قوامة الزوج هل تهددها ملكية الزوجة لشقة الزوجية؟
د. مهجة غالب, الشيخ يوسف البدري, د. عبلة الكحلاوي, د. نصر فريد واصل, مفتي مصر, علماء الدين, قوامة الرجال, القوامة, شقة, مأساة
21 نوفمبر 2011الإنفاق معيار القوامة
وعارض عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ يوسف البدري القول بأن السكن في شقة الزوجة لا ينتقص من قوامة الرجل، قائلاً: "الإنفاق هو معيار القوامة بنص آية القوامة نفسها في قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" آية 34 سورة النساء. ولا يستحق القوامة الكاملة من ارتضى أن يسكن في شقة زوجته، حتى وإن أذلته، وبالتالي لا يستطيع الرجل أن يتخذ قراراً فتعارضه فيه زوجته وإلا طردته، وبالتالي فإنه يعيش مهدداً طوال حياته، ويظل استقرار الأسرة في مهب الريح.
ومع هذا نقول للزوجة: إذا كنت قد ارتضيت إنشاء الأسرة في شقتك، فعليك أن تعلمي أن هذا لا يسقط كل حقوق الزوج عليك، وخاصة طاعته في غير معصية الله تعالى، ووجوب هذه الطاعة في الحقيقة ليس انتقاصاً من كرامتك، حتى وإن كنت صاحبة الشقة، وإنما هو طاعة لله الذي أمرك بطاعة زوجك، وهو من قبيل التعاون بين الزوجين تنفيذاً لقوله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إن اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" آية 2 سورة المائدة".
انتقاص من القوامة
ترى العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة عبلة الكحلاوي أن "عدم توفير الزوج لمسكن الزوجية ينتقص من الناحية العملية من قوامته، حتى وإن كنا نقول إنه يجب عليه التمسك بقوامته، بدليل أنها قد تهدده بالطرد من الشقة عند احتدام المشكلات. وقد جعل الله هذه القوامة ملائمة ومناسبة لكل من الرجل والمرأة، وما خلقهما عليه من صفات ومن استعدادات فطرية، وأهمها أن الرجل يوفر أساسيات الزواج وفي مقدمها المنزل. وإذا كانت الزوجة قد حلت المشكلة في البداية فهي ليست ملزمة شرعاً الاستمرار في ذلك، إلا إذا كانا قد اتفقا على أن يدفع لها إيجاراً، ولو بشكل رمزي، حتى يظل رجل البيت الذي له القوامة والقيادة والكلمة الفاصلة عند الاختلاف، وخاصة أن الله ميز الرجال على النساء بالتعقل والحكمة والقوة والشدة، على عكس النساء فقد خلقهن الله على الرقة والعطف واللين".
وأضافت الدكتورة عبلة: "ما دام هناك أبناء وعشرة طويلة، فيجب على الزوجة أن تتقي الله في زوجها، وألا تحمله ما لا يطيق أو تتطاول عليه أو تنتقص من قوامته إلا بالحسنى. أقصد بهذا أن تتعامل الزوجة مع زوجها بالرأفة والرحمة، وأن تتصدق عليه وعلى أولادها بالمحافظة على كيان الأسرة، وعدم طرده طالما لا يظلمها، بل إنني أدعوها إلى الصبر عليه وألا تشعره بالنقص لأنه يعيش في شقتها".
هل يجب التنازل عن القوامة؟
في البداية يحكي الزوج مشكلته في رسالته قائلاً: "تعرفت على زوجتي أثناء الدراسة الجامعية، وعشنا قصة حب جميلة بدون معاصٍ، إذ كان حباً شريفاً قائماً على الدين ورغبة كل منا أن يكون الآخر شريكاً له في الحياة، ولكن الإمكانات المادية كانت العائق أمام إتمام الزواج عقب الانتهاء من الدراسة، لأني من أسرة فقيرة لديها أبناء كثيرون وتعيش في صعيد مصر، وبالتالي ليس لديها أي إمكانات لمساعدتي في الزواج".
وأضاف الزوج: "عرضت المشكلة على حبيبتي فقالت إن لديها حلاً فورياً، وهو أن نتزوج في شقتها بمنزل أسرتها باعتبارها ميراثها من والدها. ترددت كثيراً، وفي البداية رفضت، إلا أنها زيَّنت لي الأمر ويسرته جداً، وقالت اعتبرها شقتك وسنحولها معاً إلى جنة. وبالفعل تزوجنا وأنجبنا حتى الآن أربعة أبناء، لكن مشكلة معيشتي في شقة زوجتي ما زالت تنغص حياتي، خاصة أنني أضطر لتقديم تنازلات عند حدوث أي مشكلة خوفاً من أن تعيّرني بأني أعيش في شقتها، بالإضافة إلى النظرة السلبية من المجتمع تجاهي، حتى أنهم يلقبونني بـ"زوج الست". فهل زواجي في شقة زوجتي يضيع قوامتي عليها؟ وهل من حقي التمسك بقوامتي حتى ولو أدى الأمر إلى الطلاق والطرد من شقة زوجتي؟ أم أتنازل عن القوامة، خاصة أن إمكاناتي المادية مازالت عاجزة عن إيجاد منزل مستقل؟ وماذا تقول لزوجتي صاحبة الشقة؟".
أجاب الدكتور نصر فريد واصل: "القوامة في اللغة تطلق على القائم على الشيء والحافظ عليه والراعي لمصالحه، و"قيِّمُ المرأة" هو زوجها أو وليها، لأنه يقوم بأمرها ويوفر لها ما تحتاج إليه. وقد جعل الإسلام القوامة للزوج على الزوجة لأنه مسؤول ومفوض بموجبها في تدبير شؤونها والقيام بما يصلحها، من الإنفاق عليها وتوفير المسكن والمأكل والمشرب والملبس، ولهذا قال تعالى" الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" آية 34 سورة النساء".
