الزواج بالتقسيط
المملكة العربية السعودية, د. آمنة نصير, مواقع الزواج الإلكتروني, د. عبلة الكحلاوي, حفل زفاف /عرس, علماء الدين, الشيخ جمال قطب, د. صبري عبد الرؤوف
26 سبتمبر 2011نظام التقسيط المريح
برزت القضية عندما أعلنت عبير حسن، وهي مديرة شركة لتنظيم حفلات الزفاف في السعودية، أنها نظمت أكثر من 51 حفلة زواج، من بينها 13 تمت بنظام التقسيط المريح، رغبة من الشركة في مساعدة الشباب على الزواج.
وأوضحت صاحبة المشروع أن الكثير من المترددين على مؤسستها يرغبون في الزواج وفق نظام التقسيط، خاصة أن من شروط الزواج وفق هذا النظام ألا يتعدى عدد المدعوين 300. ومن أبرز مميزات الزواج بالتقسيط أنه لا يفرق بين سعودي أو غير سعودي، أو موظف أو عاطل عن العمل، بل يوفر الفرصة للجميع شريطة توافر كفيل.
وتحدثت عبير حسن عن نفقات الزواج في السعودية، قائلة: «البعض يطالب مثلا بـ22 ذبيحة عشاء للرجال فقط، وعند السؤال عن عدد الضيوف يتضح أنهم لا يتجاوزون 350 رجلاً، مما يعني أن العدد المطلوب لا يتجاوز 12 ذبيحة، ويتم توفير تسع رؤوس يصل سعرها إلى 12 ألف ريال» .
ودعت الفتيات وأولياء أمورهن إلى تقليل أعباء الزواج، وتطبيق التقسيط على كل ما يتعلق به، من المهر وعدم المغالاة فيه، خاصة أن بعض الإحصاءات أرجعت ارتفاع نسبة الطلاق في المملكة إلى الديون المترتبة على العريس جراء حفلة الزواج.
وتزامنت هذه المبادرة في السعودية مع إعلان بعض مكاتب تيسير الزواج في مصر وتسهيل التعارف بين راغبي الزواج، نجاحها في إقناع أسر الراغبات في الزواج من مختلف الأعمار بالموافقة على الزواج بالتقسيط، حيث يقوم العريس بدفع مقدم، عادة ما يقارب نصف المهر المتفق عليه، ثم يتم الاتفاق على سداد بقية المهر على أقساط بشيكات أو إيصالات أمانة على الزوج لزوجته في فترة سداد معينة مما أدى إلى تيسير الزواج.
جوهر العقد
وعن ضوابط عقد التقسيط قال أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتور صبري عبد الرؤوف: «جوهر أي عقد هو حقيقة المعاملة، ومحتوى التعاقد الذي يقع بين الطرفين، واحترام العقد لتعاليم الإسلام، مثل عدم الاحتواء على تحليل لحرام أو تحريم لحلال، وإقامة العدل، ومنع الظلم، وعدم الاستغلال والغش، وأن يتصف طرفا العقد بصفات، أهمها البلوغ والعقل والرضا.
وبالتالي اذا توافق الطرفان على الشروط فيجب الوفاء بها، لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»، وهذا الوفاء بالعقود والعهود واجب شرعاً، لقول الله تعالى: «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً» آية 34 سورة الإسراء، وقوله تعالى أيضاً: «وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم» آية 91 سورة النحل».
ويضيف الدكتور صبري: «حجم مغامرة الفتاة في زواج التقسيط يتوقف على مدى ثقتها بالشخص الذي ترتبط به، ولذلك فاختيار شخص مناسب وأمين يقلل من المغامرة ويسهل الزواج في الوقت نفسه».
