الدجال قتل الزوجة ليخرج منها الجان!

شعوذة, الحياة الزوجية, الآيات القرآنية, النيابة العامة, جريمة قتل, د. حامد أبو طالب, النيابة المصرية, قسم الشرطة, دجالين, التحرّش الجنسي

08 نوفمبر 2011

بكل بساطة أمام النيابة، أكد الساحر أن الجان وراء موت الزوجة الشابة، وقال إنها كانت تعاني من مس سفلي وحاول علاجها أمام أسرتها لكن الجان قتلها... الأسرة كلها كانت شريكاً في هذه الجريمة البشعة، فالأم صممت على اصطحاب ابنتها إلى الساحر الشهير لعلاجها من الاكتئاب، واعترض الزوج في البداية، لكنه استسلم وبارك الجريمة... إليكم التفاصيل.


كانت السيارات الفارهة تقف أمام هذا المنزل، غرباء يسألون عن هذا الشخص بالتحديد صاحب الكرامات الذي يعالج الأمراض المستعصية في غمضة عين.
هنا بدأ أهالي المنطقة يعرفون أن محمد ابن منطقتهم سلك طريق الدجل والشعوذة واستخراج الجن من أجساد المرضى والمصابين بالمس الشيطاني، وفهموا سبب زيارات الكثير من الأغنياء له، والازدحام الذي يشهده منزله، وبالأخص يومي الخميس والجمعة، وسبب تغير شخصيته بعد ذيوع صيته في مجال السحر... كلها أمور طرأت عليه وجعلته في عزلة عن أهل منطقته، وموضوعاً لأسئلتهم وأحاديثهم.

وظهرت الزوجة الشابة «انتصار» في طريقه، وهي حسب وصف الدجالين والمشعوذين، وما ورد في قاموسهم «حالة معقدة». تبلغ من العمر 35 عاماً. التقاها الدجال الذي يطلق على نفسه لقب «معالج روحاني بالطب البديل»، ووصفها بأنها حالة ميؤوس منها، حتى يثير الفزع والخوف في قلوب أفراد أسرتها. وبالفعل تحقق المراد وبدأت أمُّ المريضة ترتعش خوفاً على ابنتها، وأخذ زوجها وعمها يتوسلان إلى الدجال حتى يقبل معالجتها. هكذا استطاع المشعوذ أن يسيطر على عقولهم ويخرجهم من الواقع إلى عالمه. والواقع أن الزوج لم يكن مقتنعاً في البداية بما يفعله هذا الرجل، لكن ماذا يفعل أمام إلحاح حماته فهي صاحبة المشورة والرأي، كما أنه يعلم جيداً أنه إذا اعترض سوف يسمع ما لا يرضيه، فاضطر إلى التزام  الصمت والتحمل، لعل وعسى أن تمر المسألة بلا خسائر مادية ومعنوية وجسدية.


ضرب الجان

راح الدجال ينفّذ خدعته، يقرأ القرآن الكريم أمام المريضة، يمسك برأسها ويتمتم بكلمات غريبة، ينظر إلى سقف الحجرة وكأنه يتحدث مع جان وهو الوحيد الذي يراه ويكلمه، ويصدر إشارات غريبة تثير دهشة الحاضرين وتبث الرعب في نفوسهم.
كانت الزوجة انتصار تنظر إليه متعجبة لما يفعله، علامات الغضب والضيق ترتسم على وجهها، لسان حالها يقول: «متى ننتهي من هذه الجلسة كي نرحل؟». فهي مرهقة وتعلم أن داءها عضوي وليس مس جان أو شيئاً من هذا القبيل، وعندما طفح بها الكيل والضيق، ولم تعد قادرة على التحمّل انتفضت غاضبة وأرادت الخروج، لكن الدجال أمسك بها ثم أخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة، وعلا صوته، وأمسك رأسها بقبضتي يديه.

هنا وبّخته انتصار، لكن الدجال واصل نصبه وشعوذته، وكان يجلس بالقرب منه أمُّ المريضة وعمها الذي جاء من قريته التابعة لمحافظة كفر الشيخ كي يعالجها لدى هذا الدجال. وإلى جانبهما كان يجلس زوجها الذي انتفض من مكانه واعترض على الدجال عندما أخذ يضرب زوجته على رأسها وصدرها وقدميها، لكن الدجال استمر في عمله والزوجة تصرخ بصوت عالٍ، وأخبرهم الدجال أنه يعالجها وأنها على وشك التعافي لتعود الى حالتها الطبيعية، لكنهم لم يدركوا أنها بداية النهاية، فالجهل ألقى بهم في شباك نصاب محترف ادعى أنه طبيب روحاني ومعالج بالقرآن، وهو مجرد دجال وقع الكثير من ضحاياه تحت براثنه من أجل حفنة من المال...

استمرت جلسة إخراج الجان من جسد الزوجة، أما الزوج فكان مغلوباً على أمره، وبدا مستسلماً لما يحدث أمامه، خاصة بعدما تعرض للتعنيف من الدجال... ثم جاءت النهاية المأساية التي لم يتوقعها أحد، سواء الدجال نفسه أو الأمَّ التي ألقت بابنتها إلى التهلكة أو العم الذي تسبب بجهله في ضياع ابنة أخيه، أو حتى الزوج الذي وافق على تلك المأساة ونسي أن تلك المرأة هي زوجته وأمُّ أطفاله الثلاثه. فقد سطَّر القدر آخر كلمات في كتاب هذه الزوجة عندما سقطت على الأرض من بين يدي الدجال الذي لم يستطع حملها، لتتعالى الصرخات لكنها ليست صرخات انتصار هذه المرة بل صرخات الأم التي تعالت بذعر في الحجرة المغلقة والدموع تنهمر من عينيها.

