الصحَّة النفسية في المجتمعات العربية
طب نفسي, محاربة الإكتئاب, إنتحار, سلمى المصري, د. سحر طلعت, مشكلة / مشاكل نفسية, التوتر, صحة نفسية, أحمد عبدالله الشيخ, اختصاصيي علم نفس, هاني حامد, المجتمع العربي
06 يونيو 2011

الدكتور محمد خليل: نفتقد الدراسات العلمية الدقيقة عن أمراضنا النفسية
أما أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس الدكتور محمد خليل فيؤكد أنه لا توجد دراسات علمية دقيقة عن الأمراض النفسية الأكثر انتشاراً في المجتمع العربي. ويفيد أن ما كان طاغياً على المجتمع المصري في مرحلة ما قبل الثورة، حالة كآبة نفسية واضحة نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بينما تربع القلق والتوتر في القائمة في مرحلة ما بعد الثورة، ولكنه قلق طبيعي وصحي سينتهي بزوال أسبابه، فهو نتيجة عدم استقرار الأوضاع، سواء على مستوى العمل أو المستوى السياسي، ونتيجة لغياب الأمن في هذه المرحلة، وعدم اتضاح رؤية صحيحة للمستقبل، وهذا خير دليل على سلامة الصحة النفسية في العالم العربي.

الدكتور أحمد عبدالله: التنشئة الاجتماعية الخاطئة جعلت البيئة العربية منتجة للأمراض النفسية
«الأحوال المعيشية في معظم المجتمعات العربية منتجة للمرض النفسي على مستوى الأغنياء والفقراء بشكل عام، فالكل يعيش أوضاعاً غير متوازنة اجتماعياً ونفسياً». هكذا بدأ الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ واستشاري الطب النفسي كلامه وأضاف: «إذا كان الإنسان الفقير يفتقد الاحتياجات الأولية في الحياة، كالطعام الصحي أو السكن المقبول، فإن الغني قد يفتقد ممارسة دوره الاجتماعي والشعور بقيمة وجوده في الحياة. فالمواطن العربي لا يمارس هواية بانتظام، وهذا ليس ترفاً أو ترفيهاً، وإنما حاجة أساسية للنفس البشرية ولتوازنها النفسي.
كما أن المواطن العربي غالباً محروم من ممارسة دوره الاجتماعي، سواء في خدمة مجتمعه أو التعبير عن رأيه بحرية، أو تكوين جماعات للتعبير عن الرأي، وبالتالي فإن كلاً من الغني والفقير محروم من احتياجات إنسانية تفقده معنى الحياة، وتؤدي به إلى الشعور المستمر بالإحباط مما يجعله على أعتاب الاكتئاب دائماً. ويضيف: «للأسف البيئة العربية منتجة للأمراض النفسية نتيجة للتنشئة الاجتماعية الخاطئة، ونتيجة الضغوط المستمرة الواقعة على المواطن، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، التي يحرم فيها من التعبير عن رأيه والتمتع بأدني سقف للحريات».
ويكمل عبدالله كلامه قائلاً: «ينتج أيضاً عن شعور المواطن المستمر بالإحباط والاكتئاب، زيادة نسبة العنف والعدوانية في سلوكه، فيكون في موضع الهجوم دائماً، وهذا يفسر سر بشاعة جرائم القتل في صفحات الحوادث بالصحف، بحيث أصبح القاتل يتفنن في تعذيب الضحية، كما يوضح لنا سر زيادة معدلات العنف الأسري من ضرب وقتل للزوجات والأزواج، واغتصاب المحارم، المسكوت عنه في المجتمعات العربية لأسباب كثيرة تحت العديد من المسميات، منها العار والفضيحة ومنها الستر.
ولن يتم العلاج إلا بالإفصاح، خاصة أن الضحية فيها تكون مفتوحة على جميع الأمراض النفسية، كالإدمان والاكتئاب، لذا فهي في حاجة إلى العلاج الفوري وعدم السكوت عن تلك الجرائم الناتجة عن العنف الأسري». وفي النهاية يرى الدكتور عبدالله أن علاج الإحباط والاكتئاب الكامن في البيئة العربية، يجب أن يكون بمواجهة المشاكل وتغيير نمط الحياة بإصلاحات سياسية واجتماعية وإلا ستنهار المجتمعات.

