عقوبة الزوجة القاسية الحرمان من الإنجاب!
د. آمنة نصير, د. مبروك عطية, جمال البنا, د. عبلة الكحلاوي, جامعة الأزهر, علماء الدين, الشيخ جمال قطب, إنجاب
01 نوفمبر 2011هل يجوز حرمان زوجة من الإنجاب مرة أخرى إذا ثبتت قسوتها ووحشيتها، خصوصاً في معاملة أبنائها؟ هذا السؤال يثيره حكم قضائي بريطاني بحرمان زوجة من الإنجاب بسبب تعذيب ابنتها.
فقد قرر القاضي البريطاني ديفيد تيهرست فرض عقوبة شديدة على أمٍّ بريطانية، بعدما أدينت بالاعتداء على طفلتها البالغة من العمر عامين، والعقوبة هي حرمانها من إنجاب الأطفال مرة أخرى! فهل يمكن تطبيق هذه العقوبة في مجتمعاتنا؟ وماذا يقول علماء الدين عن إمكان حرمان زوجة من الإنجاب إذا ثبتت قسوتها؟
القاعدة الفقهية
ويؤكد الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن الأديان السماوية، وخاصة الإسلام، «تحرص على بناء أسرة سوية بأن يحسن كل من الزوجين اختيار شريك حياته، حتى نضمن استقرار الأسرة وإنجاب أطفال يحصلون على أكبر قدر من الرعاية، لأن الزوج والزوجة اللذين يفرّطان بأمانة رعاية الأطفال إثمهما كبير وحسابهما عسير. لهذا قال صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول». ولهذا أؤيد حكم القاضي رغم قسوته، لأن هذه المرأة نزعت منها كل أسباب الرحمة، حتى بابنتها، ولهذا كان جزاؤها الحرمان من حقها في الإنجاب، لأنها لن تكون أمينة على تربية الأطفال. ونحن هنا انطلقنا من القاعدة الفقهية «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة». ومن ثمَّ فإن إصدار مثل تلك الأحكام الصارمة في بلادنا العربية والإسلامية على الأمهات والآباء غير الأمناء قد يكون رادعاً لهم ولغيرهم».
الإنذار أولاً
وتتحفظ الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، عن الحكم قائلة: «هذه امرأة غير طبيعية، ولهذا كنت أرى أن يبدأ القاضي إنذارها أولاً قبل أن يصدر هذا الحكم الذي يتنافي مع الفطرة الإنسانية في حب الإنجاب لدى البشر جميعاً، وخاصة النساء. ولهذا أتعجب من سلوك هذه الأمّ التي يجب أن يكون التعامل معها بتدرج حتى نصل إلى حكم الحرمان من الإنجاب، الذي يعد أقسى عقوبة لامرأة سوية. ومن ثمَّ فإذا كانت هذه المرأة مريضة نفسياً، أو تعرضت لاضطهاد وظلم في طفولتها جعلا لديها رغبة عدوانية، فهي غير مسؤولة عن كامل تصرفاتها لقوله تعالى: «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا» الآية 27 سورة النور» .
تأييد حكم القاضي
في البداية تقول الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر: «لا شك أن الأطفال نعمة من نعم الله، ولهذا جعلهم الله زينة الحياة الدنيا فقال تعالى: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً» آية 46 سورة الكهف.
وإذا كان الأطفال في حياتنا كانت حياتنا جنة، ولا نشعر بالنقص أو الضعف. أما إذا حُرمنا منهم كنا في قلق دائم وجحيم نفسي.
واعترف الإسلام بأهمية الأطفال وأمر برعايتهم، لأن كلاً من الأب والأم مسؤول أمام الله عنهم وسيحاسبهما على ذلك حساباً عسيراً إذا قصّرا في التربية، فما بالنا بمن يعذبهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته». وأنا أؤيد حكم القاضي في معاقبة هذه المرأة، التي لا تستحق شرف أن تحمل لقب «أمّ»، لأنها ليست أمينة على تربية الأطفال، وأعتقد أنها مريضة نفسياً ويجب البحث عن طريقة لعلاجها، لأن تصرفها مع ابنتها فاق سلوكيات الحيوانات المفترسة مع أبنائها».
