في فترة الإجازة.
وهذا ما حدث معي وكنت مقتنعاً بفكرة الزواج المدبر، وبالفعل خطبت بنتاً طيبة وذات أصل دون أن أعرف اهتماماتها. ولكني اكتشفت اختلاف شخصيتينا في فترة الخطوبة، اذ كنا قبلها نتواصل هاتفياً وعبر الإنترنت، وخفت أن يكون زواجنا محكوماً عليه بالفشل وتراجعت عن الخطوبة نظراً للاختلافات الجوهرية في التفكير».
ويتابع أحمد: «بعدها أدركت أنني لن أستطيع الزواج بتلك الطريقة، وأنني من الشخصيات التي لا يمكن أن تستمر مع شريكة مختلفة في الطباع والاهتمامات، فقررت عدم خوض التجربة نفسها مرة أخرى، وأجلت ارتباطي حتى أستقر في مصر وأجد من تشاركني اهتماماتي وتتمتع بالذكاء، حتى لا تصاب حياتنا بالخرس الزوجي مبكراً فنفشل في زواجنا».
محمد الأزهري: كثرة ترشيحات أهلي للعرائس جعلتني أتردد
كثرة ترشيحات الأهل الممتلئة بقوائم العرائس جعلت محمد الأزهري يؤجل فكرة الارتباط بأكملها في أول إجازة له. يقول: «كل فرد في العائلة كان يحمل قائمة ممتلئة بالعرائس، وكثرة الترشيحات جعلتني أتردد في الاختيار، خاصة أن الإجازة قصيرة جداً، واختيار شريكة الحياة هو المأساة الكبرى بالنسبة الى الشاب المغترب، خاصة أن اختيار الأهل تترتب عليه سعادة الإنسان أو شقاؤه.
وقد رأيت زملاء لي مغتربين، منهم من قرر الخطبة والارتباط من أجل الاستقرار فقط دون التدقيق في الاختيار وكان الفشل حليفه في النهاية، ومنهم من يخشى الفشل ويعترض على اختيارات الأهل فيتجاوز الثلاثين عاماً دون استقرار أسري. لذا لم أرتبط في أول إجازة وفضلت التأني في الاختيار».
ويضيف: «أفضل أن يختار كل شاب شريكة حياته حتى لا يلوم إلا نفسه في النهاية. فرغم أن أهلي رشحوا لي العديد من العرائس إلا أنني اخترت زوجتي بنفسي من ضمن الترشيحات، وهي فتاة جميلة الطباع ذات أصل ودين أعرفها بحكم أننا سكان قرية صغيرة، وأهالي القرية المصرية يعرفون بعضهم جيداً، فاخترتها ضمن الترشيحات عملاً بحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، القائل: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» وقمت بخطبتها لمدة عام وتزوجنا في إجازة العام التالي، وها أنا متزوج منذ ستة أشهر، وأحمد الله على توفيقي في اختيار الزوجة الصالحة».
محمد الجزار: «الزواج المدبّر» ضريبة يدفعها الشاب المغترب
محمد الجزار «محرر رياضي» مصري سافر إلى قطر بحثاً عن مستقبل أفضل ملتحقاً بجريدة «الوطن» القطرية. يؤكد أن أقسى شيء في الغربة للشاب المغترب، قبل اختيار شريكة الحياة، هو البحث عنها في ما بعد، لأن فترة الإجازة قصيرة جدًا لا تتعدى الشهرين ولا تكون كافية إطلاقًا لاختيار الزوجة المناسبة، بل ويكون الأمر بمثابة «العذاب».
هذه ضريبة يدفعها الشاب المغترب، وإذا كان هناك ارتباط عاطفي بينه وبين فتاة ما تقف الظروف الاقتصادية عائقاً أمام إتمام الزيجة، وعندما تأتي فرصة السفر أو الاغتراب لتحسين الظروف الاقتصادية، تمتطي العروس جواد أول فارس أحلام يتقدم لها، وتبدأ معاناة الشاب المغترب في اختيار زوجة من جديد.
