هل يجوز لأهل الفن رفع الأذان وتسجيل القرآن؟
شيرين عبد الوهاب, أم كلثوم, إيهاب توفيق , ياسمين الخيام, د. عبلة الكحلاوي, د. ملكة يوسف, رفع الأذان, شهر رمضان, تلاوة القرآن الكريم
19 سبتمبر 2011جائز بضوابط
في البداية يعرّف عميد كلية أصول الدين في جامعة الأزهر الدكتور بكر ذكي عوض الأذان بأنه الإعلام، وهذا ما نفهمه من ورودها في قوله تعالى: «وأذان من الله ورسوله» آية 3 سورة التوبة، أي: إعلام. ويعود حرص الناس عليه إلى وجود أحاديث نبوية شريفة في ثواب وأجر من يرفعه، ومن أشهرها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه»، وقوله في حديث نبوي آخر «إذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة».
وعن جواز قيام الفنانين والفنانات برفع الأذان قال عوض: «بالنسبة إلى الرجال لا مانع شرعاً، ولكن يفضل أن يكون الفنان حسن الصوت والسيرة، وليس من المشهورين بأدوار المعاصي أو محاربة الفضيلة، لأنه يقيم شعيرة دينية فيجب أن يكون قدوة لغيره. أما بالنسبة إلى قيام الفنانات برفع الأذان فهذا مرفوض شرعاً، لأنه لم يحدث في التاريخ الإسلامي، فضلاً عن أن الذكورة شرط في المؤذن عند الفقهاء».
التوبة قبل الأذان
نصح الشيخ فرحات المنجي، من كبار علماء الأزهر، أي فنان يريد أن يسجل القرآن أو الأذان أن يفكر جدياً في التوبة إلى الله، والابتعاد عن المعاصي التي يرتكبها من خلال وجوده في المجال الفني. «وفي الوقت نفسه لا نستطيع الحجر على أحد، ولكن هذا من باب النصيحة الواجبة شرعاً فقد قال صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة». ولكن الأمر مختلف بالنسبة إلى المرأة لأن صوتها عورة، إذا قرأت القرآن أو سجلت الأذان أمام الرجال، مع قيامها بترقيق صوتها وإظهار مواطن الجمال فيه».
مواصفات الفنان المؤذن
من جهته، قال أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا الدكتور أحمد عبده عوض: «لا شك أن ثواب وأجر المؤذن عظيمان عند الله. ويستحب أن يكون حسن الصوت حتى يرغب الناس في تلبية الأذان والإتيان إلى المسجد للصلاة. أما بالنسبة إلى قيام الفنانين برفع الأذان فهذا يتوقف على سمعة الفنان وسيرته ورأي الناس في ما يقدمه من فن. ولعل هذا هو سبب الخلاف حول جواز قيام الفاسق المعروف فسقه بالأذان، فنجد جمهور الفقهاء يرون أنه يشترط في المؤذن أن يكون عدلاً أميناً بالغاً، لأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة والصيام، فلا يؤمَن أن يُخدع الناس بأذانه إذا لم يكن كذلك وكان معتاداً للأذان في المسجد.
أما لمن يسجل الأذان ليذاع في الفضائيات مثلاً فهذا لا شيء فيه، إذا كان الفنان من ذوي السمعة الطيبة والمعروف بأدائه للفن الهادف الذي ليس فيه معاصٍ. أما بالنسبة إلى قيام المرأة بالأذان فهذا غير مسموح به شرعاً، لأنها ستضطر لتجميل صوتها بالأذان مما يجعل صوتها عورة، فضلاً عن أنه لم يثبت في التاريخ الإسلامي قيام المرأة برفع الأذان، وإنما هي صفة خاصة بالرجال وحدهم. ولا بد من التفرقة بين الرغبة الصادقة من الفنان الملتزم بالأذان أو تسجيل القرآن بصوته، والبحث عن الشهرة والفرقعة الإعلامية».