حكم قاسٍ
أما الباحث الإسلامي جمال البنا فيرى أن «هذا الحكم قاسٍ جداً، ويتعارض مع حقوق الإنسان في الإنجاب، ومن ثمَّ فإن القاضي قد تعدى حقه في العقوبة إلى تقرير حكم مستقبلي، هو الحرمان من الإنجاب.
وقد تتحايل الزوجة على ذلك بعدم قيد وليدها باسمها، أو السفر إلى الخارج والإنجاب هناك، ولهذا أرى أن الحكم بالحرمان هو أشد قسوة مما فعلته الأم مع ابنتها. وكان الأفضل أن يُصدر القاضي حكماً بإيداع المرأة مصحة للأمراض النفسية والعقلية، لأن الإنسان ليس عدوانياً بطبعه، وبالتالي فإنها لم تولد هي أو زوجها بهذه العدوانية، وإنما لا بد أن هناك نشأة أسرية غير سوية أفرزت هذه التصرفات العدوانية في الكبر، ومن ثمَّ تصبح هذه الأمُّ مريضة تستحق الشفقة، مثلها مثل ابنتها تماماً.
ومن ثمَّ فإن الأمَّ هنا تكون ضحية مثل ابنتها، ويكون ما ارتكبته من أفعال في حكم التصرفات اللاإرادية، التي عفا الإسلام من يقوم بها من المساءلة أمام القضاء، فقال تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» آية 173 سورة البقرة».
احترام القضاء
ويقول الشيخ جمال قطب، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى في الأزهر: «لا بد من احترام حكم أي قاضٍ، مهما كان دينه، لأنه يفترض أن ما يصدره من أحكام يتم بناءً على ما يراه من الأدلة، وهو هنا يطبق قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» آية 58 سورة النساء.
بل إن الإسلام جعل القاضي العادل في معية الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله مع القاضي ما لم يَجُرْ، أي يظلم، فإذا جار تبرأ منه وألزمه الشيطان». ومن ثمَّ فإن هذا القاضي أصدر هذا الحكم الصارم بعدما رأى تصرفات غير آدمية من الأم والأب ضد طفلتهما، ومثل هذه التصرفات تجيز قرار الحرمان من الإنجاب، لأن الأم في هذه الحالة ليست أمينة على رعاية الصغار».
الحرمان جائز
ويشير الدكتور عطية فياض، أستاذ الفقه في كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، إلى أن الأديان تدعو إلى أن تقوم الحياة الزوجية على السكن، والمودة، والرحمة، وحسن المعاشرة، وأداء كل من الزوجين ما عليه من حقوق، حتى نضمن أن هذه المنظومة السليمة ستخرج لنا أطفالاً ينالون أكبر قدر من الرعاية من الأم والأب على حد سواء، وإذا كنا نقول «إن فاقد الشيء لا يعطيه»، فمن حق القاضي حرمان الزوجة من حق الإنجاب، وليس في هذا ضرر بها بل إنه حماية لأي أطفال قد تنجبهم مستقبلاً من أي ضرر، وبالتالي تكرار المآسي مرات وليس مرة واحدة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».
ولفت عطية إلى أنه بلغ من حرص الإسلام على إقامة العدل أن حذر من الظلم وجعله ظلمات يوم القيامة، فقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة». وإذا كان هذا بالنسبة لظلم الآخرين، فما بالنا بمن يظلم ابنه أو ابنته بتعذيبه بهذه الطريقة الوحشية، ولا شك أن القضاء جعله الله لتحقيق العدالة بين الناس بالفصل في الخصومات بينهم، وحماية حقوق الضعفاء، وليس هناك أضعف من الأطفال الأبرياء الذين ابتلاهم الله بأمهات أو آباء بهذه الوحشية.