حكاية أصغر رهينة...

سرقة, خطف, رجل / رجال مباحث, طفل / أطفال, جريمة قتل, رجل / رجال شرطة, قسم الشرطة

05 ديسمبر 2011

ربما قادها خيالها الخصب إلى أن تكون نجمة في مشهد درامي أشبه بما يحدث في الأفلام البوليسية... كانت ملك، تلميذة الابتدائي ابنة العشر سنوات، مغرمة بمشاهدة هذه الأفلام، فتأثرت بها وراحت تحلم بمشاهدها وتجسد أحداثها، حتى أن والدها طلب منها مراراً أن تكف عن محاكاة أحداث هذه الأفلام. لم يدرك الأب أنه سيشارك ابنته نفسها أحد هذه المشاهد، دون أن تكون هناك كاميرات ترصد الأحداث... الطفلة ملك عاشت ساعة من ساعات الرعب رهينة في قبضة أخطر مجرمي الإسكندرية الذي اتخذ الطفلة الشقية درعاً تحميه من رجال الشرطة، وبعد هذه الساعة انتهى كل شيء، وانزاح الكابوس... فماذا حدث في شقة الصغيرة ملك؟


كانت الأمور تسير بشكل طبيعي في منزل الأستاذ كمال إبراهيم مدرس اللغة العربية. عادت ابنته من مدرستها في موعدها، بينما كانت والدتها تقوم ببعض الزيارات العائلية مع ابنتها الكبرى حبيبة. طلب الأب من ابنته ملك أن تنهي واجبها المدرسي اليومي بعد انتهائها من تناول الغداء، وانهمكت ملك في إعداد واجبها، وبعد قليل جلست إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بها تداعب أزراره وخيالها يشطح إلى بعيد، هذا الخيال الخصب الذي تجاوز عمرها بمراحل. مشاهدتها المستمرة للأفلام البولسية والمسلسلات الأميركية جعلتها تفكر بطريقة مختلفة، كما كانت تقرأ الروايات البوليسية. ولم يشأ والدها أن يبعدها عن العالم الذي تعشقه، خاصة أنها كانت متفوقة في دراستها ذكية، طموحة، مطيعة لوالديها... لكن الصغيرة عاشت في الواقع مشهداً من مشاهد الأفلام البوليسية التي تراها يومياً، وهو مشهد لا يقدر على تحمله الكبار، لكن ملك كانت تبتسم حينما انتهت أحداثه، رغم أن حياتها كانت معرضة للخطر وربما كانت على أعتاب الموت، لأنها كانت تواجه مجرماً مسلحاً بترسانة من الأسلحة.


زائر غير مرغوب فيه

عقارب الساعة تجاوزت الخامسة عصراً، واثناء انهماك ملك في متابعة برامج الكمبيوتر سمعت طرقات قوية على باب شقتها، ارتجفت برهة قبل أن تتماسك ويسرع والدها ليفتح، ففوجئ بشاب مفتول العضلات، قوي البنية، حاد الملامح ويمسك بمسدس، اقتحم الشقة وأزاح الأب مسقطاً إياه أرضاً. خرج الأب مستنجداً بجيرانه، لكن الشاب عاد ليهدده بالقتل، وابتلع كمال خوفه وعيناه تتركزان على الغرفة التي تجلس فيها ابنته، ولاحظ الشاب الذي يدعى فؤاد نظرات الأب، فاندفع إلى داخل الغرفة حاملاً مسدسه. أسقط في يد الأب وهو يشاهد ابنته تتعرض لخطر داهم، وبعد ثوانٍ خرج فؤاد من الغرفة ومعه الرهينة الصغيرة... كسا الذعر ملامح ملك التي وجه المجرم مسدسه نحو رأسها، وحاولت أن تبدو متماسكة ولكن والدها كان في حالة يرثى لها.

قال فؤاد للأب: «لقد ارتكبت العديد من جرائم القتل، وأنا على استعداد لتكرارها، وحتى تحافظ على حياة ابنتك عليك إطاعة أوامري». أومأ الأب برأسه مؤكداً أنه سيستجيب لكل طلبات فؤاد. وعاد فؤاد ليكمل حديثه قائلاً: «إذا جاءت الشرطة إلى منزلك فلا تفصح عن وجودي، وإلا فأنت تدرك العواقب».
أكد الأب أنه سيطيع فؤاد، وأشار إلى ابنته أن تلتزم الهدوء، لكن ملك سرعان ما استردت شجاعتها، وبدأت تتبادل الحوار مع المجرم الذي تعجب من شجاعة الصغيرة التي سألته عن عدد طلقات مسدسه، وكذلك عن زجاجات المولوتوف التي يحملها. وبدأ المجرم يتجاذب أطراف الحديث مع ملك، ولكنه كان يتابع بعينيه كل ما يحدث في المنزل، ووضع أصبعه على زناد مسدسه الذي صوبه إلى رأس الصغيرة. طلب منه كمال إبعاد المسدس عن رأس ملك، وعرض على فؤاد أن يسلمه نفسه كرهينة بدلاً من ابنته، لكن فؤاد رفض وطلب من كمال أن يتجه إلى الشرفة ليتابع تحركات رجال المباحث الذين كانوا يحيطون المنزل.

