هل يحق للزوج سحب العصمة من زوجته؟
د. محمد رأفت عثمان, د. آمنة نصير, الشيخ يوسف البدري, د. مبروك عطية, جمال البنا, د. عبلة الكحلاوي, د. أحمد عمر هاشم, علماء الدين, أدلة شرعية, عقد الزواج, د. صبري عبد الرؤوف
18 يوليو 2011أبعاد شرعية واجتماعية
وتحلل الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، القضية من أكثر من زاوية بقولها: «جعل العصمة بيد الزوجة له عدة أبعاد شرعية واجتماعية، باعتبار أن عقد الزواج عقد كأي عقد آخر يمكن للإنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، أن يضع فيه ما يريد من الشروط ما دامت لا تتصادم مع الشرع أو مع حقوق أي طرف. وبالتالي إذا طلبت الزوجة عصمتها بمعنى أن تطلق نفسها في أي وقت كيفما تشاء، فهذا حق لها والشرع لا يرفضه حتى إن كان العرف الاجتماعي يسخر منه، إلا أن هذه السخرية موروث اجتماعي مرتبط بأن العصمة بيد الرجل وحده، وليس له التنازل عن حقه في الطلاق ولو بشكل جزئي، لأن هذا يطعن برجولته ومكانته في المجتمع».
وأضافت: «لكن يجب النظر إلى تعاليم الشرع بعيداً عن الموروثات الاجتماعية، وبالتالي فإنه إذا توافق وتراضى الزوجان على جعل العصمة بيد المرأة، وحقها في تطليق نفسها بما لا يتنافى مع حق الرجل في التطليق، فهذا شرط يجب الوفاء به وعدم سحبه بعد ذلك، لأن في هذا إضراراً بالزوجة التي دخلت الحياة الزوجية بناء على هذا الشرط، والإسلام يأمر بالوفاء بالعقود والعهود، وجعل هذا الوفاء صفة من صفات المؤمنين الذين يخشون الله ولا يرتضون ظلم الآخرين، حتى أنه جاء في بداية الحديث القدسي الطويل: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا»، وجاء في نهايته: «يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه».
وأوضحت الدكتورة آمنة أنه إذا كانت الشريعة لم تحرم المرأة كليةً من حق الطلاق، فأباحت لها طلب الطلاق للضرر إذا استحالت الحياة مع زوجها، فقد أباح لها الإسلام أيضاً أن تشترط أن يكون الطلاق بيدها في ما يطلق عليه الفقهاء «تفويض الطلاق»، أو العصمة كما هو شائع لدى العامة. وطالما وافق الزوج على ذلك في العقد فإنه يلزمه الوفاء عند بعض الفقهاء الذين استدلوا بما جاء في سورة الأحزاب عندما أمر الله رسوله أن يخير أزواجه بين البقاء معه أو الطلاق ونيل كل حقوقهن، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا» الآيات 28-30 سورة الأحزاب.
بعض الزوجات يشترطن أن تكون العصمة في أيديهن فيوافق الأزواج، بل يرد هذا الشرط في عقد الزواج. لكن هل يحق للزوج بعد ذلك أن يسحب العصمة من زوجته؟ علماء الدين يختلفون، فهناك من يرى ذلك حقاً للزوج، وهناك من يعترض ويطالب بالوفاء بما تم الاتفاق عليه مع الزوجة. فما هي الأسانيد الشرعية التي يحتكم فيها كل فريق إلى رأيه؟
في البداية يؤكد الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون، أن وجود العصمة في يد الزوجة ليس أمراً مجمعاً عليه من الفقهاء، وإنما هو مثار خلاف بينهم، ولكن الغالبية منهم ترى أن الزوجة إذا اشترطت على زوجها شرطاً في العقد فيجب النظر في هذا الشرط، فإن كان لا يخل بمقتضى عقد الزواج وكان فيه منفعة للزوجة بتوافق الطرفين كان شرطاً جائزاً ويجب الوفاء به وعدم سحبه كنوع من المكيدة لها أو الإضرار بها، وهناك من يرى أن أي شرط يجعل للزوج شريكاً في حق الطلاق حتى وإن كانت زوجته هو شرط باطل، ولو كان بموافقته.
واقترح عثمان رفع الأمر، «باعتباره قضية خلافية، إلى المجامع الفقهية والقضاء لاتخاذ القرار النهائي الملزم الذي يخرجنا من دائرة الخلاف الفقهي الذي يتراوح بين إلزامه بالوفاء بالشرط، وخاصة أن الزوج قد أعطاها هذا الحق ووافق على ذلك، وبين من يرون أن هذا الشرط باطل».
