كم ننفق؟ وعلى ماذا؟
التسوق, الصيام, الإفطار, هاني حامد, د. سامية خضر, شهر رمضان, التسوق للطعام
25 يوليو 2011ميزانية الطبيب
إلى جانب الميزانية الضخمة التي يخصصها المصريون للطعام والكلام في المحمول في شهر رمضان، فإن الطبيب له حصة من الميزانية، كما يؤكد الدكتور إيهاب أبو اليزيد استشاري السكر والغدد الصماء وعلاج السمنة .
ويوضح الدكتور إيهاب أن الكرم الرمضاني في تحضير الطعام وتناوله هو إسراف يضرّ بصحة الإنسان، خاصة مع زيادة أعداد مرضى القولون العصبي والضغط والسكري، ورغم ذلك يتناولون الطعام بعشوائية، ودون تخطيط فيثقلون ميزانيتهم بالأدوية الهاضمة، وعلاجات الضغط والسكري، نتيجة تناول أطعمة دسمة على مائدة الإفطار.
بلا ترشيد
ترتفع إنفاقات الشهر الكريم لتصل إلى أكثر من 100 في المئة، أكثر من الأيام العادية، هذا ما يحدث مع الدكتورة أسماء سويلم، مدرسة اللغة الإنكليزية بالمعهد الثقافي الروسي التي تقول: «أعترف بأنني فاشلة اقتصادياً، لا أخطط لمصاريف رمضان، ولا أضع بنوداً تحت الإنفاق أو الترشيد، فأنا أنفق بلا تقصير، ومن حق أولادي أن يجدوا إفطاراً كريماً على المائدة».
وتضيف: «الجميل في الأمر أن السكر ليس سبب ارتفاع ميزانيتي كسائر النساء، حيث أنحي الحلوى جانباً، وأهتم بالفواكه الطازجة. فأنا أم تهتم بصحة أسرتها، خاصة أن زوجي مصاب بالسكري، كما إنني حريصة على تعويد أبنائي على عادات غذائية صحيحة، تجنباً لأمراض العصر كالضغط والسكري، فأهتم بالخضر والفاكهة والعصائر الطازجة، لذا تحتل المرتبة الأولى في إنفاقاتي في شهر رمضان».
وتؤكد الدكتورة أسماء أيضاً أن الموائد الرمضانية وإعداد موائد الرحمن، من أهم أسباب ارتفاع الميزانية في رمضان.
ميزانية بيوتنا في شهر رمضان تختلف بالتأكيد عنها في أي شهر آخر، حتى أن هناك من يضعون ميزانية خاصة جداً للشهر الكريم، ويحشدونها قبل قدومه بفترة طويلة. لكن ما هي أوجه الإنفاق خلال شهر رمضان؟ وهل حدث عليها تغيير في السنوات الأخيرة؟ وهل هناك بنود جديدة في الميزانية تنافس البند الأشهر وهو الطعام؟ «لها» تخترق أسرار ميزانية بيوتنا في رمضان، وترصد كم ننفق وعلى ماذا...
عمرو قاسم رب أسرة مكونة من خمسة أفراد، وشأنه شأن الأزواج، كل علاقته بميزانية الأسرة أن يسلّمها لزوجته وهي تتولى تدابير الإنفاق. يقول: «منذ زواجي بسها وأنا أسلمها راتبي كاملاً كل أول شهر، ولا آخذ منه إلا مصاريفي الشهرية، تاركاً لها كامل الحرية والمسؤولية في تدبير ميزانية المنزل، وبالتالي ليس لي علاقة بميزانية رمضان، فقط أصطحب زوجتي الى التسوق قبل الشهر الكريم لقضاء حاجة المنزل نظراً الى كثرة الطلبات».
ومن جانبها تقول سها إبراهيم زوجة عمرو: «رغم أن رمضان وجبتان فقط، ترتفع الميزانية فيه لأكثر من 100 في المئة، نظراً الى كثرة استهلاك السكر في المشروبات والحلويات اليومية خاصة أن الصائم يتلهف عليها».
وتضيف: «أستعد لرمضان قبل أن يهلّ بشهر، وأشتري مبكراً الأرز والسكر والسمن والزيت، لأن أسعار تلك المواد الغذائية لا تتوقف عن الارتفاع مع حلول الشهر الكريم، أما اللحوم فلا أشتريها إلا قبل رمضان بأسبوع، حتى لا تبقى في الثلاجة فترة طويلة».