مستحبات في أذان الفنانين
وقالت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات في بورسعيد جامعة الأزهر الدكتورة عبلة الكحلاوي: «من المستحب في حق المؤذن كونه حسن الصوت، متصفاً بالأمانة والعلم بأوقات الصلاة، ومن المشهود لهم بالالتزام بتقديم الفن الإسلامي، مثل الأناشيد الدينية التي قدمها شقيقي أحمد الكحلاوي ووالدي محمد الكحلاوي وأمثالهما ممن يتصفون بهذه الصفات، وذلك لاشتراط الفقهاء في المؤذن أن يكون مسلماً ذكراً عاقلاً مميزاً، فهذه شروط رئيسية. إلا أن هناك من اشترط أيضاً أن يكون عدلاً ولو ظاهراً، لأننا لسنا مأمورين بالبحث عن سرائر الناس لنتعرف على تدينهم أو فسقهم. ومن الشروط المستحبة لصحة الأذان، سواء كان القائم به فناناً أو غيره، أن يأتي بجميع كلماته مرتباً متوالياً. وأما القيام والطهارة واستقبال القبلة فهما من السنن».
هناك فرق
تؤكد أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة الدكتورة ملكة يوسف زرار أنه «لا بد من التفرقة بين تجربة إيهاب توفيق التي قد تكون خلافاً بين الفقهاء، وبين تجربة المغنية شيرين في رفع الأذان بصوتها، لأن هذا يعد حراماً من الناحية الشرعية بشكل قطعي لا يقبل الجدال. وهذا ليس تعصباً ضد المرأة، ولكن لأن تحسينها وتجميلها لصوتها أثناء الأذان ينقلان الصوت من الكلام العادي المباح إلى جعل الصوت عورة إذا سمعه الرجال، ويُخشى أن يفتنوا بحلاوته، وبالتالي لا يجوز رفع الأذان بصوت المرأة على الإطلاق».
ورحبت الدكتورة ملكة بإقبال «بعض المطربين من الرجال على الأذان أو تسجيل القرآن بأصواتهم بشرط أن يكون ذلك تحت إشراف المتخصصين في علم القراءات حتى لا تحدث أخطاء، مثلما فعل لاعب كرة القدم أسامة حسني الذي سجل بعض القرآن تحت إشراف الدكتور أحمد المعصراوي شيخ عموم المقارئ المصرية. وكذلك ما نشر عن توجه الفنان على الحجار إلى فعل الشيء نفسه. أما أن يظهر فنان في كليبات وأفلام ومسلسلات كلها عري، ثم يقول سأسجل القرآن أو الأذان بصوتي، فهو أمر ليس جاداً وليست لدى الفنان نية صادقة لاحترام ما سيقوم به، وإنما هو من قبيل الدعاية، فإن التزم وأتقن قراءة القرآن وأداء الأذان فما المانع شرعاً».
ودعت الدكتورة ملكة يوسف الفنانات اللواتي يفكرن في الأذان أو حتى تسجيل القرآن بأصواتهن، إلى التأني حياءً مع الله، مثلما فعلت المطربة المعتزلة ياسمين الخيام التي تتمتع بعذوبة الصوت في تلاوة القرآن، ورغم ذلك رفضت تسجيله بصوتها، رغم أنها من بيت علم ووالدها الشيخ محمود خليل الحصري أشهر قراء العالم الإسلامي. ولكن لا مانع من أن تقرأ المرأة، سواء كانت فنانة أو غير فنانة، القرآن بصوتها لبنات جنسها، بشرط ألا يسجلن ذلك ولو على هواتفهن، خشية أن يتسرب فيسمعه الرجال فتأثم المرأة القارئة للقرآن بدلاً من أن تثاب.
