الحجاب الاضطراري يثير جدلاً بين رجال الدين!
الحجاب, د. مهجة غالب, د. آمنة نصير, ريهام سعيد, د. مبروك عطية, جمال البنا, د. ملكة يوسف, د. سعاد صالح, رجل / رجال دين, قناة المحور
04 يوليو 2011ليس مخالفاً للشرع
وعلى النقيض من كل ما سبق كان رأي المفكر الإسلامي جمال البنا الذي قال: «الحجاب الاضطراري ليس فيه مخالفة للشرع، لأن الحجاب ليس فرضاً دينياً، وبالتالي فإن استجابة المرأة للظروف التي تضطرها إليه ليست ذنباً، وإنما نوع من «المواءمة» حتى تتم مهمتها.
وبالتالي لا علاقة للدين بالقضية من بعيد أو قريب.
تساؤلات
وتساءل الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر: «هل يساوي أي ظرف طارئ، مهما كان، أكثر من أمر الله؟ هل إرضاء البشر أو الخروج من المأزق الذي اضطرها لارتدائه أهم من إرضاء الله بارتداء الحجاب بصفة دائمة؟ إن هذه الجرأة على أمور الدين أمر مذموم شرعاً، والأَولى للمرأة أن تلتمس إرضاء الله أكثر من إرضاء أي مخلوق، مهما كانت مكانته أو المصالح المترتبة على العلاقة معه، لأن الحياة الدنيا مهما طالت قصيرة، والآخرة فيها الحساب العسير من الله.
وأقول لمن ترتدي الحجاب ثم تخلعه اضطرارياً: أتستحيين من بشر ولا تستحيين من الله القائل: «وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ» آية 37 سورة الأحزاب؟». وحث الدكتور مبروك الدعاة على فتح الرجاء برفق لكل من ترتدي الحجاب ثم تخلعه لأي سبب، لقوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» آية 25 سورة الشورى. وتأكيده للمعنى نفسه في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَـاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ» آية 8 سورة التحريم. وقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه».
مرفوض شرعاً
وقالت الدكتورة ملكة يوسف، أستاذة الشريعة الإسلامية في جامعة القاهرة: «الحجاب الاضطراري مخالف لتعاليم الدين، ولا تثاب من ترتديه بل إنها تأثم لاستخفافها به، لأن كل مسلمة بلغت سن البلوغ مكلفة شرعاً بارتداء الحجاب الشرعي، بل إن الإسلام حدد مواصفات للحجاب الشرعي حتى لا يكون مثل «حجاب الموضة» الضيق الشفاف الذي يتم ارتداؤه على بنطلونات الجينز الضيقة، فيجعل صاحبته أقرب للمتبرجة من المحجبة، لما فيه من الفتنة للرجال بالإثارة والإغراء، وكذلك القدوة السيئة للنساء، ولذا لا يجوز للمرأة لبسه. بل إن إبداء الزينة من خلال الحجاب المفتقد لضوابطه الشرعية يعد من التبرج المنهي عنه شرعاً، فقد قال تعالى: «وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى» آية 33 سورة الأحزاب.
ما فعلته مذيعة قناة «المحور» ريهام سعيد، عندما اضطرت لوضع الحجاب الشرعي كاملاً بناء على شرط أحد الشيوخ للموافقة على إجراء حوار معها، أثار جدلاً فقهياً حول «الحجاب الاضطراري» للمرأة، سواء في مكان العمل أو حضور مؤتمر أو حتى في سهرة أو رحلة أو أي مناسبة تتطلب ارتداءه ثم خلعه. فماذا يقول رجال الدين عن الحجاب الاضطراري؟ هل يوافقون عليه أم يرفضونه؟ وما هو موقف المرأة إذا ما دعتها الظروف لوضع الحجاب الاضطراري؟
بدأت القضية عندما قررت ريهام سعيد، مذيعة برنامج «صبايا» في قناة «المحور»، مقابلة الشيخ محمد علي لإجراء حوار معه، إلا أنه رفض إجراء الحوار إلا بعد ارتداء المذيعة الحجاب الشرعي الفضفاض. واستجابت المذيعة لطلبه على الفور، ولكنها حرصت على عدم الظهور أمام الكاميرا وتركت كاميرا البرنامج موجهة إلى وجه الشيخ طوال الحلقة، وفور انتهاء التصوير خلعت الحجاب الاضطراري. إلا أن المفاجأة المدوية، التي وقعت على رأس المذيعة، تمثلت في قيام الشيخ بتصوير اللقاء الذي ظهرت فيه المذيعة بالحجاب الشرعي، وبثه على شبكة «الإنترنت» كاملاً، وهو ما أثار بدوره العديد من ردود الفعل المتباينة على فكرة الحجاب الاضطراري.
استغراب
واستغربت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح من استجابة المرأة في خلعها الحجاب بعد انتهاء سبب الاضطرار، فهي ترفض تنفيذ أمر رب البشر في الارتداء الدائم له، لأن الدين ليس حسب المزاج الشخصي وإنما هو أمر إلهي واجب التنفيذ، لقوله تعالى: «ومَا كَان لِمُؤمِنٍ ولا مُؤمِنةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُه أَمْراً أَنْ يكُونَ لَهمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمُ ومَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَه فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا» آية 36سورة الأحزاب.