الدكتور هاني حامد: المساندة النفسية تساهم في العلاج
في البداية يؤكد أستاذ الطب النفسي الدكتور هاني حامد أن اضطرابات التكيُّف من الأمراض النفسية هي الأكثر انتشاراً في المجتمعات العربية، ذلك لأنها مرتبطة بالضغوط المحيطة ببيئة الإنسان. ويطلق على تلك الاضطرابات اسم «الاكتئاب التفاعلي»، فإذا زالت الاضطرابات مع انتهاء الأسباب لا نعتبرها مرضاً نفسياً، ولكن إن استمرت تتحول إلى مرض الاكتئاب، وأبرز مثال عليها اضطرابات القلق.
ويكمل حامد: «الاكتئاب التفاعلي يعني فشل الوسائل الدفاعية النفسية في التفاعل مع الضغوط المحيطة، إما لشدتها أو لكثرتها، وتعددها أو استمراريتها. ونقسم الضغوط النفسية تقسيمات عديدة حسب شدتها واستمراريتها ونوعها، فإما أن تكون ضغوطاً نفسية اجتماعية أو عاطفية أو مادية. ونود أن نلفت النظر إلى أننا يجب ألا نستهين بهذه الضغوط، فمن الممكن أن يكون ضغط نفسي صغير لكن مستمر لفترة طويلة أخطر وأشد ضرراً من صدمة نفسية عنيفة تعالَج على الفور، لأن هذه الضغوط النفسية تؤدي إلى إفراز هرمونات وحدوث تغيرات فسيولوجية تزيد إفراز الكورتيزون والأدرينالين والنوت أدرينالين بكثرة، مما يؤدي إلى حدوث تغيرات جذرية ونوعية في عدد الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ، وفقدان نضارتها، وتدهور الوظائف المعرفية، مثل النسيان وعدم التركيز وعدم الانتباه ما بين هؤلاء الأشخاص.
ومن أشهر أعراض الاكتئاب التفاعلي فقدان الشهية أو زيادتها، النوم لساعات طويلة، النسيان، عدم التركيز، عدم الاستمتاع بالأشياء والفرحة بها، التفكير في الموت بنسبة 70 في المئة، بالإضافة إلى الشعور بتوتر، ورعشة، وخفقان في القلب».
ويحدد حامد العلاج، في حالة الاكتئاب التفاعلي، بأن يكون عن طريق المساندة، فإما أن يلجأ المريض إلى صديق يفضفض معه ويستشيره في حلول لمشاكله، والتي قد تكون غائبة عنه نظراً للضغوط الواقعة عليه، أو أن يلجأ إلى طبيب نفسي ويخضع لجلسات علاج نفسي. أما في حالة الاكتئاب الجسيم فيكون العلاج بالأدوية مصاحباً للجلسات النفسية، وكذلك الحال في الاضطرابات العصابية مثل الرهاب والهلع.
ويواصل حامد رصده لأبرز الأمراض النفسية المنتشرة في مجتمعاتنا العربية قائلاً: «من أكثر الأمراض النفسية المنتشرة في المجتمعات العربية «الرهاب الاجتماعي»، وعادة ما يكون سببه أن التنشئة في المجتمعات العريبة تشدد على الدين والمبادئ فتفرط في التشدد، فينشأ الإنسان ولديه الرهاب الاجتماعي، ويخشى مواجهة المجتمع.
ويعتبر الرهاب الاجتماعي أحد أمراض الاضطرابات العصابية، والتي منها مرض الخوف أيضاً، والوسواس القهري، واضطرابات الهلع وهي عبارة عن نوبات تستمر لدقائق، يشعر الإنسان خلالها بفزع وخوف شديد من الموت، مع زيادة ضربات القلب، ويشعر أنه مقدم على موت محقق».

هل مجتمعاتنا العربية بيئة خصبة للأمراض النفسية؟ وما هي أكثر تلك الأمراض انتشاراً؟ وما أسباب هذه الأمراض؟ وهل تعود هذه الأسباب الى الشخص والظروف الخاصة التي يمّر بها؟ من دون أن نستثني العوامل الوراثية؟ وهل تختلف نسبة هذه الأمراض وأعراضها من بلد إلى آخر؟ وكيف يمكن مواجهتها والتخلص منها؟
أسئلة عديدة واجهنا بها أساتذة الطب النفسي، لنقف على حقيقة أمراضنا النفسية الأكثر انتشاراً كخطوة أولى في طريق الوقاية والعلاج. ونبدأ بآراء اختصاصيين من مصر.