ودفع المجرم الطفلة الصغيرة إلى داخل ردهة المنزل دون أن يبعد مسدسه عن رأسها، وأكد لها أنه سيطلق النار عليها فوراً إذا حاولت الهرب أو الاستغاثة، فطلبت منه ملك أن تدخل دورة المياه لكنه رفض بشدة، وابتلعت الصغيرة دموعها وبدأت تدرك أن الأمر ليس مغامرة، لكنه حقيقة مريرة. قبل اقتحام فؤاد شقة أسرة ملك بساعة اشتعلت المنطقة بمعركة شرسة بين رجال الأمن والمجرم فؤاد الذي كان رجال المباحث يتابعونه بدقة بعد هروبه من سجن وادي النطرون عقب أحداث ثورة «25 يناير». وخلال فترة هروبه أثار الهرج والمرج في الإسكندرية كلها، وأصبح يمثل الرعب لأي فتاة تسير بمفردها في الشارع، لأنها ستكون معرضة للسرقة.


معركة مع مجرم

توصلت أجهزة الأمن إلى تحديد مكان الوكر الذي يختفي فيه المجرم الهارب، وتحركت مأمورية مديرية أمن الإسكندرية والأمن المركزي لمحاصرة فؤاد الذي تحصن في وكره، وبدأ إطلاق النار وإلقاء زجاجات المولوتوف على رجال الشرطة. أصاب المتهم أحد أمناء الشرطة بثلاث طلقات استقرت إحداها في رأسه، واستمرت المعركة بين الهارب والأمن ساعات، وظل يقاوم لكنه أدرك أن ذخيرته أوشكت على النفاد، فقرر الهرب من شقته، وخطط لتسلق سور العمارة التي تجاوره دون أن يشعر به رجال المباحث.

حمل المجرم حقيبة فيها أسلحته وزجاجات المولوتوف واتجه إلى العمارة التي تسكن فيها ملك، ونجح في اقتحام شقتها وتهديد والدها، واتخذ منها رهينة.
في هذه الأثناء سمع فؤاد صوت طرقات قوية على باب شقة كمال، فانتفض المجرم وأمسك برأس الطفلة الصغيرة، وطلب من والدها ألا يفتح الباب، وأكد أنه سيفجر رأس ابنته إذا دخل رجال الشرطة.
ازداد توتر الأب الذي أصبح بين المطرقة والسندان. عادت الطرقات القوية، وسمع صوتاً أجش يطالبه بفتح الباب، لكنه أطاع تعليمات المجرم، وهو ما دفع ضباط الشرطة إلى تحطيم باب الشقة بعدما تأكدوا من وجود فؤاد وهو يحتمي بالرهينة الصغيرة. حاصر رجال المباحث المكان، وحاول المجرم الهرب لكنه اكتشف أن الشرطة تحيطه من كل جانب، وطلب منه مدير المباحث تسليم نفسه حتى لا يفقد حياته، ولكن فؤاد صرخ، وأكد أنه  سيقتل ملك إذا لم تتح له الشرطة فرصة الهرب.

حاول القاتل المحترف الهرب، لكن قدميه تعثرتا، وكانت هذه الفرصة التي ينتظرها رجال المباحث الذين انقضوا عليه وحاصروه وتم إنقاذ ملك في اللحظة الأخيرة. تنفس الأب الصعداء واحتضن ابنته ودموعه تغرقها، وببراءة قالت له ابنته: «لا تبك يا أبي أنا بخير. المشهد انتهى، والبوليس ألقى القبض على المجرم وسيلقيه في السجن». تمت إحالة البلطجي على النيابة التي أمرت بحبسه... والتقيت بملك التي قالت: «أنا لم أخف من مواجهة اللص، لأنني أعشق الأفلام البوليسية وشاهدت هذا المشهد كثيراً، وكنت أشعر بأننا نمزح، ولم أفكر أن اللص جاد في تهديده. والدي كان خائفاً بشكل مبالغ فيه، وكنت أعرف أن اللص لن ينفذ تهديده لأنني كنت طوق النجاة الذي سيمنع رجال الشرطة من القبض عليه».
تختتم ملك حديثها مؤكدة أنها تحمد الله أن والدتها لم تكن موجودة، لأنها لم تكن لتستطيع تحمل هذا الموقف.