ورفضت طلبات بعض المطربات، مثل نجاة الصغيرة، تسجيل القرآن بصوتها قياساً على قيام المطربة الراحلة أم كلثوم بذلك، لأن ذلك ليس حجة على الإسلام، وإذا سمحنا بذلك ستكون فتنة. ومن القواعد الشرعية التي يجب تطبيقها في تلك القضية «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه لا يوجد نصّ شرعي يحرم ذلك، لافتةً إلى أن موقفها هو اجتهاد شخصيّ.
أثار قيام الفنان إيهاب توفيق بتسجيل الأذان بصوته، وبث إحدى الفضائيات هذا التسجيل طوال رمضان، جدلاً بين الفقهاء الذين اختلفوا في حكم قيام الفنانين والفنانات برفع الأذان، خاصة أن الفنانة شيرين عبد الوهاب سبق أن حاولت تسجيل الأذان بصوتها أثناء تقديمها لأحد الأدعية، إلا أنها قوبلت باعتراض علماء الدين. فمتى يكون رفع أهل الفن للأذان وتسجيل القرآن بأصواتهم حلالاً ومتى يكونان حراماً؟
وعن تجربته قال الفنان إيهاب توفيق: «كنت أرغب في رفع الأذان بصوتي منذ فترة طويلة، ولكني كنت خائفاً من آراء علماء الدين وعدم موافقتهم على رفع الأذان بأصوات المطربين. وفي النهاية قررت أن أخوض التجربة بعد تسجيلي ألبوم «أرحنا يا بلال»، لأننا في نهايتها كنا نتكلم عن مقولة الرسول، صلى الله عليه وسلم، عندما كان ينادي في بلال بأن يريحهم بالصلاة، فكان يجب أن يكون في ختام الأغنية أذان».
وأضاف: «فكرة الأذان الكامل ليست رغبتي وحدي، وإنما رغبة بعض الفنانين ولكنهم يخافون من آراء المشايخ وعدم موافقتهم على رفع الأذان بأصوات المطربين، ويخشون الدخول في حرب في الكلمات أو الألحان».
وأنهى إيهاب توفيق كلامه بالتأكيد على أنه سيكثر من الأغاني الدينية في الفترة القادمة، كما أنه يعرف مجموعة من العلماء الذين يحترمهم ويستشيرهم في بعض أموره الشخصية والعامة، ولهذا فهو سعيد جداً بتجربة رفعه الأذان الذي أذاعته قناة «النهار» طوال رمضان، ولاقي استحسانا من المشاهدين والأصدقاء.
شروط المؤذن
ويشير عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور أحمد هليل إلى أن تنافس المسلمين، وخاصة ذوي الأصوات الطيبة، على الأذان لم يأت من فراغ، وإنما طمعاً بثوابه الكبير في الآخرة، وذلك استنادا إلى قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة ». وتأكيده صلى الله عليه وسلم الأجر نفسه في حديث ما معناه: «ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون، رجل نادى بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة، ورجل يؤم قوماً وهم به راضون، وعبد أدى حق الله وحق مواليه».
وعن الشروط الواجب توافرها في المؤذن، وهل يمنع من ذلك الفنانون وأمثالهم قال الشيخ هليل: «ليس هناك مانع شرعاً من أن يقوم فنان، أو غيره من أصحاب المهن الأخرى من غير المتخصصين في الأمور الدينية، برفع الأذان في المساجد. وقد اتفق جمهور الفقهاء على شروط المؤذن وأهمها: لا يصح الأذان إلا من مسلم عاقل ذكر، وبالتالي فإنه لا يصح من غير المسلم أو المجنون لأنهما ليسا من أهل العبادات، ولا يعتد بأذان المرأة لأنها ليست ممن يشرع له الأذان، وكذلك الخنثى لأنه لا يعلم كونه رجلاً كاملاً، وهذا كله مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافاً. ولكنَّ هناك خلافاً فقهياً حول جواز أذان الفاسق، لقول منسوب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ليؤذن لكم خياركم»».