حفلات التعارف بين الجنسين حلال أم حرام؟
سلمى المصري, د. مهجة غالب, الشيخ يوسف البدري, د. مبروك عطية, د. عفاف النجار, العنوسة, مواقع الزواج الإلكتروني, الشيخ جمال قطب, د. سيد صبحي, متعهدو الحفلات, طريقة التعارف
05 ديسمبر 2011ضوابط شرعية
وقال الشيخ جمال قطب، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى في الأزهر: «اهتم الإسلام بعلاقة الرجل والمرأة قبل الزواج وبعده، ولهذا كان حرصه على أن يجعل بينهما حدًّا معقولاً من التعارف بالوسائل الكريمة، لإيجاد نوع من المودة التي تنمو مع الأيام بعد الزواج، لتحقيق الغاية من الزواج التي أوجزها الله في قوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم. ولا يمكن لهذه الغاية أن تتم بدون ألفة، ولهذا أباح للخاطب أن يرى مخطوبته ليكون ذلك سببًا في استمرار القبول والمودة بينهما، فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يخطب امرأة: انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما».
وأضاف الشيخ جمال: «لا بد أن يكون النظر لمن يرغب الرجل في الزواج منها الغاية منه نبيلة وشريفة، وذلك لمنع الاختلاط الفاسد والخلوة وانتشار العلاقات غير الشرعية بين الشباب والفتيات قبل الزواج تحت شعارات الحب والتعارف، ومحاربة ظاهرة العنوسة التي انتشرت في بعض البلاد الإسلامية بسبب جهلها بتوجيهات دينها في تيسير الزواج، حتى ولو بخاتم من حديد، أو ما يحفظه الشاب من القرآن إذا كان فقيراً، مع أن الله تعالى قال: «وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» آية 32 سورة النــور. ولهذا لا بد من التمسك بالحلال في تلك الاحتفالات إن تمت، وأن يتم الابتعاد عما يؤدي إلى الحرام، والبعد عن الشبهات التي تكون مدخلاً لشياطين الإنس والجن، لأن كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام».
الغاية والوسيلة
وترى الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أنه «إذا كانت الغاية من هذه الاحتفالات نبيلة، وهي الزواج الذي فيه الخير للفرد والمجتمع، فلا بد أن يكون ذلك بوسائل نبيلة ليس فيها امتهان لكرامة الفتاة وأسرتها، وذلك لأن الإسلام يرفض المبدأ الميكيافيللي «الغاية تبرر الوسيلة». ولابد من التأكد من رغبة من يحضرون تلك الاحتفالات في الزواج، لأنه طاعة لله واقتداء بالنبي، صلى الله عليه وسلم، حتى يجد العون من الله لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف».
ويجب أن يشترط في تلك الاحتفالات وجود أسرتي الشباب والفتيات حتى يكون التعارف بشكل محترم، كأن يكون هناك كشف بأسماء الأسر التي تحضر الاحتفالات ومعلومات وافية وصادقة وموثقة عنها، حتى تختار كل أسرة من تتقارب معها في المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، مما يجعل الزواج أقرب إلى النجاح وسهل الطريق إلى الحلال، ومن ثم يثاب كل من يسهلون الزواج الشرعي الذي رغب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: «وفي بُضْع، كناية عن الجماع، أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وِزْر؟. قالوا: بلى. قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر». وذلك لأن الزواج يوفر للمسلم أسباب العفاف، ويعينه على البعد عن الفاحشة ويصونه من وساوس الشيطان».
«أؤيدها بشروط»
أما الدكتور مبروك عطية فيؤيد كل وسيلة للتعارف بين الشباب والفتيات، مادامت تحت سقف الضوابط الشرعية، «وخاصة أننا نعيش في مجتمعات شبه منغلقة في المدن. أما أن يتم التعارف دون ضوابط شرعية، مثل وجود محرم مع الفتاة من أهلها، فمرفوض. ويجب أن يكون هذا التعارف بين راغبين في الزواج بجدية من خلال إجراء أبحاث ودراسات عنهم، حتى لا يتحوّل الأمر إلى مجرد تسلية تدفع ثمنها الفتاة وأسرتها إذا كان الشاب مستهتراً أو غير جاد في إتمام إجراءات الزواج».
ويضيف: «لا شك أن الزواج من سنن الإسلام، لأنه يتوافق مع الفطرة التي خلق الله الكون عليها، حيث قال تعالى: «ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون» آية 49 سورة الذاريات. وقوله تعالى كذلك: «سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون» آية 36 سورة يس. كما أن الزواج على الجانب الإنساني رباط وثيق، يجمع بين الرجل والمرأة في إطار الشريعة حتى تتحقق به السعادة، ولهذا حثّ عليه النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، (القدرة على تحمل واجبات الزواج)، فليتزوج فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء أي: وقاية وحماية».