ميزانية مرهقة
وتعترف سها بأن ميزانية رمضان مرهقة جميع الأسر، وأن أكثر المواد الغذائية إرهاقاً هي السكر والزيت والسمن، لأنها المواد الأكثر استخداماً في رمضان، خاصة أن الموائد تستهلك قدراً أكبر من تلك المواد الغذائية، نظراً إلى ضرورة التنوع في مصادر البروتين في الموائد الرمضانية مما يضاعف الميزانية أكثر.
تشهد العائلة لسها بأنها ربة منزل اقتصادية من الدرجة الأولى، وتستعين بها أخواتها وأخوات زوجها في محاولة لترشيد الاستهلاك وضبط جماح الميزانية في شهر الصيام، وتقول: «دائما ما أنصحهنّ بما أقوم به داخل أسرتي، تقنيناً للمصاريف في رمضان، فأقسم أيام الأسبوع ما بين الدواجن واللحوم والكفتة والبانيه، واختار يوماً لا أقدم فيه أي نوع بروتين على مائدة الإفطار تقليصاً للميزانية».
وتتابع: «أصنع بعض المشروبات الرمضانية بنفسي في المنزل، فتكون تكلفتها أقل، مثل التمر هندي والكركديه، وأحياناً أقدم الليمون كعصير للإفطار، فهو صحي وغير مكلف. كما أقدم فائض طعام الإفطار في السحور، وأضيف الخضر على الجبنة البيضاء حتى تعطي كمية أكبر، وتمنح شعوراً سريعاً بالشبع. أيضاً كثيراً ما أستبدل الحلويات الرمضانية بالفاكهة، لأن سعرها أقل. هكذا أنصح أقاربي وصديقاتي من أجل ترشيد الميزانية قدر المستطاع دون تبذير، ودائماً ما أشدد عليهنّ بعدم الإسراف في كمية الإفطار كي لا يكون هناك فائض مهدر».
الاستعداد للعيد
تؤكد ندى النويهي، ربة أسرة مكونة من 5 أفراد، أن سبب ارتفاع الميزانية في رمضان ليس الطعام فقط بل الاستعداد للعيد أيضاً، وتقول: «لا أبالغ إن قلت إن ميزانيتي تتضاعف لأكثر من 200 في المئة خلال شهر رمضان، رغم أنني أستعد له مسبقاً، وأشتري مستلزمات الطعام قبل دخول الشهر بثلاثة أسابيع، ولكن أجدادنا قالوها حكمة، وقسموا رمضان إلى ثلاث مراحل، أول عشرة أيام للأكل والانهماك فيه، والعشرة أيام الثانية لشراء ملابس العيد، والعشرة الأخيرة لعمل كعك العيد».
وتجزم ندى بأن ميزانية الطعام هي الأضخم، مشيرة إلى أنها تبدأ الادخار لها قبل رمضان بشهر أو اثنين، وتبدأ تذكير زوجها بضرورة توفير ميزانية رمضان، باعتباره مصدر الأموال وهي وزيرة المالية داخل الأسرة والمسؤولة الوحيدة عن الإنفاق والترشيد.
هوس التسوق
أفاد تقرير لمركز المعلومات برئاسة الوزراء لعام 2010، أن الأسرة المصرية تنفق على الطعام 44.9 في المئة من إجمالي إنفاقها سنويا، وبالتالي يأتي الطعام في المرتبة الأولى من حجم إنفاق الأسرة المصرية، فيما يتوقع خبراء اقتصاد أن يتضاعف هذا الرقم في السنوات المقبلة، بسبب الارتفاع الحاد في أسعار السلع الغذائية المصرية.
لذا يستبعد أستاذ الطب النفسي الدكتور هاني حامد أن يكون هوس التسوق هو سبب زيادة الشراء وارتفاع ميزانية الأسرة في رمضان، ويقول: «تضخم ميزانية الأسرة في رمضان ظاهرة مرصودة في العالم العربي كله، وكأن العقل الباطن بحدوث الصيام تنتابه حالة من القلق والتوتر الشديد، فيقبل على شراء كميات كبيرة من الطعام وتحضير كميات كبيرة أيضاً على المائدة، وكأنه داخل على معركة حربية يلزمها التأهب والاستعداد، فيخزن لمعركة الصيام على مدار 30 يوماً».
ويشير أستاذ الطب النفسي إلى أن العادات والموروثات تلعب أيضاً دوراً كبيراً في هذا التخزين، فقد اعتاد الجدود وتوارثت الأجيال، أن رمضان شهر الخير والكرم، ويجب أن تزخر المائدة بجميع أنواع الطعام والحلوى والفاكهة والياميش، فضلاً عن انتقال عدوى الشراء من بيت إلى بيت، فيزيد الإقبال على الشراء من أجل المماثلة، رغم أن الصائم لا يستطيع تناول قدر كبير من الطعام.
