المشكلات النفسية في لبنان...

طب نفسي, مشكلة / مشاكل نفسية, مشكلة / مشاكل جنسية, الوسواس القهريّ, علم النفس, إختصاصي نفسي, طبيب نفسي, أمراض نفسية, اضطرابات نفسية

06 يونيو 2011

عندما يعي الإنسان أنه من نفس وجسد، ويأخذ علماً أنهما يؤثران بشكل مباشر في بعضهما البعض! لذلك، لا بدّ من إيلاء النفس العلاج والوقاية منعاً لعيائها، تماماً كما يتمّ إعطاء العلاج وتوفير الوقاية للجسد، كي لا يمرض... ومن هذا المنطلق، وُجد علم النفس ليساعد «جميع الناس» على تخطّي الأزمات منعاً لتفاقمها وتحوّلها إلى أمراض. وهو يرافق الإنسان عبر جلسات علاجية تصرّفية إلى جانب الشق الدوائيّ. لكن لا تخلو المجتمعات من أشخاص يعانون مشكلة، أو عقدة، أو حتى حالة نفسية معيّنة. ذلك أنّ العصر الذي نعيش فيه يفرض ضغوطاً ومتطلّبات، إلى جانب الروتين الحياتيّ. وفي بعض الأحيان، قد تتسارع الأحداث إلى حدّ فلتان زمام الأمور، وهنا لا بدّ من طلب المساعدة. فما هي أكثر المشاكل النفسية التي قد تصيب مختلف الناس؟ وما السبيل إلى علاجها؟ وكيف يجب التصرّف مع الذين يعانون خطباً؟

بادئ ذي بدء، لا بدّ من التأكيد أنّ علم النفس ينقسم ما بين معالجة الأمراض النفسية والأمراض العقلية. لذلك ليس كلّ من يقصد معالجاً نفسياً مصنّفاً في خانة «الجنون»! ويجب التشديد على وجوب طلب المساعدة وعدم الخجل من المشكلة بحدّ ذاتها، لأنها غالباً ما تكون نتيجة تراكمات أو ناتجة عن الضغوط أو مشكلة سابقة.

يتحدّث الدكتور أسامه دحدوح، الإختصاصيّ اللبناني في الأمراض النفسيّة والعقليّة، عن مختلف المشاكل النفسية المنتشرة في المجتمعات. كما تشرح الإختصاصيّة في علم النفس العياديّ والمعالجة النفسيّة كارول سعادة، الأسباب والعلاجات السلوكية والشقّ الدوائيّ.
كثيرة هي الأمراض النفسية الشائعة، لكن قد لا يمكن تمييزها بالعين المجرّدة في المراحل الأوّليّة. بيد أنّ بعض الدلائل حاسمة ولا مجال للشكّ فيها، وهي غالباً ما تكون نقطة الإرتكاز لطلب العون من المختصّين. وتجدر الإشارة إلى إختلاف التصرفات بين الناس حسب الحالة والنفسية والشخصية. وبعض الأمراض أكثر شيوعاً ما بين النساء، فيما بعضها الآخر منتشر بكثرة بين الرجال. لكن ما يُجمع عليه الإختصاصيون هو انه لا مجال للحديث عن «حالة نفسيّة مرضيّة» قبل سنّ البلوغ، بل تكون ملامح لحالة ممكنة قيد التطوّر. وأمّا الحالات الأصعب، ألا وهي الإضطرابات عند الأطفال، فهي موضوع مختلف ومتشعّب.

الأمراض الأكثر شيوعاً
يقول الدكتور دحدوح: «يمكن تصنيف الحالات النفسية المرضيّة الأكثر إنتشاراً في المجتمعات إلى خمسة أقسام، تنقسم بدورها إلى تشعّبات عدّة. ولعلّ أكثر الحالات إنتشاراً هي: الإضطرابات القلقيّة، الإضطرابات المزاجيّة، إضطرابات الشخصيّة المرضيّة، الإضطرابات النُفاسيّة، والإضطرابات الجنسيّة ذات المسبّب النفسيّ».

الإضطرابات القلقيّة
 ترى سعادة
: «إنّ الإضطرابات القلقيّة تُقسم بدورها إلى خمس خانات رئيسيّة هي: القلق الحادGeneral Anxiety الذي يغطّي كلّ حياة المرء، فيعيش دوماً قلِقاً مذعوراً وخائفاً، والهلع Panic Disorder الذي يؤدّي إلى نوبات مفاجئة وخوف شديد، والرهاب الإجتماعي Social Phobia الذي يؤدّي إلى قطع العلاقات مع المحيط والخوف من الناس وردّات فعلهم واللجوء إلى الإنطوائية والعزلة، وقد يقتصر على الخوف المرضيّ Phobia غير المبرّر من أشياء موجودة عادةً في كلّ مكان، والوسواس القهريّ Obsessive Compulsive Disorder الذي يولّد أفكاراً وسواسيّة وأفعالاً قهريّة متكرّرة، واخيراً اضطراب ما بعد الصدمة أي Post-Traumatic Stress Disorder». وهذه الحالات النفسية جميعها مُعترَف بها عالمياً. وحسب الدكتور دحدوح، فإنها «في حال عدم العلاج، تؤدّي إلى الـ Depression الذي هو المفعول الثانويّ لكلّ هذه الأمراض. لذلك لا بدّ من مساعدة نفسيّة ودوائيّة أيضاً».
وهذه الفئة من الأمراض النفسية هي الأكثر شيوعاً في المجتمعات حالياً.