وأشارت إلى ضرورة استخدام الرفق في التحدث إلى من لبست الحجاب وخلعته، سواء كان ذلك اضطرارياً أو حتى اختيارياً، وفتح باب التوبة لها، لقوله تعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيما» آية 17 سورة النساء. وقوله كذلك: «أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» آية 104 سورة التوبة.
ولهذا كان على المرأة أن تفكر ألف مرة قبل اتخاذ قرارها بارتداء الحجاب استجابة لبشر، سواء كان زوجاً أو أباً أو رئيساً في العمل، ثم خلعه دون أدنى خشية من الله الذي فرض عليها الحجاب.
مخطئة ولكن
وترى الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أنه رغم خطأ من ترتدي الحجاب اضطرارياً ثم تخلعه من الناحية الشرعية، لكن لابد أن نفتح لها باب الأمل والرجاء في التوبة، وإزالة كل ما من شأنه إعاقتها عن التوبة، خاصة أن فيها القابلية له ولو بشكل موقت أو اضطراري، لأن من ترتدي الحجاب اضطرارياً ليست كارهة له، وإنما هي مستهترة به.
ولهذا فإن دور الدعاة بيان الخطأ من الصواب، لقوله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» آية 53 سورة الزُّمَر.
وأوضحت الدكتورة آمنة أنه لا يجوز للزوج أو الأب أو صاحب العمل إلزام المرأة بالحجاب موقتاً ثم خلعه، لأنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وقد أعجبتني، والكلام للدكتورة آمنة، مقولة لشيخ الإسلام ابن تيمية: «من تدبر أصول الشرع علم أن يتلطف بالناس في التوبة بكل طريق». أما التضييق والتعسير ليس من الإسلام في شيء، وعلينا الصبر على العصاة حتى يتوبوا، ولا نجعل من أنفسنا أرباباً نُدخل هذا الجنة وهذا النار، فقد قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» آية 200 سورة آل عمران.
لا للترهيب
تقول رئيسة قسم علوم القرآن في جامعة الأزهر الدكتورة مهجة غالب إن «ما تفعله بعض النساء، من ارتداء الحجاب لظرف ما ثم خلعه، يعد مخالفة شرعية مركبة، لأن عدم ارتدائها الحجاب من الأصل يعد إثماً تتوقف درجته على دافعها إلى ذلك، إن كان ناتجاً عن إنكار لفرضية الحجاب أو كسلاً وتهاوناً، وهل هي مضطرة لخلعه أم لا؟ وهذه المسألة مردها إلى النية التي يحاسبنا الله عليها، وكما جاء في قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّمَا لِكلِ امْرِئٍ مَا نَوَى».
وأشارت إلى أن «من تنكر الحجاب فهي تنكر فرضاً دينياً تحدث عنه القرآن في قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» آية 59 سورة الأحزاب. وقد وردت مادة «حجب» في القرآن الكريم ثماني مرات، بعضها يدور كله بين الستر والمنع والأمر بالحجاب الشرعي. فهذا أمر إلهي لكل نساء المسلمين متى وصلن إلى سن البلوغ، وليس اختياراً أو حرية شخصية كما يقول البعض، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه». أما إذا كانت لا ترتديه تكاسلاً دون إنكار لفرضيته فهي آثمة شرعاً».
وأنهت الدكتور مهجة كلامها بالتأكيد على استخدام الترغيب قبل الترهيب في التعامل مع حالات الحجاب الاضطراري، الذي يتم خلعه في أسرع وقت، وذلك بتوضيح ما ارتكبته المرأة من خطأ دون تشدد أو تعصب، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الرفق رأس الحكمة، اللّهم من وليَ شيئاً من أمور أُمتي فرفق بهم، فارفق به، ومن شقق عليهم فاشقق عليه».
وما تفعله المرأة في حالة الحجاب الاضطراري ذنب لا يفوق كفر فرعون، ومع هذا أمر الله نبيه موسي وأخاه هارون أن يتكلما معه برفق في دعوته إلى الحق، فقال تعالى: «اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِى وَلاَ تَنِيَا فِى ذِكْرِى اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلا لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى» الآيات من 42- 44سورة طه. وما أحوجنا جميعاً إلى التطبيق العملي لقوله تعالى: «وقولوا للناس حُسنًا» آية 83 سورة البقرة. وذلك من خلال التعامل مع كل العصاة، وليس من ترتدي الحجاب اضطرارياً ثم تخلعه.
تحذير
وحذَّر الدكتور أحمد عبده عوض، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا، من تحترف «لعبة» الحجاب الاضطراري الذي قد ترتديه وتخلعه في اليوم أكثر من مرة، حتى أن من يراها يحتار هل هي محجبة أم متبرجة. ولهذا فإن من تلجأ الى الحجاب الاضطراري لمصلحة تكون مخطئة وتخشي الناس أكثر من خشيتها لله، وهذا أمر مذموم شرعاً لأنه مرتبط بالمصلحة الدنيوية، وفي هذا مخالفة لما نهى الله سبحانه وتعالى عنه في قوله: «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ» آية 31 سورة النور. ويري جمهور الفقهاء أن المقصود بقوله «ما ظهر منها» الوجه والكفان.
وأضاف عوض: «أخشى أن تكون المصرة على التبرج شبه الدائم ثم الحجاب الاضطراري لساعات ممن قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيها: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».