ويضيف: «الدعوات أيضاً سبب الشراهة في الشراء وتضخم الميزانية، فرغم هدفها الحميد من ترابط وتواصل بين الأسر في رمضان، تؤدي مظاهر الكرم الرمضانية إلى ارتفاع مستوى إنفاق الأسرة، وغالباً ما يكون الفائض من العزومة حوالي 60 في المئة، لذا يمكن لجميع الأسر توفير أكثر من نصف ميزانيتها في رمضان إذا اعتمدوا على الجانب الروحاني في الشهر، وفهموا معنى الاعتدال والاستفادة من فائض الميزانية في مساعدة الفقراء والمحتاجين».
أرقام وإحصاءات
بالأرقام الحسابية المعتمدة من المصادر، يتزايد معدل إنفاق المصريين في شهر رمضان بنسبة تتراوح ما بين 50 و100 في المئة، ويدخل في سبب هذه الزيادة الإنفاق على الطعام، والحديث في المحمول، هذا ما يؤكده الدكتور أحمد عبد الحميد المقدم، خبير الاقتصاد والتنمية البشرية. ويضيف:
«تشير التقارير في السنوات الماضية إلى أن متوسط الاستهلاك في اللحوم يزيد من 17 ألف طن إلى نحو 30 ألف طن، ويصل معدل الاستهلاك في الدواجن فقط إلى نحو 120 مليون دجاجة مقابل 60 مليون دجاجة في الشهور العادية، ويزيد الاستهلاك في الزيوت من 60 ألف طن إلى 75 الفا، كما يرتفع متوسط الاستهلاك في السمن النباتي من 25 ألف طن إلى 75 ألفا، أما السكر فيزيد من 175 ألف طن إلى 250 ألفا ، للإسراف في الحلويات الرمضانية. بينما تكون نسبة الفاقد في الموائد المصرية خلال رمضان حوالي 60 في المئة وتتجاوز 75 في المئة في حال العزومات والولائم العائلية».
ويوضح المقدم أن فاتورة رمضان غالباَ ما تعادل إنفاق ثلاثة أشهر، فيما أكدت أبحاث اجتماعية أن قدوم شهر رمضان هذا العام، متزامناً مع بداية الدراسة في المدارس والجامعات، يضع الأسرة في موقف لا تحسد عليه، لأن فاتورة رمضان وحدها تثقل كاهل الأسر، ولكن أضيفت إليها هذا العام فاتورة شراء مستلزمات الدراسة والمصاريف والدروس الخصوصية المكلفة.
ولا تتوقف ميزانية الأسرة عند الحد الاستهلاكي للطعام، ويدرج الدكتور أحمد المقدم فواتير فوانيس رمضان ضمن الميزانية، مقدّراً كلفة فوانيس رمضان بـ 50 مليون جنيه منها 40 مليون جنيه فوانيس مستوردة من الصين. كما ينفق المصريون على مكالمات المحمول ثلاثة مليارات جنيه شهرياً تزيد في رمضان، حتى أن هناك من ينفقون على المحمول أكثر مما ينفقون على طعامهم.
سلوك مرفوض
من جانبها، ترفض الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع، معدلات الزيادة في ميزانية الأسرة خلال شهر رمضان، مؤكدة أنه سلوك مرفوض ولا يتماشى مع الأحوال المادية التي تمر بها معظم هذه الأسر، فالأفضل أن تنفق الأسرة باعتدال، وتزيد من فعل الخير في رمضان، والتكافل الاجتماعي، والتوجه إلى المساعدة في المشاريع التي تخدم المجتمع، مثل التبرع لمستشفى، أو مجمع علمي.
وتضيف الدكتورة سامية: «رغم أن الأم هي المسؤولة عن الميزانية، وهي التي تنفق، إلا أنها اذا قررت الاعتدال من نفسها ستلاقي مشاكل كبيرة داخل الأسرة، لأن الأبناء والزوج غير مؤهلين لذلك الاعتدال وتغير سلوكهم فجأة، لذا على الزوجة الاجتماع بأفراد أسرتها ومناقشة أمور ميزانيتهم والاتفاق على رفض هذا السلوك الخاطئ، حتى يستوعب الجميع وتتلافى أي مشاكل قد تدور بينهم».