ويتابع الجزار: «أحياناً يكون اختيار الأهل طوق النجاة للشاب الذي يريد الاستقرار، وضيق وقت الإجازة لا يمكنه من التعرف الى فتيات بشكل كافٍ. ودائماً ما يكون ترشيح الأهل من خلال معرفتهم بطباع الفتاة وأخلاقها وعائلتها، ليكون الزواج مبنياً على اختيار العقل ويبقى التوافق في الطباع ونجاح الزواج في علم الله ولا يظهر إلا بالعشرة. ولكني أعتقد أنه إذا توافرت مقوّمات الزواج الناجح، من حب وتفاهم وعشرة صالحة، يكون النجاح حليف الزواج المدبر».
ورغم اقتناع محمد بالزواج المدبر فإنه لم يرتبط عن طريقه، بل لعبت الصدفة دورها في اختياره لعروسه. يقول: بالنسبة إلي كان القدر رحيمًا بي ورزقني بنت الحلال بالصدفة ودون أي ترتيبات، وعندما وجدتها شعرت بالارتياح والتفاهم، وقمت بخطبتها في الإجازة الماضية على أن يكون الزفاف في الإجازة المقبلة».
الدكتورة سامية خضر: هذا الزواج فاشل بنسبة 80 في المئة
من جانبها، تؤكد الدكتورة سامية خضر أن نسبة الفشل في الزواج المدبر تتجاوز 80 في المئة، نظراً الى ضيق الوقت في الاختيار وعدم تدقيق كل طرف في أطباع الآخر، مما يؤدي إلى صدامات كثيرة بعد الزواج تنتهي بالطلاق والفشل. وتضيف: «إذا كانت احتمالات الفشل في الزواج عن حب وأيضاً الزواج التقليدي كبيرة، فما بالنا بهذا النوع من الزواج الذي لا يعرف كل طرف فيه الآخر بمقدر كافٍ؟ لذا لا بد من فترة خطوبة كافية حتى وإن كانت فترة الإجازة ضيقة، ولابد أن يتواصل العروسان ولو عن طريق الإنترنت ليعرف كل واحد ميول الآخر ويدرس شخصيته.
صحيح أن كل إنسان يظهر أجمل ما فيه في فترة الخطوبة، ولكن الطبع يغلب التطبع والتواصل المستمر يكشف جوانب الإنسان الخفية، فقد يكتشف الرجل أن عروسه مدللة ولا تصلح لتحمل مسؤولية أسرة كاملة في الغربة. وقد تكتشف هي بخله أو انه زير نساء أو قد يكون أنانياً ولا تستطيع التأقلم مع أنانيته. لذا التواصل في فترة الخطوبة هو بر الأمان الوحيد والضمان لنجاح هذه الزيجة». ولضمان استمرار الزواج وعدم الانفصال، تشدد أستاذة علم الاجتماع على ضرورة التوافق الثقافي بين الطرفين، والتوافق الاجتماعي بين الأسرتين. وهو ما يقلل من نسبة الفشل في هذا النوع من الزواج.
كثير من الشباب المغترب، عندما يعودون الى بلادهم في إجازة سريعة، لا تكون أمامهم فرصة كافية ليختاروا شريكة حياتهم بأنفسهم، ولهذا يقوم الأهل بتلك المهمة نيابة عنهم، فيختارون للشاب عروسه بدلاً منه. ولا يكون عليه في أيام الإجازة القصيرة سوى أن يتم إجراءات الزواج. وبعض الشباب يكلِّفون من بلدان الاغتراب أهلهم وذويهم باختيار عروس لهم من دون أن يكونوا قد شاهدوا سوى صورتها! فهل ينجح هذا الزواج المدبّر؟ وماذا يقول الشباب المغترب عنه؟ وما هو رأي خبراء الاجتماع والنفس في هذا النوع من الزواج؟ نبدأ بشهادات من مصر عن بعض تجارب هذا الزواج.
سيد إبراهيم: رضخت لاختيارات أمي بعد فشلي في محاولات الزواج
بعدما فشلت والدة سيد إبراهيم (كيميائي عمل بالسعودية) في تلبية ذوقه واختيار العروس المناسبة له، قرر الاتجاه إلى الخاطبة الإلكترونية لاختيار زوجة المستقبل. ومنعاً لأعمال النصب التي كان يسمع عنها في مواقع الزواج، قرر توسيع شبكة صداقاته على الموقع الاجتماعي «فيسبوك» ليتعرف على كل واحدة بطريقة كافية ويختار من بينهنّ، خاصة أن صور البنات متاحة دون كذب، وتعليقات الصديقات على الصور خير دليل على صدقها.