«أتحفظ حماية للزوجة»
وتحفظت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية جامعة الأزهر الدكتورة آمنة نصير عن هذه الفكرة قائلة: «وإن كان هدفها نبيلاً وهو تيسير الزواج، إلا إنها قد تأتي بنتيجة عكسية، وخاصة إذا كان الزوج مماطلاً وعمل على ابتزاز زوجته بسوء المعاملة حتى تتنازل له عن بقية شيكات المهر. ولهذا فإن الفكرة انطلقت من المبدأ الميكيافيللي «الغاية تبرر الوسيلة»، وهذا ما يتحفظ عنه الإسلام، حيث اشترط أن تكون الغاية نبيلة والوسيلة شريفة.
ولهذا فإن فكرة التقسيط إذا كانت ستشجع بعض راغبي الزواج على إتمامه، إلا أنه قد تترتب عليها مشكلات لم تكن في الحسبان، مما قد يجعلها تعجّل في الطلاق مثلما أسرعت في الزواج، فإذا تعسر الزوج ولم يستطع دفع الشيكات أو إيصالات الأمانة وتمسكت الزوجة وأهلها بضرورة السداد في المواعيد فمصير الزوج السجن، أو إجبار الزوجة على التنازل عن بقية مهرها، وخاصة إذا كان هناك أولاد، وبالتالي تدفع الزوجة وحدها ضريبة التقسيط».
فكرة جيدة ولكن
علقت العميدة السابقة لكلية الدراسات الاسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة عبلة الكحلاوي على القضية قائلة: «إنها فكرة جيدة لأنها وسيلة لتيسير زواج الشباب، خاصة أن هناك تقاليد وأفكاراً غير إسلامية لا تزال تتحكم في سلوكياتنا بخصوص الزواج، واذا تم التخلي عنها فسيكون الزواج ميسراً بصورة أكبر. ولكن من المؤسف أن كثيراً من الناس في العالم العربي يربطون الزواج بتوافر الأموال، وهذا ليس له علاقة بحكمة الزواج في الإسلام، الذي يدعو إلى تيسير كل وسائل العفة بالتقليل من نفقات الزواج وخاصة المهر.
من حيث المبدأ يرى بعض الفقهاء جواز إتمام الزواج بالتقسيط إذا ارتضى الزوجان ذلك، لأن المهر حق للمرأة، ولها حرية التصرف فيه أو أخذ بعضه وتأجيل بعضه، طالما تم ذلك بالاتفاق والتراضي. وواجب على الزوج الوفاء بسداد ما يقوم بالتوقيع عليه من الشيكات أو الالتزامات المالية المتفق عليها، وذلك تنفيذاً لقوله تعالى في القرآن الكريم: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» آية 1 سورة المائدة.
وبالتالي يأثم الزوج إذا ماطل في سداد ما عليه في مواعيده، لأن اللَّه سبحانه وتعالى يأمر بالوفاء بالعقود التي تراضى عليها وتعاهد بها الطرفان».
وأنهت الدكتورة عبلة كلامها قائلة: «لا بد أن تراعي الفتيات ظروف الشباب حتى لا تتحول متطلبات إتمام الزواج إلى شروط تعجيزية، سواء اشتراط مهر كبير وتجهيز شقة أو منزل «خمس نجوم»، مما يعوق الزواج أو يتسبب في فشله نتيجة كثرة ديون الزوج، حيث طغت الكماليات على الأسر وتحولت هذه الكماليات بسبب التقاليد إلى ضروريات لا يتم الزواج بدونها».
عدم الوفاء
وعن حكم الشرع في الزوج الذي يتزوج بالتقسيط ولا يفي بما تم الاتفاق عليه، قال الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر الشيخ جمال قطب: «الوفاء بالعقود والعهود في الإسلام واجب شرعاً، وليس حسب المزاج أو علاقة الزوجة بزوجها بعد الزواج، وقد أوصانا الإسلام باحترام العقود وتنفيذ الشروط التي تم الاتفاق عليها، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً»، ولهذا فإن الزوج يكون آثماً شرعاً إذا لم يلتزم بالوفاء بما جاء في العقد، ويكون فيه صفة من صفات المنافقين، لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث، إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان»، ولا شك أن الغدر وخيانة الأمانة وعدم الوفاء بالعهود والعقود من الصفات الذميمة، ولهذا قال تعالى: «إن الله لا يحب الخائنين» آية 58 سورة الأنفال. ويكفي من يتصف بتلك الصفات أن يكون ممن قال الله تعالى فيهم: «الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون» آية 27 سورة البقرة».