الإضطرابات المزاجيّة
 تحتلّ الإضطرابات المزاجيّة المرتبة الثانية لأكثر الأمراض النفسيّة شيوعاً. وتلفت سعادة إلى أنه «يمكن تقسيم هذه الفئة من الإضطرابات إلى شقّين كبيرين هما حالة الإكتئاب الثانويّة الناجمة عن سبب رئيسيّ مثل موت قريب أو طلاق أو فقدان شخص، وحالة الـ Unipolar Depression التي هي حالة إكتئاب داخليّ من دون وجود سبب خارجيّ لذلك.» وحسب دراسة علميّة قام بها Murray & Lopez ،تبيّن أنه في العام 2020، سوف يكون الإكتئاب Depression السبب الثاني لعدم القدرة على الحياة بعد أمراض القلب والشرايين! وهذا مؤشّر مقلق...

إضطرابات الشخصيّة المرضيّة
يقسّم الدكتور دحدوح إضطرابات الشخصيّة المرضيّة إلى عشر فئات رئيسيّة هي «الشخصيّة الهستيريّة، الحدّيّة Borderline، المضادة للمجتمع Antisocial، الوسواسيّة Obsessive ،الزوريّة Paranoid ،الإتكالية-التابعة Dependent ،المنغلقة، النفاسيّة Schizoid ،Schizotypique ،وال Passive-aggressive.» وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الشخصيّات المرضيّة في حاجة إلى علاج ومتابعة لأنّ حالتها لا تزول مطلقاً من تلقاء نفسها، ولكن في الوقت نفسه يجب عدم إلقاء اللوم على المريض، لأنه لا يدري ماذا يفعل.

الإضطرابات النُفاسيّة
يشدّد الدكتور دحدوح على أنّ «الإضطرابات النفاسية تحتاج إلى الدواء إضافةً إلى المتابعة النفسية، لأنها أمراض عقليّة. ومن أبرز هذه الإضطرابات الإنفصام بالشخصيّة والإضطراب الزوريّ Paranoia ،والإضطراب ذو حدّين Bipolar مترافقاً مع الحزن الشديد».

الإضطرابات الجنسيّة
في هذه الخانة، يمكن تصنيف الأشخاص الذين يعانون إضطرابا جنسيّا بسبب نفسيّ، الذي قد يؤدّي إلى السُحاق. وهي تصيب الرجال كما النساء ولها مسبّبات متداخلة.

علاجات نفسيّة
تقول كارول سعادة إنّ عمل طبيب الأمراض النفسية والعقليّة Psychiatrist وعمل المعالج النفسيّ Psychologist مترابطان ويكمل أحدهما الآخر. إذ لا يمكن إعطاء عقاقير وأدوية فقط من دون علاج نفسيّ، لأنّ الحالة قد تعاود المريض. كما لا يمكن الإعتماد على العلاج النفسيّ بمفرده لأنّ المسبّب النورو-كيميائيّ قد يؤدّي إلى عودة  بروز المشكلة». تضيف: «في البداية، يعمد المعالج النفسيّ إلى تشخيص الحالة عبر تحليلات نفسيّة لمعرفة الحالة ونسبة تقدّمها وسبيل علاجها. أمّا العلاج الدوائيّ، فقد يكون أساسياً في معالجة الإضطرابات النورو- كيميائية التي تؤدّي إلى المعاودة والتفاقم في الخواطر المغلوطة والسلوك الناتج عنها».
أمّا أنواع العلاجات النفسية Psychotherapy فهي: برنامج علاجيّ معرفي وسلوكي يعالج الأفكار والسلوك، برنامج تحليليّ Psychoanalysis لمعرفة الأسباب التي تعود إلى طفولة المرء، وبرنامج لعلاج بين شخصين Couple Therapy لحلّ الإضطراب الذي يؤثر في الحياة المشتركة.
لكن يجب التشديد على معالجة الأفكار والسلوك. وبقدر ما يكون المرء مُدركاَ لحالته، يتقبّل العلاج أسرع وتكون النتيجة أفضل.

نصائح مفيدة
ينصح الدكتور دحدوح «الجميع بطلب المساعدة في حال المعاناة من مشكلة نفسيّة، لأنّ الإضطرابات لا تزول من تلقاء نفسها، بل تتفاقم مع الوقت وتطغى على الحياة بشكل سلبيّ». وتبقى نصيحته الأخرى موجّهة إلى المجتمع والمحيطين بالمريض، «فيجب دعمه في تخطّي المرحلة مع العلاج وعدم لومه عبثاً، لأنّه لا قدرة له على السيطرة على العوامل الإكتئابيّة الداخليّة». وتختم سعادة: «الإرتباط بين النفسيّة والجسد مهمّ للغاية. فنحن لا نعالج فقط الأمراض العقليّة، بل نحن إختصاصيون نفسيّون، نعالج ما يجعل المرء غير مرتاح مع ذاته».
فكما تعالج جسدك، عالج نفسك، لأنها تؤثر مباشرةً في كلّ نواحي حياتك...