أضاف: "لا شك أن القوامة في وضعها الأمثل على زوجتك أن توفر لها مسكناً خاصاً بها، لكنك قلت إنها هي التي عرضت الزواج في شقتها، مما يعني أنها هي التي ارتضت ذلك، وهذا لا ينتقص من قوامتك من اشتراط طاعتها لك في ما أحلَّ الله، لأنه لا طاعة في معصية، ويجب عليك التمسك بحقك في القوامة التي هي في الحقيقة تكليف لك وتشريف للزوجة، حيث أوجب عليك الشرع رعايتها والعمل على كل ما يحقق سعادتها وطمأنينتها، وعلى الزوجة أن تتقي الله فيك وأن تحافظ على أسرتها، ولا تحاول مساومتك على قوامتك عليها مقابل المعيشة في شقتها".
واقترح على الزوج أن يتفاوض مع زوجته على تحرير عقد إيجار للشقة بما يتفق عليه مع زوجته، ويكون ملزماً شرعاً بإعطائها هذا المبلغ ما دام لا يستطيع توفير مسكن خارجي لها ولأسرته، ووقتها تكون الزوجة ملزمة شرعاً بالوفاء بما تم التعاقد عليه، لقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ" آية 1 سورة المائدة. وقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحلّ حرامًا أو حرّم حلالاً»، وإذا خالفت ذلك تكون عاصية لله ولزوجها.
ودعا مفتي مصر الأسبق الزوجة أن تتقي الله في زوجها، وخاصة أنها هي التي سهلت له الزواج بها، وهي هنا يسرت الزواج ولها الثواب العظيم من الله على ذلك، أما إذا حاولت أن تساومه وتنتقص من قوامته لأنه يعيش في شقتها ولا تطيعه فهي في هذه الحالة تكون آثمة.
وأنهى الدكتور نصر كلامه بقوله للزوج: "عليك الاجتهاد في الحياة على أمل أن توفر مسكناً مستقلاً لك ولأولادك، ولكن هذا لا يعني أن تقصر في حقوق زوجتك أو أن تسيء استخدام حقك في القوامة، وأن تلتزم بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء». وليتك تنجح في التعاقد على إيجار شقة الزوجة أو شقة خارجية، حتى تحصل على ثواب الإنفاق على أسرتك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها الذي أنفقته على أهلك".
لا للتشدد والتعسير
وقالت عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة مهجة غالب: "رغم أن البداية كانت خاطئة، حيث رضي الزوج أن يعيش في منزل زوجته التي عرضت عليه ذلك تيسيراً عليه، فإننا ندعوها أن تكمل الإحسان إليه ابتغاء وجه الله وحده، ولتعلم أن ضيق ذات يده هو باب لها للحصول على الثواب، مع تأكيدنا أن النفقة على الزوجة والأولاد تكون بقدر كفايتهم، وهذا واجب شرعاً على الزوج في حدود إمكانياته لقوله تعالى: "لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً" آية 7 سورة الطلاق".
وتحذر غالب الزوجة من محاولة إذلال أو مساومة الزوج بالتنازل، كلياً أو جزئياً، عن قوامته مقابل البقاء في الشقة، لأن هذا فعل محرم شرعاً يتعارض مع ما وصف الله به الزواج في قوله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" آية 21 سورة الروم.
الحل الشرعي
ويقول أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا الدكتور أحمد عبده عوض: "من المؤسف أن هذا الزوج يرضى بالعيش في شقة زوجته، ثم يشكو من نتائج هذا الوضع غير الطبيعي ويطالب بقوامته كاملة. ومن المؤسف أكثر أن الزوجة وافقت على الزواج في شقتها ثم تساوم زوجها على التنازل عن قوامته، وهي مساومة مرفوضة، خاصة أن أحكام الشرع تؤكد أن من حقوق الزوج على زوجته بقاءها في بيته، وعدم خروجها منه إلا بإذنه، ما لم يكن هناك ضرورة شرعية تبيح ذلك، وأن ترعى أفراد أسرتها بما يحقق لهم السعادة، وهي مسؤولة عن ذلك أمام ربها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".
وأوضح عوض أن كون شقة الزوجية ملكها فهذا لا يبيح لها شرعاً أن تدخل إليها من تشاء بدون إذن زوجها، لقوله صلى الله عليه وسلم، عن حق الأزواج على زوجاتهم: "فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون". و"هنا ندعو الزوج إلى البحث عن شقة أخرى مهما كلفه ذلك، وندعو الزوجة إلى الصبر على زوجها، وأن تتقي الله فيه وتطيعه، حتى تكون ممن قال فيهن صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت"، وننصح الزوجين أن يكونا طائعين لله القائل: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" آية 71 سورة التوبة. فإن نجحا يكونان كما قالت الآية السابقة، فإن جزاءهما أكده الله في قوله: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" الآية 97 سورة النحل".
لأسباب مختلفة، قد تكون الزوجة هي صاحبة شقة الزوجية، فهل ينتقص هذا من قوامة الزوج؟
هذا السؤال أثارته حكاية زوج أرسل إلى الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، رسالة يقص عليه فيها ما حدث معه، ويسأله فتواه، فما هي قصة هذا الزوج؟ وماذا قال له المفتي الأسبق؟ وما رأي علماء الدين في قوامة الزوج إذا كان يسكن في منزل زوجته؟