آلام نفسية
ويقترح الدكتور سيد صبحي، أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس، «تعديل الاحتفاليات لتكون للتعارف بين الأسر دون كاميرات تصوير، وفي هذه الحالة ستتعارف الأسر ويلتقي الشباب بالفتيات بشكل محترم وغير مباشر، وفى حالة إعجاب شاب بفتاة سيكون ذلك أمام والديها، ليتم استكمال التعارف بالزيارات الأسرية المتبادلة وحضور الشاب الى منزل الفتاة والتعرف عليها وعلى أسرتها بشكل أكبر. أما أن تعرض الفتاة نفسها في تلك الاحتفالات فإن هذا سيترك لها جرحاً نفسياً دائماً، ولن يتم محوه حتى إذا تم الزواج، لأن الزوج مع أقل مشكلة سيعيّرها بأنها كانت عانساً ولم تجد من يتزوجها، الأمر الذي قد يعجل في الطلاق فتحمل المرأة لقب مطلّقة بدلا من لقب عانس».
القضاء على العنوسة
في البداية تقول الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر: «لا شك أن ارتفاع نسب العنوسة فى مصر والعديد من الدول العربية والإسلامية، سببه الرئيسي التعقيدات التي تضعها الأسر، وخاصة أسر الفتيات، وكذلك الطموحات غير العقلانية من الشاب والفتاة اللذين يصران على توفير كل شيء قبل الزواج، حتى ولو كان عن طريق الاقتراض من البنوك. وهذا كله سبّب ركوداً كبيراً في الزواج في حين أن هناك تزايدا مستمرا في عدد حالات الطلاق».
وتشير إلى أن الفكرة من حيث المبدأ أهدافها المعلنة نبيلة وهي القضاء على العنوسة، إلا أن هناك محاذير تقلل من الحماسة لها، وأولها أنها «مجرد تقليد أعمى لتجربة الصين البعيدة عنا في الدين والعادات والتقاليد، وثانيها أن هذه الاحتفالات ستكون في غالبية الأحيان وسيلة للتسالي وتمضية وقت في ما حرم الله، أياً كانت درجة المخالفة لأحكام الشرع، وثالثها أن فيها امتهاناً للمرأة التي تكون أقرب الى السلعة التي تعرض نفسها مما يقلل من شأنها في عيون الرجال المقبلين على الزواج، سواء في مرحلة التعارف أو حتى بعد الزواج، إذا افترضنا أنه تم».
ثار جدل بين علماء الأزهر في ظل اعتزام شركات مصرية تنظيم حفلات تعارف بين العازبين من الجنسين، في محاولة لمواجهة العنوسة ولتشجيع الزواج وذلك اقتداء بما تفعله الصين في الاحتفال السنوي المسمى «يوم العزاب».
وقد عارض بعض علماء الأزهر الفكرة في حين أيدها آخرون، ولكل أسانيده الفقهية. فماذا قالوا؟
محاذير اجتماعية
وعن مدى تقبّل المجتمع لتلك الاحتفالات، قال الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأزهر، إن «كثيراً من الآباء سيرفضون فكرة اختلاط بناتهم بشبان لا يعرفون عنهم شيئاً، وبالتالي لن يسمحوا لابنتهم بأن يراها مجموعة من الشباب وكأنها في معرض سلع، وهي فكرة تناسب المجتمعات غير الشرقية عامة وغير الإسلامية خاصة، وقد تكون مقبولة في الدول الغربية المختلفة عنا تماماً، لأنهم يتقبلون فكرة الالتقاء بين الجنسين فى احتفالية مصورة، ويتحدثون بمنتهى الصراحة لعدم وجود ثقافة العيب. ومع هذا فإن بعض الفئات القليلة في مجتمعاتنا الشرقية تتقبل ثقافة التقاء الفتاة مع الشاب فى مكان مفتوح، وسط تصوير كاميرات دون مراقب، لأنها فئات متشبعة بالثقافة غير العربية والإسلامية، وبالتالي لا مانع لديهم من التقليد باسم التحضر والمدنية، ولهذا يفضل وضع ضوابط لها تجعلها أسرية في إطار من السرية بعيداً عن الإعلام، حتى لا يتم النظر الى المرأة نظرة دونية».
صفقة تجارية
أما الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، فيعارض الفكرة جملة وتفصيلاً، لأنها «تتعارض مع أخلاق الإسلام الذي يصون كرامة المرأة ويريدها معززة مكرمة، فيأتي الراغب في الزواج منها إلى بيت أبيها ويطلبها منه ويتفقان على تفاصيل إتمام الزواج إذا حدث توافق وقبول. أما ذهاب الفتاة، سواء بمفردها أو حتى مع أسرتها، إلى تلك الاحتفالات فهو أقرب إلى من لديه سلعة راكدة يريد أن يروّج لها أو يبيعها بأي ثمن ولأي شخص دون معرفة كاملة بأخلاقه وأسرته، لأنها في النهاية لقاءات عابرة».
وأشار الشيخ البدري إلى أنه حتى في حالة إتمام الزواج فإن التعارف بهذه الطريقة «سيظل نقطة سوداء في تاريخ المرأة التي تبدو كأنها جاءت من معرض سلع، حتى أن زوجها وأهله قد يعيرونها بذلك مما يشعرها بالدونية، وأنها كانت عانساً ولهذا عرضها أهلها في تلك الاحتفالات التي سيكون المشاركون فيها باحثين عن تحقيق أكبر مكاسب، في ما يشبه الصفقة التجارية، وهذا يتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».