ودعا الشيخ قطب من يتزوج بالتقسيط أن يتأمل قصة كليم الله موسى، عليه السلام، باعتبار الأنبياء قدوة حسنة لنا، حيث أوفى بعهده حينما طلب منه شعيب، عليه السلام، أن يعمل لديه سنوات مقابل تزويجه من ابنته، وكأنه زواج بالتقسيط، وقد روى لنا القرآن ذلك في قوله تعالى: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» آية 27 سورة القصص 27. فقال له موسى، عليه السلام: «قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عليَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ» آية 28 سورة القصص. وهنا يتضح أن موسى، عليه السلام، التزم بتطبيق ما تم الاتفاق عليه من خدمة نبي الله شعيب سنوات مقابل تزويجه لابنته، ولم يماطل بعد الزواج، لأن كلاً منهما عرف أن الله شهيد على ما اتفقا عليه من الخدمة المجانية مقابل الزواج.
رغم ما تحمله فكرة الزواج بالتقسيط من تسهيلات للشباب في ظل ظروف اقتصادية صعبة يمر بها كثيرون، فإنها تحمل في الوقت نفسه مغامرة للفتاة التي توافق على الارتباط بشاب يلجأ إلى توفير متطلبات الزواج بالتقسيط بما فيها مهر الفتاة نفسها، وهو ما يعني وجود مشاكل إذا لم يستطع التزام ما عليه من أقساط .
تلك المفارقة بين رغبة الشباب في تسهيل الزواج بتقسيط متطلباته وخوف الفتيات من المغامرة، اختلف حولها علماء الدين ما بين مؤيد لفكرة الزواج بالتقسيط وبين متحفظ عنها.
أداء الأمانة
ويرى عضو لجنة الفتوى في الأزهر الشيخ هاشم إسلام أن ما اتفق عليه الزوجان، من سداد بقية المهر بالتقسيط في مواعيد محددة، يعد أمانة أمرنا الله تعالى أن نؤديها إلى أهلها ولا نخونها، لأن هناك صلة وثيقة بين أداء الأمانة وإقامة العدل. ومن لا يؤدي حقوق الزوجة كيف يمكنه أن يساهم في تطبيق العدالة في المجتمع، رغم أنها تشكل العمود الفقري في العقود ووجوب الوفاء بها، فيقول الله سبحانه وتعالى: «إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّه نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّه كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً» آية 58 سورة النساء.
ويقول الأستاذ في كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر الدكتور عطية فياض: «يعد عقد الزواج من أقدس العقود التي يجب الوفاء بما تتضمنه، أو يلحق بها اتفاق بالتراضي بين الطرفين. ومن الناحية الشرعية، الأصل في العقود هو وجوب الوفاء بها حسب ما تراضى طرفاها، ولا يجوز التخلف عنها، لأن اللَّه أمر بالوفاء بها. كما أمر بالوفاء بسائر العهود، وذلك بناءً على الأمر الإلهي بوجوب الوفاء بالعقد، ولا فرق في العقود بين التي كانت شائعة في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، أو التي استُحدثت في عصرنا لأي سبب كان، وينبغي ضبط العقد بحيث يقيم العدل ويمنع الارتياب والخلاف والتلاعب، ولهذا فقد أمر اللَّه سبحانه بالإشهاد على العقود، ومنها عقد الزواج، وكذلك الإشهاد على الدَيْن مثلما هو الوضع في حالة الزواج بالتقسيط، بتأجيل جزء من المهر بشيكات مدفوعة على دفعات متفق عليها».