يقول سيد: «اختيار أمي للعرائس لم يتوافق مع ذوقي، كما أن الصور التي كانت ترسلها لي لم تحُز إعجابي. فبدأت التقرب من البنات على «الفيسبوك» وأتجاذب معهنّ أطراف الحديث. وبالفعل طلبت الزواج من أكثر من واحدة، وكانت العقبة التي تقف أمامي أنهنّ من سكان العاصمة وأنا من إحدى المحافظات فيرفضنّ الإقامة معي والابتعاد عن حياة العاصمة.
ولأنني كنت أشعر بغربة ووحدة كبيرة قررت ألا أعود إلى عملي الإجازة الماضية إلا وأنا مرتبط بابنة الحلال، وبالفعل وفقني الله واخترت إحدى مرشحات أمي. في البداية كان لي عليها مآخذ كثيرة، وكنت أشعر بأن ميولها مختلفة عني ولكني اعتدت عليها، وعقدت قراني وتزوجتها في هذه الإجازة، وها أنا متزوج منذ شهر ونصف».
الدكتور هاني حامد: «الزواج المدبر» يناسب الشخصيات الانطوائية أكثر
في البداية يعترض أستاذ الطب النفسي الدكتور هاني حامد، على عبارة «الزاوج المدبر»، مؤكداً أن هذا الاسم قد يكون سبب فشل بعض الزيجات. فمع نشوب أي خلاف طبيعي بين الزوجين، قد يستعيد ذهن أحدهما هذا الاسم، الذي يوحي أن الإنسان تزوج رغماً عنه أو تم توريطه في الزيجة، فيرفض العقل الوضع الحالي مع الخلافات الموجودة، خاصة أن الزوجين لا يعرفان بعضهما بما يكفي، فيكون الفشل حليف هذا الزواج بسبب الاسم أولاً.
ويرى أن إطلاق اسم الزواج التقليدي أو زواج الصالونات أفضل من «الزواج المدبر»، كي لا يشعر أحد الزوجين بأنه وقع في مكيدة أو مؤامرة، وهذا ما يرفضه العقل البشري دائماً. ويضيف ان نجاح هذا النوع من الزواج يعتمد على شخصية الرجل في المقام الأول، موضحاً: «لا ينجح هذا النوع من الزواج المدبر عن طريق الأهل واختيارهم للعروس إلا مع الشخصية الانطوائية غير الاجتماعية، والشخصية التي تهرب من تحمل مسؤولية اختياراتها، أو من سبق له الارتباط العاطفي وفشل فيرمي مسؤولية اختيار الزوجة على عاتق الأهل ليتحملوا هم النتائج في ما بعد ولا يلومه أحد.
أما الشخصيات الاجتماعية والعنيدة والمنفتحة على العالم فتفشل في هذا النوع من الزواج، لأن مقومات شخصيتها قائمة على الاختيار بحرية وعدم فرض اختيارات الآخرين عليها».
وفي جميع الأحوال، يرفض حامد الزواج السريع في شهر أو شهرين، قائلاً: «يجب أن يأخذ كل طرف وقته للتعرف على الطرف الآخر، ثم التأكد من قرار الاختيار. بعدها يدخلان في مرحلة الاقتناع بالاختيار والشخص الذي سيكمل كل منهما معه حياته، ثم مرحلة التطبيع وقبول الشخصية بكل عيوبها ومميزاتها. كما يجب أن تأخذ العائلتان أيضاً فرصة للتعارف تجنباً للفشل، خاصة أن الطرفين لا يعرفان بعضهما وكي لا يقع الظلم على أحدهما في النهاية».
ويشير حامد إلى أن مقومات نجاح هذا النوع من الزواج هي نفسها مقومات نجاح الزواج العادي، والتي يجب أن يكون على رأسها الاستقرار، اذ يجب أن تتميز شخصية كلا الطرفين بالاستقرار النفسي والثبات في العاطفة، بعيداً عن الاندفاع في العلاقات مع الجنس الآخر. كما يجب أن يكون كلا الطرفين قد وصل إلى مرحلة النضج الفكري والاجتماعي والعاطفي، فعندما تكون الشخصية ناشئة في أسرة مستقرة غير مفككة تبحث عن الاستقرار في الزواج.