أسرع العم والزوج وحملا انتصار في السيارة إلى أقرب مستشفى، وأثناء ذلك كانت تتلاقى عينا الأم بعينيْ الزوج، الذي كان ينظر إليها بغضب حين تذكر أولاده الذين يجلسون في المنزل منتظرين عودة امهم. وبالفعل ذهبوا إلى الطبيب الذي كشف عليها وصرف لها علاجاً وعادت انتصار مع زوجها وامها، لكن حالتها لم تتحسن، وهنا نصحهم الطبيب بأن يذهبوا بها إلى مستشفى لتتلقى العناية. وهناك وضعت وضعها في العناية المركزة وعندما سأل الطبيب الزوج شرح له ما حدث لزوجته على يد الدجال، مما جعل الطبيب يكتب تقريراً بالحالة ويأخذ توقيع الزوج وعم المجني عليها، وهنا تم إبلاغ قسم الشرطة.
وظلت الزوجة في غرفة العناية المركزة تتدهور حالتها من لحظة إلى أخرى، وبمرور الوقت أبلغهم الطبيب أن انتصار فارقت الحياة وخرجت روحها إلى بارئها، لتسيطر الأحزان على الجميع.

 

في هذا الوقت حضر مأمور قسم شرطة حلوان وبصحبته رئيس مباحث القسم، وسألا الزوج الذي حكى لهما ما حدث لزوجته، واتهم الدجال بأنه تسبب بوفاة زوجته بعد الضرب المبرح الذي تلقته منه. وعلى الأثر شُكّل فريق بحث للقبض على الدجال القاتل، أشرف عليه اللواء أسامة الصغير مدير إدارة البحث الجنائي في القاهرة. وبيّنت التحريات أن الدجال كان يعالج الزوجة المريضة من المس الجني، وأنه تعدى عليها بالضرب مما أدى إلى وجود سحجات وكدمات في وجهها وأماكن متفرقة من جسدها. وتم إلقاء القبض على الدجال، وأمر اللواء محسن مراد، مساعد وزير الداخلية لأمن القاهرة، بإحالة المتهم على النيابة التي باشرت التحقيق معه. وبمواجهته بما نسب إليه أنه قتل المجني عليها بعد ضربها في أماكن متفرقة من جسدها، أنكر ذلك وقال إنه فور ذهابه لعلاجها من المس وجدها في حالة صعبة فارقت الحياة على إثرها، وفي نهاية التحقيق أمرت النيابة بتجديد حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق.


دموع زوج

يقول الزوج الملكوم خالد سعيد إنه لا يصدق ما حدث، بعدما فقد زوجته الشابة وشريكة حياته. وما يزيد حزنه أنه وافق على ذهاب زوجته إلى هذا الدجال، والآن لا يعرف كيف سيكون مستقبل أطفاله.
ويضيف: «صحيح أن حماتي اتهمتني كما اتهمت باقي أسرتي بأنني وراء قتل زوجتي، لكني أمقدّر أنها أمٌّ فقدت ابنتها، كما إنني زوج فقدت زوجتي. في أي حال تحريات المباحث أثبتت عكس ذلك، والقاتل الحقيقي يتم التحقيق معه الآن. آخر كلمات قالتها لي زوجتي بعد أن غادرنا شقتنا ذاهبين إلى هذا الدجال: «أنا خائفة يا خالد، خذ بالك من الأولاد»، وكأنها كانت تشعر بقرب النهاية. فهي لم تكن تعاني من مس جني على الإطلاق، بل من حالة من العزلة في الفترة الأخيرة، وكانت تحب أن تجلس بمفردها في معزل عن الناس ولا تتحدث مع أحد».


الضرب لإخراج الجان جريمة

يؤكد عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف الدكتور حامد أبو طالب أنه لا يوجد في الشرع شيء اسمه الضرب لإخراج الجن، وبالتالي فإن ما يقوم به المعالج من الضرب مرفوض شرعاً، بل هو اعتداء على بريء. ويتحمل الذنب معه كل من ساعده على ذلك من أهل المريضة، الذين ارتضوا ذلك بسبب جهلهم الديني، بل إنها تشترك في الذنب اذا كانت قد ارتضت ذلك، أو هي من قامت بطلب من يدعي أنه معالج بالقرآن عن طريق الضرب.

وأضاف: «لا شك أن ضرب إنسان حتى الموت يعد قتلاً عليه عقوبة شرعية كبرى، ويرى بعض الفقهاء أنه قتل عمد، ولهذا يجب القصاص من فاعله، إلا إذا عفا عنه أولياء المقتول أو رضوا بالدية، لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ » 178 سورة البقرة. وقوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» آية 179 سورة البقرة. وكذلك فإن للدماء حرمة في الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: «لزوال الدنيا أهون عند الله من أن يسفك دم امرئ مسلم». وقد بلغ من حرمة القتل أن قتل إنسان واحد بدون ذنب مثل من قتل الناس جميعاً، فقال تعالى: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ أن كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ» آية 32 سورة المائدة. وقوله تعالى: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً» آية 93 سورة النساء».

وأشار الدكتور حامد إلى أن بعض الفقهاء الآخرين يرون أن الضرب حتى الموت لإخراج الجن هو من القتل الخطأ دون قصد، ويجب على القاتل في هذه الحالة الدية والكفارة لقوله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أن يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا» آية 92 سورة النساء. وقيمة الدية في القتل الخطأ ألف مثقال من الذهب أو إثنا عشر ألف درهم أو مئة من الإبل».