الاستثناء والقاعدة
وترى الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، أن قول الرجل لزوجته عند عقد الزواج «جعلت العصمة بيدك» أو «عصمتك بيدك» أو «أمرك بيدك» يعطيها الحق في تطليق نفسها. وغالباً ما يرجع سبب تمسك العديد من الزوجات بهذا لرغبتهن في تطليق أنفسهن عند الضرورة، وخاصة إذا كان الأزواج أقل منهن مادياً أو اجتماعياً، وتخشى الزوجة ابتزاز زوجها لها إذا رغبت في الانفصال لعدم توافقها في المعيشة معه، ولهذا ترى أنه إذا كانت العصمة بيدها فهو يعطيها نوعاً من الاطمئنان إلى سهولة الطلاق دون مشكلات مع الزوج أو لجوء إلى القضاء للطلاق بسبب الضرر.
وأشارت إلى أن جعل العصمة بيد الزوجة يظل استثناءً للقاعدة، وهي أن العصمة في يد الزوج، وأن ما أعطاها من العصمة لا يمنعه حقه في تطليقها، أو سحب ما أعطاها من حق العصمة إذا رأى مصلحة الأسرة تقتضي ذلك. وهذا السحب ليس مخالفاً للشرع، وإنما هو أقرب لمن أعطى شريكاً له توكيلاً في أمر ما من حقوقه الأصيلة التي من حقه استردادها مستقبلاً، فيكون أشبه بمن يسحب الوكالة.
وأوضحت أنه رغم اتفاق غالبية الفقهاء على ذلك، فإن هناك آراء ترى أن الوفاء بالعهود والعقود أمر واجب شرعاً، خاصة أن الزوجة ارتضت الزواج بناءً على هذا الشرط، وإذا كان الزوج قد رفض إعطاءها حق العصمة فمن الممكن أن ترفض إتمامه، ولهذا فإن موافقتها على إتمام الزواج كانت مشروطة ويجب بالتالي الوفاء بما تم الاشتراط عليه، وليس من حق الزوج سحب حق الزوجة في تطليق نفسها، خاصة أن هذا لا يتنافى مع حق الزوج في تطليقها رغم وجود العصمة بيدها.
الوفاء واجب شرعاً
ويرى المفكر الإسلامي جمال البنا أنه ليس من حق الزوج سحب العصمة التي أعطاها لزوجته عند عقد الزواج، بل إنه مطالب شرعاً بتنفيذ قوله تعالى: «وأَوْفُوا بِالْعُقُودِ» آية 1 سورة المائدة. وقد حذر رسول الله، صلى الله عليه و سلم، من الغدر وعدم الوفاء بالعهود والعقود، فقال: «إن الغادر ينصب الله له لواءً يوم القيامة فيقال: ألا هذه غدرة فلان». ولهذا يجب على الزوج الوفاء بما تم الاتفاق عليه وعدم سحبه ومنعها حقها في الطلاق، إذا أرادته كما اشترطت هي ذلك ووافق في بداية عقد الزواج، وهذا ما أكده رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله: «المسلمون على شروطهم».
بنود العقد
ويرى الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن الفقهاء الذين قالوا بجواز أن تكون العصمة بيد الزوجة، نظروا إلى عقد الزواج على أنه عقد كبقية العقود يجب الالتزام ببنوده، وأنه عقد صحيح يجب تنفيذ ما تم التوافق والاتفاق عليه، ولا يعقل أن يرجع الزوج في اتفاقه بدون مقدمات وبعد فترة طالت أم قصرت.
ويمنعها حقها في تطليق نفسها، خصوصاً أن هذا لا يتعارض مع حقه في تطليقها إذا أراد ذلك رغم وجود العصمة بيدها، أي أنه تنازل عن جزء من حقه في التطليق وليس تنازلاً كلياً، على عكس ما يفهمه عامة الناس من أن العصمة بيد الزوجة تسلب الزوج حقه في الطلاق، فهذا فهم خاطئ يجب تصحيحه، لأن إعطاء الزوجة العصمة لا يلغي حق الرجل في إيقاع الطلاق في أي وقت مثل أي زوج، إلا أنها لها حق إضافي بتطليق نفسها متى أرادت. ومع التأكيد أنها تطلق نفسها من زوجها ولا تطلق زوجها كأن تقول له «أنت طالق» كما نرى في الأعمال الفنية. ولكن يبقى الأصل أن الطلاق بيد الزوج، حتى ولو كانت عصمة زوجته بيدها لقوله تعالى: «فإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فأمْسِكُوهنَّ بِمعْرُوفٍ أوْ فَارِقُوهنَّ بِمعْروفٍ» آية 2 سورة الطلاق. فهذه الآية تؤكد أن الطلاق أو عدمه حق أصيل للزوج.