الدكتورة سحر طلعت: العناد الزوجي مرض ينتشر في بيوت كثيرة
وترى الدكتورة سحر طلعت، استشارية الأمراض النفسية ومديرة مركز التواصل عبر الإنترنت، أنه سواء كانت المشكلة نفسية أو اجتماعية فإن الإنسان الواقع فيها يتحول إلى عضو غير منتج في المجتمع، نتيجة الضغوط المحيطة به، وبالتالي يكون في أمس الحاجة إلى من يمد له يد العون والمساندة.
وتؤكد أن الأمراض النفسية من قلق وتوتر واكتئاب تختلف أسبابها حسب مراحل عمر الإنسان، فقد تصيب المتزوجين نتيجة فشلهم في التواصل، والمشكلات الجنسية المسكوت عنها، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية التي يمر بها كثير من الأسر.
وفي مرحلة ما قبل الزواج، تكمن المشاكل في انعدام ثقافة الاختيار الصحيح في الوطن العربي، وما يترتب عليها من فشل إدارة الزواج، وفشل في الزواج نفسه. أما في مرحلة ما بعد الزواج فينتشر مرض العناد بين الزوجين، فكل منهما يدير معركة ضد الآخر، ولا يبالي الطرفان بالضحايا «الأطفال» فينشأ هؤلاء أيضاً في بيئة خصبة للأمراض النفسية.
وتوضح الدكتورة طلعت أن فشل الشباب والفتيات في التعامل مع بعضهم من أسباب المشاكل النفسية، فلا أحد يفهم المباح والممنوع بين زملاء الدراسة أو العمل من الجنسين، أو كيفية إدارة علاقة الصداقة بين الجنسين، فضلاً عن ظهور مشاكل علاقات الإنترنت. وتضيف أن تلك المشاكل الاجتماعية لا تؤدي إلى أمراض نفسية، مثل القلق والتوتر والاكتئاب فحسب، بل تحول الإنسان إلى عضو غير منتج في المجتمع، وتؤدي إلى تفسخ العلاقات بين البشر، بالإضافة إلى ظهور أمراض جسدية كالضغط والسكري. وإذا كانت المشاكل أسرية بين الأبوين فإن ذلك ينعكس على شخصية الأبناء.
وتقول: «بدأت مع مجموعة من الأطباء تدريب ذوي المشاكل النفسية والاجتماعية على حلها عن طريق الإنترنت، ومع تطور الأدوات بدأنا نستخدم خدمة استشارية مباشرة على الإنترنت، ثم وجهنا دورات تدريبية إلى فئات كبيرة من المجتمع، لتمكينها من حل مشاكلها بعد التدريب النفسي، وكانت أكثر المشاكل تربوية وزوجية».
وتختم: «مع التقدم التكنولوجي وزيادة انشغال البعض بدأنا نشر فكرة التدريب أكثر، وأنشأنا من خلال مركز تواصل للتدريب برنامجاً للتدريب عن بعد، يتم من خلال الإنترنت بالصوت والصورة، حتى يتم التواصل مع المتدربين، وذلك من أجل حل مشكلة التواصل الأسري التي يفتقدها المجتمع والتواصل بين الزوجين، وبين الشباب من الجنسين، فضلاً عن مشاكل الآباء في التعامل مع المراهقين».

الدكتور محمد فكري: الأمراض النفسية في عالمنا العربي واحدة لكن أعراضها تختلف من بلد إلى آخر
الأمراض النفسية في الوطن العربي لا تختلف طبيعتها أو نسبتها عن المجتمعات المتقدمة. هذه وجهة نظر الدكتور محمد فكري، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس الذي يقول إن الأعراض فقط هي التي تتغير من بلد إلى آخر، فقد تتطور أعراض المرض النفسي في الوطن العربي لتصل إلى أعراض جسدية، ولكن نسب الأمراض متساوية في جميع بلدان العالم. موضحاً أنه لا توجد أمراض نفسية مقصورة على الوطن العربي، فأغلب المشاكل النفسية موجودة في العالم أجمع.
وإذا أخذنا العنوسة على سبيل المثال، فالمرأة العربية يتأخر زواجها مثلها مثل الأوروبيات، حيث ترتفع نسبة العنوسة في ألمانيا أيضاً، ولكن الحقيقة أن العرض النفسي الذي يقع على المرأة العربية نتيجة العنوسة يختلف تماماً عن الألمانية، فالأولى قد تعاني أعراض اكتئاب تفاعلي وتوتر، بينما الأوربية تكمل حياتها بشكل طبيعي.
ورغم إشارة فكري إلى زيادة نسبة الانتحار في مصر، في مرحلة ما قبل الثورة، نتيجة سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، مما أدى إلى إصابة البعض باكتئاب وتوتر، فإنه يؤكد أنها لم تكن ظاهرة، فالانتحار نتيجة الاكتئاب موجود في كل دول العالم. وقد أثبتت الدراسات العالمية أن مرض الاكتئاب يتصدر قائمة الأمراض النفسية في العالم أجمع على حد السواء.