الرجوع في التوكيل
ويقول الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم إنه «من الأرجح عند غالبية الفقهاء أن الزوج له حق الرجوع في إعطاء زوجته حق جعل العصمة بيدها، وفسخ ما أعطاها إياه من حق التطليق لنفسها، وعندئذ يرجع حق التطليق إليه وحده لأنه أشبه بالرجوع عما سبق أن أوكلها فيه من حرية التصرف، وبالتالي تبطل الوكالة ويتم فسخ التوكيل. ومع هذا فهناك من الفقهاء من يرى استمرار العصمة بيدها طالما ارتضى الزوج ذلك في بداية العقد، ولهذا فهو ملزم الوفاء بالشرط الذي وافق عليه، وذلك لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً» وقول الفاروق عمر بن الخطاب «مقاطِع الحقوق عند الشروط».
وعن تفويض الزوج لزوجته أن تطلق نفسها بعد العقد، أكد هاشم أن «هذا جائز عند أكثر الفقهاء، ولكنهم اختلفوا في ما إذا فوضها هل يتقيد ذلك بفترة مجلس التفويض فقط؟ فلو طلقت نفسها بعد ذلك لم يقع أم أن ذلك الحق في تطليق نفسها يكون على التأبيد أو الاستمرار، ما لم يرجع الزوج في ذلك، حيث يرى الإمام مالك والإمام الشافعي أن حق العصمة مقصور على المجلس ولا طلاق لها بعد مفارقته لأنه نوع من التخيير لها وقت المجلس فقط. أما مذهب الحنابلة فجعلوا حقها في العصمة مستمراً بعد مجلس العقد ما لم يرجع الزوج عنه مستقبلاً».
وأنهى هاشم كلامه مؤكدا أنه يرى الموافقة على جعل العصمة بيد المرأة نوعاً من التوكيل في الطلاق، من حق الزوج الاستمرار في إعطائها إياه أو سحبه منها حسب ما يراه من المصلحة العامة للأسرة باعتباره مسؤولاً عن إدارة شوونها، والذي يحمل العبء الأكبر من النفقات والنتائج التي يسفر عنها الطلاق من حقوق للمطلقة وأولادها.
لا عصمة للزوجة
وعلى النقيض من غالبية الآراء السابقة، نجد الشيخ يوسف البدري عضو مجمع البحوث الإسلامية يعترض على جعل العصمة بيد الزوجة من الأصل، مؤكداً أنه إذا اشترطت الزوجة عند العقد أن يكون الطلاق بيدها، فهذا شرط باطل ولا يصح عند غالبية الفقهاء، لأنه مخالف لقول الله سبحانه وتعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» آية 34 سورة النساء. واتفق الفقهاء على أن الطلاق في الأصل هو من حق الرجل وحده، وباعتبار ذلك يتفق مع الفطرة لأنه الراعي للأسرة وبيده مفاتيح إقامة الأسرة بالزواج وتحمل نفقاتها، وكذلك بيده إنهاء الأسرة بالطلاق وتحمل نفقات ذلك أو تبعاته، فضلاً عن قدرته على ضبط عواطفه وانفعالاته وتحكيم عقله عندما تقع المشكلات الزوجية.
وأضاف البدري: «إذا كان هناك قلة من الفقهاء قد أجازوا أن تكون العصمة بيد المرأة، إلا أن هذا لا يسلب الرجل حقه في الطلاق أو أن يسترد ما أعطاه للمرأة من حقها في تطليق نفسها، لأن هذا رجوع إلى الأصل، وهو حق الرجل وحده في الطلاق وأن العصمة بيده، ولا يجوز له أن يتنازل عنها في عقد الزواج، وإن فعل فهو شرط باطل لا قيمة له من الناحية الشرعية، لأنه لم يرد فيه نص في القرآن أو السنة. وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط».
قضية خلافية
وعن رأي المذاهب الفقهية في القضية، قال الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر: «يرى علماء الأحناف جواز اشتراط المرأة جعل العصمة بيدها إذا ابتدأت المرأة بتأكيد ذلك، مثل قولها: «زوجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي أطلق نفسي متى شئت». ويرد عليها الزوج: «وأنا قبلت وأن يكون أمرك بيدك». وتراوحت الآراء الأخرى بين مجيز بشروط لحق الزوجة في اشتراط العصمة أو مانع لأي شرط بالعصمة، حتى وإن توافق عليه الزوجان، ويرون الشرط مخالفاً للشرع».
وأضاف: «أرى أنه إذا كان الزوج قد أعطى زوجته العصمة وفق الضوابط الشرعية الصحيحة، وأراد سحبها أو الرجوع فيها فهذا جائز شرعاً، لأن الزوج استرد ما سمحت به نفسه عند الزواج من التنازل جزئياً عن حق ثابت له شرعاً. مع احترامي الشديد لآراء الآخرين الذين يرون أنه ليس من حقه استرداد العصمة أو سحبها، لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن توفوا بما استحللتم به الفروج».